عناصر الخطبة
1/قدرة الله تعالى وعظمته 2/ جنود الله 3/ العبرة من الأعاصير 4/ أسباب الأعاصير .اهداف الخطبة
الاعتبار من الأعاصير .اقتباس
لا يقدر الخلق ربهم حق قدره، ولا يعظمونه كما ينبغي له أن يعظم، والبشر كثيرا ما يعصونه ولا يطيعونه؛ وذلك لجهلهم بأنفسهم، وعدم معرفتهم بعظمة ربهم، وأنه سبحانه غني عنهم، وهم فقراء إليه، وهو قادر عليهم وهم عاجزون عنه، وهو عالم بهم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.
الحمد لله القوي القاهر؛ خلق المخلوقات بقدرته، ودبرها بعلمه وحكمته، فلا تبقى ولا تفنى إلا بأمره (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر:41] نحمده حمدا يليق بجلاله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصِّلت:11] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان أعلم الناس بالله تعالى، وأتقاهم له، وأشدهم خوفا منه، شرفه الله تعالى بأن منع به العذاب، ورفع العقاب، (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [الأنفال:33] فلم يركن لذلك، ولم يأمن مكر الله تعالى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا غضبه فلا تعصوه، واشكروا نعمه، ولا تأمنوا مكره، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
أيها الناس: لا يقدر الخلق ربهم حق قدره، ولا يعظمونه كما ينبغي له أن يعظم، والبشر كثيرا ما يعصونه ولا يطيعونه؛ وذلك لجهلهم بأنفسهم، وعدم معرفتهم بعظمة ربهم، وأنه سبحانه غني عنهم، وهم فقراء إليه، وهو قادر عليهم وهم عاجزون عنه، وهو عالم بهم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.
إن هذه الأرض التي نعمرها ونمشي في مناكبها فلا ندركها ولا نعلم كل ما فيها، وما نجهله من عجائبها وأسرارها أكثر مما نعلمه منها، وما يخفى علينا من مخلوقاتها أكثر مما ظهر لنا، مع ما فيها من الدول والأمم والعمران والمراكب وغيرها، كل ذلك ليس شيئا يذكر عند الرحمن جل جلاله، ويطويه يوم القيامة بيده، ويجعله على أصبعه، كما يجعل السماء على أصبع، فسبحان الله ما أعظمه، روى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزُّمر:67] رواه الشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض" متفق عليه.
وقد كانت تعلو النبي صلى الله عليه وسلم هيبة عظيمة، وإجلال كبير لله تعالى وهو يحدث أصحابه بذلك، ويحكي لهم شيئا من عظمة الله تعالى وقدرته؛ كما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: أنا الله، ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
وفي رواية ابن حبان: "ورسول الله يقول هكذا بإصبعه يحركها يمجد الربُ جل وعلا نفسَه: أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرُ حتى قلنا: ليخرنَّ به" زاد أبو الشيخ في روايته: "أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئا، أنا الذي أعيدها، أين الملوك؟ أين الجبابرة؟"
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن ألا كخردلة في يد أحدكم"، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "بقضها وقضيضها كأنها جوزة في يده".
وهو سبحانه بين لنا من عظمته بقدر ما نعقله، وإلا فعظمته عز وجل فوق ما نتصور، لا يحدها حد، ولا يحيط بها عقل، ولا يدركها أحد؛ ومهما وصفوه سبحانه فلن يقدروه قدره، ولن يعظموه حق عظمته، فسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
أرزاق العباد وآجالهم بيده سبحانه، واستقرارهم في الأرض وعيشهم فيها بأمره تعالى لا بأمر أحد سواه، ولو شاء لأطبق السماء على الأرض فسحق من فيها، ولو شاء عز وجل لطوى الأرض على من فيها فأهلكهم، كيف؟ وهو يطويها بيده يوم القيامة، ولكنه عز وجل رءوف بعباده، يؤخرهم ولا يعجل عليهم، ويعفو عنهم أكثر مما يؤاخذهم، ولا يعذبهم إلا بعد قيام الحجة عليهم (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج:65].
إنه سبحانه قادر على أن يسلط على أهل الأرض جنده فيعذبوهم ويهلكوهم، ولا يذروا منهم أحدا (وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [الفتح:7] (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدَّثر:31]
وقادر عز وجل على أن ينزل عليهم العذاب من السماء، وقادر على أن يحدثه لهم من الأرض، ولا حيلة لهم في شيء من ذلك، وقادر سبحانه على أن يجعل عذابهم بأيديهم (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65].
وقيل للنبي عليه الصلاة والسلام لما كذبه قومه (وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون:95] وفي الزخرف (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) [الزُّخرف:42].
وقد رأى العالم كله ما تخلفه الزلازل والأعاصير والفيضانات من دمار كبير في الأرض، تأتي بأمر الله عز وجل في ثوان أو دقائق، وفي جزء قليل من الأرض، فإذا القتلى والجرحى بالمئات رغم الاحترازات والاحتياطات، فما أغنت عن البشر حضارتهم ولا علومهم، ولا منع عذاب الله تعالى عنهم حرصهم واحتياطهم (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) [الطُّور:8] (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ الله ذِي المَعَارِجِ) [المعارج:3].
وفي الإعصار الأخير رصدت المراصد سيره، وراقب الخبراء حركته، ولا يقدرون له دفعا ولا تخفيفا ولا تحويلا، إنْ هم إلا متربصون ينتظرون وصوله، ويدوكون في آثاره، ويخلون المدن من ساكنيها لأجله، ويهرب الناس من طريقه تاركين أموالهم ومراكبهم ومساكنهم وما تحويه من نفيس أثاثهم ومتاعهم، قد رخصت في تلك الساعة العصيبة فلم تساو شيئا، وحق للناس أن يهربوا من جند الله تعالى، فمن ذا الذي يطيق عذابه.
وعند هذه الإجراءات والاحترازات تتوقف قدرة البشر وطاقتهم على ما بلغته علومهم ومعارفهم، فيضرب الإعصار ما أمر بضربه من المدن، ويدمر ما يدمر، ويقتل من حانت ساعته، ولا تسل حينئذ عن المدن وقد غمرتها المياه، وحدث ما حدث فيها من خراب.
وقد نُقل للناس ما خلفه هذا الإعصار من بعض الدمار، ورأوا السيارات كأنها أكوام حجارة قد حملت فألقي بعضها فوق بعض، واخترق بعضها الجدران، فولجت إلى البيوت، فإذا ما جاوزهم الإعصار أحصوا خسائرهم، ودفنوا موتاهم، رحم الله تعالى المؤمنين منهم، وخلف على الخاسرين ما خسروا، ومن ثم يعود من سلم إلى مسكنه لينظر ما أصابه، ويصلح خرابه.
ومن لم يصلهم الإعصار يترقبون وصوله، ويصدرون التعليمات في إثر التعليمات لمن كانوا بطريقه، ويلهجون بالدعاء والتضرع، وهذا غاية ما يفعلون، ونهاية ما يقدرون، فسبحان الله القوي القاهر، وما أعجز البشر! وما أقل حيلتهم أمام جند الرحمن جل جلاله!
إنها عبرة يا عباد الله وأي عبرة تدل على عجزنا وضعفنا واستكانتنا، كما تدل على قدرة الله تعالى علينا، وعلى حاجتنا إليه وغناه سبحانه عنا، فلماذا الاستكبار عن طاعة الله تعالى؟ ولماذا العصيان؟ ولماذا الغرور بمنجزات البشر ومخترعاتهم وهي لم تغن عنهم من عذاب الله تعالى شيئا؟
إن هذه الكوارث والنكبات عقوبات ربانية لمن يستحق العقوبة من عصاة البشر، وابتلاء لمن لا يستحق العقوبة، وهي تخويف وإنذار لمن سلموا منها؛ ليثوبوا إلى رشدهم، ويراجعوا أنفسهم، ويتوبوا من معصية ربهم (وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء:59].
والناس فيهم المعتبر المتعظ وفيهم المصر المستكبر (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى) [الأعلى:11] فكونوا عباد الله من أهل الخشية ولا تكونوا من أهل الشقاء؛ فإن العذاب إذا حل بدار قوم رخصت أموالهم وإن امتلأت بها البنوك، وهانت عليهم مساكنهم وإن كانت قصورا، وتكدر عيشهم وإن كانوا قبله في أعظم النعيم والهناء، وحينها لا يطلبون إلا النجاة، فخذوا من يسركم ما يعينكم في عسركم، وتعرفوا إلى ربكم في رخائكم تجدوه في شدتكم، ولا تغتروا بدنياكم فإنها في لحظة تكون أهون شيء عليكم، وسلوا من أصيبوا بتلك الكوارث تعلموا حقيقة الأمر.
روى ابن أبي حاتم: أن أبا الدرداء رضي الله عنه لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البنيان، ونصب الشجر؛ قام في مسجدهم فنادى: يا أهل دمشق، فاجتمعوا إليه، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: ألا تستحيون؟ ألا تستحيون؟ تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا تدركون، إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون، ويبنون فيوثقون، ويأملون فيطيلون؛ فأصبح أملهم غرورا، وأصبح جمعهم بورا، وأصبحت مساكنهم قبورا، ألا إن عادا ملكت ما بين عدن وعمان خيلا وركابا فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ)[ الأنعام:6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، نحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [البقرة:196].
أيها المسلمون: يجب على المسلم أن لا تمر عليه هذه الحوادث الربانية الكونية وهو غافل عنها؛ فلقد تكررت وتنوعت في هذا العصر، وكان ضحاياها عشرات الألوف، وخسائرها ألوف الملايين؛ فمن الزلازل الكبيرة التي ضربت إيران فالباكستان فالجزائر، إلى إعصارات تسونامي فكاترينا إلى إعصار جوتو، وتخللها كثرة ملحوظة في الخسوف والكسوف، ما عهدها الناس من قبل، ومعلوم من السنة النبوية المعصومة أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى يخوف الله بهما عباده، ومع بالغ الأسف فإن كثيرا من الناس تمر بهم هذه الآيات العظيمة المخوفة، فلا يأبهون بها، ولا يخافون العذاب، والمكذبون من الأمم السالفة ما أهلكوا إلا لما أمنوا مكر الله تعالى ولم يتعظوا بآياته التي خوفهم بها، فحق عليهم العذاب فعذبوا.
إن العلم المسبق بهذه الآيات، ورصد ظواهرها بالمراصد والمناظير قد قلل من هيبتها عند كثير من الناس، وهذا من موت القلوب الذي يخشى معه نزول العذاب. وزاد الأمر سوءاً أن كثيرا ممن يحللون أسباب هذه العقوبات الربانية، والظواهر الكونية، ويتكلمون فيها يرجعونها إلى أسباب أرضية أو جوية بحتة، غافلين أو متغافلين عن قدر الله تعالى وقدرته، وأنه سبحانه هو مقدرها ومقدر أسبابها، بل يتعمد بعضهم الإلحاد بالله تعالى حين ينفون قدر الله تعالى عنها، ويسخرون ممن يقررون أنها نذر وعقوبات، ولا يماري في كونها من آيات الله تعالى، وتقع بقدره وقدرته إلا زنديق ملحد، وقد أخبرنا ربنا جل جلاله أنه سبحانه وتعالى يخوفنا بآياته (وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا) [الإسراء:59].
كما أخبرنا عز وجل أن الكوارث التي تصيبنا إنما هي بسبب ذنوبنا (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشُّورى:30].
إن البشر في هذا العصر لحقيقون بالعقوبة إلا أن يرحمهم الله تعالى فيعفو عنهم أو يمهلهم؛ فكم بارزوا الله تعالى بالعصيان، وكم حاربوه بالمنكرات على مستوى الأفراد والدول والأمم.
أليس أقوياء البشر في هذا العصر يظلمون ضعفاءهم، والأغنياء منهم يزيدون في فقر فقرائهم؟!
أليست الدول المستكبرة تتجبر وتظلم فتغزو ما شاءت، وتبيد من الشعوب ما أرادت، وتحاصر من تشاء، وتمنع رزق الله تعالى عمن تشاء، وبقية الدول إما معينة على هذا الظلم والجور الكبير، وإما خائفة من بطش الأقوياء المستكبرين؟!
أليس المستكبرون من البشر يريدون القضاء على شريعة الله تعالى وتعبيد الناس لنظامهم الطاغوتي، وفرضه على سائر البشر بدعاوى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويريدون إفساد المرأة والأسرة، والموافقون لضلالهم من البشر كثير، والمنكرون عليهم قليل؟!
أليس النظام الرأسمالي المتوحش قد أغرق الأفراد والدول بأنواع الكسب الخبيث الذي لا يخرج عن كونه حربا على الله تعالى وعلى شريعته، ونتج عنه ما نتج من الظلم والأثرة والبغي وأكل الحقوق، وغياب الإحسان والإيثار والتعاون.
أليس المستكبرون من البشر يسعون جادين إلى القضاء على معاني العفة والطهر والنقاء في المجتمعات؛ ليخلفها الفساد والانحلال والرذيلة، ويفرضون ذلك على الناس بالقوة العسكرية، والعقوبات الاقتصادية، والإرهاب الفكري الإعلامي، وما يعرض في القنوات الفضائية من تشريع مقنن لكل رذيلة، ومحاربة كل فضيلة ليس يخفى على المتابعين.
أوليس المصلحون من الناس، وذوو الغيرة على الأعراض والأوطان يحاربون بشراسة من قبل المفسدين؛ لأنهم يحولون بينهم وبين إفسادهم، ويفضحون للناس مشروعاتهم التي هي من إملاءات المؤسسات الغربية المفسدة، يريدون تمريرها باسم الإصلاح في الدول الإسلامية. وليس بعيدا عن ذلك في هذه الأيام: حملتهم الشرسة الظالمة على هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينفرون الناس منها، ويؤلبون الأعداء عليها، يريدون إلغاءها؛ لتسلم لهم شهواتهم، ويمضي في الناس إفسادهم، رغم أن هذه الهيئات هي من أكبر صمامات الأمان للبلاد والعباد، ولكن لم تعجبهم لأنها تحول بين الشهوانيين وشهواتهم المسعورة، وتقف أمام إفساد المفسدين، ولا يسعى والله في إبطال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا مغرض خبيث، يريد الإفساد ولا يريد صلاحا وإصلاحا، ولو زعم خلاف ذلك.
أوليس من ملاحدة الغرب من اعتدوا على كتاب الله تعالى بالإهانة والتمزيق ووطئه بالأقدام، واعتدوا على خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام بالتحقير والاستصغار، ولم يقدر أحد على معاقبة أولئك المجرمين، وإيقاف إهاناتهم المتكررة للقرآن وللنبي عليه الصلاة والسلام، ولشريعة الله تبارك وتعالى؛ وذلك لضعف المسلمين، ولظهور النفاق وعلو المنافقين.أليست هذه الموبقات والعظائم حقيقة باستجلاب غضب الجبار جل جلاله على البشر، وحرماته تنتهك جهارا نهارا، ولا ينكرها إلا القليل من الناس؟!
أيشك البشر أن ما يصيبهم من أنواع القوارع والكوارث في هذا العصر عذاب وعقوبات ونذر بين يدي عذاب، وهم على هذه الحال المزرية من استعلاء المفسدين، وضعف المصلحين والله تعالى يقول: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117] وقال في المعذبين السابقين: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102] وفي الآية الأخرى (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزُّخرف:76] والله تعالى يملي للبشر، ويرسل لهم الآيات تلو الآيات لعلهم يتعظون، ومن لم يتعظ منهم حقت عليه العقوبة (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ المَصِيرُ) [الحج:48] .
فخذوا العبرة من هذه الأحداث الكونية، التي لا تعدو أن تكون آيات إنذار وتخويف من الله تعالى لكم، فاقبلوا عن الله تعالى نذره، والتزموا شريعته، وخذوا على أيدي المفسدين؛ لئلا يصيبكم ما أصاب غيركم. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ) [فاطر:5] .
وصلوا وسلموا على نبيكم...
التعليقات