عناصر الخطبة
1/ الحث على سؤال الله 2/ الرزق مكتوب 3/ لماذا اليأس والقنوط؟ 4/ أعظمِ مفاتيحَ الرزقِ 5/ التوكل على الله وحقيقتهاهداف الخطبة
اقتباس
وأنت يا عبدَ اللهِ، ابحثْ عن الوظيفةِ، سَجَّلْ في مواقعِ الشركاتِ، تزَوَّدْ من الدوراتِ، اكتسب المهاراتِ، اقرأ في التخصصاتِ، حصِّل ما استطعتَ من الشهاداتِ، كيف تجتازُ المقابَلاتِ؟، تعلمْ اللغاتِ، طَوِّر الحاسبَ الآلي وفنونَ الإداراتِ، أعطِ جسمكَ حقَه من التمريناتِ، املأ وقتَك بالنافعاتِ، فستجدْ نفسَك قد...
الحمدُ للهِ الكريمِ الرازقِ، يبسطُ الرزقَ لمن يشاءُ من عبادِه ويقدرُ، ويمتحنُ العبادَ بالمالِ والأولادِ، سبحانه لا إلهَ إلا هو العزيزُ الحكيمُ، أحمدُه وأشكرُه على نعمائِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
عَنْ عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: كُنتُ خَلفَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكُ كَلماتٍ: احفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احفَظِ الله تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سَأَلْت فاسألِ الله، وإذا استَعنْتَ فاستَعِنْ باللهِ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعت على أنْ ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كَتَبَهُ الله لكَ، وإنِ اجتمعوا على أنْ يَضرُّوكَ بشيءٍ، لم يضرُّوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبهُ الله عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ".
كلماتٌ معدوداتٌ، لأصولِ التوَكلِ والرزقِ جامِعاتٌ، هيَ منهجُ حياةٍ، فيها النورُ والهواءُ والمياهُ، قِيلتْ لغلامٍ، فانتفعتْ بها أمةُ الإسلامِ.
صورةٌ يوميَّةٌ متكررةٌ، تُوَّضحُ أهميةَ الحديثِ عن الرزقِ والتوكلِ.
خرجَ من بيتِه، يحملُ ملفاً قد حوى شهاداتِه وأوراقِه، ينطلقُ كلَ صباحٍ وفي خيالِه تلك الذكرياتُ الجميلةُ، سهرٌ ومذاكرةٌ، تعبٌ ومثابرةٌ، كانت أيامُ الدراسةِ خليطاً من الأفراحِ والأحزانِ، ومن الأمنياتِ والأشجانِ، صَبَرَ كثيراً، وتعبَ كثيراً، كانت تلك اللحظةُ التي علمَ بنجاحِه، واستلمَ بها شهادتَه، من أجملِ لحظاتِ العُمُرِ، والتي أنستْه أيامَ المُرِ، هاهو اليومُ يدورُ بين الشركاتِ باحثاً عن وظيفةٍ، ليَكفَ بها نفسَه عن السؤالِ، ويَعفَ بها نفسَه عن الحرامِ، يحلمُ بوظيفةٍ جليلةٍ، وزوجةٍ جميلةٍ، ولكنّه يُفاجأُ بالواقعِ، وما أدراك ما الواقعُ.
إننا نرى اليومَ صوراً من اليأسِ، ونسمعُ لوماً للحظِ، ونشاهدُ حُزناً وهماً وغماً، بل وصلَ الأمرُ إلى أكبرَ من ذلك، وهو محاولةُ الانتحارِ لعدمِ توَّفرِ وظيفةٍ، فهذا لا يكونُ ولا ينبغي أن يكونَ ممن يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، ويقرأُ قولَه تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[هود: 6].
يا أهلَ الإيمانِ: ما هو حالُ من علمَ أن رزقَه قد كُتبَ وهو في بطنِ أمِه؟
كما جاءَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ".
وما هو حالُ من علمَ أن رزقَه في السماءِ عند اللهِ عزَ وجلَ؟ كما قالَ تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)[الذاريات: 22].
بل أقسمَ على ذلك بقولِه: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)[الذاريات: 23].
وما هو حالُ من يعلمُ أنه لا رازقَ إلا اللهَ تعالى؟
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3].
وما هو حالُ من يقرأُ كلَ ليلةٍ قبلَ النوم سورةَ تباركَ، وفيها قولُه تعالى: (أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ)[الملك: 21].
بل إن هذه الحقيقةَ هي من عقائدِ المشركينَ الذين بُعثَ فيهم رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم؛ كما قال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ)[يونس: 31].
فلا تجزعْ -يا عبدَ اللهِ- إن رزقَك محفوظٌ، ولو اجتمعَ أهلُ السماواتِ والأرضِ على أن يمنعوكَ شيئاً قد كتبَه اللهُ لك، فلن يستطيعوا، ولو اجتمعوا على أن يُعطوكَ شيئاً لم يكتبْه اللهُ لك، فلن يستطيعوا، فلماذا القلقُ؟
عليك بأعظمِ مفاتيحَ الرزقِ، وهو كما جاءَ في الحديثِ: "إذا سَأَلْت فاسألِ الله، وإذا استَعنْتَ فاستَعِنْ باللهِ".
كم قد سألتَ الناسَ فما نفعوك؟
كم قد استعنتَ بالخلقِ فخذلوك؟
تأملوا معي هذا الحديثَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ".
فأين أنت يا من يبحثُ عن وظيفةٍ؟
هل جربتَ هذا الدعاءَ في ذلك الوقتِ المُباركِ؟
هل رفعتَ طلبَك إلى من تُرفعْ إليه الطلباتُ؟
هل سألتَ حاجتَك لمن يُجيبُ الحاجاتِ؟
لقد وعدَك بالعطاءِ، فهل سألتَ؟، لقد وعدَك بالإجابةِ، فهل دعوتَ؟
جربْ تجربةَ العبدِ المستيقنِ بما عندَ اللهِ تعالى، المؤمنِ بوعدِ اللهِ، فقم في ثُلثِ الليلِ الآخرِ، أحسنْ الوضوءَ، تطيَّبْ، تسوَّك، قفْ بينَ يدي اللهِ تعالى، كبرْ، رتلِ القرآنَ، ثم اركعْ، ثم اسجدْ، وتذكَّر: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ".
فاجتمعَ قُربٌ على قُربٍ، هناكَ فاطلبْ ما شئتَ، وادعُ بما شئتَ، فإذا طلعتْ الشمسُ وأضاءَ النهارُ، فانتظرْ موعودَ العزيزِ الغفارِ.
(أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [النمل: 64].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المؤمنينَ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه حقاً وتوبوا إليه صدقاً إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأصلي وأسلمْ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، سيدِنا ونبيِنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
أما بعد:
عنْ عمرَ رضي اللَّهُ عنه قالَ: سمعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا".
عبادَ اللهِ: إن التوكلَ هو الاعتمادُ على اللهِ تعالى بالقلبِ، واليقينُ بأنه لا مانعَ لما أعطى ولا معطيَ لما منعَ، ولكنَّه لا يكفي وحدَه في تحصيلِ المطلوبِ حتى يُخالطَه العملُ بالأسبابِ، فهذه الطيرُ لم تتوكلْ على اللهِ ثم تجلسْ في أعشاشِها، بل غدتْ مُبَكِراً ببطونٍ خاليةٍ تطلبُ ما عندَ اللهِ، فهي من حديقةٍ إلى حديقةٍ، ومن شجرةٍ إلى شجرةٍ، حتى رجعتْ في المساءِ وقد امتلأتْ بطونُها بخيراتِ اللهِ تعالى.
وأنت يا عبدَ اللهِ، ابحثْ عن الوظيفةِ، سَجَّلْ في مواقعِ الشركاتِ، تزَوَّدْ من الدوراتِ، اكتسب المهاراتِ، اقرأ في التخصصاتِ، حصِّل ما استطعتَ من الشهاداتِ، كيف تجتازُ المقابَلاتِ؟، تعلمْ اللغاتِ، طَوِّر الحاسبَ الأليَ وفنونَ الإداراتِ، أعطِ جسمكَ حقَه من التمريناتِ، املأ وقتَك بالنافعاتِ، فستجدْ نفسَك قد تقدَّمتَ على غيركِ في المنافساتِ.
فسلْ وتوكلْ وافعلْ الأسبابَ، ينيرُ اللهُ لك الدروبَ، ويفتحُ لك القلوبَ، ويرزقُك المطلوبَ.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ورزقاً واسعاً، ولساناً ذاكراً.
اللهم إنا نعوذُ بك من علمٍ لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يخشعُ، ومن عينٍ لا تدمعُ، ومن دعوةٍ لا تستجابُ.
اللهم إنا نعوذُ بك من هؤلاءِ الأربعِ، اللهم إنا نسألك البرَ والتقوى ومن العملِ ما ترضى يا رب العالمين.
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها وزكّها أنتَ خيرُ من زكاها أنت وليُها ومولاها وأنت على كلِ شيءٍ قديرٍ.
اللهم آمنا في الأوطانِ والدورِ، وأصلح اللهم ولاةَ الأمورِ.
اللهم ولِ على المسلمينَ خيارَهم.
اللهم وفق ولاةَ أمورِ المسلمينَ عامةً للعملِ بكتابِك واتباعِ سنةِ نبيك.
اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رشدٍ يعزُ فيه أهلُ الطاعةِ ويذلُ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروفِ وينهى فيه عن المنكرِ يا سميعَ الدعاءِ.
التعليقات