عناصر الخطبة
1/صلاح الأسرة صلاح للمجتمع 2/وجوب الاختيار الأمثل للزوج والزوجة 3/الحث على التبكير بالزواج 4/من فوائد التبكير بالزواجاقتباس
اجــــعل رغــــبتك فــــي ذات الــــديــــن أولا، ثــــم لا بــــأس أن تــــبحث عــــن الجــــــمال، ولا بــــــأس أن تــــــبحث عــــــن المــــــال، كــــــل هــــــذا مــــــباح، لــــــكن لــــــيكن الشـــــرط الأول عـــــندك هـــــو الـــــديـــــن، فـــــيكون اخـــــتيارك لامـــــرأة صـــــالـــــحة، تــعرف حــقوق الله...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واستجيبوا لأوامره، وسيروا على صراطه المستقيم تفلحوا، ولقد خلق الله الخلق وفطرهم على تكوين الأسر، وعمارة الأرض، فإذا صلحت أسر المجتمع صلح المجتمع بأسره، وإذا فسدت الأسر فسد المجتمع بلا شك.
عباد الله: من هنا البداية في إصلاح المجتمع، فالمجتمع يتكون من فرد ثم يكون زوجا أو زوجة، ثم تنشأ الأسرة وهكذا، فلا بد من العناية بهذا الأمر، فـكون الـشاب يـتزوج بـامـرأة صـــالـــحة، والمـــرأة تـــتزوج بـــشاب صـــالـــح، ويـــنشئون أســـرة صـــالـــحة تـــعبد الله -عـــــز وجـــــل-، وتـــــصلح المـــــجتمع، يـــــبدأ المـــــجتمع فـــــي صـــــلاحـــــه؛ فـــــلا بـــــد للمســلم أن تــكون لــه نــية صــادقــة صــالــحة في ذلك.
أمــا إذا بــحث الإنــسان عــن رغـــبة غـــير الـــصلاح، وحـــصل أن تـــزوج شـــاب غـــير صـــالـــح بـــامـــرأة غـــير صــــالــــحة، وكــــونــــوا أســــرة، ففــــي الــــغالــــب أن الأولاد كــــالآبــــاء، فــــتكون الأســــرة فـاشـلة، فـإذا كـثر هـذا فـي الأسـر فسـد المـجتمع؛ ولهـذا الـنبي- صـلى الله عــليه وســلم- نــبه عــلى ذلــك، كما جــاء فــي الــصحيحين مــن حــديــث أبـــي هـــريـــرة -رضـــي الله عـــنه- أن الـــنبي -عـــليه الـــصلاة والســـلام- قـــال: "تــنكح المــرأة لأربــع: لحســبها، وجــمالــها، ومــالــها، وديــنها، فــاظــفر بــذات الـــديـــن تـــربـــت يـــداك"، فهـــذه وصـــية نـــبويـــة، وحـــي مـــن الله؛ لأن الـــنبي-صـــلى الله عـــليه وســـلم- لا يـــنطق عـــن الـــهوى، إن هـــو إلا وحـــي يـــوحـــى.
ولــذا يــنبغي أن تــتنبه -أيــها الأب- إذا أراد ابــنك أن يــتزوج، ويــنتبه الابــن إذا أراد أن يـتزوج، أن يبـحث عـن ذات الـديـن، هـذه هـي الـصفة المـهمة فـي الــزوجــة؛ ولــذلــك شــراح الحــديــث قــالــو: هــذا الحــديــث يــبين رغــبات الــناس فــــي الــــنكاح، إذا أراد الانــــسان أن يــــتزوج، فــــإن رغــــبته فــــي المــــرأة فــــي هــذه الأربــع، فــبعضهم يــطلب الجــمال، والــبعض يــطلب المــال، والــبعض يـطلب الحسـب والنسـب، والـديـن آخـر اهـتمامـاتـهم.
فـينبغي لـلشاب إذا أراد أن يـــتزوج يحـــرص عـــلى هـــذه الـــخصلة الـــعظيمة، ولا يحرص على الجمال فقط، فالبعض لـــلأســـف جـــعلوا الـــديـــن آخـــر اهــــتمامــــاتــــهم، ومــــا عــــلموا أنــــه أســــاس تــــكويــــن الــــبيت؛ ولــــذلــــك الــــنبي -صـــلى الله عـــليه وســـلم- قـــلب المـــوازنـــة فـــقال: "اظـــفر بـــذات الـــديـــن"، كـــأن وجـودهـا قـليل، وكـأنـك إذا وجـدتـها فهـذه فـرصـة لا تـفوت، بـل قـال أهـل الــعلم: ليســت ذات الــديــن وحــدهــا، بــل لابــد أن يــكون الــبيت كــله ذا ديــن، وتـــمسك بشـــرائـــع الإســـلام، وانـــضباط أســـري يعين على التربية الصحيحة.
ولمـاذا نحـرص عـلى الـبيت الـذي هـو بـيت أهـل الـزوجـة )الأخـوال(؟ لأن أولادك فــــي الــــغالــــب ســــيكونــــون عــــندهــــم، ويتخــــلقون بــــأخــــلاقــــهم، مــــهما أصـــلحت فـــي أبـــنائـــك، فـــإنـــه يـــتأثـــر بـــالمـــجتمع وبـــالـــبيئة، فـــلابـــد أن تـــكون الـبيئة بـيئة صـالـحة فـي الجـملة، كـبيت الأعـمام وبـيت الأخـوال وبـيت الـــجيران، كـــل هـــؤلاء لابـــد أن يـــكون فـــيهم صـــلاح؛ لـــيبقى الـــصلاح الـــذي تــــغرســــه فــــي ابــــنك.
فــــينبغي لــــلشاب أن يحــــرص عــــلى هــــذه الــــخصلة، ولـيس مـعنى الحـديـث أنـك تـتزوج امـرأة دمـيمة، أو امـرأة شـديـدة الـفقر، بل المــقصود أن رغــبات الــناس فــي المــرأة تــتنوع، فــــأنــــت اجــــعل رغــــبتك فــــي ذات الــــديــــن أولا، ثــــم لا بــــأس أن تــــبحث عــــن الجــــــمال، ولا بــــــأس أن تــــــبحث عــــــن المــــــال، كــــــل هــــــذا مــــــباح، لــــــكن لــــــيكن الشـــــرط الأول عــندك هـــــو الـــــديـــــن، فـــــيكون اخـــــتيارك لامـــــرأة صـــــالـــــحة، تــعرف حــقوق الله -عــز وجــل-، تــربــت عــلى يــدي أبــويــن صــالــحين، عــند ذلــك تنشئ أســـرة صـــالـــحة، ولا تـــخاف عـــلى أولادك، ولـــنكن أكـــثر صـــراحـــة، وهــــو أن الأم تــــربــــي فــــي الــــبيت أكــــثر مــــن الأب، فــــإذا كــــانــــت الأم غــــير صـــالـــحة، فـــكيف ســـتصلح هـــي أولادهـــا؟! فـــلننتبه لهـــذه الـــلفتة الـــتي نـــبه عـليها الـنبي -صـلى الله عـليه وسـلم- مـن أول مـا تـبدأ الـنية فـي الـزواج.
وقوله: "اظــفر بــذات الــديــن" فــيه إشــارة أيــضا إلــى أن المــال يــذهــب، والحســب لا يـــــنفع الإنـــــسان فـــــي الآخـــــرة، والجـــــمال أمـــــر نســـــبي، فـــــما تـــــراه أنـــــت جــمالا قــد يــراه غــيرك دمــامــة، والجــمال لــه فــترة ثــم يــصبح شــيئا طــبعيا يــــعتاد عــــليه الإنــــسان، لــــكن الــــديــــن يتجــــدد، فــــيدعــــو المــــرأة إلــــى طــــاعــــة الـزوج، يـدعـو المـرأة إلـى مـعرفـة الـحقوق الواجبة عليها، ويدعوها إلـى حـفظ الـعرض، إلـى تـربـية الأبـــناء الـــتربـــية الـــصحيحة، أخرج النسائي من حديث أنس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَاْ أُخبِرُكُم بِنِسَائِكُم فِي الجَنَّةِ؟ كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ، إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا، قَالَت: هَذِه يَدِي فِي يَدِكَ، لَاْ أَكْتَحِلُ بِغُمضٍ َحتَّى تَرضَى"؛ لأنـها تـعرف أنـها إذا نـام زوجـها وهـو عــــــليها غـــاضــب، غــــــضب عــــليها مــــــن فــي الــــسماء، وفــــي روايـــــة لـــعنتها المـلائـكة كما جاء في الصحيح.
فـالمـرأة الـصالـحة هـي الـتي تـعرف ذلـك، أمـا غـير الـصالـحة فـلا تـلتفت لمـثل هـذه الأمـور، والـبنات يـتأثـرون بـأخـلاق أمـهم؛ ولهـذا قـال -عــــليه الــــصلاة والســــلام-: "اظــــفر بــــذات الــــديــــن تــــربــــت يــــداك"، هــــذه الــــنواة الأولى لإصلاح المجتمع.
اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا يا رب العالمين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن اختيار الزوجة من البداية أمر مهم، لا بد أن يعتني به الزوج وأبوه، والزوجة وأبوها، فمن بنى حياته على أساس فاشل أثم، وتجرع غصص الندامة عندما ينهار البيت، فالأب يأثم عندما يزوج ابنته على رجل غير صالح، أو يتهاون في السؤال عنه طمعا في دنياه، والزوج يأثم عندما يتزوج امرأة غير صالحة من أجل جمالها أو دنياها، ثم يفسد أولاده.
ومع فساد المجتمع يصعب على الشاب الصالح أن يجد امرأة صالحة، وهذه من مصائب التساهل في نكاح البنات غير الصالحات، فالأم هي المأثر الأكبر في الأسرة، فأصبح البحث عن الزوجة الصالحة من معوقات النكاح، ونحن نحث الشباب والشابات على التبكير بالزواج؛ لأنه من حفظ النفس والدين والمجتمع، خصوصا أنــــــنا نــــــعيش فــــــي زمــــــن انتشــــــرت فــــــيه الــــــفتن، واقــتربــت مــن الــناس اقــترابــا شــديــدا، حــتى أصــبحت فــي مــنال كــثير مــن الشــــــباب والــــــشابــــــات، وأصــــــبحنا نــــــسمع بــــــوقــــــوع السهــــــرات المــــــاجــــــنة، والاخـــــتلاطـــــات، وهـــــروب الـــــفتيات مـــــن المـــــنازل، وأشـــــياء كـــــثيرة لـــــم نـــــكن نعهـــــــدهـــــــا مـــــــن قـــــــبل، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن مسعود، قال الـنبي -عـليه الـصلاة والسـلام-: "يـــــا معشـــــر الشـــــباب، مـــــن اســـــتطاع مـــــنكم الـــــباءة فـــــليتزوج"، يـــــا معشـــــر الشـــــباب خـــــطاب عـــــام لـــــكل الشـــــباب مـــــن اســـــتطاع مـــــنكم الـــــباءة يـــــعني: الــقدرة عــلى الجــماع والــقدرة المــالــية، قــال: "فــليتزوج"، لمــاذا؟ قــال: "فــإنــه أغــض لــلبصر، وأحــصن لــلفرج"، وهــذا الــذي يــنبغي أن نــسعى له.
ولكن مــــن المــــؤســــف أن الــــبنت يــــتقدم لــــها الــــكفؤ وهــــي تــــدرس فــــي الــــجامــــعة، فتجـد الـجواب مـن الأب أو مـن الأم: إنـها لا زالـت صـغيرة، وربـما بـلغت خــــمسا وعشــــريــــن عــــامــــا ومــــع ذلــــك يــــتقدم لــــها الخــــطاب وتــــرفــــض؛ بــــحجة إكــــمال الــــدراســــة، فــــي الــــسابــــق كــــانــــوا يــــتكلمون عــــن إكــــمال الــــدراســــة الــجامــعية، أصــبحوا الآن يــتكلمون عــن الدراسة العالية، فهــذه مــــصيبة عــــظيمة أن تــــكون الــــدراســــة أهــــم مــــن الــــزواج.
لا يــــخفى عــــلى الجـميع أنـه إلـى زمـن لـيس بـالـبعيد أمـهاتـنا يـتزوجـن وهـن صـغار، فالـبنت تـتزوج وعـمرهـا اثـنتا عشـرة سـنة ونـحو ذلـك؛ ولــذلــك لــم تكن تعرف الجــرائــم فــي ذلــك الــزمــن ممــا يــعرف الآن، لــم يــكن يـعرف فـي الـنساء ولا فـي الشـباب مـثل مـا يـعرف الآن مـن الـفساد؛ لأن الــشاب عــندمــا يــتزوج يــسير عــلى الصــراط المســتقيم، إلا ثــلة قــليلة زاغــت عـن الـصراط لمـا زاغـت عـينه ولـم يـنتفع بهـذا الـحلال الـذي أحـله الله لـه.
أيها المؤمنون: سارعوا بتزويج أبنائكم وبناتكم، وانتقوا لهم الصالح ذا الأخلاق العالية، فإنها أمانة وستسألون عنها يوم القيامة.
التعليقات