عناصر الخطبة
1/الشجار بين الأشقاء: مظاهره، أسبابه، علاجه 2/الغيرة بين الأطفال: مظاهرها، أسبابها، علاجها 3/توصيات للآباء للتعامل مع الشجار والغيرة عند الأبناء.اقتباس
وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَيْرَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ: مَدْحُ طِفْلٍ أَمَامَ آخَرَ، وَهَذَا خَطَأٌ تَرْبَوِيٌّ فَادِحٌ، قَدْ يَرْتَكِبُهُ بَعْضُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ عَنْ حُسْنِ قَصْدٍ بِغَرَضِ التَّحْفِيزِ، وَلَكِنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى تَحْفِيزِ شُعُورِ الْغَيْرَةِ لَدَى الطِّفْلِ، فَيَتَرَبَّى عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لِإِخْوَانِهِ أَوْ مَنْ يَزِيدُونَ عَلَيْهِ فِي الْفَضَائِلِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّ مِنَ الْأُمُورِ الِاعْتِيَادِيَّةِ أَنْ تَنْشَبَ مَعَارِكُ طُفُولِيَّةٌ بَيْنَ الْأَشِقَّاءِ بَيْنَ جُدْرَانِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ، وَتَدُورَ رَحَاهَا عَلَى رَاحَةِ الْوَالِدَيْنِ وَهُدُوئِهِمْ، وَتَنْكَشِفُ تِلْكَ الْمَعْرَكَةُ الْمُسْتَعِرَةُ وَقَدْ خَلَّفَتْ وَجَعًا فِي نُفُوسِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَحِينَ يَنْظُرُونَ فِي فَتِيلِ تِلْكَ الْحَرْبِ الَّتِي شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا يَجِدُونَ أَنَّ سَبَبَهُ الشِّجَارُ، أَوِ الْغَيْرَةُ.
وَإِنَّ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ مِنْ أَكْثَرِ مَا يُعَانِي مِنْهَا الْآبَاءُ فِي الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّهَا تُقْلِقُ السَّكِينَةَ، وَتُثِيرُ الضَّغِينَةَ، وَتَتْرُكُ صُوَرًا مِنَ الْأَذَى النَّفْسِيِّ وَالْجَسَدِيِّ بَيْنَ الْأَوْلَادِ.
فَمَا أَحْسَنَ أَنْ نَعْرِفَ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ وَنَنْظُرَ فِي أَسْبَابِهَا وَنَسْعَى إِلَى عِلَاجِهَا؛ حَتَّى تَسُودَ فِي بُيُوتِنَا الرَّاحَةُ، وَتَفُوحَ فِيهَا أَطْيَابُ الْمَحَبَّةِ، وَيَنْشَأَ الْأَوْلَادُ وَعُرُوقُ الْإِخَاءِ عَمِيقَةُ الْجُذُورِ بَيْنَهُمْ؛ لِيَكُونُوا قُوَّةً عَصِيَّةً عَلَى الْخِلَافَاتِ فِي مُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهِمْ.
عِبَادَ اللَّهِ: أُولَى هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ: الشِّجَارُ بَيْنَ الْأَشِقَّاءِ؛ فَكَمْ يَحْصُلُ فِي الْبُيُوتِ مِنْ ضَجِيجٍ وَبُكَاءٍ، وَعِرَاكٍ وَسِبَابٍ، وَشَكَاوَى تُرْفَعُ إِلَى الْأَبَوَيْنِ وَكَأَنَّهُمَا قُضَاةٌ فِي مَحْكَمَةٍ! وَرُبَّمَا يَنْتَهِي ذَلِكَ الشِّجَارُ بِدِمَاءٍ تَسِيلُ، وَصَخَبٍ وَعَوِيلٍ، وَتَكْسِيرٍ وَتَخْرِيبٍ، وَأَحْقَادٍ وَضَغَائِنَ.
فَمَا الَّذِي يَسُوقُ الْأَطْفَالَ إِلَى الشِّجَارِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى هَذِهِ الْمَظَاهِرِ وَالْآثَارِ؟
مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوصِلَةِ إِلَى ذَلِكَ:
حُبُّ السَّيْطَرَةِ، وَالرَّغْبَةُ فِي الْقِيَادَةِ، فَالطِّفْلُ بِطَبِيعَتِهِ يُحِبُّ إِثْبَاتَ ذَاتِهِ وَسُلْطَتِهِ، لَكِنَّ تِلْكَ الْحَاجَةَ تُوَاجِهُ تَمَنُّعًا مِنْ إِخْوَتِهِ أَوْ أَخَوَاتِهِ؛ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى الشِّجَارِ.
وَمِنْ أَسْبَابِ الشِّجَارِ بَيْنَ الْأَشِقَّاءِ: الْبِيئَةُ الْأُسَرِيَّةُ الْمُعْتَادَةُ عَلَى الْخِلَافِ، فَعِنْدَمَا يَكُونُ الطِّفْلُ فِي بَيْتٍ تَسُودُهُ الْخِلَافَاتُ وَالْمَعَارِكُ اللِّسَانِيَّةُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ، وَرُبَّمَا تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى الضَّرْبِ؛ فَإِنَّ الطِّفْلَ سَيَنْشَأُ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ. بِخِلَافِ الْبُيُوتِ الَّتِي يَسُودُ فِيهَا الْهُدُوءُ وَالْوِفَاقُ.
وَالْعِلَاجُ لِهَذِهِ الْمُشْكِلَةِ: أَنْ يُعَزِّزَ الْأَبَوَانِ رُوحَ الْمُشَارَكَةِ بَيْنَ أَوْلَادِهِمْ، وَاحْتِرَامِ مِلْكِيَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَتَنْمِيَةِ خُلُقِ التَّعَاوُنِ بَيْنَهُمْ، قَائِلِينَ لَهُمَا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[الْمَائِدَةِ: 2].
وَمِنْ وَسَائِلِ الْعِلَاجِ: الْقُدْوَةُ الْحَسَنَةُ أَمَامَ الْأَوْلَادِ، فَيَتَجَنَّبُ الْأَبَوَانِ الشِّجَارَ أَمَامَهُمْ، وَيَبْتَعِدَانِ عَنِ الْخِلَافِ أَمَامَهُمْ، وَكَيْفَ يَرْجُو أَبٌ أَوْ أُمٌّ مِنْ أَطْفَالِهِمَا أَنْ يَكُونُوا فِي وِئَامٍ، وَهُمَا يَنْشُرَانِ أَمَامَهُمْ ثَقَافَةَ الْخِلَافِ وَالْخِصَامِ؟:
تَلُومُ عَلَى الْقَطِيعَةِ مَنْ أَتَاهَا *** وَأَنْتَ سَنَنْتَهَا لِلنَّاسِ قَبْلِي!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يُعَانِي مِنْهَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ مَعَ أَوْلَادِهِمُ: الْغَيْرَةُ.
فَكَمْ يَرَى الْأَبَوَانِ مِنْ كَرَاهِيَةٍ بَيْنَ أَوْلَادِهِمْ، وَحِقْدِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إِذَا ظَفِرَ أَحَدُهُمْ بِمَصْلَحَةٍ لَهُ، وَحِينَئِذٍ يَبْدُو الْعُبُوسُ عَلَى وُجُوهِ الْآخَرِينَ. وَالطِّفْلُ الْغَيُورُ لَا يُعْجِبُهُ مُشَارَكَةُ إِخْوَانِهِ، بَلْ رُبَّمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ لَعِبَهُمْ، وَسَبَّبَ لَهُمْ مُشْكِلَاتٍ تَشْغَلُهُمْ عَنْ رَاحَتِهِمْ.
وَالْغَيْرَةُ -أَيُّهَا الْآبَاءُ- بَيْنَ الْأَوْلَادِ لَهَا أَسْبَابٌ؛ مِنْهَا: التَّدْلِيلُ الزَّائِدُ مِنْ قِبَلِ الْأَبَوَيْنِ، وَخُصُوصًا يَوْمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الطِّفْلُ وَحِيدًا، فَإِذَا وُلِدَ أَخٌ جَدِيدٌ لَهُ وَرَأَى إِقْبَالَ وَالِدَيْهِ نَحْوَهُ بِالْمَحَبَّةِ؛ أَحَسَّ حِينَئِذٍ أَنَّ أَخَاهُ قَدِ اسْتَلَبَهُ عَرْشَ الْمَحَبَّةِ الْأَبَوِيَّةِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى فَرْطِ الْغَيْرَةِ لَدَيْهِ، وَلَعَلَّهَا قَدْ تَقُودُهُ إِلَى إِيذَاءِ أَخِيهِ؛ فَلِذَلِكَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ الْحَذَرُ مِنْ تَدْلِيلِ الطِّفْلِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ وَحِيدًا.
وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَيْرَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ: مَدْحُ طِفْلٍ أَمَامَ آخَرَ، وَهَذَا خَطَأٌ تَرْبَوِيٌّ فَادِحٌ، قَدْ يَرْتَكِبُهُ بَعْضُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ عَنْ حُسْنِ قَصْدٍ بِغَرَضِ التَّحْفِيزِ، وَلَكِنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى تَحْفِيزِ شُعُورِ الْغَيْرَةِ لَدَى الطِّفْلِ، فَيَتَرَبَّى عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لِإِخْوَانِهِ أَوْ مَنْ يَزِيدُونَ عَلَيْهِ فِي الْفَضَائِلِ.
وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَيْرَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ: تَمَيُّزُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ بِفَضِيلَةٍ لَا تُوجَدُ عِنْدَ إِخْوَانِهِ، وَيَرَوْنَ مَيْلَ الْأَبِ أَوِ الْأُمِّ لِأَخِيهِمْ بِسَبَبِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ، وَهَذَا يُشْعِلُ فِي قُلُوبِهِمْ نَارَ الْغَيْرَةِ الَّتِي قَدْ لَا تَنْطَفِئُ إِلَّا بِإِيذَاءِ أَخِيهِمْ، كَمَا فَعَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
قَالَ -تَعَالَى-: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)[يُوسُفَ:8-9].
وَالْعِلَاجُ لِهَذِهِ الْمُشْكِلَةِ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ-: أَنْ نَتَجَنَّبَ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى الْغَيْرَةِ، وَأَنْ نَعْمَلَ بِوَصِيَّةٍ نَبَوِيَّةٍ مُهِمَّةٍ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ؛ أَلَا وَهِيَ الْعَدْلُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ.
فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ أُمِّي: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟"، قَالَ: لَا، قَالَ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ"، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ لَنَا الْأَوْلَادَ، وَيَجْعَلَهُمْ لَنَا نَافِعِينَ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمِ الْمَعَادِ.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْأَخْيَارِ الْأَوْفِيَاءِ. أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَا أَجْمَلَ الْوَصَايَا الَّتِي تُسَاقُ لِخَيْرٍ يُجْتَلَبُ، أَوْ لِشَرٍّ يُجْتَنَبُ، فَوَصِيَّتُنَا لِلْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَهُمْ يُعَانُونَ مِنْ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ مَعَ أَوْلَادِهِمْ:
إِنَّ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ أَمْرٌ وَاقِعٌ لَا تَسْلَمُ مِنْهُ الْبُيُوتُ، فَطَبِيعَةُ الْأَطْفَالِ الْفِطْرِيَّةُ تَحْمِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَعَ مَا فِي هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يُحْدِثُهَا الْأَطْفَالُ مِنْ سَلْبِيَّاتٍ، إِلَّا أَنَّ فِي بَعْضِهَا إِيجَابِيَّاتٍ تَنْفَعُهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَادَةِ، وَاسْتِقْلَالِ الْقَرَارِ، وَالْحِرْصِ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ الْخَاصَّةِ.
أَمَّا الطِّفْلُ الْخَامِلُ عَلَى الدَّوَامِ فَهَذَا مَرَضٌ سَيَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَلِهَذَا نُوصِيكُمْ بِالِاعْتِدَالِ فِي الشُّعُورِ وَالْعِلَاجِ الْمُتَّزِنِ عِنْدَ حُدُوثِ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ فِي الْبُيُوتِ، وَرُبَّمَا إِذَا كَبِرُوا وَارْتَحَلُوا عَنْكُمْ سَتَشْتَاقُونَ إِلَى مُشَاكَسَتِهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ بَعْدَ أَنْ كَبِرَ أَوْلَادُهُ وَرَاحُوا عَنْهُ:
أَيْنَ الضَّجِيجُ الْعَذْبُ وَالشَّغَبُ *** أَيْنَ التَّدَارُسُ شَابَهَ اللَّعِبُ؟
أَيْنَ الطُّفُولَةُ فِي تَوَقُّدِهَا *** أَيْنَ الدُّمَى فِي الْأَرْضِ وَالْكُتُبُ؟
أَيْنَ التَّشَاكُسُ دُونَمَا غَرَضٍ *** أَيْنَ التَّشَاكِي مَا لَهُ سَبَبُ؟
أَيْنَ التَّبَاكِي وَالتَّضَاحُكُ، فِي *** وَقْتٍ مَعًا، وَالْحُزْنُ وَالطَّرَبُ؟
بِالْأَمْسِ كَانُوا مِلْءَ مَنْزِلِنَا *** وَالْيَوْمَ - وَيْحَ الْيَوْمِ- قَدْ ذَهَبُوا
حَتَّى إِذَا سَارُوا وَقَدْ نَزَعُوا *** مِنْ أَضْلُعِي قَلْبًا بِهِمْ يَجِبُ
أَلْفَيْتُنِي كَالطِّفْلِ عَاطِفَةً *** فَإِذَا بِهِ كَالْغَيْثِ يَنْسَكِبُ
كَمَا نُوصِي الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ بِاخْتِيَارِ الْبَرَامِجِ الْإِعْلَامِيَّةِ الْهَادِفَةِ لِأَبْنَائِهِمْ؛ فَإِنَّ لِبَعْضِ مُسَلْسَلَاتِ الْأَطْفَالِ غَيْرِ الْهَادِفَةِ أَثَرًا فِي إِثَارَةِ الشِّجَارِ وَالْغَيْرَةِ بَيْنَهُمْ.
فَيَا أَيُّهَا الْآبَاءُ الْكِرَامُ: اعْرِفُوا حَقِيقَةَ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ، وَاعْلَمُوا أَسْبَابَهَا، وَعَالِجُوهَا عِلَاجًا حَكِيمًا؛ حَتَّى تَسُودَ الْمَحَبَّةُ وَالْأُلْفَةُ بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ وَتَخْتَفِيَ مَظَاهِرُ الْغَيْرَةِ وَالشِّجَارِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بِالْحُبِّ قُلُوبَ أَوْلَادِنَا، وَبِالسُّلُوكِ الْمُسْتَقِيمِ سُلُوكَ فِلْذَاتِ أَكْبَادِنَا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات