عناصر الخطبة
1/مشكلة الفراغ وهمومه 2/خطر إدمان الأطفال على الجوالات 3/دور الآباء في انتفاع أولادهم بالإجازة 4/عظم ما تبذله المملكة في خدمة الحجاجاقتباس
وليس من المعقول أنْ يُعطى الأطفال الصغار جوالاتٍ ونحوها، وهم دون سنّ العاشرة؛ فتكون سببًا في فساد أخلاقهم، وضعفِ بصرهم، وإدمانهم للجوال ومواقع التواصل التي فيها من الشرّ ما لا يعلمه إلا الله، وليس من المعقول أنْ يُترك الأولاد مع جوالاتهم بلا قيد...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: انتهى طلابنا وأبناؤنا من همّ الاختبارات وطول الدراسة، وأُغلقت أبواب المدارس، وأغلقوا معها القلق والتفكير في المذاكرة، ولكنّ أبوابًا أُخرى تفتّحتْ لهم، وهمومًا أكبر وأعظم تنتظرهم؛ إنها أبواب وهمومُ الفراغ القاتل الذي ينتظرهم.
لقد كان الآباء واقفين مع أولادهم الاختبارات والدراسة، ويشدون من أزرهم، ويخفّفون من آلامهم، وينشغلون معهم، ولكنْ قلّ مِن الآباء مَن يقف مع أولاده تجاه الفراغ في الإجازة، وتجاه الأخطار المحدقة بهم فيها؛ فيملأ فراغهم، ويسدّ نهَمَهم وحاجاتِهم، بل كثيرٌ من الآباء يترك أولاده ويستريح مَن همّهم، وينشغل بالسفر والجلوسِ في الاستراحة والتمتعِ مع الأصدقاء، ويُواجه الولدُ المسكينُ الفراغَ القاتل لوحده!.
كم من أصدقاء السوء يتربصون بأولادنا، وكم هي القنوات والمقاطع الْمُخلّةُ تنتظر الفتك بهم، كم سيتعذّبون من فَرْط طاقتهم وعنفوان شبابهم!.
إنَّ الشباب والفراغ والجدة *** مفسدةٌ للمرء أيُّ مفسدة
وليس مِن المعقول أنْ تمضي الإجازة دون وضع خطة لاستثمارها، وليس من المعقول أنْ يُعطى الأطفال الصغار جوالاتٍ ونحوها، وهم دون سنّ العاشرة؛ فتكون سببًا في فساد أخلاقهم، وضعفِ بصرهم، وإدمانهم للجوال ومواقع التواصل التي فيها من الشرّ ما لا يعلمه إلا الله، وليس من المعقول أنْ يُترك الأولاد مع جوالاتهم بلا قيد، فيُصْبِحون عليه وينامون عليه، ولا يفْصلهم عنه إلا طعامٌ أو نوم، بل بعْضهم يأكل والجوال بين يديه، ووصل كثيرٌ من الأولاد إلى حدّ الإدمان؛ بسبب طول الجلوس معه، وكثرة استخدامه بلا حاجة.
فاتقوا - معاشر الآباء- ولا تتركوا أولادكم تتنازعهمُ الأهواء، ويُواجهون وحْدَهم أصدقاء السوء، ويتفرّغون لمواقع التواصل الاجتماعي، التي فيها من المصائب والأخطار والأضرار ما لا يعلمه إلا الله، فهذا من الغش والإخلال بالأمانة، وقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ".
وأيّ غشٍّ أعظمُ من تركِه ونفْسَه وهي الأمارةُ بالسوء، وتركِه يُصارع الفراغَ القاتل والمهلك، وإعطائِه كلّ أسباب الشقاء والهلاك، وجعلِه يُواجه خطورتها بنفسه؟.
قف معهم - أيها الأبُ- في هذه الإجازة، واجعل لهم نظامًا نافعًا وهادفًا، خذهم معك إذا خرجت، وابحث لهم عن أصدقاءَ صالحين أميْنين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
أيها المسلمون: لقد انتهى موسم الحج بحمد الله، وكلّ عاقل منصف يرى حجم ما تبذله هذه الدولة تجاه الحجاج، وتجاه المشاعر والحرم، من تنظيمٍ وترتيب قلّ نظيره، وخدمةٍ للحجاج وتوفيرِ الطعام والشراب والمكان لهم.
وكم رأينا وسمعنا من هجوم وكذب المغرضين والحاقدين على بلادنا وعلمائنا وولاةِ أمرنا، مع ما بذله علماؤنا وولاةُ أمرنا ورجالُ أمْنِنا في الحج، من الجهود المشكورة، والأعمال العظيمة؛ خدمةً لحجاج بيت الله، إلا أنّ كميةَ الحقد جعلتهم لا يرون شيئًا منها، وصدق القائل:
وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة *** ولكنَّ عينَ السُّخط تُبدي المساويا
نسأل الله أن يجزي القائمين على الحج خير الجزاء، وأنْ يكفينا شرّ الأعداء، إنه سميع قريب مجيب.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن،
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات