عناصر الخطبة
1/مقاصد الزواج في الإسلام 2/حكم الزواج بنية الطلاق3/المفاسد الدينية والاجتماعية والنفسية للزواج بنية الطلاق.اقتباس
قَالَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلْإِفْتَاءِ: "الزَّوَاجُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ زَوَاجٌ مُؤَقَّتٌ، وَالزَّوَاجُ الْمُؤَقَّتُ زَوَاجٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُتْعَةٌ، وَالْمُتْعَةُ مُحَرَّمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالزَّوَاجُ الصَّحِيحُ: أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنِيَّةِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَالِاسْتِمْرَارِ فِيهَا، فَإِنْ صَلَحَتْ لَهُ الزَّوْجَةُ وَنَاسَبَتْ لَهُ وَإِلَّا طَلَّقَهَا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الزَّوَاجَ فِي الْإِسْلَامِ لَهُ مَقَاصِدُ نَبِيلَةٌ، وَأَهْدَافٌ سَامِيَةٌ جَلِيلَةٌ، وَلِأَجْلِهَا أَحَلَّتِ الشَّرِيعَةُ هَذِهِ الرَّابِطَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ، وَشَجَّعَتْ عَلَيْهَا، وَدَعَتْ إِلَيْهَا، وَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامًا وَآدَابًا كَثِيرَةً.
فَمِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ فِي الزَّوَاجِ: حُصُولُ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا فِي عِشْرَةٍ طَوِيلَةٍ مُمْتَدَّةٍ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الرُّومِ: 21].
وَمِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ فِي الزَّوَاجِ: تَحْصِينُ الْفُرُوجِ، وَحُصُولُ السَّتْرِ وَالْحِفْظِ مِنَ الْحَرَامِ، قَالَ -تَعَالَى-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)[الْبَقَرَةِ: 188].
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْأَفَاضِلُ: هُنَاكَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَنْكِحَةِ رَاجَ فِي السَّنَوَاتِ الْأَخِيرَةِ، وَشَرَعَ بَعْضُ النَّاسِ يُمَارِسُهُ، وَبَعْضٌ آخَرُ يَسْأَلُ عَنْ حُكْمِهِ فِي شَرِيعَتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ.
هَذَا الزَّوَاجُ هُوَ: الزَّوَاجُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ.
فَمَا مَعْنَى هَذَا الزَّوَاجِ، وَمَا حُكْمُهُ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؟
الزَّوَاجُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ هُوَ: هُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَفِي نِيَّتِهِ طَلَاقُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ حَاجَتِهِ؛ كَانْتِهَاءِ دِرَاسَتِهِ وَعَوْدَتِهِ إِلَى وَطَنِهِ، أَوِ انْقِضَاءِ إِقَامَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَحَوُّلِهِ إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ قَضَاءِ وَطَرِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً قَدْ عَقَدَهَا فِي نَفْسِهِ قَبْلَ هَذَا الزَّوَاجِ.
فَمَا حُكْمُ هَذَا الزَّوَاجِ يَا عِبَادَ اللَّهِ؟
لَوْ نَظَرْتُمْ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- إِلَى مَقَاصِدِ النِّكَاحِ فِي الْإِسْلَامِ فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُحَقِّقَهَا هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْأَنْكِحَةِ؟
فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الزَّوَاجِ مَوَدَّةٌ وَرَحْمَةٌ؟
وَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَكَنٌ وَحِفْظٌ وَطُولُ عِشْرَةٍ؟
وَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَصْدُ ذُرِّيَّةٍ، وَرِعَايَتُهُمْ وَتَرْبِيَتُهُمْ؟
إِنَّ الْجَوَابَ وَاضِحٌ لَدَيْكُمْ -مَعْشَرَ الْكِرَامِ- أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَيُضَافُ إِلَى هَذَا وُجُودُ مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ، سَيَأْتِي ذِكْرُهَا.
إِنَّكُمْ -أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ- عِنْدَمَا تَنْظُرُونَ فِي فَوَاتِ مَقَاصِدِ الزَّوَاجِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ، وَفِي الْمَفَاسِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ؛ فَسَتَجْزِمُونَ بِالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، وَقَرَّرُوا تَحْرِيمَهُ وَعَدَمَ حِلِّهِ؛ قَالَ الْإِمَامُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ: "هُوَ مُتْعَةٌ". وَلَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: "إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهَا إِلَى خُرَاسَانَ، وَمِنْ رَأْيِهِ إِذَا حَمَلَهَا أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا، فَقَالَ: لَا، هَذَا يُشْبِهُ الْمُتْعَةَ، حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ مَا حَيِيَتْ".
وَقَالَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلْإِفْتَاءِ: "الزَّوَاجُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ زَوَاجٌ مُؤَقَّتٌ، وَالزَّوَاجُ الْمُؤَقَّتُ زَوَاجٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُتْعَةٌ، وَالْمُتْعَةُ مُحَرَّمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالزَّوَاجُ الصَّحِيحُ: أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنِيَّةِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَالِاسْتِمْرَارِ فِيهَا، فَإِنْ صَلَحَتْ لَهُ الزَّوْجَةُ وَنَاسَبَتْ لَهُ وَإِلَّا طَلَّقَهَا، قَالَ -تَعَالَى-: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[الْبَقَرَةِ: 229]، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ".
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ النِّكَاحِ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ ارْتِكَابُهُ وَالْقَبُولُ بِهِ.
وَهُنَاكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعَاصِرِينَ مَنْ فَرَّقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَنْ يَنْوِي الطَّلَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَطَرِهِ أَوْ مُدَّةِ سَفَرِهِ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ، وَبَيْنَ مَنْ يَقُولُ: إِذَا صَلَحَتَ اسْتَمْرَرْتُ مَعَهَا وَإِذَا لَمْ تَصْلُحْ طَلَّقْتُهَا، فَهَذَا يَجُوزُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَهْدِيَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى اتِّبَاعِ دِينِهِمْ، وَالْعَمَلِ بِهَدْيِ نَبِيِّهِمْ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْعَظِيمِ، ذِي الْخُلُقِ الْكَرِيمِ، وَالنَّهْجِ الْمُسْتَقِيمِ، وَعَلَى آلِهِ الْأَخْيَارِ، وَصَحَابَتِهِ الْأَبْرَارِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الزَّوَاجَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ لَهُ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: مَفَاسِدُ دِينِيَّةٌ، وَمَفَاسِدُ اجْتِمَاعِيَّةٌ، وَمَفَاسِدُ نَفْسِيَّةٌ.
فَمِنْ مَفَاسِدِهِ الدِّينِيَّةِ: أَنَّهُ ظُلْمٌ لِلْمَرْأَةِ وَعُدْوَانٌ عَلَيْهَا، وَغِشٌّ وَخِدَاعٌ لَهَا، وَهَذِهِ مَعَاصٍ مَعْلُومٌ تَحْرِيمُهَا.
فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ فِي فِعْلِهِ ** وَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ ظَلَمْ
إِلَى مَتَى أَنْتَ وَحَتَّى مَتَى ** تَسْلُو الْمُصِيبَاتِ وَتَنْسَى النِّقَمْ؟!
وَفِي الْغِشِّ جَاءَ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ).
وَمِنَ الْمَفَاسِدِ الدِّينِيَّةِ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ: "أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَضَيَاعِهَا، وَذَلِكَ يَنْتُجُ عَنْ كَثْرَةِ الزَّوَاجِ بِأُولَئِكَ الْفَتَيَاتِ، فَمِثْلُ هَذَا الزَّوَاجِ لِسُهُولَتِهِ، لَا يَكُونُ فِيهِ تَقَيُّدٌ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ"، وَهَذَا فِيهِ مِنَ الْأَضْرَارِ مَا فِيهِ.
وَمِنَ الْمَفَاسِدِ الدِّينِيَّةِ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ: أَنَّ فِيهِ تَشْوِيهًا لِلْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ حِينَ يَفْعَلُهُ بَعْضُ الطُّلَّابِ أَوِ الْعُمَّالِ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ مَعَ حَدِيثَاتِ الْإِسْلَامِ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، أَوْ مِنَ الْكِتَابِيَّاتِ.
وَمِنَ الْمَفَاسِدِ: اشْتِرَاطُ عَدَمِ الذُّرِّيَّةِ فِيهِ، وَهَذَا يُنَافِي مَقْصِدًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ؛ "تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ".
وَأَمَّا الْمَفَاسِدُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ فَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا: وَلَكُمْ أَنْ تَتَأَمَّلُوا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَنْكِحَةِ كَيْفَ يَصِيرُ ذَرِيعَةً إِلَى تَرْكِ الزَّوَاجِ الْحَقِيقِيِّ، الْقَائِمِ عَلَى الْمَسْؤُولِيَّةِ وَتَحَمُّلِ أَعْبَاءِ النَّفَقَةِ وَالْمُحَافَظَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ.
