عناصر الخطبة
1/نظرة الحضارة الغربية المعاصرة للفتنة بالنساء 2/تقديس الليبراليين العرب للحضارة الغربية 3/جهود الليبراليين العرب في إفساد المرأة المسلمة 4/النظرة الصحيحة للحياة 5/مراعاة الشريعة الإسلامية لضعف الإنسان ومصالحه 6/سد الشريعة للذرائع 7/ضبط الشريعة الإسلامية للعلاقة بين الرجل والمرأة 8/استشراف شياطين الجن والإنس للمرأة حال خروجها من بيتها 9/كذب أدعياء حقوق المرأة 10/أسرار تركيز الإعلام الغربي على المرأة السعودية 11/وجوب مقاومة التغريب 12/خطر السكوت عن المنكراهداف الخطبة
اقتباس
إن الشيطان الذي يستشرف المرأة قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس، وإلا: لماذا هذه الحملة العالمية الشعواء على حجاب المرأة المسلمة؟ وما الذي يضر الغرب في أن تبقى المرأة محجبة أو تمارس تقدمها وتطورها، وهي غير مختلطة بالرجال؟ وما الذي يجعل الغرب مصرا على إعادة بناء قوانين الأحوال الشخصية في العالم الإسلامي بالتحديد؟! هل لأجل الحرية والحقوق كما يزعمون؟ كذبوا! فهذه المرأة في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
في مفهوم الحضارة الغربية المعاصرة: لا وجود لمبدأ الحذر من الفتنة بالنساء، لا وجود لهذا المبدأ، بل إن الفتنة بالنساء يعد عندهم من الشهوات المحمودة، والأخلاق الجميلة، والمتع المرغب فيها، فعلاقات ما بين الجنسين قبل الزواج المحرمة في شرعنا وعرفنا نحن المسلمين مشاعة عندهم، وهي الأصل في عرفهم، بل إنها محترمة لها قيمتها ومكانتها، فالعشاق يملئون الشوارع، ويجاهرون بمظاهر العشق أمام أعين الناس، بلا أدنى حياء، ولما للحياء من قيمة حضارية إنسانية يشترك فيها جميع الناس.
وهذا التحرر الفاضح مبارك ومكفول في مواثيق الأمم المتحدة وتوصياتها، فيما يتعلق بقضايا المرأة، وحقوق الجنسين، ناهيك عن حقوق الشواذ بتفاصيلها المثيرة للغثيان.
هذه قيم وأخلاق العالم المتحضر الذي نعيش تحت سطوته وجبروته اليوم، والعلمانيون العرب الذين يقدسون هذه الحضارة هم وأتباعهم من الليبراليين الكُتاب منهم، وأصحاب الكاريكاتير المعروفين، لا يكادون يستثنون من تلك القيم شيئا، بل إن جهودهم تتركز على تبني أخلاق وقيم الغرب أكثر من تركيزها على براعتها في التنظيم والتقنية والتصنيع.
ترى جهودهم منصبة على تشجيع الاختلاط بين الجنسين، وعلى إخراج المرأة من بيتها، وقيادتها للسيارة، وكشف وجهها، بل وشعرها أيضا، ومشاركتها في محافل الرياضة، وتخلصها من المحرم، والزج بها في مواطن الريبة، ومجامع الرجال، في تحد صارخ لأوامر الله -عز وجل-، ووصايا نبيه -صلى الله عليه وسلم- تحت ذريعة المشاركة في التنمية، وخدمة الوطن، وحقها في كذا وكذا، واحترام عقلها، وغيرها من العبارات البراقة الخادعة.
وأجهزة الإعلام إلا ما قل منها، تقوم بدور المسوق لذلك التمرد، تناصره، وتؤز أهله أزا، وتغريهم، وترفع من شأنهم.
وما عليك إن كنت فطنا إلا أن تتأمل في الصحف اليومية، أي يوم، وسترى من العناوين، والمجلات، والمقالات، والتقارير، والصور، في هذا الموضوع ما يثير الأسى والغضب، في آن واحد.
بل إن لأولئك الليبراليين اتصالا خاصا مع الدوائر الإعلامية الغربية في الخارج، وهم خبراء في الصيد في الماء العكر، فلا يحصل شيء في البلد، مما يضاف إلى خانة جهودهم إلا وتراه خبرا معلنا في صحف الغرب، حتى يجعلوه عاملا من عوامل الضغط للتغيير.
فمن قضايا الهيئة إلى قضايا مناهج التعليم الديني، إلى قضايا المرأة، وآخرها ما أعلن في الـ BBC وغيرها من الدوائر الاعلامية الغربية: "السعودية تحقق في تجاوز مدارس خاصة، منع الدروس الرياضية للفتيات" من أعطاهم هذا الخبر؟!
فهل نحن مقبلون على مواجهة خطيرة، ومباشرة، ومكشوفة، في أطهر بقع الأرض وأقدسها، مع فتن النساء، كما وقع غيرنا في سائر الأرض؟
معاشر المسلمين: إننا نعيش سنوات معدودة على سطح الأرض: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) [الإسراء : 84] وسنسأل على ما قدمنا وما أخرنا -نسأل الله حسن الخاتمة-.
وللعبد المنيب نظرته الخاصة تجاه الغاية من خلقه، فهو يعلم أن الغاية من خلقه: عبادة الله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
ويعلم أن العبادة تقتضي الصبر لله وبالله، وأن مما تستوجبه العبادة: الصبر على الحلال وعن الحرام، ولكي يمكن للإنسان أن ينجح في صبره هذا، ما تركه ربه في غفلته.
بل أنزل القرآن بمنهج قويم حكيم، يعلم قدرة الإنسان، ومراكز ضعفه، ويراعي مصالحه وحاجاته، ويضبط غرائزه وشهواته، ويحذره من مواطن الزلل، ويكشف له مقدمات السقوط؛ كي تستقيم عبادته التي خلق من أجلها.
ودعا القرآن الناس إلى هذا المنهج في العديد من الآيات، قال تعالى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ) [الأعراف: 3].
وقال سبحانه: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم) [الشورى: 47].
ونزلت آية الحجاب وجاء الأمر بغض البصر، وقيل للنساء: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)[الأحزاب: 33].
وقال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية: 18].
ونزلت الشريعة بأحكامها السمحة تسد ذرائع الفساد، وتمنع دوافع الفتن، كي تحفظ للناس دينهم وأخلاقهم.
وحددت الشريعة العلاقة بين الرجل والمرأة، وتتابعت الأحاديث النبوية الشريفة في هذا الجانب؛ ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا: المرأة الصالحة".
وقال صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن مسعود في صحيح البخاري: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
وجاء التحذير واضحا في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث أسامة بن زيد في صحيح مسلم: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء".
ومن حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
وحذر عليه الصلاة والسلام من الاختلاط والخلوة بالنساء، قائلا: "اياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"[أخرجه مسلم].
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهم الشيطان"[أخرجه الترمذي بسند صحيح].
وفي صحيح الترغيب والترهيب من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون إلى وجه الله أقرب منها في قعر بيتها".
قال المناوي: "استشرفها" يعني رفع البصر إليها ليغويها، أو يغوي بها، فيوقع أحدهما، أو كليهما في الفتنة، أو المراد شيطان الإنس سماه به على التشبيه بمعنى أن أهل الفسق إذا رأوها بارزة، طمحوا بأبصارهم نحوها.
وقال الطيبي: "والمعنى المتبادر أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها، وفي إغواء الناس، فإذا خرجت طمع وأطمع؛ لأنها حبائله، وأعظم فخوخه".
في مجمع الزوائد بسند جيد عن ابن مسعود قال: "إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس، فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها".
أيها الإخوة: أبعد هذه النصوص دليل؟
أردت من وراء ذكر هذا الحشد من الأدلة والشواهد بيان الحق، الذي لا مرية فيه؛ لأن أدلة الكتاب والسنة هي المستند وهي المعتمد لكن لدى من؟
لدى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37].
إن أمامنا -يا رواد المساجد-: تحديات صعبة ينبغي أن نعيها، وأن نحدد موقفنا منها؛ لأن المستهدف نساؤنا.. نساؤكم.
إن الشيطان الذي يستشرف المرأة قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس، وإلا: لماذا هذه الحملة العالمية الشعواء على حجاب المرأة المسلمة؟ وما الذي يضر الغرب في أن تبقى المرأة محجبة أو تمارس تقدمها وتطورها، وهي غير مختلطة بالرجال؟ وما الذي يجعل الغرب مصرا على إعادة بناء قوانين الأحوال الشخصية في العالم الإسلامي بالتحديد؟! هل لأجل الحرية والحقوق كما يزعمون؟
كذبوا! فهذه المرأة في شيلي نيكاراجوا في أمريكا اللاتينية، وكذلك في كثير من البلاد الإفريقية غير المسلمة مغتصبة مهضومة الحق، مسلوبة الاختيار، في نظام مدني قاسٍ ومجحف، ولكنهم لا يركزون عليها مثل تركيزهم على نساء المسلمين.
لماذا تتكرر المقالات الغربية حول حرية المرأة في السعودية وضرورة فك القيود الأسرية التي تمنعها: الزواج دون ولي؟ لماذا الولي؟ أو تحررها من قوامة زوجها أو وصاية أبيها؟ لماذا تظل محبوسة خلف الحجاب؟ لماذا تتدخل السياسة الغربية في العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة لدى المسلمين فقط؟ لماذا تمثل المرأة المسلمة محور الاهتمام الغربي؟
هذه الأسئلة تكشف عن حقيقة يتبناها الفكر الغربي، وهي: أنه لكي تغير أمة أو شعبا، فإن مفتاح تغييره هو المرأة.
يقول أحد الكتاب والمؤرخين اليهود في إجابته على سؤال: ما الذي يحمله التلمود ضد المرأة؟
قال: إن كثيرا من الحاخامات في التلمود أعرضوا عن قلقهم من قوة الجذب الغريزي بين الرجال والنساء، حتى قال أحدهم: "إنه لا أحد في مأمن من عامل الجذب هذا.
وقال: إن النساء يستطعن إغواء الرجل وفتنته حتى يسقطنه" فالمرأة إذا هي مفتاح التغيير.
يقول السويسري الفرنسي "جان جا كرسو" وهو من أشهر فلاسفة السياسة والاجتماع في القرن الثامن عشر، ومن أكبر المؤثرين في الثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية كذلك، يقول في كتابه: "في التعليم" وهو من أهم وأشهر كتبه يقول: "إن دور المرأة شرط أساس لتشكيل الهيكلة الاجتماعية الحديثة".
ثم راح يقول: "إن لدى النساء القدرة على قهر الرجال من خلال تأثيرها الغريزي والعاطفي عليه، وفي نهاية المطاف يسقط الرجال ضحايا لرغباتهن وآرائهن ويتم تشكيل المجتمع تباعا".
من هنا لاحظنا مؤتمرا عالميا عن المرأة في المغرب، وقانونا جديدا للأسرة هناك، وفي مصر مجلسا قوميا للمرأة، وعقد المؤتمر الإقليمي الأول للمرأة في الكويت منذ 35 سنة، وتوالت بعده مؤتمرات المرأة الخليجية، وعلاقة المرأة الخليجية بالعولمة، وما وراء تلك العلاقة من تغيرات وتدابير لضمان حقوقها، حسب النظرة الغربية.
وفي السعودية، وهي المنطقة الأساسية المقصودة الآن في الحملة الغربية على المستوى الفكري والحضاري، يراد للمرأة أن تخرج وتختلط وتتبرج، يراد لها أن تتمرد على السائد، حتى لو كان تشريعا دينيا، أو عادة اجتماعية كريمة.
أيها الإخوة: إن هذا الكلام ليس ضد مصلحة المرأة، فنحن لا نقصد صراعا بين المرأة والرجل، كما هو الحال في الغرب، فالمرأة عندنا لها كل التقدير والاحترام، فهي أم وأخت وزوجة وبنت، ولكن أن تكون أداة العدو لتحطيم ثوابتنا، وتنحية الدين عن التأثير في مسار حياتنا، فهذا ما نرفضه بقوة.
يجب أن ننتبه من غفلتنا: لماذا يفرح الغرب حين تعمل امرأة أفغانية مصففة للشعر؟ لماذا تسلط عليها الأضواء من كل جانب ووسائل الإعلان تتقاذف هذا الخبر: "امرأة أفغانية تصفف شعرا".
لماذا تسلط عليها الأضواء من كل جانب؟ لماذا يفرحون حين يظهر فريق كرة قدم نسائي مسلم؟
لماذا يؤرخ العلمانيون لتحرير المرأة العربية بنزع حجابها في مصر؟
هل هناك بُعد رمزي؟
هل التحرير مرتبط بتخلي المرأة المسلمة عما يربطها بدينها وإسلامها وحيائها؟ لماذا تكثر صحافتنا اليومية من إبراز الكاشفات لوجوههن من نساء بلادنا؟
الوجوه مكشوفة بكامل المكياج مع إظهار جزء من الشعر، هل المقصود حمل النساء على إرث هذا المنظر والرضا به، وأن هذا هو الأصل وهو المطلوب؟
بل إن هذا هو المنظر وهو أولى المراحل، وأول الخطوات، ولا شك أن أول خطوات الشيطان يرسمها بنو آدم معه، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [النــور: 21].
أسأل الله أن يصلح الحال، وأن يقينا من الفتن ظاهرها وباطنها، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن مقاومة هذا المد التغريبي واجب على كل مسلم؛ لأن عاقبة ترك إنكار المنكر وخيمة على الدين وعلى المجتمع.
ياقوت الحموي المؤرخ المعروف يذكر في كتابه: "معجم البلدان" الذي ألفه بعد رحلات طويلة ومنوعة قام بها في القرن السابع الهجري، ومنها: أنه زار بلدة ساحلية اسمها: "مرباط" بين حضر موت وعمان على ساحل البحر، فكان من قوله: "وأهلها عرب، وزيهم زي العرب القديم، وفيهم صلاح مع شرارة في خلقهم وتعصب، وفيهم قلة غيرة، كأنهم اكتسبوها بالعادة، وذلك أنه في كل ليلة تخرج نساؤهم إلى ظاهر مدينتهم، ويسامرن الرجال الذين لا حرمة بينهم، ويلاعبنهم ويجالسنهم إلى أن يذهب أكثر الليل، ويقبل الرجل على زوجته وأخته وأمه وعمته، وإذا هي تلاعب آخر وتحادثه، فيعرض عنها، ويمضي إلى امرأة غيره، فيجالسها كما فعل بزوجته.
وقد اجتمعت بجماعة كثيرة منهم رجل عاقل أديب يحفظ شيئا كثيرا، وأنشدني أشعارا، وكتبتها عنه، فلما طال الحديث بيني وبينه، قلت له: بلغني عنكم شيء أنكرته ولا أعرف صحته، فبدرني، وقال: لعلك تعني السمر؟ قلت: ما أردت غيره، فقال: الذي بلغك من ذلك صحيح، وبالله أقسم إنه لقبيح، ولكن عليه نشأنا وله منذ خلقنا ألفنا، ولو استطعنا أن نزيله لأزلناه، ولو قدرنا لغيرناه، ولكن لا سبيل إلى ذلك مع ممر السنين عليه واستمرار العادة به.
السكوت إذاً عن المنكر والرضا به يتبلد القلب، ويصبح المنكر معروفا.
وللحديث تتمة -إن شاء الله تعالى-.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
التعليقات