عناصر الخطبة
1/عظم قدر الشهادة برسول الله وحقوقها 2/وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته 3/حقيقة شهادة أنَّ محمد رسول الله وحقوقها 4/وجوب اتّباع السّنة والعمل بها.اقتباس
من حُسْن وفائنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن تكون لنا وقفة صادقة مخلصة مع تلك الشهادة الجليلة العظيمة، حينما ننطق بها فنقول: "أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"، وقفة نعرف من خلالها: أمرين: الأول: نعرف قَدْر هذه الشهادة، والثاني: نعرف حقوقها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ من حسن وفائنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن تكون لنا وقفة صادقة مخلصة مع تلك الشهادة الجليلة العظيمة، حينما ننطق بها فنقول: "أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"، وقفة نعرف من خلالها: أمرين: الأول: نعرف قَدْر هذه الشهادة، والثاني: نعرف حقوقها. وفاءً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن أيها الإخوة المؤمنون: قبل أن نعرف قدر هذه الشهادة وحقوقها، على كل مَن يشهد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أنْ يعرف بأنّ محمدًا الذي يشهد له أنه رسول الله، كان وفِيًّا له، كان وفيًّا لكل فرد في هذه الأمة، كان وفيًّا لهذه الأمة.
نعم، أيها المؤمنون بالله وبرسوله، لقد كان محمد -صلى الله عليه وسلم- وَفِيًّا لهذه الأمة، وفيًّا لها في حياته، ووفيًّا لها بعد مماته، وفيًّا لها في حياتها، وفي مبعثها، لقد كان وفيًّا لها لدرجة أنه بكى لأجلها، بكى سيد الخلق لأجل أُمّته، لا لأجل نفسه أو لأجل دنياه، بل وفاء لها ورحمة بها، ففي صحيح مسلم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: تَلَا قَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي إِبْرَاهِيمَ: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)[إبراهيم:36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[المائدة:118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي"، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟"، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: "يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ". نعم، قال له ربه جزاءً له وإكرامًا له وعطاء له، "إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ"، كما قال له ربه -سبحانه- في سورة الضحى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضحى:5].
هو الحبيب، الوفيّ -صلى الله عليه وسلم-، يبكي لأجل هذه الأمة، ويبكي رحمةً بهذه الأمة، ولكن للأسف، هناك مَن يُبكي هذه الأمة مِن بني جلدتها، ويحزنها، ويجلدها، ويأكل أموالها، ويضيق عليها، ويُدمّر قِيَمها وأخلاقها، ويفقرها، ويبكي رجالها ونساءها وأطفالها، ويشتت شبابها.
صلَّى عليك الله يا رسول الله، ما أوفاك لأمتك!، ما أوفاك لمن شهد أن محمدًا رسول الله!، قد بلغ من عظيم وفائه لهذه الأمة، ولمن شهد بالتوحيد والرسالة، أنه آثر أمته بدعوة له مستجابة ليوم القيامة؛ حيث لا ينفع مال ولا بنون، وحيث الكلّ يحتاج للشفاعة، ففي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا فَيُسْتَجَابُ لَهُ، فَيُؤْتَاهَا، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". الله أكبر، أيّ وفاء هذا منك يا رسول الله! -صلوات ربي وسلامه عليك-.
أيها المؤمن: هل تعرف قَدْر "أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"؟
عباد الله: هذا هو محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا شيء يسير من وفائه لأمته، ووفائه لكل مَنْ يشهد أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن أيها الإخوة إنّ مَنْ يشهد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، عليه أن يعرف "قدر هذه الشهادة العظيمة".
نعم، إنّ مَنْ يشهد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، عليه أن يؤمن ويقطع جازمًا: أنه على الحق، وعلى صراط مستقيم، فلا مَنْ شهد أن المسيح ابن الله من النصارى على الحق، ولا من شهد أن عزيزًا ابن الله من اليهود على الحق، ولا من شهد أن الملائكة بنات الله من المشركين على الحق، قال الله -تعالى-: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ)[البقرة: 213].
ولذلك، وكما في صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، هَدَانَا اللهُ لَهُ- قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ- فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى".
وجاء في تفسير هذه الآية من كلام المفسرين -كما هو عند ابن كثير-:
- فاختلفوا في الجمعة، فاتخذه اليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة.
- واختلفوا في القبلة، فاستقبلت اليهود بيت المقدس والنصارى المشرق، فهدانا الله الحق من ذلك.
- واختلفوا في إبراهيم -عليه السلام-، فقالت اليهود: كان يهوديًّا، وقالت النصارى: كان نصرانيًّا، وجعله الله حنيفًا مسلمًا، فهدى الله أمّة محمد للحق من ذلك.
- واختلفوا في عيسى -عليه السلام-، فقالت اليهود: هو ابن زنا، وقالت النصارى: هو ابن الله؛ فهدانا عبد الله ورسوله.
"أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"؛ قدرها عظيم، وقدر قائلها عظيم، إن قالها كما أرادها الله، وكما أرادها رسول الله، فعلى من يشهد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أن يعرف حقيقتها، بعد أن عرفَ قدرها.
أيها الإخوة: إنَّ من يشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، عليه أن يرضى بمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا، ورسولاً، ففي مسند أحمد، والحديث صحيح لغيره، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- نَبِيًّا، إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قال العلماء في شرح هذا الحديث: "إن من رضي بمحمد رسولاً، لا يقبل بغير حكمه بديلاً"، فمن رضي بغير حكمه بديلاً لم تنفعه "أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"؛ لأن الله فصَّل وحكَم، فقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65]، فهذه هي حقيقة شهادتك أن محمد رسول الله، وحقيقة قولك: رضينا بمحمد نبيًّا ورسولاً.
أيها الإخوة: إنّ مَنْ يشهد أن محمدًا رسول الله، يجب عليه أن يقرأها من القرآن ليعرف حقيقتها، فقد قال الله -عز وجل-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29], هذه هي حال من يشهد أن محمدًا رسولُ الله، لا العكس، كحال بعض المسلمين اليوم: شديد، قاسٍ على المؤمنين، على الدعاة المخلصين، على المسلمين البريئين، على والده، على جاره المسلم، ولكنك تجده، سمحًا، أليفًا، وديعًا، مع أعداء الدين والأمة. ومن كانت هذه حاله، لا تنفعه أشهد أن محمدا رسول الله، فمحمد رسول الله والمؤمنون معه، أشداء على الكفار رحماء بينهم.
أيها الإخوة: إن من يشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، عليه أن يذبّ عن حمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويدفع عن عِرْضه، ويحزن لما يسؤوه، ويغضب لما يغضبه، واسألوا الصدّيق في الذبّ عن الحبيب: فقد قال علي -رضي الله عنه- يومًا: "أيها الناس؟ مَن أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين. فقال: أمَا إني ما بارزني أحد إلا انتصفتَ منه، ولكن هو أبو بكر -رضي الله عنه-، فلقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذته قريش فهذا يحادّه، وهذا يتلتله، ويقولون له: أنت جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر: يضرب هذا، ويجاهد هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، ثم رفع عليّ بردة كانت عليه، فبكى حتى أخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم لله أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟ فسكت القوم؟ فقال: فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل يعلن إيمانه".
أيها الإخوة المؤمنون: إن مَن يشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، عليه أن يعلم أن الطريق الوحيد الموصلة إلى الله، الموصلة إلى رضوان الله، الموصلة إلى أبواب الجنة: هي طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقط، ولا طريق لا غير. قال الله -عز وجل-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران:31]. وقال -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر:7].
أيها الإخوة: يجب علينا أن نحذر، وأن ندرك جيدًا: أن مَنْ يتخلّى عن طريق محمد -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا، فإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يتخلَّى عنه في الآخرة، بل إنه يدعو عليه، ولذلك لما تُقْبِل جموع من أمّته ليشربوا من حوضه الشريف، فيذادون، عنه ويمنعون من الوصول إليه والشرب منه، فيقول -صلى الله عليه وسلم- عندها: أُمّتي أُمّتي، لكن حينما تُكشف حقيقته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يختلف الأمر تمامًا.
ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ"، وفي رواية: قَالَ: "إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي". وفي صحيح مسلم: "أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا". وقوله: "سُحْقًا سُحْقًا" معناه: "بُعْدًا بُعْدًا، والمكان السحيق: البعيد، ونُصِبَ على تقدير ألزمهم الله سُحقًا أو سحقهم سُحقًا".
نعم, يجب علينا أن نحذر، فإن لشهادة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حقيقتها وطريقها القويمة الواضحة العادلة، ففي صحيح مسلم، نادى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته وأقاربه، بنداء العقيدة الواضح، أن طريق النجاة هي اتباع الهدي النبوي لا النسب النبوي، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا".
ولا أدري حقًّا، ماذا يفعل لنا رسول الله الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من ذلك. وأكثر من هذا النصح والإرشاد والحرقة الكبيرة علينا، وبيان طريق النجاة لنا، لقد قال لكل من يشهد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، كما في صحيح البخاري: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا". جاء في تعليق البغا على الحديث: "التي تقع في النار" ما يتهافت في النار من الحشرات الطيارات. "ينزعهن" يدفعهن ويمنعهن. "فيقتحمن" يهجمن ويرمين بأنفسهن. "آخذ" أمسك بشدة "بحجزكم" جمع حجزة وهي معقد الإزار وهو كناية عن حرصه -صلى الله عليه وسلم- على مَنْع أمته عن الإتيان بالمعاصي التي تؤدّي بهم إلى الدخول في النار. "وأنتم تقحمون" أصلها تتقحمون فحذفت إحدى التائين تخفيفًا. وفي رواية "وهم يقتحمون".
"أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"، أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
"أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ": أيها المؤمنون: إنَّ من يشهد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، عليه فيما عليه من القيام بحقيقتها أن يعظّم سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عليه أن يُوقّر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فيقدّمه على رأيه، وعلى رأي شيخه، وعلى رأي مذهبه، وعلى رأي حزبه.
واسالوا الشافعي الذي فقه حقيقة هذه الشهادة، عن تعظيم سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فقد سأله رجل يومًا عن مسألة، فأفتاه الشافعي، قائلاً له: "قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: كذا وكذا، فقال الرجل للشافعي: وأنت تقول بهذا الحديث؟ فارتعد الشافعي -رحمة الله-، واصفرَّ لونه، وقال للرجل: أرأيت في وسطي زُنّارًا؟ أتراني خرجت من الكنيسة؟ أقول لك: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقول لي: أقول بهذا؟ ويحك: أيّ أرض تقلّني، وأي سماء تظلّني إذا رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا فلم أقل به". فكن مُتّبعًا لسنة نبيك، مُعظِّمًا لها، مُوقِّرًا لأقوالها وأفعالها، فهذا من حقيقة شهادتك، أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
"أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"، اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خاصة.
التعليقات
زائر
20-08-2023محمد رسول الله