أَمَّا الزَّوَاجُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ بَعْضَ النَّاسِ يَتَّجِهُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْتِزَامَاتٌ وَلَا مَسْؤُولِيَّةٌ، فَيَقْضِي الرَّجُلُ وَطَرَهُ مَعَ امْرَأَةٍ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى أُخْرَى، وَهَذِهِ حَيَاةٌ بَهِيمِيَّةٌ لَا حَيَاةٌ إِنْسَانِيَّةٌ.
قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النِّسَاءِ: 34].
كَمَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْأَنْكِحَةِ يَجْعَلُ بَعْضَ النِّسَاءِ عَاطِلَاتٍ مِنَ الْأَزْوَاجِ، وَهُنَّ النِّسَاءُ الشَّرِيفَاتُ الْكَرِيمَاتُ، حَيْثُ لَا يُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِهِنَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالُ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ التَّبِعَاتِ، وَهَذَا يَسُوقُهُنَّ إِلَى الْعُنُوسَةِ وَيُبْعِدُهُنَّ عَنْ سَعَادَةِ الزَّوَاجِ.
وَمِنْ ثَمَّ يَتَّجِهُ أُولَئِكَ الرَّاغِبُونَ فِي هَذَا النِّكَاحِ إِلَى نِسَاءٍ لَا يَهُمُّهُمْ خُلُقُهُنَّ وَلَا دِينُهُنَّ وَلَا سُمْعَتُهُنَّ وَصَلَاحُ أَحْوَالِهِنَّ، وَهَذَا فِيهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ مَا فِيهِ.
وَأَمَّا الْمَفَاسِدُ النَّفْسِيَّةُ: فَإِنَّ الْمَرْأَةَ -كَمَا قِيلَ-: "لَا تَبْحَثُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا عَنْ زَوْجٍ"، فَإِذَا تَقَدَّمَ لَهَا رَجُلٌ تَرْضَاهُ شَرَعَتْ فِي نَسْجِ خُيُوطِ سَعَادَتِهَا، وَتَعْلِيقِ آمَالِهَا بِهَذَا الزَّوَاجِ، وَلَكِنْ إِذَا تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا؛ فَإِنَّهَا تُصَابُ بِمُصِيبَةٍ كَبِيرَةٍ، فَتَنْكُثُ خُيُوطَ تِلْكَ الْآمَالِ وَالْأَحْلَامِ السَّعِيدَةِ، وَتُصَابُ بِعُقْدَةٍ نَفْسِيَّةٍ قَاهِرَةٍ، وَرُبَّمَا تَأْبَى الزَّوَاجَ بَعْدَ ذَلِكَ نَتِيجَةَ هَذِهِ الصَّدْمَةِ النَّفْسِيَّةِ الْكَبِيرَةِ.
فَمَاذَا سَتَحْمِلُ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فِي نَفْسِهَا لِذَلِكَ الرَّجُلِ الْغَاشِّ الْخَادِعِ؟
فَهَلْ سَتَدَعُهُ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهَا تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ).
وَمِنَ الْمَفَاسِدِ النَّفْسِيَّةِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ رُبَّمَا تَحْمِلُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَتَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّةَ الْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ وَالتَّرْبِيَةِ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهَا مِنَ الْكُرُبَاتِ النَّفْسِيَّةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، فَتُصْبِحُ تُعَانِي مِنْ مُشْكِلَاتٍ نَفْسِيَّةٍ كَبِيرَةٍ بِسَبَبِ إِعَالَةِ ذَلِكَ الْوَلَدِ أَوِ الْأَوْلَادِ، وَالْمَرْأَةُ ضَعِيفَةٌ فَأَنَّى لَهَا الْقُدْرَةُ عَلَى هَذَا الْحِمْلِ الثَّقِيلِ؟
فَيَا وَيْلَ مَنْ زَادَ ضَعْفَ الْمَرْأَةِ ضَعْفًا، وَسَامَهَا ظُلْمًا وَعَسْفًا، وَلَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فِيهَا، وَلَمْ يُحْسِنْ إِلَيْهَا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).
عِبَادَ اللَّهِ: إِذَا عَلِمْتُمْ مَقَاصِدَ الزَّوَاجِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ حَكَمْتُمْ بِأَنَّ الزَّوَاجَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ لَيْسَ زَوَاجًا شَرْعِيًّا، وَأَنَّ النَّظَرَ فِي الْمَفَاسِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ تَجْعَلُ الْعَاقِلَ يَجْزِمُ بِتَحْرِيمِهِ، أَلَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ كُلُّ رَاغِبٍ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ حُكْمَهُ وَمَفَاسِدَهُ، وَلْيَتَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَهْدِيَهُمْ إِلَى سُبُلِ السَّلَامِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى النِّعَمِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات