عناصر الخطبة
1/تبسم النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الأخير عندما رأى الصحابة صفوفا خلف أبي بكر 2/فضائل صلاة الجماعة في المسجد 3/حاجتنا إلى التذكير بفضل صلاة الجماعة والتبكير لهااقتباس
أيُّها المُؤمِنونَ: إنَّها صَلاةُ الجَماعَةِ التي تَعلَّقَ بِها قُلُوبُ الأتْقِياءُ، ورَابَطَ فِي انْتِظَارِها الأوْلِيَاءُ، وحَافَظَ عَلى إقَامَتِهَا الأوْفِيَاءُ؛ فِي المَشِي لها: تُرْفَعُ الدَّرَجاتُ، وتُكْتَبُ الحَسَناتُ، وتُمْحى السَّيِّئاتُ، ويُبشَّرُ المَشَّاؤونَ لها في الظُّلُمَاتِ بالنُّورِ التَّامِ يَومَ القِيامَةِ، ويُعِدُّ اللهُ -تَعالى- نُزُلاً وضِيَافَةً لِزوَّارِه فِي الجَنَّةِ كُلَمَا غَدَوا أو رَاحوا إلى المَسْجِدِ، فَمَا بَالُكَ بِمَصيرِ عَبْدٍ يَومَ القِيامةِ، قُد أُعِدَّتْ لَهُ الضِّيافةُ في الجَنَّةِ، وَهيَ تَنْتَظِرُه؟ وهَذا الذي عَلَّقَ قُلوبَ أهلِ الإيمانِ، حَتى...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71ٍ].
أَمَا بَعْدُ: مَرِضَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أيَّاماً، فَبينَمَا المُسْلِمونَ في صَلاةِ الفَجْرِ مِنْ يَومِ الاثنينِ وأَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ- يُصلِّي بِهِم، وَهُم صُفوفٌ في الصَّلاةِ كَشَفَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سِتْرَ الحُجْرَةِ وهو قَائِمٌ كَأنَّ وجْهَهُ ورَقَةُ مُصْحَفٍ، فنَظَرَ إليهم فتبسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمُّوا أنْ يَفْتَتِنوا مِنَ الفَرَحِ برُؤْيَةِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، فَنَكَصَ أبو بَكْرٍ علَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وظَنَّ أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- خَارِجٌ إلى الصَّلَاةِ، فأشارَ إليهم رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسَلَّمَ- بيدِهِ أن أتمُّوا صَلاتَكُم، ثمَّ دَخلَ الحُجرةَ وأَرخى السِّترَ، قالَ أَنسُ بنُ مالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: "فتوفِّي رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسَلَّمَ- في ذلِكَ اليومِ".
أيُّها المُؤمِنونَ: هَلْ عَلِمْتُمْ سِرَّ تَبَسُّمِهِ وسَعَادَتِهِ -بأبِي هو وأُمِّي- في آخِرِ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ؟
إنَّهُ ذَلِكَ المَنْظَرُ المُبْهِجُ وَهو يَرى المُسْلِمينَ مُجْتَمِعينَ صُفُوفَاً فِي صَلاةِ الجَمَاعةِ، فِي بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللهِ -تَعَالى-، قَدْ أَجابُوا دَاعيَ اللهِ، وأَقَامُوا شَرِيعَةَ اللهِ، وكَأَنَّ نَظْرةَ الوَداعِ تَقولُ لجَمِيعِ المُسلِمينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ ومَكَانٍ: لا خَوفٌ عَلِيكُم ما دُمْتُمْ مُحَافِظِينَ عَلَى صَلاةِ الجَمَاعَةِ في بُيُوتِ اللهِ -تَعالى-.
إنَّها صَلاةُ الجَماعَةِ التي تَعلَّقَ بِها قُلُوبُ الأتْقِياءُ، ورَابَطَ فِي انْتِظَارِها الأوْلِيَاءُ، وحَافَظَ عَلى إقَامَتِهَا الأوْفِيَاءُ؛ فِي المَشِي لها: تُرْفَعُ الدَّرَجاتُ، وتُكْتَبُ الحَسَناتُ، وتُمْحى السَّيِّئاتُ، ويُبشَّرُ المَشَّاؤونَ لها في الظُّلُمَاتِ بالنُّورِ التَّامِ يَومَ القِيامَةِ، ويُعِدُّ اللهُ -تَعالى- نُزُلاً وضِيَافَةً لِزوَّارِه فِي الجَنَّةِ كُلَمَا غَدَوا أو رَاحوا إلى المَسْجِدِ، فَمَا بَالُكَ بِمَصيرِ عَبْدٍ يَومَ القِيامةِ، قُد أُعِدَّتْ لَهُ الضِّيافةُ في الجَنَّةِ، وَهيَ تَنْتَظِرُه؟
وهَذا الذي عَلَّقَ قُلوبَ أهلِ الإيمانِ، حَتى قَالَ سعيدُ بنُ المُسَيِّبِ: "مَا فَاتَتني التَّكبيرةُ الأولى مُنذُ خَمسينَ سَنةٍ".
