اقتباس
فالمقابلة أسلوب في التعبير يقوم على مبدأ إقامة تضادّ بين الألفاظ والمعاني والأفكار والصور تحقيقاً لغايات بلاغية وقيم فكرية. وهي تُعدّ من الأساليب البارزة التي يجيء الاعتماد عليها عن قصد، وفي مواضع كثيرة من القرآن العظيم، كما أنّ الأدب العربي بشعره ونثره قد تميّز بها، وبخاصّة الشعر الجاهلي. ومع..
الخطيب في حاجة مستمرة لتنويع أساليبه الخطابية؛ لتحقيق أعلى مستويات النجاح والقبول لدى جماهير المخاطبين، والاعتماد على أسلوب واحد معين يعتاده الخطيب في كل خطبه ودروسه من شأنه أن يورث السامعين مللاً ورتابة تمنعهم من الاستفادة مما يقوله الخطيب. لذلك حفلت اللغة العربية بالأساليب اللغوية الرائعة التي تحمل في طياتها الكثير من البلاغة والتشويق والجاذبية لدى المستمع. وبقدر ما يكون لدى الخطيب من قدرة تحصيلية ومهارة وظيفية على استخدام الأساليب البلاغية المختلفة، بقدر ما يكون خطيباً مؤثراً ممتلكاً لنواصي الكلام وأزمة مراميه، بحيث يمكن بسهولة تحقيق أهدافه من الخطابة. ويعتبر أسلوب المقابلة في اللغة العربية من الأساليب الخطابية الرائعة في تحقيق عنصري الإمتاع والإقناع معاً.
أولاً: تعريف أسلوب التقابل:
وأصل المقابلة من قابل الشيء بالشيء مقابلة وقِبالاً إذا عارضه، فإذا ضممتَ شيئاً إلى شيء تقول: قابلتُه به. والمقابلة: المواجهة، والتقابل مثله وهو نقيض التدابر، وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى في وصف أهل الجنة: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) [الحجر: 47]. قال أهل التفسير: "إنّ التقابل في هذه الآية هو التواجه بحيث لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه؛ لأنّ الأَسِرَّة تدور بهم حيث داروا فهم في جميع أحوالهم متقابلون". يُعرَّف أهل اللغة (التقابل) بأنه: "الجمع بين الشيء وضده، كالسواد والبياض، والليل والنهار". وعرفه الزركشي، بأنه "الجمع بين متضادين مع مراعاة التقابل"، كالبياض والسواد والليل والنهار. وهذا هو تعريف (التقابل) من حيث الأصل، وإن كان قد توسعوا في معناه، بحيث يكون في غير متضادين. ويروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي، قال لسعيد بن جبير -رحمه الله-، وقد أحضره بين يديه ليقتله: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير، قال: بل أنت شقي بن كسير! وقد كان الحجاج من الفصحاء المعدودين، وقد تضمن كلامه هذا أسلوباً من أساليب العرب، فإنه نقل الاسمين إلى ضدهما، فقابل (سعيد) بـ (شقي)، وقابل (جبير) بـ (كسير). ويسمى هذا عند علماء البلاغة: (التقابل).
فالمقابلة أسلوب في التعبير يقوم على مبدأ إقامة تضادّ بين الألفاظ والمعاني والأفكار والصور تحقيقاً لغايات بلاغية وقيم فكرية. وهي تُعدّ من الأساليب البارزة التي يجيء الاعتماد عليها عن قصد، وفي مواضع كثيرة من القرآن العظيم، كما أنّ الأدب العربي بشعره ونثره قد تميّز بها، وبخاصّة الشعر الجاهلي. ومع أنّ المقابلة في مذهب أغلب القدماء محسّن بديعيّ، غير أنّ المتأمّل في دِلالاتها واستخداماتها الكثيرة يرى أنّ لها أغراضاً أبعد من ذلك، فهي فنّ بلاغيّ، وطريقة في أداء المعنى لها آثارها وقيَمها البعيدة، كما أنّها تساهم في إبراز كثير من المعاني بما فيها من ثنائيّة وتضادّ.
ثانيا ً: الفرق بين الطباق والتقابل:
ومع أنّ أغلب آراء النُقّاد والبلاغيّين في مفهوم المقابلة متشابهة ومتقاربة، إلا أنّنا نلاحظ عندهم ثمّة خلطاً والتباساً بين معنى المقابلة والطباق، وهو خلط قد يعود إلى حرص أغلبهم على كثرة التقسيم والتفريع في الأساليب البلاغية. ولعلّ أوّل من تفطّن إلى الخلط والالتباس بين الطباق والمقابلة ابن رشيق القيرواني، إذ يقول في كتابه (العمدة): "المقابلة أصلها ترتيب الكلام على ما يجب، فيعطي أوّل الكلام ما يليق به أوّله، وآخره ما يليق به آخره، ويأتي في الموافق بما يوافقه، وفي المخالف بما يخالفه، وأكثر ما تجيء المقابلة في الأضداد، فإذا جاوز الطباق ضدين كان مقابلة". يُلاحظ في هذا التعريف أنّ ابن رشيق يفرّق بنظره الثاقب بين الطباق والمقابلة من حيث عدد الأضداد في الكلام. فالطباق عنده هو الجمع بين الضدّين فحسب، أمّا المقابلة فتختصّ بالجمع بين أكثر من متضادّين. وإذا كان بعض النقاد والبلاغيين قد فرّق بين الطباق والمقابلة، كابن رشيق، فإنّ البعض الآخر جعلها نوعاً واحداً، كالعلويّ وابن الأثير والسيوطي، بل إنّ العلوي وابن الأثير لم يُحبّذا اسم الطباق واقترحا أنْ يُسمّى هذا النوع البلاغي (مقابلة).
ثالثاً: أساليب التقابل في القرآن الكريم:
اختلف أهل اللغة قديماً وحديثاً في تقسيمات أسلوب التقابل، بحيث صارت عندنا مدرستين كبيرتين في ذات الموضع، المدرسة القديمة ويمثلها الزركشي في كتابه الشهير (البرهان) إذ عدّ التقابل من علوم القرآن الأشهر في محكم التنزيل، ومعه العلوي وابن رشيق وغيرهم. والمدرسة الحديثة ويمثلها فايز القرعان ومحمد بازي وهما من علماء البلاغة والبيان المعاصرين.
والفارق بين المدرستين أن العلماء الأوائل نظروا للتقابل على أنه أحد أهم أساليب فهم القرآن وتفسيره وإبراز أوجه الإعجاز فيه، وبمطالعة كتب التفسير نجد وعياً كبيراً لدى المفسرين في استخدام التقابل في تفسير القرآن، وإثبات التناسب بين آي القرآن الكريم، ولعل (تفسير الظلال) للمرحوم -بإذن الله- سيد قطب من أبرز التفاسير في التوسع في استخراج التقابلات بين الآيات والسور، بصورة بديعة غير مسبوقة في كتب التفسير، ولعل نور المحنة التي عاشها أثناء كتابة هذا التفسير أضاءت له كثيراً من البقاع المظلمة عند من سبقوه في هذا الفن الراقي من دروب البلاغة العربية.
أما المدرسة الحديثة في دراسة التقابل في اللغة، فتميل لاعتبار التقابل من جنس الطباق، وأنه وضع لغوي يتركب من عناصر لغوية تقوم في الأصل على المواجهة، سواء في التقابلات أو المخالفات أو التماثلات. كما أنها تبحث في البنية والتركيب أكثر مما تبحث في المعنى والأثر، لذلك سوف نعرض لأنواع أسلوب التقابل من وجهة نظر المدرسة القديمة؛ لأنه أوقع في المجال الخطابي وأكثر شيوعاً واستعمالاً من طريقة المدرسة الحديثة.
وينقسم أسلوب التقابل لأربعة أقسام:
القسم الأول: التقابل اللفظي، وذلك في مقابلة الشيء بضده من جهة لفظه ومعناه، ومثاله قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل:90]، فانظر إلى هذا التقابل العجيب في هذه الآية ما أحسن تأليفه وأعجب تصريفه، فلقد جُمع فيه بين مقابلات ثلاث، الأولى منها مأمور بها والثلاث التوابع منهيّ عنها، ثمّ هي فيما بينها متقابلة أيضاً. مقابلة في اللفظ والمعنى، ومن الأمثلة على هذا النوع أيضاً، قوله سبحانه: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا) [التوبة:82]، فقابل بين (الضحك) و(البكاء)، و(القليل) و(الكثير). وكذلك قوله تعالى: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) [الحديد:23]، فقابل بين (اليأس) و(الفرح)، وبين (الفوات) و(الإيتاء). وعلى ذلك المجرى يجري قوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى*وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) [النجم:43-44]، وقوله سبحانه: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) [الرعد:10]، وقوله عز وجل: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) [آل عمران:26]، ونحو ذلك من الآيات التي سيقت مساق التقابل اللفظي وهذا النوع كثير في القرآن. وقد قال ابن الأثير عنه: "وهذا من أحسن ما يجيء في هذا الباب".
القسم الثاني: التقابل المعنوي، وذلك في مقابلة الشيء بضدّه من جهة معناه دون لفظه، ومثاله قوله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) [الأنعام: 125]، فقوله يهدي ويضلّ من باب التقابل اللفظي، وقوله يشرح صدره مع قوله يجعل صدره ضيّقاً حرجاً من التقابل المعنوي؛ لأنّ المعنى بقوله يشرح يوسعه للإيمان ويفسحه بالنور حتى يطابق قوله ضيّقاً حرجاً. وهكذا قوله تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل: 5-7]، فقوله كذب وصدق، وقوله اليسرى والعسرى من باب الطباق اللفظي، وقوله أعطى مع قوله بخل فإنّما هو من الطباق المعنوي؛ لأنّ المعنى في أعطى كَرُمَ ليطابق بخل في معناه دون لفظه. ومن الأمثلة على هذا النوع أيضاً قوله سبحانه: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) [سبأ:50]، وبيان (التقابل) هنا من جهة المعنى: أن النفس كل ما هو عليها، وضار لها فهو بسببها ومنها؛ لأنها الأمارة بالسوء، وكل ما هو لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه إياها. ولو كان (التقابل) هنا من جهة اللفظ، لكان التقدير: وإن اهتديت فإنما أهتدي لها.
ومن أمثلة (التقابل) المعنوي أيضاً، قوله سبحانه: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) [النمل:86]، فمقتضى (التقابل) اللفظي أن يقال: (والنهار ليبصروا فيه)، بيد أن (التقابل) هنا جاء معنويًّا؛ لأن معنى (مبصراً): تبصرون فيه طرق التقلب في الحاجات. وبحسب هذا النحو، جاء قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) [البقرة:22]، قال بعض أهل العلم: لما كان (البناء) رفعاً للمبنى، قوبل بـ (الفراش) الذي هو على خلاف البناء. ومنه قوله سبحانه: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة:179]؛ لأن معنى (القصاص): القتل، فصار القتل سبب الحياة. وقد قال ابن الأثير بخصوص التقابل المعنوي: "واعلم أن في تقابل المعاني باباً عجيب الأمر، يحتاج إلى فضل تأمل، وزيادة نظر".
القسم الثالث: التقابل غير المتضاد، في مقابلة الشيء بما يخالفه من غير مضادّة، وذلك يأتي على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون أحدهما مخالفاً للآخر، خلا أن بينهما مناسبة، وهذا نحو قوله تعالى: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا) [آل عمران: 120]، فالمصيبة مخالفة للحسنة من غير مضادّة، إلا أنّ المصيبة لا تقارب الحسنة، وإنّما تقارب السيّئة؛ لأنّ كلّ مصيبة سيّئة وليس كلّ سيّئة مصيبة، فالتقارب بينهما من جهة العموم والخصوص. وهكذا قوله تعالى: (أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29]، فالرحمة ليست ضدّاً للشدّة، وإنّما ضدّ الشدّة اللين، خلا أنّه لمّا كانت الرحمة من مسبّبات اللين، حسُنت المطابقة وكانت المقابلة لائقة. ومن هذا القبيل، قوله عز وجل: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ) [التوبة:50]، فإن المصيبة سيئة؛ لأن كل مصيبة سيئة، وليس كل سيئة مصيبة، فـالتقابل هنا من جهة العام والخاص.
الوجه الثاني: أن يكون المقابِل مِثلاً للمقابَل به، وهذا قد يكون مقابلة مفرد بمفرد، أو مقابلة جملة بجملة، أو مقابلة موضوع بموضوع. وتفصيل ذلك وفق التالي:
1-تقابل المفرد بالمفرد، كما في قوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) [الشورى:40]، فقد قابل بين السيئة والسيئة. ونحو هذا قوله سبحانه: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا) [النمل:50]. قال ابن الأثير في هذا الصدد: "وقد روعي هذا الموضع في القرآن الكريم كثيراً".
2-تقابل الجملة بالجملة، كما في قوله عز وجل: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) [الأنعام:160]، فقابل بين المجيء بالحسنة، والمجيء بالسيئة. ونحو هذا قوله سبحانه: (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا) [الأنعام:104]. ووجه التقابل في هذا النوع إنما هو من جهة زمن الفعل، فإن كانت الجملة مستقبلة، قوبلت بمستقبلة، وإن كانت ماضية قوبلت بماضية، وربما قوبلت الماضية بالمستقبلة، والمستقبلة بالماضية، إذا كانت إحداهما في معنى الأخرى.
3-مقابلة الموضوع بالموضوع، والأمثلة عليه كثيرة أيضاً، فمن ذلك (التقابل) بين أصحاب الجنة في قوله سبحانه: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ) [الأعراف:44]، وبين أصحاب النار في قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ) [الأعراف:50]. والتقابل بين مصير الكافرين يوم القيامة في قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [الزمر:71]، وبين مصير المؤمنين في قوله عز من قائل: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73].
وقد ذكر الزركشي أنواعاً أخرى من أساليب (التقابل) في القرآن، على اعتبار أنه علم من علوم القرآن المستقلة، ذكر منها:
1-مقابلة النظيرين: مثال قوله تعالى: (تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) [البقرة:255]، فـ (السِّنة) و(النوم) كلاهما من باب (الرقاد) المقابَل بـ (اليقظة).
2-مقابلة الضدين: مثال قوله سبحانه: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) [الكهف:18]، فـ (اليقظة) ضد لـ (الرقود).
3-مقابلة الخلافين: مثال قوله عز وجل: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن:10]، فقابل (الشر) بـ (الرشد)، وهما خلافيان؛ لأن ضد (الرشد) (الغي)، وضد (الشر) (الخير)، و(الخير) الذي يخرجه لفظ (الشر) ضمناً، نظير (الرشد) قطعاً، و(الغي) الذي يخرجه لفظ (الرشد) ضمناً، نظير (الشر) قطعاً.
التعليقات