عناصر الخطبة
1/ حقيقة العبودية والاستسلام لله 2/ استسلام الأنبياء والرسل لأمر الله 3/ صور من استسلام الصحابة والصحابيات لأوامر الله 4/ واقعنا مع أوامر الله تعالىاقتباس
انظروا إلى نساء الصحابة -رضي الله عنهن- لما نزل الأمر بالحجاب تسترن واحتجبن، وخرجن كما تصفهن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كأنهن الغربان السود، وكم من نسائنا اليوم توقن أن الحجاب فرض فرضه الله عليها، ولكنها لا تلتزم به، أو تلبس حجاباً كاذباً ملفتاً للأنظار...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ولي الصالحين، ورب الخلق أجمعين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وأصحابه ومن سلك هداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: إن المسلم الحقيقي هو المستسلم لله في كل شيء، الخاضع له في كل صغيرة وكبيرة، الذي إذا سمع أمر الله قبله وقام مباشرة لتطبيقه، وإذا سمع نهياً أو زجراً نهى الله عنه الله أو نهى عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- انتهى عنه وانزجر.
هذه هي حقيقة العبودية والاستسلام لله، فكلنا ندعي الإسلام ونزعم أننا عبيد الله! ولكن هل نحن فعلاً مسلمين مستسلمين لله، مُسلمين له في كل أمورنا؟ هل نحن -حقاً- عبيد لله حققنا معنا العبودية وعرفنا ماذا تعني كلمة (عبد) عندما نقول أننا عبيد الله؟ كل واحد منا سيدعي دعاوى عريضة، ويقول أقوالاً جميلة؛ ولكن ما حقيقة هذه الدعاوى، وما صحة هذه الأقوال؟ وهل تتطابق أقوالنا مع أفعالنا؟ أم أننا عبيد لله فيما نريد، وعبيد لأنفسنا وشهواتنا فيما تريد؟
تعالوا بنا اليوم لنتعرف على أهل الاستسلام الحقيقيين لنقارن أنفسنا بهم، ولنرى مدى حقيقة ادعاءاتنا التي ندعيها من أننا مسلمين لله، ومستسلمين له، وعبيد له -جل جلاله وعز كماله-.
لنبدأ بأول رسول أرسله الله، إنه سيدنا نوح -عليه السلام-، يقول الله -سبحانه وتعالى- عنه: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [هود:45-47].
إن سيدنا نوحاً -عليه السلام- أخبره ربه بأنه سيهلك قومه ويعذبهم، ووعده بأن ينجي أهله، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود:40]، فلما وقع العذاب دعا نوح ربه أن ينجي ابنه كما وعده، فقال له الله: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، فَلا تَسْأَلْنِ ما لا تعلم عاقبته ومآله، إني أعظك وعظا تكون به من الكاملين، وتنجو به من صفات الجاهلين.
فحينئذ ندم نوح، -عليه السلام-، ندامة شديدة، على ما صدر منه، و(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فاستسلم نوح -عليه السلام- وأذعن، ولم يعترض، ولم يناقش، ولم يراجع ربه مرة أخرى في ولده، وإنما قال مباشرة: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
أما أبو الأنبياء الذين سمانا المسلمين، ووصى أبناءه وذريته من بعده بالإسلام والاستسلام لله رب العالمين، سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، فقد كلفه الله بأمر عظيم، وأمره بأن يقوم بعمل صعب جداً جداً على النفوس أن تعمله، إنه الذبح! تخيلوا هذا -ياعباد الله- ليس القتل ولكنه الذبح، ولمن؟! هنا العجب العجاب، أمرَه الله أن يذبح ولده، نعم ولده الذي رزقه الله به بعد سنوات طويلة من اليأس من الأولاد وإنجاب الذرية، إلا أن أمر الله قد صدر، وقوله الحق قد قيل.
فماذا كان موقف سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-؟ هل تلكأ؟ هل قال سأنظر في الأمر؟ هل تحدث بكلام يدل على شيء من الاعتراض وعد الرضا؟ كلا، ماذا قال؟ لم يقل شيئاً وإنما مباشرة نفذ، وألقى بالسكين على صفحة عنق ابنه وتلّه للجبين استعداداً للذبح، (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) [الصافات:101-109].
وأمرت بذبحك يا ولدى *** فانظر في الأمر وعقباه
ويجيب العبد بلا فزع *** افعل ما تؤمر أبتاه
لن أعصي لإلهى أمرًا *** من يعصي يوما مولاه ؟!
واستل الوالد سكينًا *** واستسلم ابن لرداه
ألقاه برفق لجبين *** كي لا تتلقى عيناه
أرأيتم قلبا أبويا *** يتقبل أمرًا يأباه؟
أرأيتم ابنًا يتلقى *** أمرًا بالذبح ويرضاه؟
وتهز الكون ضراعات *** ودعاء يقبله الله
تتوسل للملأ الأعلى *** أرض وسماء ومياه
ويقول الحق ورحمته *** سبقت بفضل عطاياه
صدقت الرؤيا لا تحزن *** يا إبراهيم فديناه
وإذا كان أبو الأنبياء -عليه السلام- مستسلماً لله، وابنه أيضاً أذعن وسلم مباشرة، فإن زوجة إبراهيم أيضاً كانت كذلك، حيث وضعها سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في مكة، ومكة يومئذ واد مكفهر غير ذي زرع وراح وتركها، فلما قالت له: "آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم، فأجابت بكلمة حكيمة تدل على استسلام كامل، وتسليم مطبق للأمر، قالت: "إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا".
أما رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقد كانت حياته كلها استسلام لله، وإذعان وتسليم وانقياد وتقبل ورضا؛ فما من أمر أو نهي إلا وهو -صلى الله عليه وسلم- أول المسارعين إلى تنفيذه والقيام به، ولم يترك شيئاً من الخير إلا وعمله وحث الأمة عليه، ولم يترك شراً إلا وانتهى عنه وزجر الناس عن فعله، فكان -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- قرآناً يمشي على الأرض.
وهكذا كان أصحابه الكرام من بعده -رضي الله عنهم وأرضاهم-، فقد حذوا حذوَ رسولهم -صلى الله عليه وسلم- واقتدوا به، وساروا كما سار -عليه الصلاة والسلام-، فكانت لهم مواقف عجيبة تحيي القلوب، وتسر النفوس؛ فعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-، قَالَ: "اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ" ، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ) [البقرة:219] ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ"، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) [النساء:43]، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ بَيِّنَ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ"، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي المَائِدَةِ: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:91] فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: "انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا" [ الترمذي:3049].
انتهوا عن شرب الخمر، وتوقفوا عن تعاطيه، مع أنه كان عندهم شيئاً مألوفاً ومشهوراً، بل ويتغنون به، ويفتخرون بشربه، ويعتبرونه شرابا طبيعيا جداً؛ كالقهوة أو الشاي الذي يصعب على الإنسان الذي ألفه أن يتركه، أو يتوقف عن شربه.
أما النساء فإن للنساء أمثلة فريدة، ومواقف شريفة، وقصص مثيرة، في أمر التسليم؛ فقد روى أبو داود -رحمه الله- عنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا نَزَلَتْ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:59]، خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنْ الْأَكْسِيَةِ" [أبو داود:3578].
وإن تعجبوا فاعجبوا من هذا الموقف الغريب العجيب حقاً، تقول أم المؤمنين عَائِشَةَ -رضي الله عنها- جَلَسَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ: "اجْلِسُوا"، فَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اجْلِسُوا"، فَجَلَسَ فِي بَنِي غَنَمٍ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَاكَ ابْنُ رَوَاحَةَ جَالِسٌ فِي بَنِي غَنَمٍ، سَمِعَكَ وَأَنْتَ تَقُولُ لِلنَاسِ: اجْلِسُوا، فَجَلَسَ فِي مَكَانِهِ" [المعجم الأوسط:9128]. وفي رواية: فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: اجْلِسُوا فَجَلَسْتُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:زَادَكَ اللَّهُ طَاعَةً" [مصنف عبد الرزاق:5367].
وكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعجب بموقفه وإذعانه واستسلامه، فلذلك لم يؤنبه ولم يعاتبه على ذلك، بل قال له: "زَادَكَ اللَّهُ طَاعَةً"، مع أن ابن رواحة توقف عن دخول المسجد، وبقي خارج المسجد جالساً في المكان الذي سمع فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اجلسوا"، فتوقف عن مواصلة الخطوات والمشي وتوقف مكانه رغم حرارة الشمس، وهذا -والله- مثل عجيب رائع في الاستجابة والاستسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24]. ويقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65]، وقال -جل وعلا-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب:36].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: رأينا كيف كان حال أنبياء الله ورسله -عليهم الصلاة والسلام- مع التسليم، وكيف كان إذعان الصحابة والسلف الصالح وتسليمهم وانقيادهم لدين الله وشرعه، وهذا ما رفعهم، وأعلى منزلتهم، وميزهم عن غيرهم.
ولكن تعالوا بنا نتأمل في واقعنا، ونرى مدى إذعاننا واستسلامنا، لننظر من حولنا سنرى عجباً، ألسنا جميعاً نعلم أن الصلاة واجبة وركن عظيم من أركان الإسلام، ونسمع الآيات والأحاديث في الأمر بها والزجر عن تركها، ومع ذلك تجد أن الملايين من المسلمين لا يصلون.
ونسمع عن أمور كثيرة أنها منهي عنها، وفيها مخالفة صريحة للدين، ومع ذلك نمارسها ونفعلها، فنحلف بغير الله، ونعصي أهلنا ووالدينا، ونشاهد الحرام في قنواتنا ولا نبالي، ولا نتحرى كثيراً في أكل الحرام، مع علمنا بحرمة هذه الأمور والنهي عنها.
بل تجد عندنا لا مبالاة واضحة بأمر الله ونهيه، وأحياناً -والعياذ بالله- يصل الحال بالبعض إلى أن يسخر ويستهزئ بأوامر الله وأحكام دينه وشرعه، ويرى أنها قابلة للجدل والنقاش، ويعترض عليها ولا يسلم بها، ويصرح بعدم رضاه عن بعضها، وهذا هو الكفر المبين (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:85].
إن الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- لما نزل تحريم الخمر قاموا مباشرة بإراقتها، وتكسير آنيتها، والانتهاء عن تعاطيها وشربها، ونحن اليوم تجد فينا من يعلم بحرمة تعاطي المسكرات، وأكل القات، وشرب الدخان، ومع ذلك فلا ينتهون ولا ينزجرون! (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة:91].
انظروا إلى نساء الصحابة -رضي الله عنهن- لما نزل الأمر بالحجاب تسترن واحتجبن، وخرجن -كما تصفهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- كأنهن الغربان السود، وكم من نسائنا اليوم تُوقن أن الحجاب فرض فرضه الله عليها، ولكنها لا تلتزم به، أو تلبس حجاباً كاذباً ملفتاً للأنظار، فيه تمرد واضح على الحجاب الشرعي الصحيح.
فما علينا إن أردنا أن نكون عبيداً لله حقاً إلا أن نكون من أهل الاستسلام، وأهل الخضوع والاستجابة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا -والله- هو الفلاح الأكيد، والحياة السعيدة الطيبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) [الشورى:47]، وقال: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [الرعد:18].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم اجعلنا مكثرين لذكرك، مؤدين لحقك، مستجيبين لأمرك، خاضعين لك. اللهم أعنا على أنفسنا، وأعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
التعليقات