عناصر الخطبة
1/اغتنام ما بقي من شهر رمضان 2/الصوم فرصة لتزكية النفوس وإصلاح القلوب 3/أقسام المسلمين في الصيام 4/أعلى درجات الصائمين وأفضلهماقتباس
لقد ذهب ثلث هذا الشهر، وبقي الثلثان، وما بقي أهم مما ذهب؛ لأن الأعمال بالخواتيم؛ فضاعفوا الجهد في أنواع الطاعات من صيام وقيام وصلاة، وتفطير للصائمين، وقراءة للقرآن الكريم، وحفظ للسان والجوارح من اللغو والرفث وغير ذلك، وأحسنوا الظن.
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أيها الصائمون الذين صمتم نهار رمضان، وقمتم ليله، لقد ذهب ثلث هذا الشهر، وبقي الثلثان، وما بقي أهم مما ذهب؛ لأن الأعمال بالخواتيم؛ فضاعفوا الجهد في أنواع الطاعات من صيام وقيام وصلاة، وتفطير للصائمين، وقراءة للقرآن الكريم، وحفظ للسان والجوارح من اللغو والرفث وغير ذلك، وأحسنوا الظن.
واعملوا على إصلاح القلوب وتطهيرها من الأمراض؛ أمراض الغل والحقد والحسد، والكبر والنفاق، والشح والبخل، وغير ذلك؛ فالصوم فرصة لتزكية النفوس والقلوب والأبدان من المعاصي والآثام.
ولقد قسم العلماء صيام المسلمين إلى ثلاثة أقسام أو ثلاث مراتب:
القسم الأول: قسم من المسلمين يصوم عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، لكنه وقع في آفات اللسان والجوارح، فتجده صائمًا لكنه يغتاب المسلمين، ويعمل النمائم والدسائس بين المسلمين؛ فهذا النوع من المسلمين لم ينتفع كثيراً من صومه، وليس له من صومه إلا الجوع والعطش، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا النوع من الصيام، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن لم يدع قول الزور والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
وفي الحديث "رُبّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش"(رواه ابن ماجه وحسنه الألباني). هذا القسم الأول الذي صام فقط عن الأكل والشرب وغيرها من المفطرات لكن آذى المسلمين بلسانه وجوارحه فخسر كثيراً.
أما القسم الثاني: فهو الذي صام عن المفطرات، ثم حفظ لسانه وجوارحه عن الزلل؛ فاستطاع أن يتحكم في لسانه وفي سلوكياته، فتجده صائمًا لا يغتاب المسلمين ولا يسبّ ولا يشتم أحداً من المسلمين قريباً من أهله أو بعيداً، وإذا سابّه أحداً أو شاتمه قال: إني صائم؛ ملتزمًا بتوجيه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه إذا تعرّض الصائم للإساءة "فليقل إني صائم". وفي رواية "إني امرؤ صائم".
فهذا القسم من المسلمين الذين لم يقعوا في المفطرات وحفظوا جوارحهم هم المستفيدون من صيامهم حقاً، وقد نفعهم الله بالصيام وإن استمروا على ذلك فسوف يتغير حالهم إلى الأفضل بعد رمضان؛ لأنهم حقَّقوا التقوى في الصيام؛ كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:183].
فحقيقة التقوى في الصيام ليس الامتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات فقط، بل الامتناع عن كل ما يجرح الصوم من آثار الجوارح، وخاصة آفات اللسان والفرج؛ فلم يرتكبوا الزنا واللواط وغيره من الفواحش، ولم يعتدوا على أحد بألسنتهم بغيبة أو نميمة أو سبّ أو شتم، أو غير ذلك على أحد، كما أنهم لم يعتدوا بأيديهم بالسرقة أو الضرب بالباطل والظلم، ولم ينظروا بأعينهم في حرام؛ سواء في الأسواق أو في المسلسلات والتمثيليات الهابطة التي فيها نساء كاسيات عاريات، ولم يسمعوا حرامًا من غناء أو غيره.
نسأل الله أن يحفظ جوارحنا من الحرام؛ فهذا النوع من الناس الذين حفظوا أنفسهم عن المفطرات، وحفظوا جوارحهم قد حقَّقوا التقوى التي في الآية الكريمة.
أما القسم الثالث -وهو أفضل الأقسام- فهم الذين صاموا عن المفطرات، وحفظوا ألسنتهم وجوارحهم في رمضان، ثم زادوا على ذلك بأن صانوا قلوبهم عن سوء الظن في المسلمين، وعن الكيد في المسلمين، وابتعدوا عن أمراض القلوب والكيد ضد المسلمين ويحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم؛ فقلوبهم سليمة لا تسيء الظن في المسلمين إلا بالدليل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[الحجرات:12]؛ فهم الذين صاموا حقاً، وهذه درجة الأنبياء والأولياء والصالحين.
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا جميعًا منهم؛ كما نسأله -سبحانه وتعالى- أن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه؛ كما نسأله أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه؛ إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه.
فقد سمعتم الأقسام الثلاثة للصائمين، وأن أسوأها هم الذين صاموا عن المفطرات فقط، لكنهم أطلقوا جوارحهم في المحرمات؛ من نظر محرم في وسائل الإعلام أيّاً كانت أو سماع محرم أو سبّ أو شتم أو غيبة باللسان، أو غير ذلك، وعلى المسلم أن يرتقي بنفسه إلى الأفضل؛ فيصون جوارحه ويصوم قلبه عن الحسد والحقد وسوء الظن، ويحسن الظن بإخوانه المسلمين؛ فهذا الصوم الحقيقي. نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه.
ألا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا ووالدينا وجميع المسلمين الأحياء منه والأموات.
اللهم تقبّل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال.
اللهم أعتق رقابنا في هذا الشهر وآباءنا وأمهاتنا وأقاربنا وجميع المسلمين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات