عناصر الخطبة
1/ نعيم أهل الجنة 2/ وصفٌ لأشجار الجنة 3/ العملُ للتنعُّمِ بالجنةاهداف الخطبة
اقتباس
لن نتكلم عن قصور الجنة، ولا عن دوابها، ولا عن أنهارها، ولا عن طيب ريحها، ولا عن نسائها؛ سنتكلم عن أشجار الجنة، وثمار تلك الأشجار.
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد: حينما يتكلم الإنسان عن نعيم رآه، فمهما تحدث عن هذا النعيم فإنه لا يتجاوز حدود تفكير البشر؛ لكن، حينما يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) [المطففين:23، الانفطار:13]، فإن المؤمن يعلم أن هذا النعيم لا يجارى، وأن منه ما لا يخطر على قلب بشر.
ومن تأمل في الدنيا بجمالها ونعيمها ثم تأمل بأن الدنيا كلها لا تسوى عند الله جناح بعوضة علم أن نعيم الأبرار عظيم، فما هو هذا النعيم الذي يتكلم الله عنه؟.
لن نتكلم عن قصور الجنة، ولا عن دوابها، ولا عن أنهارها، ولا عن طيب ريحها، ولا عن نسائها؛ سنتكلم عن أشجار الجنة، وثمار تلك الأشجار.
تصور -يا رعاك الله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم عن آخر أهل الجنة دخولا، كما في صحيح الإمام مسلم، فقال: "ذاك رجل يمشي على الصراط -والصراط مضروب على متن جنهم- يمشي على الصراط يكبو تارة وتسفعه النار تارة أخرى، حتى إذا تجاوز الصراط التفت إلى النار فقال: تبارك الذي نجاني منك! قال: فترفع له شجرة. فيقول: يا رب، أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول الله -عز وجل-: ابن آدم، لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه".
تصور يا عبد الله أنه يرى ما لا صبر له عليه وهو لم يصل للجنة بعد! قال: "فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها؛ ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول إي رب! أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيكون فيها كما كان في الأولى والثانية" رواه مسلم.
هذه أشجار دون الجنة؛ فما بالك بأشجار الجنة؟ ما هي أحجامها؟ وما هي ألوانها؟ وما هي أشكالها؟.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شجرة من أشجار الجنة: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام وما يقطعها" متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، واقرؤوا إن شئتم: (وظل ممدود)" رواه البخاري.
أخي، بارك الله فيك: هل تعرف سدرة المنتهى؟ التي قال الله فيها: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) [النجم:13-17].
إن سدرة المنتهى شجرة عظيمة أوراقها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "كآذان الفيلة، وثمرها كالقلال" رواه مسلم. والقلة جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر.
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى): رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- جبريل -عليه السلام- على صورته التي خلقه الله عليها. يقول ابن القيم -رحمه الله- عن رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل: المرة الأولى كانت دون السماء بالأفق الأعلى، والمرة الثانية كانت فوق السماء عند سدرة المنتهى. اهـ.
(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى): قال ابن مسعود: غشيها فراش من ذهب، كما في صحيح الإمام مسلم، وقال الحسن: تغشاها الملائكة حين يقعن على الشجرة، وقيل غير ذلك.
وفي صحيح مسلم في قصة عروج النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثم ذَهَبَ بي إلى السدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال".
قال: "فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها" رواه مسلم. يعني: لا يستطيع أن يصفها من حسنها.
في الجنة -يا رعاك الله- شجر السدر، لا شوك فيه.
في الجنة -يا رعاك الله- شجر الطلح المنضود، أي: المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل ليس له ساق بارزة بل هو مرصوص.
في الجنة -يا رعاك الله- أشجار العنب والحدائق: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا) [النبأ:31-32].
في الجنة -يا رعاك الله- أشجار النخل والرمان: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن:68].
في الجنة كل أنواع الفاكهة: (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) [الرحمن:52]، (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [الواقعة:20].
في الجنة أشجار لها ألوان، ألم تقرأ قوله -تعالى-: (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) [الرحمن:43]، يعني: ذواتا ألوان، وقيل: في كل غصن فنونا من الفاكهة.
في الجنة الخضرة التي تبهر العين، ألم تقرأ قوله -تعالى-: (مُدْهَامَّتَانِ) [الرحمن:64]، أي: قد اخضرتا من شدة الري.
ولا تظنن -رعاك الله- أن ثمار الأشجار بعيدة، فقد قال -سبحانه-: (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) [الرحمن:54]، ينالها القاعد والقائم والمضطجع، (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا) [الإنسان:14].
وأشجار الجنة دائمة العطاء فهي ليست كأشجار الدنيا تعطي في وقت دون وقت وفصل دون فصل، بل هي دائمة الإثمار والظلال: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا) [الرعد:35].
فالواجب على المؤمن أن يعمل لتلك الدار، وأن يعلم أن الدنيا دار ممر وليست دار مقر، وعما قريب سنرتحل إلى الدار الآخرة.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد: كثير من الناس يفكر في عمارة الدنيا، وفي الذي سيبني فيها، وينسى عمارة الآخرة، ينسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى لله في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة".
وعن عثمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة" رواه البخاري.
وعن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وهاجر، ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة. وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله، ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة. فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا، ولا من الشر مهربا، يموت حيث شاء أن يموت" رواه النسائي وابن حبان.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.
فينبغي على المؤمن أن يعمر آخرته، وأن يحرص على ذلك، وألا يكون همه عمارة الدنيا فقط؛ لا ينسى نصيبه من الدنيا، لكن العمل يكون للآخرة أصلا: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص:77].
والله -جل وعلا- ذكّر العباد بألا يؤثروا الدنيا على الآخرة؛ لأن الآخرة تبقى والدنيا تفنى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى:16-17].
التعليقات