أين الرجل؟

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-13 - 1436/03/22
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/معاني كلمة رجل في اللغة والقرآن 2/رجولة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- 3/المقصود بالرجولة وصفات الرجولة الصادقة 4/خطورة تغير الفطرة 5/ضرر وسائل التربية المستوردة 6/رجولة أطفال الحجارة 7/سكوت الغرب عن جرائم اليهود 8/واجب المسلمين تجاه القدس
اهداف الخطبة

اقتباس

الرجولة تُرَسّخ بعقيدة قوية، وتُهَذّب بتربية صحيحة، وتُنَمّى بقدوةٍ حسنة. ميزان الرجولة عند عامة الناس هو ميزان ماديٌ فقط، فمن كان جميل المنظر مُكتَمِل القوى كثير المال، فهو الرجل الطيب، ولكن ميزان الرجال في شريعة الإسلام من كانت...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

قال الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الأحزاب: 23].

 

وقال سبحانه: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النــور: 37].

 

أيها المسلمون: إن الرجولة تدل على طائفةٍ كبيرةٍ من المعاني غير الذكورة المقابلة للأنوثة في بني الإنسان؛ تقول العرب في المقابلة بين الاثنين، وتفوق أحدهما على صاحبه: أرجل الرجلين، ويقال: رجلُ الساعة، ورجل الموقف، وفي ختام المباهاة بالشرف والثناء، يقال: هو من رجالات قومه.

 

وعند ورودها في القرآن تُضيف مع دلالتها على النوعِ معانٍ أخرى تسمو بالنوع من السمو والانقياد.

 

وورد في القرآن رجالاً وصفاً للمصطفين الأخيار، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ)[النحل: 43].

 

والوصف بالرجولةِ في بعض المواطن تعريف مقصود يُوحي بمقومات هذه الصفة من جرأة على الحق، ومناصرة للقائمين عليه، كما قال سبحانه: (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)[القصص: 20].

 

وقال سبحانه: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ)[غافر: 28].

 

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتطلع إلى الرجولة التي تناصره، وتعتز بها دعوته، ويسألها ربه، فيقول: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل، أو بعمر ابن الخطاب" قال الراوي: "وكان أحبهما إليه عمر" [أخرجه الترمذي].

 

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتطلع إلى معالم الرجولة التي تؤثر في نشر الدعوة، وإعزاز الإسلام.

 

فكان إسلام عمر حدثاً كبيراً وُجدت رجولته في اللحظة الأولى من إسلامه، فبعد أن كان المسلمون لا يجرؤن على الجهر بدينهم جهروا به، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "مازلنا أعزّة منذ أسلم عمر"[أخرجه البخاري].

 

فلم تكن رجولة عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- في قوة بدنه، ولا في فروسيته، ففي قريش من هو أقوى منه ولكن رجولته كانت في إيمانه القوي ونفسه الكبيرة التي تبعث على التقدير والإكبار.

 

هاجر الصحابة خفيةً، أمّا عمرُ فقد تَقَلّدَ سيفه ومضى إلى الكعبةِ فطاف، وصَلّى بالمقام، وأعلن هجرته على الملأ، وقال لهم: "من أراد أن تثكله أمُّه، ويُيَتم ولده، وتُرمّل زوجته، فليتبعني وراء هذا الوادي".

 

فما تبعه منهم أحد.

 

إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

 

أيها المسلمون: الرجولة مطلب يسعى للتجّمل بخصائصها أصحاب الهمم، ويسمو بمعانيها الرجال الجادون، وهي صفة أساسية فالناس إذا فقدوا أخلاق الرجولة صاروا أشباه الرجال، غثاءً كغثاء السيل.

 

الرجولة تُرَسّخ بعقيدة قوية، وتُهَذّب بتربية صحيحة، وتُنَمّى بقدوةٍ حسنة.

 

ميزان الرجولة عند عامة الناس هو ميزان ماديٌ فقط، فمن كان جميل المنظر مُكتَمِل القوى كثير المال، فهو الرجل الطيب.

 

ولكن ميزان الرجال في شريعة الإسلام من كانت أعماله فاضلة، وأخلاقه حسنة.

 

مرّ رجلٌ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما تقولون في هذا؟" قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن يُنْكح، وإن شَفَع أن يُشَفّع، وإن قال أن يُسْتمع له. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: "ما تقولون في هذا؟" قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن لا يُنْكح، وإن شَفَع أن لا يُشَفّع، وإن قال أن لا يُسْتمع له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا"[أخرجه البخاري].

 

الرجال -عباد الله-: لا يقاسون بضخامة أجسادهم، وبهاء صورهم؛ فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود فصعد على شجرةٍ أمره أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساق عبدالله بن مسعود، حين صعد الشجرة فضحكوا من حموشة ساقيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مما تضحكون؟ لَرِجلُ عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد"[أخرجه أحمد].

 

الرجولةُ الحقةُ؛ رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ومروءةٌ وشهامةٌ، وتعاون وتضامن.

 

الرجولة؛ تحمُّلُ المسئولية في الذب عن التوحيد، والنصح في الله، قال الله -تعالى-: (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)[القصص: 20].

 

إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

 

الرجولة؛ قوة في القول، وصدعٌ بالحق، وتحذير من المخالفة لأمر الله، مع حرص وفطنة، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)[غافر: 28].

 

الرجولة؛ صمودٌ أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات، حذراً من يوم عصيب، قال الله -تعالى-: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النــور: 37].

 

الرجل الحق؛ يَصدُق في عهده، ويفي بوعده، ويثبت على الطريق، قال الله -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الأحزاب: 23].

 

أيها المسلمون: ليس من الرجال الذين نعنيهم أولئك الذين يعبّون من الشهوات، أو الغارقون في الملذات، الذين قعدوا عن معاني الغايات، وأعرضوا عن خالق الأرض والسماوات.

 

وليسوا أولئك الذين بطِنت أجسادُهم، وقد خلت من قول الحكمة ألسنتهم، وعن سداد الرأي عقولهم.

 

هؤلاء الرجال أشباه رجالٍ لا ننشدهم، بل نبغي الذين عناهم القرآن في قوله: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان: 63 - 67].

 

ليس من الرجولة -عباد الله- أن يكون الشاب كالإمّعة إن أحسن الناس أَحسَنْ، وإن أسَاءوَا أسَاء، وإذا ولغ أصحابه في مستنقعات السوء جرى في ركابهم، لكي يكون رجلاً -كما يزعمون-.

 

هل من معالم الرجولة الحقة: أن تكون غاية مراد الشاب شهوة قريبة، ولذةً محرمة في ليلة عابثةٍ، بلا رقيب ولا حسيب؟ أين هذا من رجل قلبه مُعلّقٌ بالمساجد؟ وأين هذا من رجلٍ دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله؟ وأين هذا من رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؟ وأين هذا من رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه؟ أولئك يمقتهم الرحمن وهؤلاء يدنيهم ويظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

 

إن شر ما تُصابُ به الحياة هو الخروج على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وذلك بتخلفِ الرجال، واسترجال المرأة.

 

أين الرجولة فيمن يتمايل في حركاته، ويطيل شعره، ويضع القلادة على رقبته، ويتطأطأ في مشيته، بل قد يرقص كما ترقص النساء؟

 

إن هذه السلوكيات نواةُ شرٍ ونذير فسادٍ لكل المجتمع؛ لأنها تحكي مسخاً وانصرافاً عن الفطرة، وانهزاميةً وانحطاطاً على حسابِ أخلاق الأمة، ولهذا: "لعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال"[أخرجه البخاري].

 

ولعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: "أخرجوهم من بيوتكم"[أخرجه البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-].

 

أيها المسلمون: إن من باب وسائل التربية العقيمة المستوردة: جعل شباب أبناء المسلمين لا يعرفون تكاليف الرجولة، وإذا عرفوها لا يطيقونها ولا يقومون كما ينبغي بأدائها، وهذا نتائج المخطط العلماني المدروس الذي يعمل على دمج النساء بالرجال لتعطيل التكاليف الشرعية الخاصة بكل منهما، وليجعل من لباس المرأة بالرجل شيئاً واحداً، والتشابه في الظاهر يورث التشابه في الباطن.

 

حين تُغمر خصائص الرجولة بجناية الرجال أنفسهم، يحل بالمجتمع العطب، وبالبيت الضياع وبالأمة الضعف والهوان، تضيع القوامة وتضعف الغيرة فتتسع رقعة الفساد الخلقي، قال الله -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[النساء: 34].

 

أيها المسلمون: الرجال الحقيقيون من هذه الأمة أصحاب مواقف، وقد يتمثل هذا في رجل أو مجتمع، أو شعب من الشعوب المسلمة.

 

فمؤمن آل فرعون كان وحيداً لكنه كان رجلاً: (وقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وإن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وإن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَذِي يَعِدُكُمْ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)[غافر: 28].

 

انظر إلى هذا الرجل الذي وقف كالجبل وأظهر إيمانه في وقت كان لابد، وأن يظهر ويقف أمام طاغية، ومدّعٍ للربوبية، وتسانده حاشية سوء، ثم يقوم الرجل بتذكير قومه، ويخوفهم من بأس الله، ويدعوهم إلى الله، وإلى الإيمان به سبحانه وتعالى، ولكنهم يدعونه إلى الكفر والإشراك بالله، ويدعوهم إلى الجنة والمغفرة، ويدعونه إلى النار، وبئس المصير، ويتكرر هذا الموقف في كل عصر وأمام كل طاغية.

 

إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

 

ومن الرجال، قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ".

 

سمع الطفل محمد الفاتح هذا الحديث، وكبر في ذهنه، حتى إذا بلغ السبعة عشر ربيعاً، حان الوقت الذي يحقق فيه حلم المسلمين، وتحقيق حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان.

 

لقد حاول المسلمون منذ القرن الأول فتح القسطنطينية مرات عديدة، وقد قتل الصحابي أبو أيوب الأنصاري تحت أسوارها، وادُّخِر فتحها لهذا السلطان العثماني الذي كان نعم الأمير وجيشه نعم الجيش.

 

إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

 

ومن مواقف الرجال؛ موقف صاحب الظلال -رحمه الله-، عندما طُلب منه أن يؤيد العبد الخاسر بكلمات يكتبها، فقال -رحمه الله-: "إن السبابة التي أشهد بها في كل صلاة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، لا يمكن أن تكتب سطراً فيه ذل أو عبارة فيها استجداء".

 

وعندما سِيق رحمه الله إلى حبل المشنقة يوم 29 من أغسطس عام 1966م كان من المعتاد أن يحضر شيخ ليلقّن الذي ينفَّذ فيه حكم الإعدام الشهادتين، فقال له رحمه الله: "إنني لم أقف هذا الموقف إلا من أجل لا إله إلا الله، محمد رسول الله!".

 

فهناك أناس يأكلون الخبز بلا إله إلا الله، وآخرون يقدمون رؤوسهم إلى المشانق من أجل لا إله إلا الله!.

 

إنها الرجولة الحقة بكل معانيها: (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)[الأحزاب: 23].

 

إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

 

أيها المسلمون: وقد تتمثل الرجولة في شعب من الشعوب كالشعب الأفغاني مثلاً، هذا الشعب البطل الذي لم يرضَ بالاحتلال الروسي لأرضه كما لم يرض من قبل بالاحتلال الانجليزي، ووقف وحيداً في حلبة الصراع مع أول أو ثاني دولة على مستوى العالم في وقته! فقدم من التضحيات والبذل والشجاعة والرجولة ما حيّر العالم، وضحى بمئات الآلاف من الرجال نحسبهم شهداء عند الله -تعالى-.

 

وما يزال هذا الشعب البطل يقف اليوم كالجبل أمام تحديات ضخمة ومؤامرات ماكرة تكاد له في وضح النهار، وقد أعلنوها صريحة بأنها حرب صليبية هدفها ضرب الإسلام في كل مكان، وإن زخرفت بدعاوى أخرى يعرف كذبها قائلوها قبل سامعوها.

 

وإن الأمة اليوم متفائلة بما تحمله الأيام القادمة، وذلك بأن يكسر قوى الشر، وأن يمزق الله الرأسمالية، كما مزق الشيوعية الحمراء قبلها، وما ذلك على الله بعزيز.

 

وقد يسأل سائل، فيقول:

 

هل بعد هذا الليل من إسفارِ *** أم يا ترى سيظل في استمرارِ

هل بعده نور سيسطع في الدنا *** ومتى فقد تقنا إلى الأنوار

ولقد مللنا العيش تحت ظلامه *** ولقد سئمنا كثرة الأكدار

في كل يوم دمعنا متصبب *** في كل يوم نكتوي بالنار

فمتى الظلام سينمحي من أرضنا *** فنعيش في فرح وفي استبشار

بل ما هو الحل الذي نحيا به *** في عزةٍ ومهابةٍ ووقار؟

 

فيجيب هذا الشعب، فيقول:

 

يأتي الجواب ولا جواب مكانه *** لا حل غير الصارم البتار

فبه نعيش مدى الزمان أعزة *** وبه سنكسر شوكة الكفار

هذا هو الحل الوحيد ودونه *** ذلٌّ وعيش مهانةٍ وصغار

وبه سنسحق كل نذلٍ كافرٍ *** وبه سنغدوا سادة الأمصار

 

إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه ...

 

أما بعد:

 

إن الحديث عن الرجولة في العصر الحاضر: يذكرك أطفال الحجارة، هم أطفال في أجسامهم، أبطالٌ في أفعالهم، رجال في مواقفهم، هم بحقٍ يصدق فيهم وصف الرجولة، فقد تربوا على مائدة القرآن، يجاهدون في سبيل الله، وغيرهم يجاهد بالخطب الرنانة، والعبارات المخدرة، إن كثيراً من هؤلاء لم يصلوا إلى مستوى الرجل الطفل، طفل الحجارة. رجولة تأبى الطغيان والاستسلام للمعتدين، لا يهابون طلقات القذائف، بل يتصدون لها بصدورهم وقلوبهم، حتى يُحرر القدس الشريف.

 

إنها هِمَمُ رجال ترفض المهانة والذل.

 

هؤلاء الأطفال أُعتقل آباؤهم، وهُدّمت بيوتهم، وهم يشهدون ذلك بناظريهم إن هذا الطفل لا يملك سوى حجر، لكنه يرى نفسه شامخاً يتحدى دبابة الاحتلال دون خوفٍ أو وجل.

 

والأمهات يباركن خطوات فلذات أكبادهن نحو الموت والشهادة.

 

صَبر هذا الشعب طويلاً، وقدّم تضحياتٍ جسيمة، ودماؤه تُراق على أرض فلسطين، وهم بأحجارهم وعصيهم وقفوا ضد اعتداء الغاصبين الذين نهبوا الأموال، وقتّلوا الأبرياء، ونقضوا العهود والمواثيق.

 

ذلك العملاق، هو رجل بحق؛ لأنه الوحيد الذي عرف الطريق لتحرير المسرى والأرض من النهر إلى البحر، ذلك الطفل الذي تربى على مائدة القرآن الكريم داخل المساجد الذي يريد أن يحقق ما جاء في سورة الإسراء من وعد بالنصر حتى يقول الحجر والشجر: "يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله".

