عناصر الخطبة
1/مفهوم العادات السيئة لدى الأولاد. 2/صور من العادات السيئة عند الأولاد 3/طرق اكتساب العادات السيئة لدى الأولاد 4/طرق التخلص من العادات السيئة عند الأولاد.اقتباس
أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ الْأَكَارِمُ: لَا تَغْفُلُوا عَنِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ لَدَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَسْتَسْهِلُوهَا مِنْهُمْ؛ فَاعْرِفُوا أَسْبَابَهَا، وَاحْرِصُوا عَلَى عِلَاجِهَا، وَاصْبِرُوا عَلَى تَغْيِيرِهَا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَأَبْشِرُوا -إِنْ رَبَّيْتُمْ فَأَحْسَنْتُمْ- بِنَيْلِ مَا أَمَّلْتُمْ، وَحُسْنِ ثَمَرِ مَا زَرَعْتُمْ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النَّجَاحَ فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ غَايَةٌ مَنْشُودَةٌ، وَمُهِمَّةٌ مَطْلُوبَةٌ، لَكِنَّ الْوُصُولَ إِلَى ذَلِكَ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ الْمُرَبِّينَ، بَلْ لَا يَبْلُغُهُ إِلَّا مُرَبٍّ عَرَفَ عَظَمَةَ الْمُهِمَّةِ الَّتِي أُلْقِيَتْ عَلَى كَاهِلِهِ، فَرَاحَ يَسْخُو بِالْوَقْتِ وَالْجُهْدِ وَالْمَالِ لِأَوْلَادِهِ فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ مِنْهُمْ يُشَجِّعُ عَلَيْهَا، وَعَادَاتٍ سَيِّئَةٍ فِيهِمْ يُصْلِحُهَا، فَهُوَ بِهَذَا السَّخَاءِ الْمُتَنَوِّعِ الْمُتَّصِلِ يَبْنِي صَرْحَ أَعْمَارِهِمْ بِتَعَبِهِ وَتَضْحِيَتِهِ:
صِغَارٌ نُرَبِّيهِمْ بِمَلْءِ عُقُولِهِمْ *** وَنَبْنِيهِمْ لَكِنَّنَا نَتَهَدَّمُ
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي يُوَاجِهُهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ: الْعَادَاتِ السَّيِّئَةَ لَدَى الْأَوْلَادِ، الَّتِي يَدْعُو الدِّينُ وَالْخُلُقُ الْقَوِيمُ إِلَى تَجَنُّبِهَا وَالْحَذَرِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا يُؤَدِّي إِلَى أَضْرَارٍ كَبِيرَةٍ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ.
وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ الْخَاطِئَةُ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الطِّفْلُ، وَيُكَرِّرُهَا حَتَّى تُصْبِحَ سُلُوكًا، وَقَدْ تَتَحَوَّلُ إِلَى وَسْوَاسٍ أَوْ مَرَضٍ يُؤْذِي الطِّفْلَ نَفْسِيًّا وَجَسَدِيًّا، وَقَدْ تَتَطَوَّرُ عِنْدَمَا يَكْبُرُ لِتُصْبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ عَادَةً مُسْتَحْكِمَةً يَصْعُبُ تَغْيِيرُهَا، وَهُنَا تَكْمُنُ الْخُطُورَةُ الَّتِي يَنْبَغِي تَلَافِيهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى هَذِهِ النَّتِيجَةِ الْمُرَّةِ.
إِنَّ هَذِهِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةَ لَدَى الْأَوْلَادِ لَهَا صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَبَعْضُهَا مُحَرَّمٌ شَرْعًا، وَبَعْضُهَا ضَارٌّ طِبًّا، وَبَعْضُهَا مَكْرُوهٌ عُرْفًا، وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا:
السَّبُّ وَاللَّعْنُ وَالشَّتْمُ وَبَذَاءَةُ اللِّسَانِ، فَكَمْ يَسْمَعُ الْمَرْءُ مِنْ أَلْسِنَةِ الْأَطْفَالِ لَعْنَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَتَلْفِظُ الْأَلْسِنَةُ بِسَيِّئِ الْقَوْلِ الَّذِي يَجْرَحُ الْأَعْرَاضَ وَالنُّفُوسَ، بَلْ قَدْ لَا يَتَأَدَّبُ الطِّفْلُ مَعَ الْكِبَارِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُ يُرْسِلُ عَلَيْهِمْ سَيْلَ لَعَنَاتِهِ وَشَتَائِمِهِ، وَقَدْ لَا يَسْلَمُ مِنْ غُثَاءِ لِسَانِهِ وَالِدَاهُ!!
مَعَ أَنَّ التَّرْبِيَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ تَدْعُو الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ إِلَى تَرْكِ هَذَا السُّوءِ الْقَوْلِيِّ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)[الْبَقَرَةِ: 83]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا بِاللِّعَانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ).
وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعَوُّدَ الطِّفْلِ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ السَّيِّئَةِ لَهُ آثَارٌ سَلْبِيَّةٌ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا: تَحَوُّلُ تِلْكَ الْعَادَةِ إِلَى سُلُوكٍ قَوْلِيٍّ عِنْدَمَا يَكْبُرُ وَيَشِيبُ عَلَيْهَا. وَهَذَا يَجُرُّ الْمُشْكِلَاتِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ عِنْدَمَا يُطْلِقُ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ عَلَى النَّاسِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! قَالَ: "نَعَمْ؛ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ صُوَرِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَوْلَادِ: الشَّرَاهَةُ فِي الطَّعَامِ وَعَدَمُ التَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ، حَتَّى أَنَّ هَذِهِ الْعَادَةَ لَتُحْرِجُ الْأَبَوَيْنِ بَيْنَ الْآخَرِينَ حَتَّى يَظُنُّوا بِوَالِدَيْهِ التَّقْصِيرَ فِي تَأْدِيبِهِ، كَمَا يُؤَدِّي الْإِفْرَاطُ فِي الطَّعَامِ وَالْبُعْدُ عَنْ آدَابِهِ إِلَى أَضْرَارٍ بَدَنِيَّةٍ عَلَى الطِّفْلِ، وَالْإِسْلَامُ وَالطِّبُّ يَدْعُوَانِ إِلَى الِاعْتِدَالِ فِي الطَّعَامِ وَتَرْكِ النَّهَمِ فِيهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ).
وَمِنْ صُوَرِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَبْنَاءِ: الْكَذِبُ رَغْبَةً فِي اكْتِسَابِ ثَوَابٍ أَوْ هُرُوبًا مِنْ عِقَابٍ، وَيَرْجِعُ سَبَبُهُ إِلَى حِرْمَانِ بَعْضِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لِأَطْفَالِهِمْ، أَوْ غِلْظَةِ وَقَسْوَةِ آخَرِينَ، أَوْ نَتِيجَةَ مُخَالَطَةِ الْأَصْدِقَاءِ الَّذِينَ نَشَئُوا عَلَى الْكَذِبِ لِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَهَذِهِ الْعَادَاتُ السَّيِّئَةُ وَأَمْثَالُهَا لَدَى الْأَوْلَادِ لَمْ تُخْلَقْ مَعَهُمْ، بَلِ اكْتَسَبُوهَا مِنْ خِلَالِ وَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ؛ مِنْهَا:
اعْوِجَاجُ السُّلُوكِ الْقَوْلِيِّ فِي الْبِيئَةِ الْمُحِيطَةِ بِالطِّفْلِ؛ فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ يَسْمَعُ اللَّعْنَ وَالسَّبَّ وَالْبِذَاءَ مِنْ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ مِنْ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ أَوْ أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ؛ فَإِنَّهُ سَيُحَاكِيهِمْ فِي ذَلِكَ وَيَتَلَفَّظُ كَمَا تَلَفَّظُوا وَلَابُدَّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَرْحَلَةِ تَلَقٍّ وَتَعَلُّمٍ، وَقَدْ خُلِقَ بَعِيدًا عَنْ تِلْكَ الْعَادَةِ السَّيِّئَةِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّمُهَا مِمَّنْ حَوْلَهُ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَصَدَقَ الشَّاعِرُ حِينَ قَالَ:
أَمَا تَدْرِي أَبَانَا كُلُّ فَرْعٍ *** يُجَارِي بِالْخُطَى مَنْ أَدَّبُوهُ؟
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا *** عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
وَمِنْ طُرُقِ اكْتِسَابِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ لَدَى الْأَوْلَادِ: مُعَانَاةُ الطِّفْلِ مِنْ مَشَاعِرِ التَّوَتُّرِ النَّاتِجَةِ عَنِ الْكَبْتِ أَوِ الشُّعُورِ بِالضِّيقِ، وَلِذَلِكَ يَلْجَأُ لِإِحْدَى الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ لِتَفْرِيغِ شِحْنَةِ التَّوَتُّرِ وَطَلَبِ الرَّاحَةِ، وَلَكِنَّهُ بِهَذَا يُخْطِئُ الطَّرِيقَ، وَيَكُونُ حَالُهُ: "كَالْمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ!".
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَوْلَادَنَا قُرَّةَ عُيُونِنَا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ الْمُسْتَقِيمِ؛ أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةَ عِنْدَ الْأَطْفَالِ تَحْتَاجُ إِلَى عِلَاجٍ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ خَطَرُهَا، وَيَصْعُبَ تَغْيِيرُهَا، فَمِنَ الْعِلَاجِ لِلْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ لَدَى الْأَوْلَادِ:
أَنْ يُعَالِجَ الْوَالِدَانِ نَفْسَيْهِمَا مِنْ هَذِهِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ حَتَّى لَا يَكُونَا قُدْوَةً لِأَوْلَادِهِمْ فِي ذَلِكَ؛ فَكَيْفَ يَصِحُّ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- لِوَالِدَةٍ أَوْ وَالِدٍ أَنْ يَنْهَى وَلَدَهُ عَنْ سُلُوكٍ سَيِّئٍ هُوَ مَازَالَ يُمَارِسُهُ، فَلَيْسَ مِنَ الْمَعْقُولِ أَنْ نُطَالِبَ أَبْنَاءَنَا بِتَرْكِ عَادَةٍ سَيِّئَةٍ مَا دَامَ بَعْضُنَا لَمْ يَتْرُكْهَا!
قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[الصَّفِّ: 2-3].
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
فَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
وَمِنْ طُرُقِ الْعِلَاجِ لِلْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ لَدَى الْأَوْلَادِ: تَقْدِيرُ مُسْتَوَى الْعَادَةِ السَّيِّئَةِ وَأَثَرِهَا، وَمُحَاوَلَةُ الْبَحْثِ عَنْ أَسْبَابِهَا؛ فَقَدْ يَكُونُ سَبَبُهَا وِرَاثِيًّا، أَوْ مَرَضِيًا، أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ تَسْلِيَةٍ فَقَطْ، وَعَلَى ضَوْءِ تَشْخِيصِ الدَّاءِ يَكُونُ تَقْدِيرُ الدَّوَاءِ.
وَمِنْ طُرُقِ الْعِلَاجِ لِلْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ لَدَى الْأَوْلَادِ: تَعْلِيمُ الطِّفْلِ -بِلُطْفٍ- بِأَنَّ تِلْكَ الْعَادَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَأَنَّ مِنْ ضَرَرِهَا كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ مَلْءُ وَقْتِ فَرَاغِ الطِّفْلِ بِأَشْيَاءَ مُفِيدَةٍ؛ فَإِنَّ الْفَرَاغَ يُحْدِثُ مَيْلًا إِلَى الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ.
وَالْعِلَاجُ بِإِيجَادِ الْبَدَائِلِ الصَّحِيحَةِ لِلْكَفِّ عَنِ الْعَادَةِ السَّيِّئَةِ هَدْيٌ صَحِيحٌ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصَدِّقُ عَلَى سَارِقٍ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصَدِّقُ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ الْأَكَارِمُ: لَا تَغْفُلُوا عَنِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ لَدَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَسْتَسْهِلُوهَا مِنْهُمْ؛ فَاعْرِفُوا أَسْبَابَهَا، وَاحْرِصُوا عَلَى عِلَاجِهَا، وَاصْبِرُوا عَلَى تَغْيِيرِهَا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَأَبْشِرُوا -إِنْ رَبَّيْتُمْ فَأَحْسَنْتُمْ- بِنَيْلِ مَا أَمَّلْتُمْ، وَحُسْنِ ثَمَرِ مَا زَرَعْتُمْ.
نَسْأَلُ اللَّهَ صَلَاحًا فِي الذُّرِّيَّةِ، عَلَى نَهْجِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات