عناصر الخطبة
1/الحث على التوبة والتحذير من القنوط من رحمة الله 2/شروط التوبة النصوح 3/البلاء النازل على المسلمين سببه الذنوب والمعاصي 4/أكبر كبيرة اقترفتها الأمة تنحية الإسلام عن سُدّة الحكم 5/التوسع الإسرائيلي الاستيطاني في القدس 6/واجب الأمة نحو القدس والأقصىاقتباس
إن من أكبر الكبائر التي اقترفتها الأمة هو: تنحية الإسلام عن سُدّة حكمها، واستبدلوا الحكم الذي هو أدنى بالذي هو خير، فأي نفع حقّقته الأمة جرّاء احتكامها إلى قوانين الأرض الوضعية، أو إثارة النزعات القومية والإقليمية؟! لقد زادت فرقة الأمة، ووقعت في ضنك الحياة، وأصبحت في ذيل قافلة الأمم الأخرى جرّاء تفريطها في حب الله وإعراضها عن ذكره. ولا سبيل إلى النجاة من هذا الحال المؤلم إلا بـ....
الخطبة الأولى:
يقول الله -تعالى- في محكم كتابه العزيز: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الزمر: 53-55].
أيها الناس: هذه دعوة كريمة من الله -جل وعلا- لعباده أن لا يقنطوا من عفوه ورحمته، بل يتوبوا إليه، ويرجعوا إلى رحاب كرمه وجوده، وعفوه ومغفرته.
فهو سبحانه الغفور الرحيم لمن آمن به ربًّا، ولم يشرك به أحدًا، واتّبع السبيل الذي أنزل على سيد الخلق أجمعين، إذ الإنسان مَجْبُولٌ على الميل إلى الهوى، وقد حُفّت الجنة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات، كما لا تضرّ مع الإيمان معصية، ولا تنفع مع الكفر والشرك طاعة.
فالمعصية تمسحها التوبة، ويغسلها الاستغفار، فالله يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82].
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: لقد حثّت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة على التوبة؛ من ذلك قول الله -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) [التحريم: 8].
وقوله تعالى: (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [الفرقان: 71].
والرسول يقول: "والله إني لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة".
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -عز وجل- يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغِر" أي تصل الروح إلى الحلقوم.
أيها المسلمون: ولقد قرّر العلماء -رضوان الله عليهم- أنّ التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله -تعالى- فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يُقْلِع التائب عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعل المعصية.
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إلى المعصية أبدًا.
وإن كانت المعصية تتعلّق بحق الآدمي فعلى التائب أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو متاعًا ردّه إلى صاحبه، وإن كانت غيبة أو نميمة طلب المسامحة والصفح ممن اغتابه أو نَمَّ عليه.
وهذه شروط التوبة النصوح التي ندبنا الله إليها، فليحرص كل منا أن يتوب إلى الله من جميع ذنوبه، وينخرط في سلك الطاعة حتى نكون في صفّ من أنعم الله عليهم بقوله: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 70].
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن البلاء النازل على العالم وعلى المسلمين على وجه الخصوص؛ سببه كثرة الذنوب والمعاصي التي وقع فيها المسلمون.
فأي ذنب فعلته الأمم السابقة، وأُهلكت بسبب لم تقترفه أمتكم؟ ولولا رحمة الله بهذه الأمة بتكريم نبيكم باستجابة الله له بأن لا يُهلِك أمته بما أهلك به الأمم السابقة لهلكت أمتكم، فلله الحمد والمنّة، والصلاة والسلام على رسول وسيد هذه الأمة صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود، والشافع المشفَّع يوم تجثوا الأمم ولسان الحال يقول: "اللهم نفسي" فيشفع للأمم بالحساب، وللمذنبين من أمته بالنجاة من النار -أعاذنا الله من عذابها، إنه هو الرؤوف الرحيم-.
أيها المسلمون: أما آن لأمتنا أن تعلن توبة صادقة نصوحًا، وتسلم قيادها إلى الله بالإنابة إليه واتباع أحكام كتابه العزيز في جميع شؤون حياتها، والسير على هدي نبينا -عليه الصلاة والسلام-، فهذا السبيل هو سبيل العزة والكرامة، وهو الطريق لنيل رضوان الله في الدنيا والآخرة، وهو عنوان التوبة من جميع الذنوب التي تحول بين الأمة وبين عزّتها.
إن من أكبر الكبائر التي اقترفتها الأمة هو: تنحية الإسلام عن سُدّة حكمها، واستبدلوا الحكم الذي هو أدنى بالذي هو خير، فأي نفع حقّقته الأمة جرّاء احتكامها إلى قوانين الأرض الوضعية، أو إثارة النزعات القومية والإقليمية؟!
لقد زادت فرقة الأمة، ووقعت في ضنك الحياة، وأصبحت في ذيل قافلة الأمم الأخرى جرّاء تفريطها في حب الله وإعراضها عن ذكره.
ولا سبيل إلى النجاة من هذا الحال المؤلم إلا بالعودة الصادقة إلى منهاج الله، وبتوبة نصوح لمحو الذنوب؛ لتكون أهلاً لرحمة الله التي لا يقنط منها إلا القوم الكافرون.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله -عز وجل -: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرّب إليّ بشبر تقرّبت إليه ذراعًا، ومن تقرّب إليّ ذراعًا تقرّبت إليه باعًا، وإذا أقبل إليّ يمشي أقبلت إليه أهرول" أو كما قال.
وقال: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله....
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: خلال الأيام القليلة الماضية نشرت وسائل الإعلام المحلية الإسرائيلية خبرًا مفاده أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنوي إقامة حي استيطاني في مدينة القدس بالقرب من باب الساهرة، أحد أبواب البلدة القديمة لمدينة القدس.
وقد وافقت لجان التنظيم والبناء على إقامة هذا الحي، بالرغم من قربه من أسوار البلدة القديمة الذي تمنع سلطات البناء والتنظيم إقامة أي بناء بالقرب منه، كما أن الأبنية التي ستقام هناك ستكون مرتفعة عن سور المدينة القديمة؛ مما يؤثّر على طابع أبنيتها، ويغيّر معالم المدينة.
ويأتي هذا العدوان الجديد في الوقت الذي تتسارع فيه أعمال البناء في جدار الفصل العُنْصِريّ حول مدينة القدس؛ لعزلها عن محيطها الفلسطيني، ويتزامن مع الحملة المسعورة بهدم البيوت العربية، وتشريد سكّانها بحجة عدم الترخيص وغيرها من الذرائع الواهية التي تتذرّع بها سلطات الاحتلال؛ لتنفيذ أهدافها التي ما عادت تنطلي على أحد بتهويد المدينة المقدّسة، وتغيير واقعها الحضاري والتاريخي والسكّاني، مما يُهَوّد مقدّساتها وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك الذي تحول سلطات الاحتلال بينه وبين المصلين من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، وتُمْعِن في إجراءاتها التّعَسُّفِيّة في تضييق الخناق على المسجد والمصلين فيه من خلال نصب المزيد من آلات التصوير عند بوّاباته والطرق المؤدية إليه، في إجراءات غير مسبوقة، ولا يكاد مكان عبادة في العالم تؤدّى فيه العبادة في ظل حصار آلي وعسكري كما يجري في المسجد الأقصى المبارك.
وإننا من على هذا المنبر الشريف لنحمّل العالمين العربي والإسلامي والعالم بأسره مسؤولياته في حماية المدينة المقدّسة، ولَجْم سلطات الاحتلال من تنفيذ مخططاتها الهادفة إلى تهويد المدينة، والاعتداء على حضارتها الإسلامية وتراثها الإنساني.
أما أنتم يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، يا من شرّفكم الله بسدَانة المسجد الأقصى، وجعلكم من المرابطين فيه وحوله، وقدّر لكم الوصول إليه في الوقت الذي لا يستطيع آلاف الملايين من المسلمين أن تكتحل عيونهم برؤيته والصلاة فيه؛ فعليكم بالمزيد من شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى لإعماره، والصلاة فيه في جميع الأوقات وعلى مدار أيام السنة، وبهذا تساهمون في حماية المسجد، وتؤكّدون عروبة وإسلامية مدينة القدس، أمانة الفاروق عمر، ومحرَّرة صلاح الدين، فإن السماء لا تمطر قُدْسًا كل يوم.
التعليقات