 

ذلكم الطفل هو أفضل من الذين يجاهدون بالخطب في هيئة الأمم والمحافل التي تدّعي أنها سوف تقاتل إسرائيل بالسلام!.

 

إن جميع المنظمات لم تصل إلى مرتبة ذلكم العملاق الرجل الطفل، طفل الحجارة.

 

أيها المسلمون: لقد سجل أبناء تلك الأرض بطولات وتضحيات لا تتوقف أمام ذلك الصلف اليهودي الذي أقدم وما يزال على أبشع ما عرفت البشرية من وحشية.

 

لماذا يُحجم العالم الذي يزعم أنه متحضر عن ردع المعتدي، والأخذِ على يديه، أين المعاهدات؟ أين المواثيق التي تنص على ضمان السلام والتقليل من الجرائم؟ أين الأخذ على يد المعتدي ونصرة المظلوم؟ أين دعاة السلام والداعون له؟ أين المنظّرون لثقافته؟ أين محاربة الإرهاب في العالم؟ وهذه المذابح والبنادق والصواريخ تُخرب الديار، وتحرق القلوب والأجساد، أجساد الشيوخ الركع والأطفال الرضع.

 

إن هذه الدماء لن تثمر -بإذن الله- إلا نفوساً أبيّة لن ترضى الدنيّة في دينها، ولتسقط تلك الدعاوى الساقطة، ولتنكسر تلك الأقلام الهزيلة التي مازالت تُزيّن السلام غير العادل بزينة كالحة.

 

لقد عاهدت الأمة الإسلامية ربها أن تظل القدس جوهر عقيدتها، في قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا، بل هي فوق كل الاعتبارات الآنية والمصالح الدنيوية، لن نفرط في ذرة من ترابها، ولا سلام ولا استقرار بدونها، وكل الممارسات التي يمارسها العدو من استيطان وتهويد هي أمور غير شرعية، نرفضها وترفضها الأمة كما ترفض الاحتلال ذاته.

 

إن أرض فلسطين إسلامية، وستبقى كذلك مهما تكالبت عليها الخطوب: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يوسف: 87].

 

وسيبقى الكفاح وتدوم التضحية، حتى تعود الأرض إلى أصحابها الشرعيين.

 

إن واجب المسلمين نحو القدس: استند إلى القرآن، والسنة النبوية، وربطت رحلة الإسراء والمعراج مشاعر المسلمين بهذه الأرض، فقضية القدس ليست قضية تتعلق بالأرض، بل يجب أن تبقى قضية إسلامية تعني الأمة، كل الأمة، وذمّة المسلمين لن تبرأ إلا إذا عملت على تطهير المدينة التي تشرفت برحلة الإسراء والمعراج، وإعادتها إلى قيادة المسلمين: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[الصف: 8].

 

اللهم دمّر اليهود الغاصبين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم إن اليهود والنصارى طغوا وبغوا وأسرفوا في طغيانهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وصب العذاب عليهم من فوقهم، واجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم اجعلهم حصيداً خامدين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك رضوانك والجنة، ونعوذ بك من سخطك ومن النار.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ألّف بين قلوب المسلمين، ووحّد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

 

اللهم وأقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والكفر والزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب.

 

اللهم وقاتل الكفرة الذين يعادون أوليائك، ويحاربون دينك، ويقتلون المسلمين بغير ذنب، اللهم واجعلهم عبرة للمعتبرين، وأنزل اللهم عليهم رجزك وعذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين.

 

اللهم يا ولي الصاحين، ويا ناصر عبادك المستضعفين، نسألك اللهم أن تعين وتنصر إخواننا في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان.

 

اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحفظهم اللهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، يا رب العالمين.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

 

المرفقات
أين الرجل؟.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life