في المَسْجِدِ لا تَزَالُ في صَلاةٍ ما دُمْتَ في وَقتِ الانْتِظَارِ، وتَدْعُو لَكَ بالمَغْفِرةِ والرَّحْمَةِ المَلائكَةُ الأبْرَارُ، هُنَاكَ المَوعِدُ مَع عَلَّامِ الغُيُوبِ، وهُنَاكَ حَياةُ القُلُوبِ، وهُنَاكَ مَغْفِرةُ الذُّنوبِ، وهُنَاكَ الحَدُّ الفَاصِلُ بينَ النِّفَاقِ والإيمَانِ، كَما قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ".
وهَا هو عامِرُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ وَهُوَ يَجُوْدُ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: خُذُوا بِيَدِي، فَقِيْلَ: إِنَّكَ عَلِيْلٌ، قَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللهِ، فَلاَ أُجِيْبُهُ، فَأَخَذُوا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ مَعَ الإِمَامِ فِي المَغْرِبِ، فَرَكَعَ رَكْعَةً، ثُمَّ مَاتَ.
أتَعْلَمُونَ أنَّ اللهُ يَبْعَثُ مَلائكةً في اللَّيلِ والنَّهارِ يَحضرونَ الصَّلواتِ، يَشهدونَ على مَنْ حَضَرَ ومَنْ فَاتَ؟، ويَجتَمِعونَ في صَلاةِ العَصِرِ وصَلاةِ الصُّبْحِ: "ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟، فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ" فَهلْ اسْمُكَ مَرْفُوعٌ في سِجِّلاتِهم؟
وقُلْ لبِلالِ العَزمِ مِنْ قَلبِ صَادقٍ *** أَرِحْنَا بِها إنْ كُنْتَ حَقَّاً مُصَليَّاً
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَا بَعْدُ: فقد وَصَفَ اللهُ -تَعالى- أهْلَ المَساجِدِ، بأنَّه لا يُلهيهِم عن الصَّلاةِ شيءٌ، فَهي عِندَهم كِتاباً مَوقُوتاً، يَتْرُكونَ ما بأَيدِهِم ويُجيبونَ لها النِّداءُ، ولو كانوا في مَصْدَرِ رِزقِهم مِنْ بَيعٍ أو شِراءٍ: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور: 36-37] كَانَ إبراهيمُ بنُ مَيمونَ يَعملُ في الصِّياغةِ وطَرقِ الذَّهبِ والفِضةِ، وكَانَ إذا رَفعَ المِطرقةَ فَسمِعَ النِّداءَ لم يَرُدَّهَا.
يا أيُّها الأحبَّةُ: نَحْتَاجُ دَائمَاً إلى مَن يُذَكِّرُنا بفَضلِ صَلاةِ الجَمَاعةِ والتَّبْكِيرِ إلى المَسَاجِدِ، خَاصَّةً مع كَثْرةِ المَشاغِلِ والمُلهياتِ والتَّوَتُّرِ المُتَصَاعِدِ، فرَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَمَ لَمَّا رَأى التَّأخيرَ في أَصْحَابِه، قَالَ لهم مًذَكِّراً ومُحَذِّراً: "تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ".
ولِذَلكَ فَقَدْ كَانُوا يَخافُونَ من التَّأخرِ عن الصِّلاةِ، وكَانَ فَواتُ الصَّلاةِ مُصيبةً يُواسُونَ عَليهَا، قَالَ إبراهيمُ الوَاسِطيُّ: "رأيتُ أَبا الليثِ الخُراسَانيَّ بطَرَسُوسَ يُعَزَّى، قُلتُ: مَا شَأنْهُ؟ قَالوا: فَاتَتْهُ الصَّلاةُ في جَماعةٍ".
فإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ، وأَحْسَنَ اللهُ عزاءَنا إنْ كَانَتْ قُلوبُنا تَعلَّقَتْ في كُلِّ مكانٍ إلا في المَسجِدِ.
اللهُمَّ عَلِّقْ قُلُوْبَنَا بِالْمَسَاجِدِ، وَاجْعَلِ الصَّلَاةَ قُرَّةَ أَعْيُنِنَا، وَاجْعَلِ رَاحَتَنَا وَأُنْسَنَا فِيْهَا، اللهمَّ اجْعَلْنَا وذُرِّيَاتِنَا مُقِيمِي الصَّلاةِ، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعَاءَنَا.
اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ولوَالدِينا، اللهُمَّ أعزَّ الإسْلامَ والمُسلِمِينَ، وَوفِّقْ ولاتَنَا وَوُلاةَ المُسْلِمينَ لِمَا تُحبُّ وتَرضَى، اللهُمَّ أَعِنْهُم عَلى البرِّ والتَّقوى، وأَصْلِحْ لهُم البِطَانَةَ، وأَعنِهُم عَلى أَداءِ الحقِّ والأَمَانةِ.
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
التعليقات