-
الكتب التي بينت أحكام الحج
س: إذا كنتُ أقيم في منطقة جبلية وأريد أن أحج، فأيُّ الكتب تنصحونني بقراءتها؛ كي أحج على بصيرة؟[1]
ج: ننصح بقراءة الكتب التي بينت أحكام الحج مثل: "عُمْدة الحديث" للشيخ عبدالغني المقدسي، ومثل: "بُلوغ المَرَام"، ومثل: "المُنْتَقى". هذه موجودة ومُهِمَّة، وهناك مَناسِك فيها كفاية وبركة إذا قرأتها استفدت منها. ومنها مَنْسَك كتبناه في هذا، وسميناه: "التحقيق والإيضاح لكثير من أحكام الحج والعمرة والزيارة"، وهو جيد ونافع ومفيد، وهناك مناسك أُخْرى لغيرنا من المشايخ والأخوة مثل: "منسك الشيخ عبدالله بن جاسر"، وهو جيد ومفيد.
س: ما حكم من أَخَّر الحج بدون عُذْر، وهو قادِرٌ عليه ومُسْتَطيع؟[2]
ج: مَنْ قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأَخَّره لغير عُذْر، فقد أتى مُنْكرًا عظيمًا، ومعصية كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله مِنْ ذلك، والبدار بالحج؛ لقول الله - سبحانه -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[3]، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإِقَام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت))[4]؛ مُتَّفَق على صحته، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا سأله جبرائيل - عليه السلام - عن الإسلام، قال: ((أن تشهدَ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتُؤْتِي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن اسْتَطَعْتَ إليه سبيلاً))[5]؛ أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والله ولِيّ التوفيق.
العُمْرَةُ واجبة في العُمْرِ مرة.
س: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إنَّ الله كتب عليكم الحج))، فقام الأَقْرَع بن حَابِس فقال: "أَفِي كل عام يا رسول الله؟" قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لو قُلْتُها لَوَجَبَتْ؛ الحج مرة فمن زاد فهو تطوع))[6]؛ رواه الخمسة إلا الترمذي، وأصله في مسلم من حديث أبي هُرَيْرة. ألا يدل على عدم وجوب العمرة؟[7].
ج: الأدِلَّة متنوعة وهذا في الحج، والعُمرة لها أدلتها، والصوابُ أنها واجبة مرة في العمر؛ كالحج وما زاد فهو تطوُّع؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لعائشة - رضي الله عنها - لما سألته: "هل على النساء جهاد؟" قال: ((نعم، جِهَاد لا قتال فيه: الحج والعمرة))[8]، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سأله جبرائيل - عليه السلام - عن الإسلام، قال: ((الإسلام أن تشهدَ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤْتِي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر))[9]؛ أخرجه ابن خُزَيْمة، والدَّارقُطْني بإسناد صحيح. ولأدلة أُخْرى.
-
من اعتمر مع حجّهِ فلا يلزمه عمرة أخرى
س: حَجَجْتُ حجة فرض ولم أعتمر معها فهل عليَّ شيءٌ؟، ومن اعتمر مع حجه هل يلزمه الاعتمار مرة أخرى؟[10].
ج: إذا حَجَّ الإنسان ولم يعتمر سابقًا في حياته بعد بلوغه، فإنه يعتمر: سواء كان قبل الحج أو بعده، أما إذا حَجَّ ولم يعتمرْ فإنه يعتمر بعد الحج إذا كان لم يعتمرْ سابقًا؛ لأن الله - جَلَّ وعلا - أَوْجَبَ الحج والعمرة، وقد دَلَّ على ذلك عِدَّة أحاديث عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فالوَاجِبُ على المؤمن أن يُؤَدِّيها، فإن قرن الحج والعمرة فلا بأس، بأن أحرم بهما جميعًا أو أَحْرم بالعمرة، ثم أدخل عليها الحج فلا بأس ويكفيه ذلك. أما إنْ حجَّ مفردًا بأن أحرم بالحج مفردًا من الْمِيقَات، ثم بقي على إحرامه حتى أكمله، فإنه يأتي بعمرة بعد ذلك من (التنعيم) أو من (الجِعْرَانة) أو غيرها من الحل خارج الحرم، فيحرم هناك ثم يدخل فيطوف، ويَسْعَى، ويحلق، أو يُقَصِّر هذه هي العمرة؛ كما فعلتْ عائشة - رضي الله عنها - فإنها لما قدمت، وهي مُحْرِمة بالعُمْرة أصابها الْحَيْض قرب مكة، فلم تتمكن من الطَّوَاف بالبيت وتكميل عمرتها، فأمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بالحج وأن تكون قارِنَة، ففعلت ذلك وكملت حجها، ثم طلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتمر؛ لأنَّ صواحِبَاتِهَا قد اعتَمَرْن عُمرة مفردة، فأمر أخاها عبدالرحمن أن يذهبَ بها إلى (التنعيم)؛ فتحرم بالعمرة من هناك ليلة أربعة عشر، فذهبت إلى (التنعيم) وأحرمت بعمرة، ودخلت، وطافت، وسعت، وقصرت، فهذا دليلٌ على أن من لم يؤدِّ العمرة في حجه يَكْفيه أن يحرم من (التنعيم) وأشباهه من الحل، ولا يلزمه الخروج إلى المِيقَات، أما مَنِ اعْتَمَر سابقًا، وحَجَّ سابقًا ثم جاء ويسر الله له الحج، فإنه لا تلزمه العمرة، ويكتفي بالعمرة السابقة؛ لأن العمرة إنما تَجِب في العُمرِ مرة كالحج سواء، فالحج مرة في العمر، والعمرة كذلك، لا يَجِبان جميعًا إلا مَرَّة في العُمرِ، فإذا كان قدِ اعتمر سابقًا كَفَتْهُ العمرة السابقة، فإذا أحرم بالحج مفردًا واسْتَمَرَّ في إحرامه، ولم يفسخه إلى عُمْرَة، فإنه يكفيه، ولا يلزمه عمرة في حجته الأخيرة، لكن الأفضل له والسنة في حقه إذا جاء محرمًا بالحج أن يجعله عمرة بأن يفسخ حجه هذا إلى عمرة، فيطوف، ويسعى، ويقصر، ويتحلل، فإذا جاء وقت الحج أحرم بالحج يوم الثامن، هذا هو الأفضل وهو الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في حجة الوَدَاع لما جاء بعضهم محرمًا بالحج وبعضهم محرمًا بالحج والعمرة وليس معهم هَدْي، أمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة، أما من كان معه الهَدْي فيبقى على إحرامه حتى يكمل حجه إن كان مفردًا، أو عمرته إن كان معتمرًا مع حجه.
-
الحج مع القدرة واجب على الفَوْر.
س: هل الحج واجب على الفَوْر أم على التَّرَاخي؟[11].
ج: الحج واجبٌ على المُكَلَّف على الفَوْر مع القُدرة إذا استطاع، قال الله - عَزَّ وَجَلّ -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[12].
فالحج: هو الرُّكْن الخامس مِنْ أركان الإسلام، وهو واجب مع الاستطاعة، أما العاجز فلا حج عليه، لكن لو اسْتَطَاع ببدنه وماله وَجَب عليه، وإذا استطاع بماله، ولم يَسْتَطِع ببدنه؛ لكونه هرمًا أو مريضًا لا يُرْجَى بُرْؤُه، فإنه يقيم من ينوب عنه، ويحج عنه.
-
حكم تأخير الحج إلى ما بعد الزواج.
س: إذا كان الشاب قادرًا على أن يحج فَأَخَّرَ الحج إلى أن يَتَزَوَّج أو يكبر في السن، فهل يأثم؟[13] ج: إذا بلغ الحُلُم وهو يستطيع الحج والعمرة وَجَبَ عليه أداؤهما؛ لعموم الأدلة، ومنها قوله - سبحانه -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[14]، ولكن من اشتدت حاجته إلى الزَّوَاج وجَبَتْ عليه المُبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعًا، إذا كان لا يستطيع نفقة الزواج والحج جميعًا، فإنه يبدأ بالزواج حتى يعفَّ نفسه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا مَعْشَرَ الشباب مَنِ استطاع منكم البَاءَة فَلْيَتَزَوَّج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفَرْج، ومن لم يستطِعْ فعليه بالصَّوْم فإنه له وجاء))[15]؛ مُتَّفَق على صِحَّته.
س: سمعت مِنْ بعض الناس: أن الحج قبل الزواج لا يصح فريضة؛ بل لا بُدَّ من تأدية الفَرِيضة بعد الزَّوَاج، هل هذا صحيح؟[16].
ج: هذا القول ليس بصحيح، فالحجُّ يجوز قبل الزواج وبعد الزواج، إذا كان قد بلغ الحُلُم فحجه صحيح، ويؤدي عنه الفريضة، أما إذا حَجَّ قبل أن يبلغ فيكون نافلة، والبلوغ يحصل بأمور ثلاثة: بإكمال خمس عشرة سنة، وبإنبات الشعر الخشن حول الفَرْج، وبإنزال المَنِيّ عن شهوة في الليل، أو في النهار، أو في النوم، أو في اليقظة. إذا نظر أو فَكَّر فأنزل المني يكون بذلك قد بلغ الحُلُم بإنزال المني عن تفكير، أو ملامسة، أو احتلام، وبإكمال خمس عشرة سنة، وبإنبات الشعر الخشن حول الفرج، هذه الأمور الثلاثة يحصل بها البلوغ للرَّجل والمرأة جميعًا، وتزيد المرأة أمرًا رابعًا وهو: الحَيْض، فإذا حاضَتْ صارت بَالِغة، فإذا حج بعدها أو بعد أحدها على الوجه الشرعي فحجه صحيح، ويُؤَدِّي عنه الفريضة ولو لم يتزوج.
-
حكم تَكرار الحج للرجال والنساء
س: ما رأيكم في تَكرار الحج مع ما يحصل فيه من الزحام، واختلاط الرجال بالنساء؟ وهل الأفضل للمرأة تَرْك الحج إذا كانت قد قَضَتْ فرضها، وربما تكون قد حجت مرتَينِ أو أكثر؟[17]
ج: لا شَكَّ أن تَكرار الحج فيه فضلٌ عظيم للرجال والنساء، ولكن بالنظر إلى الزحام الكثير في هذه السنين الأخيرة؛ بسبب تيسير المواصلات، واتساع الدنيا على الناس، وتوفُّر الأمن، واختلاط الرجال بالنساء في الطَّواف وأماكن العبادة، وعدم تحرُّز الكثير منهن عن أسباب الفتنة، نرى أن عدم تَكرارهن الحج أفضل لهن، وأسْلَم لدينهن، وأبعد عن المَضَرَّة على المجتمع الذي قد يفتن ببعضهن، وهكذا الرجال إذا أمكن ترك الاستِكْثار من الحج؛ لقصد التَّوْسعة على الحُجَّاج، وتخفيف الزحام عنهم، فنَرجُو أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج إذا كان تركه له؛ بسبب هذا القصد الطيب، ولا سيَّما إذا كان حجه يترتب عليه حج أتباعٍ له قد يحصل بحجهم ضرر كثير على بعض الحجاج؛ لِجَهْلِهِم أو عدم رفقهم وقت الطواف والرَّمْي وغيرهما من العِبَادات التي يكون فيها ازدحام، والشريعة الإسلامية الكاملة مبنية على أصلينِ عَظِيمَيْنِ:
أحدهما: العناية بتحصيل المصالح الإسلامية وتكميلها ورعايتها حسب الإمكان.
والثاني: العِنَاية بِدَرْء المفاسد كلها أو تقليلها، وأعمال المصلحينَ والدعاة إلى الحق وعلى رأسهم الرُّسل - عليهم الصلاة والسلام - تدُور بين هذَينِ الأصْلَينِ، وعلى حسب علم العبد بشريعة الله - سبحانه - وأسرارها ومقاصدها وتَحَرِّيه لِمَا يرضي الله، ويقرب لديه، واجتهاده في ذلك يكون توفيق الله له - سبحانه - وتَسْدِيده إياه في أقواله وأعماله. واسأل اللهَ - عزَّ وجَلَّ - أنْ يوفِّقنا وإياكم، وسائر المسلمينَ لكل ما فيه رِضَاه، وصلاح أمر الدين والدنيا، إنه سميعٌ قريبٌ.
-
العمرة مشروعة في كل وقت.
س: ما هو الأفضل أن يكون بين العمرة والعمرة للرجال والنساء؟[18]
ج: لا نعلم في ذلك حدًّا محدودًا؛ بل تُشْرَع في كل وقت؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العُمْرَة إلى العُمْرَة كَفَّارة لما بينهما، والحج المَبْرُور ليس له جزاءٌ إلا الجنة))[19]؛ متفق على صحته، فكُلَّما تَيَسَّر للرجل والمرأة أَداءُ العمرة فذلك خيرٌ، وعملٌ صالح، وثَبَت عن أمير المؤمنينَ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: "العُمْرَة في كل شَهْر". وهذا كله في حق من يقدم إلى مَكَّة من خارجها. أما من كان في مَكَّة: فالأفضل له الاشتغال بالطواف والصلاة وسائر القُرُبات، وعدم الخروج إلى خارج الحرم لأداء العمرة إذا كان قد أَدَّى عمرة الإسلام، وقد يُقال باستِحْبَاب خروجه إلى خارج الحرم؛ لأداء العمرة في الأوقات الفاضلة كرمضان؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عمرة في رمضانَ تَعْدِل حجة)) [20]، ولكن يجب أن يُرَاعَى في حَقِّ النساء عِنَايتهن بالحِجَاب، والبُعْد عن أسباب الفِتْنة، وطوافهن من وراء الناس وعدم مُزَاحمة الرجال على الحَجَر الأَسْود، فإن كن لا يَتَقَيَّدْن بهذه الأمور الشرعية فينبغي عدم ذهابهن إلى العمرة؛ لأنه يترتب على اعْتِمَارِهن مَفَاسد تضرهن، وتضر المجتمع، وتَرْبُو على مصلحة أدائهن العمرة، إذا كن قد أَدَّيْن عمرة الإسلام، والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
س: أرجُو من سماحتكم توضيح الآية: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[21]، وهل الأحسن للمُقيم بمكة الطواف بالبيت، أم الصلاة، أثابكم الله؟[22].
ج: الله - تعالى - أَمَر أن يُطَهَّر بيته للطَّائفينَ، والعاكفينَ: وهم القائمونَ المُقيمون في هذا البلد، وتطهيره يكون بإبْعَاد ما لا خيرَ فيه للطائفينَ، والمُقيمينَ وجميع ما يُؤْذيهم من أعمال أو أقوال أو نَجَاسة أو قَذَر وغير ذلك، يجب تطهير بيته للطائِفينَ، والراكعينَ، والقائمينَ، والرُّكَّع السجود، فيكون ما حول البيت كله مُطَهَّرًا ليس فيه أذًى للعَاكِف، ولا الطائف، ولا المصلي، يجب أن يُنَزَّه عن كل ما يُؤْذِي المُصلِّينَ، ويشق عليهم، أو يحول بينهم وبين عبادة ربهم جل وعلا. أمَّا تفضيل الصلاة على الطَّوَاف، أو الطواف على الصلاة فهذا مَحلّ نَظَر، فقد ذكر جَمْع من أهل العلم أنَّ الغريب الأفضل له أن يكثر من الطواف؛ لأنه ليس بمُقِيم ولا يحصل له الطواف إلا بمكة، أما المُقيم بمكة فهو نازل مُقيم. وهذا: الصلاةُ أفضلُ له؛ لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الطواف، فإذا أكثر من الصلاة كان أفضل. أما الغريب الذي ليس بمقيم: فهذا يُسْتَحَبّ له الإكثار من الطواف؛ لأنه ليس بمقيم؛ بل سوف ينزح ويخرج ويبتعد عن مكة، فاغتِنَامه الطواف أَوْلَى؛ لأن الصلاة يمكنه الإتْيَان بها في كل مكان يعني كل هذا في النافلة؛ أعني: طواف النافلة، وصلاة النافلة.
ج: الله - تعالى - أَمَر أن يُطَهَّر بيته للطَّائفينَ، والعاكفينَ: وهم القائمونَ المُقيمون في هذا البلد، وتطهيره يكون بإبْعَاد ما لا خيرَ فيه للطائفينَ، والمُقيمينَ وجميع ما يُؤْذيهم من أعمال أو أقوال أو نَجَاسة أو قَذَر وغير ذلك، يجب تطهير بيته للطائِفينَ، والراكعينَ، والقائمينَ، والرُّكَّع السجود، فيكون ما حول البيت كله مُطَهَّرًا ليس فيه أذًى للعَاكِف، ولا الطائف، ولا المصلي، يجب أن يُنَزَّه عن كل ما يُؤْذِي المُصلِّينَ، ويشق عليهم، أو يحول بينهم وبين عبادة ربهم جل وعلا. أمَّا تفضيل الصلاة على الطَّوَاف، أو الطواف على الصلاة فهذا مَحلّ نَظَر، فقد ذكر جَمْع من أهل العلم أنَّ الغريب الأفضل له أن يكثر من الطواف؛ لأنه ليس بمُقِيم ولا يحصل له الطواف إلا بمكة، أما المُقيم بمكة فهو نازل مُقيم. وهذا: الصلاةُ أفضلُ له؛ لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الطواف، فإذا أكثر من الصلاة كان أفضل. أما الغريب الذي ليس بمقيم: فهذا يُسْتَحَبّ له الإكثار من الطواف؛ لأنه ليس بمقيم؛ بل سوف ينزح ويخرج ويبتعد عن مكة، فاغتِنَامه الطواف أَوْلَى؛ لأن الصلاة يمكنه الإتْيَان بها في كل مكان يعني كل هذا في النافلة؛ أعني: طواف النافلة، وصلاة النافلة.
-
الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما
س: إذا دخل شهر رمضان المبارك، ذهب كثير من الناس إلى مكةَ المكرمة بعَوَائِلهم وسكنوا هناك طوال الشهر الكريم، وقد سمعت من أحد الأخوة: أنكم - يا سماحة الشيخ - تَرَوْن أن التصدق بتكاليف العمرة أفضل من أدائها، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحًا، فهل من نصيحة لهؤلاءِ الذين يذهبون سنويًّا إلى هناك حتى إنها أصبحت مجالاً للمُفَاخرة والمُبَاهَاة عند البعض؟[23].
ج: ليس ما ذكرته صحيحًا، ولم يصدر ذلك مني، والصواب أن الحَجَّ والعمرة أفضل من الصَّدقة بنفقتهما لِمَنْ أخلص لله القصد، وأتى بهذا النُّسُك على الوَجْه المشروع، وقد صَحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((العُمْرة إلى العُمْرة كَفَّارة لما بَيْنَهُما، والحج المبْرُور ليس له جزاءٌ إلا الجنة))[24]؛ متفق على صحته، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((عُمْرة في رمضان تعدل حجة))[25]، مُتفق على صحته أيضًا. والله ولِيّ التوفيق.
-
الأفضل لمن حج الفريضة أن يتبرع بنفقة حج التطوع في سبيل الله.
س: بالنسبة لمن أَدَّى فريضة الحج وتَيَسَّر له أن يحج مرة أخرى، هل يجوز له بدلاً من الحج للمرة الثانية تلك أن يتبرعَ بقيمة نَفَقَات الحج للمُجاهِدينَ المُسلمينَ، حيث إن الحج للمرة الثانية تطوع، والتبرع للجهاد فرضٌ؟ أفيدونا جزاكم الله عن المسلمينَ خير الجزاء[26]
ج: مَنْ حَجَّ الفريضة فالأفضل له أن يتبرع بنفقة الحج الثاني للمُجاهدينَ في سبيل الله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا سُئِل: "أي العمل أفضل؟"، قال: ((إيمان بالله ورسوله))، قال السائل: "ثم أي؟"، قال: ((حج مبرور))[27]؛ مُتَّفق على صِحَّته.
فجعل الحجَّ بعد الجِهَاد، والمرادُ به حج النافلة؛ لأن الحج المفروض رُكْن من أركان الإسلام مع الاستطاعة، وفي الصحيحينِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَنْ جَهَّز غَازِيًا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا))[28]. ولا شك أن المجاهدينَ في سبيل الله في أشَدّ الحاجة إلى المُساعدة المادية. والنفقة فيهم أفضل من النفقة في التطوع للحدِيثَيْنِ المذكورَيْنِ وغيرهما.
-
تُصْرَف نفقة حج التطوع في عمارة المسجد إذا كانت الحاجة إليه ماسة.
س: ما قولُكم عن بر الوَلَد والدَيْه بحجة، وعنده مسجدٌ يحتاج إلى بناء، هل الأفضل أن يتبرع لبناء المسجد، أو الحج عن والديه؟[29].
ج: إذا كانت الحاجة ماسَّة إلى تعمير المسجد فتُصْرف نفقة الحج تطوعًا في عمارة المسجد؛ لعظم النفع واستمراره، وإعانة المسلمينَ على إقامة الصلاة جماعة.
أما إذا كانت الحاجة غير ماسَّة إلى صرف النفقة – أعني: نفقة حج التَّطَوُّع - في عمارة المسجد لوُجود من يعمره غير صاحب الحج، فحجه تَطَوّعًا عن والدَيْه بنفسه، وبغيره من الثِّقَات أفضل - إن شاء الله - لكن لا يجمعان في حجة واحدة؛ بل يحج لكل واحد وحده.
-
من مات على الإسلام فله ما أسلف من خير
س: شخصٌ أَدَّى فريضة الحج وبعدها ترك الصلاة - والعِياذُ بالله - ثم تاب وصَلَّى، فهل يلزمه الحج مرة أخرى، باعتبار أنه تَرَك الصلاة، وتارك الصلاة كافر؟. نرجُو الإفادة أثابكم الله[30]
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل، فإن حجه لا يبطل ولا يلزمه حجة أخرى؛ لأن الأعمال الصالحة إنما تبطل إذا مات صاحبها على الكُفْر.
أما إذا هداه الله وأسلم، ومات على الإسلام، فإن له ما أسلف من خير؛ لقول الله - عز وجل - في سورة البقرة: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[31]؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لحكيم بن حزام لما سأله عن أعمال صالحة فَعَلَها في الجاهلية، هل تنفعه في الآخرة؟ فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ((أَسْلَمْتَ على ما أَسْلَفْتَ من خير))[32]، والله وَلِي التوفيق.
-
تارك الصلاة لا يصح حجه
س: ما حُكْم من حج وهو تارك للصلاة سواء كان عامدًا أو مُتَهَاوِنًا؟ وهل تجزئه عن حجة الإسلام؟[33]
ج: مَنْ حج وهو تارك للصلاة: فإنْ كان عن جَحْد لوُجُوبها؛ كَفَر إجماعًا ولا يصِحّ حجه، أما إذا كان تركها تساهُلاً وتهاونًا، فهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم: منهم من يرى صحة حجه، ومنهم من لا يرى صحة حجه، والصوابُ أنه لا يصح حجه أيضًا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العَهْد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَنْ تَرَكها فقد كَفَر))[34]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بَيْن الرجل وبين الشرك والكُفْر تَرْك الصلاة))[35]، وهذا يعم من جَحَدَ وجوبها، ويعم من تركها تَهَاوُنًا، والله ولي التوفيق.
-
حج الصبي لا يجزئه عن حجة الإسلام.
س: هل حجُّ الصبيّ الذي لم يبلغِ الحُلُم يغْنِيه عن حجة الإسلام؟[36]
ج: لا حَرَجَ أن يحجَّ الصبي، بحيث يعلم ويحج ويكون له ذلك نافلة، ويُؤْجر عن حجه؛ لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أَيُّما صبي حجَّ ثم بلغ الحِنْث فعَلَيْه أن يحجَّ حجة أخرى))[37]، وقد قالت امرأة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعها صبيٌّ صغير: "يا رسول الله ألِهَذا حج؟" فقال: ((نعم، ولك أَجْر))[38]، وقال الصحابة: "كُنَّا نُلَبِّي عن الصبيان، ونَرْمِي عنهم".
-
كيفية إحرام الصبي ولوازمه
س: الأخ: م. م. ص. من بُور سعيد - مصر يقول في سؤاله:
لو حَجَجْتُ بطفلي الصغير ولبَّيْتُ عنه؛ ولكننا لم نستَطِعْ أن نكمل حجه فهل علينا شيء؟ نرجو التَّكَرُّم بالإفَادة[39].
ج: يُسْتَحَبّ لِمَنْ حج بالطفل من أب أو أم أو غيرهما أن يُلَبِّيَ عنه بالحج، وهكذا العمرة؛ لما ثَبَت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن امرأةً رفعت صبيًّا فقالت: "يا رسول الله، ألهذا حج؟" قال: ((نَعَم، ولك أَجْر))[40]؛ أخرجه مسلم في صحيحه. ويكون هذا الحج نافلة للصبي، ومتى بلغ وَجَب عليه حَجّ الفريضة إذا استَطَاع السبيل لذلك، وهكذا الجارية، وعلى مَنْ أحرم عن الصبي، أو الجارية أن يَطُوف به، ويَسْعَى به، ويَرْمِي عنه الجِمَار، ويذبح عنه هديًا إن كان قارنًا أو مُتَمَتِّعًا، ويطوف به طَوَاف الوَدَاع عند الخُروج؛ للحديث المذكور ولما جاء في مَعْناه من الأحاديث والآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - ومن قصر في ذلك فعليه أن يتمم. فإن كان قد ترك الرَّمْي عنه، أو ترك طَوَاف الوَدَاع، فعليه عن ذلك دمٌ يذبح في مكة للفُقراء من مال الذي أحرم عنه، وإن كان لم يطف به طَوَاف الإفاضة أو لم يسعَ به السَّعْي الواجب، فعليه أن يرجعَ به إلى مكَّة ويطوف ويسعى، وإذا كان من معه الصبي أو الجارية يخشى أن لا يقوم بالواجب فليترك الإحرام عنه؛ لأن الإحرام ليس واجبًا؛ ولكنه مستحبٌّ لمن قدر على ذلك. والله ولي التوفيق.
-
أعمال الصبي له ويؤجر والده على تعليمه
س: هل أعمال الطفل الذي لم يَبْلُغ: من صلاة، وحج، وتلاوة، كلها لوالديه؟ أم تحسب له هو؟[41]
ج: أعمال الصبي الذي لم يبلغ - أعني أعماله الصالحة - أجرُها له هو لا لوالده ولا لغيره؛ ولكن يؤْجَر والده على تعليمه إياه، وتوجيهه إلى الخير وإعانته عليه؛ لما في صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة رفعتْ صبيًّا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فقالت: "يا رسول الله: ألهذا حج؟"، قال: ((نعم، ولك أَجْر))[42]. فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الحج للصبي، وأن أمه مأْجُورة على حَجّها به.
وهكذا غير الولد له أجرٌ على ما يفعله من الخير؛ كتعليم من لديه من الأيتام، والأقارب، والخَدَم، وغيرهم من الناس؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ دَلَّ على خَيْر فَلَهُ مِثْل أجر فَاعِلِه))[43]؛ رواه مسلم في صحيحه؛ ولأن ذلك من التَّعاوُن على البر والتَّقْوى، والله - سبحانه - يثيب على ذلك.
س: حديث جابر أنه قال: "عندما حَجَجْنا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لَبَيْنَا عن الصبيان، ورمينا عنهم"؛ هل يصِحّ هذا الحديث؟[44]
ج: في سَنَدِه مقالٌ؛ لكن الرَّمْي عن الصبيان وعن العاجزين لا بأس به؛ لأن الصحابة رموا عن الصبيان، ومثلهم المرأة العاجزة، والرجل العاجز، فإنهم يوكلون من يرمي عنهم. وهذه قاعدة شرعية في مثل هذا الأمر الذي تدخله النيابة.
س: هل يشترط أن يكون الصبيُّ مميزًا؟[45]
ج: ليس بشرط؛ بل يصح الإحرام عنه، ويطوف به ولِيّه، ويسعى به، ويرمي عنه؛ لما روى مسلم في صحيحه أن امرأة رفعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع صبيًّا صغيرًا وقالت: "يا رسول الله، ألهذا حج؟"، قال: ((نعم، ولك أجر))[46].
-
المَحْرَم للمرأة شرطٌ في وجوب الحج
س: هل شرط المَحْرَم للمرأة في الحج للوُجوب، أم شرط للأداء؟[47]
ج: لا يجب عليها الحج ولا العمرة إلا عند وجود المَحْرَم، ولا يجوز لها السفر إلا بذلك، وهو شرط للوجوب.
-
حكم حج الخادمات بلا محرم
س: إذا جمعوا مجموعة من الخادمات في سيارة واحدة وذهبوا بهن للحج، هل يأثمون؟[48]
ج: الصواب أنهم يَأْثَمُون إلا بمَحْرم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرَم))[49]، وهو يعم سفر الحج وغيره. وليس على المرأة حج إذا لم تجد مَحْرمًا يُسافر معها، وقد رَخَّصَ بعض العلماء في ذلك إذا كانت مع جماعة من النساء بصُحْبة رجال مؤمنينَ؛ ولكن ليس عليه دليل، والصواب خلافُه للحديث المذكور.
-
ضابط المَحْرَم
س: هل تُعتبر المرأة مَحْرَمًا للمرأة الأجنبية في السَّفَر والجُلوس ونحو ذلك، أم لا؟[50]
ج: ليستِ المرأة مَحْرَمًا لغيرها، إنما المَحْرَم هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب: كأبيها وأخيها، أو سبب مُباح: كالزوج، وأبي الزوج، وابن الزوج، وكالأب من الرضاع، والأخ من الرضاع ونحوهما.
ولا يجوز للرجل أن يخلوَ بالمرأة الأجنبية، ولا أن يسافر بها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرم))[51]؛ متفق على صحته؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان))[52]؛ رواه الإمام أحمد، وغيره من حديث عمر - رضي الله عنه - بإسناد صحيح.
-
والد الزوج مَحْرم لزوجة ابنه.
س: هل يجوز أن يكون والدي مَحْرَمًا لزوجتي لأداء العمرة، وأنا داخل الرياض؟[53]
ج: أبو الزوج مَحْرم لزوجة الابن في الحج وغيره.
-
يشترط في المَحْرم البلوغ
س: ما هو أدنى سن للشاب حتى يكون مَحْرمًا للمرأة، إذا أرادت السفر؟[54]
ج: أدنى سن يكون به الرجل مَحْرمًا للمرأة هو البلوغ، وهو إكمال خمسة عشر سنة، أو إنزال المني بشهوة، أو إنبات الشعر الخشن حول الفرج، ويُسمى العانة.
ومتى وُجِدَتْ واحدة من هذه العلامات الثلاثة صار الذَّكَر بها مكلفًا، وجاز له أن يكون مَحْرَمًا للمرأة، وهكذا وجود واحدة من الثلاث تكون بها المرأة مكلفة، وتزيد المرأة علامة رابعة وهي الحيض، والله ولي التوفيق.
-
حكم سَفَر المرأة في الطائرة بدون مَحْرم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المُكَرَّم الأستاذ/ أ. س. ع. وفَّقَهُ الله لكل خير، آمين[55].
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
كتابكم المؤرخ في 15/1/1394هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة: أنك اختلفت مع أحد زملائك في جواز سفر المرأة المُسْلِمة بالطائرة بدون مَحْرم، مع أن وليها يكون معها حتى تركب الطائرة، ومحرمها الآخر يكون في استقبالها في البلد المُتَوَجِّهَة إليه، ورغبتك في الفتوى كان معلومًا.
ج: لا يجوز سَفَر المرأة المسلمة في الطائرة ولا غيرها بدون مَحْرم يرافقها في سفرها؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرم))[56]؛ مُتَّفق على صحته؛ ولأنَّه من المحتمل تعرضها للمَحْذور في أثناء سير الطائرة بأية وسيلة من الوَسائل، ما دامت ليس لديها من يَحْمِيها، وأمر آخر وهو أن الطائرات يحدث فيها خرابٌ أحيانًا، فتنزل في مطار غير المطار الذي قصدته، ويقيم ركابها في فُندق أو غيره في انتظار إصلاحها، أو تأمين طائرة غيرها، وقد يمكُثون في انتظار ذلك مدة طويلة أو يوم أو أكثر، وفي هذا ما فيه مِنْ تعرض المرأة المسافرة وحدها للمحذُور، وبالجملة فإن أسرارَ أحكام الشريعة الإسلامية كثيرة، وعظيمة، وقد يخفى بعضها علينا، فالواجبُ التَّمَسُّك بالأدلة الشرعية، والحَذَر من مُخَالفتها من دون مسوغ شرعي لا شَكَّ فيه. وَفَّق الله الجميع للفِقْه في الدين، والثبات عليه. إنه خير مسؤول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
مدى صحة حديث: ((السبيل الزاد والراحلة)).
س: حديث أَنَس - رضي الله عنه - في الزَّاد والرَّاحِلَة. قال: "قيل يا رسول الله، ما السبيل؟" قال: ((الزاد والراحلة))؛ رواه الدَّارَقُطْنِيّ، وصححه الحاكم، والراجح إرساله، وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر، وفي إسناده ضعفٌ، فما صحته؟[57]
ج: كلها ضعيفة؛ لكن يشهد بعضها لبعض، فهي من باب الحَسَن لغيره، وأجمع العلماء على المعنى.
والأصل في ذلك قوله – تعالى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[58]، فمن استطاع السبيل إلى البيت لزمه الحج، ومن لم يستَطِع فلا حَرَج عليه، وكل إنسان أعلم بنفسه.
حكم من حج من مال أبيه وفيه كسب حرام
س: حججتُ وأنا طالب في الجامعة، وأخذت مالاً من والدي لمصاريف الحج، وذلك لعدم استطاعتي توفير المال بنفسي، ولكن والدي كان يعمل آنذاك في أعمال مُحَرَّمة وأرباح من تلك الأعمال المحرمة، فهل حجي صحيح أم أعيده؟[59]
ج: الحج صحيح - إن شاء الله - إذا كنتَ أَدَّيْتَه على الوَجْه الشرعي، ولا يبطله كون المال فيه شُبهة أو كَسْب مُحَرَّم؛ لأن أعمال الحج كلها بدنية؛ ولكن يجب على المسلم أن يَحْذر الكسب الحرام، ويتوب إلى الله مما سلف، ومن تاب تابَ الله عليه؛ كما قال – تعالى -: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[60]
-
حكم الحج لمن عليه دَيْن.
س: أفيدكم بأنني شابّ أبلغ من العمر حوالي 32 سنة، ومتزوج ولي من الأطفال خمسة، وشاء الله أن أقع في كثير من الدّيون حتى إنها بلغتْ ما يُقارب خمسين ألف ريال، وذلك في إتمام الزواج حسب العادات والتقاليد بمنطقة الباحة، وحيث إن بعض هذا الدَّيْن له ما يُقارب من 13سنة، حيث إنني أقيم الآن بمدينة الطائف، وأستأجر سكنًا بمدينة الطائف، ومن ذوي الدخل المحدود، وحيث إن ظروفي - والله يا والدي العزيز - لم تساعدني حتى الآن في سَداد هذه الديون، فعندما أقوم بسَداد مبلغ أرجع فأقترض غيره؛ وذلك لقِلَّة دخلي. وحيث إننا مُقبلينَ على مَوْسم الحج هذا العام، ولي رغبةٌ في أداء فريضة الحج هذا العام، فأرجو من الله، ثُمَّ منك إفادتي: هل إذا حججتُ دون علم الذين لهم عندي دَيْن عليّ إثمٌ، ولا أستطيع الاستئذان منهم حيث إن بعضهم في الباحة، والبعض الآخر في مكة المكرمة وجدة، ولا أعرف عُنوان أغلبهم، وكل منهم له ما يُقارب من خمسة آلاف ريال.
لذا أرغب من سماحتكم إفادتي في هذا الموضوع على العُنوان المذكور، وذلك قبل الحج لهذا العام على أن أقوم بالحج من عدمه؟[61]، وفقكم الله وأطال في عمركم.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإذا كان عندك ما يوفيهم فلا حاجة للاستئذان؛ لكونك قادر على الوفاء، وإن كان لديك قدرة على الحج والوفاء جميعًا فلا حاجة للاستئذان منهم؛ لأن الحج لمن استطاع إليه سبيلاً. وَفَّق الله الجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
وفاء الدين قبل الحج
س: عليَّ دَيْن وأريد الحج، فهل يجوز لي ذلك، وجزاكم الله خيرًا؟[62]
ج: إذا كان لديك مال يتسع للحج ولقضاء الدين فلا بأس، أمَّا إذا كان المال لا يتَّسِع لهما، فابدأ بالدَّيْن؛ لأن قضاء الدَّيْن مُقَدَّم، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[63]، وأنت لا تستطيع؛ لأن الدَّيْن يمنعك من الاستطاعة، أمَّا إذا كان لديك مال كافٍ لسَداد الدَّيْن، وأداء الحج فلا بأس أن تحج وأن تفي بالدَّيْن؛ بل هو الواجب عليك للآية المذكورة وما جاء في معناها من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-
حكم الاقتراض من أجل الحج
س: رجل مقيم بالمملكة وموظف بإحدى المؤسسات يريد أن يحج، هل يجوز له أن يتسلم مُرَتَّبه مقدمًا قبل نهاية الشهر؛ للمُساعدة في نفقات الحج علمًا بأنه سيعمل بنفس الأجر الذي تَسَلَّمه، وهل يجوز له أن يقترض من زملائه؛ ليحج ثم يُسَدد لهم فيما بعد؟[64]
ج: لا حرج في ذلك، إذا سمح له المسؤول بذلك، ولا حرج في الاقتراض إذا كان يستطيع الوفاء، والله ولي التوفيق.
س: هل يجب على الزَّوْج دفع تكاليف حج زوجته؟[65]
ج: لا يجبُ على الزَّوْج دفع تكاليف حج زوجته، وإنما نفقة ذلك عليها إذا استطاعت؛ لقول الله - عز وجل -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[66]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا سأله جبرائيل - عليه السلام - عن الإسلام، قال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً))[67]؛ أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهذه الآية الكريمة والحديث الشريف يعمان الرجال والنساء، ويعمان الزَّوْجات وغير الزوجات، لكن إذا تبرع لها بذلك فهو مشكور ومأجورٌ، والله ولي التوفيق.
-
حكم من حج وترك زوجته وحدها.
س: هل يجوز أن يذهبَ الرجل للحج أو العمرة دون أن يَصْطَحِب الزوجة؟ وجزاكم الله خيرًا[68]
ج: يجوز له أن يدعها في البيت، ويذهب للحج أو العمرة أو للصلاة أو للجهاد أو لحاجاته الخاصة في التجارة، لا بأس بذلك كله. وإذا كانت الزوجة تستوحش فعليه أن يجعل عندها من الخَدَم من يؤنسها، أو يسمح لها أن تذهب عند أهلها للوحشة التي تصيبها، أو إذا كان عليها خطر، فيجمع بين المصلحتَيْنِ، ولا يلزم أن تذهب معه كُلَّما سافر.
-
حكم الحج عمن مات ولم يحج
س: مَنْ مات ولم يحج لمرض أو فَقْر ونحوه هل يُحَج عنه؟
ج: من مات قبل أن يحج فلا يخلو من حالَينِ:
إحداهما: أن يكونَ في حياته يستطيع الحج ببدنه وماله، فهذا يجب على ورثته أن يخرجوا من ماله لمن يحج عنه؛ لكونه لم يؤدِّ الفريضة التي مات وهو يستطيع أداءها، وإن لم يوصِ بذلك، فإن أَوْصى بذلك فالأمر آكد، والحُجَّة في ذلك قول الله – سبحانه -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[69]، والحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له رجل: "إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه؟"، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حج عن أبيك واعتمر))[70]. وإذا كان الشيخ الكبير الذي يشق عليه السفر وأعمال الحج يحج عنه، فكيف بحال القَوِيّ القادر إذا مات ولم يحج؟! فهو أَوْلَى وأَوْلَى بأن يُحَج عنه. وللحديث الآخر الصحيح أيضًا، أن امرأة قالت: "يا رسول الله، إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟" قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حجي عن أمك))[71].
أما الحال الثانية: وهي ما إذا كان الميت فقيرًا لم يستطِع الحج، أو كان شيخًا كبيرًا لا يستطيع الحج وهو حَيّ، فالمشروع لأولياء مثل هذا الشخص: كابنه وبنته أن يحجوا عنه؛ للأحاديث المتقدِّمة؛ ولحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: ((لبيك عن شبرمة))، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ شبرمة؟))، قال: "أخ لي أو قريب لي"، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حججت عن نفسك؟))، قال: "لا"، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة))[72].
ورُوي هذا الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفًا عليه. وعلى كلتا الروايتَينِ، فالحديث يدل على شرعية الحج عن الغير: سواء كان الحج فريضة أو نافلة. وأما قوله – تعالى -: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[73]، فليس معناه أن الإنسان ما ينفعه عمل غيره، ولا يجزئ عنه سَعْي غيره، وإنما معناه عند علماء التفسير المحققينَ أنه ليس له سَعْي غيره، وإنما الذي له سعيه وعمله فقط، وأما عمل غيره فإن نَوَاه عنه وعمله بالنِّيابة، فإن ذلك ينفعه ويُثاب عليه؛ كما يثاب بدعاء أخيه وصدقته عنه، فهكذا حجه عنه وصومه عنه إذا كان عليه صوم؛ للحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه ولِيُّه))[74]؛ أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة، وهذا يختص بالعبادات التي ورد الشرع بالنيابة فيها عن الغَيْر، كالدُّعاء والصدقة والحج والصوم، أما غيرها فهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم، كالصلاة والقراءة ونحوهما، والأَوْلَى التَّرْك؛ اقتصارًا على الوارد؛ واحتياطًا للعبادة، والله الموفق.
س: ما حكم الحج عن الوالدين اللذينِ ماتَا ولم يحجَّا؟[75]
ج: يجوز لك أن تحج عن والديك بنفسك، وتنيب من يحج عنهما إذا كنت حجَجْتَ عن نفسك، أو كان الشخص الذي يحج عنهما قد حَجَّ عن نفسه؛ لما رُوي عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - من حديث شبرمة[76].
س: رجل مات ولم يقضِ فريضة الحج، وأَوْصَى أن يُحَج عنه من ماله، ويسأل عن صحة الحجة، وهل حج الغير مثل حجه لنفسه؟[77]
ج: إذا مات المسلم ولم يقضِ فريضة الحج، وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يُحَج عنه من ماله الذي خلفه، سواء أوصى بذلك أم لم يوصِ، وإذا حج عنه غيره ممن يصح منه الحج وكان قد أدى فريضة الحج عن نفسه، صَحَّ حجه وأجزَأَه في سقوط الحج عنه؛ كما لو حج عن نفسه، أما كون ذلك أقل أو أكثر فذلك راجع إلى الله - سبحانه وتعالى - لأنه العالِم بأحوال عباده ونِيَّاتهم، ولا شك أن الواجب عليه المُبادرة بالحج إذا استَطَاع قبل أن يموت للأدلة الشرعية الدالة على ذلك، ويُخْشَى عليه من إِثْم التأخير.
-
حكم الحج عمن مات ولم يوصِ بالحج
س: إذا مات رجل لم يوصِ أحدًا بالحج عنه، فهل تسقط عنه الفريضة إذا حج عنه ابنُه؟[78]
ج: إذا حج عنه ابنه المسلم الذي قد حج عن نفسه سقَطَتْ عنه الفريضة بذلك، وهكذا لو حج عنه غير ابنه من المسلمينَ الذين قد حجوا عن أنفسهم؛ لما ثبت في الصحيحَينِ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة قالت: "يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه؟" قال: ((نعم حجي عنه))[79]. وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ما ذكرنا.
-
حكم من نذر الحج ومات ولم يحج.
س: من نَذَر على نفسه الحج، ومات وليس وراءه تَرِكَة، هل يكون القضاء استحبابًا أو وجوبًا؟[80]
ج: إن تَيَسَّر من بعض الوَرَثة أو غيرهم أن يحج عنه فذلك مُسْتَحَب وفاعله مأجور، وإلا فليس عليه شيءٌ؛ لقول الله – سبحانه -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[81]، مثل الدَّيْن إذا قضوا عنه فقد أحسنوا، وإلا فلا حرج إذا لم يخلف تَرِكة.
-
الحج عن الوالدَيْنِ أفضل من إنابَة من يحج عنهما.
س: تُوفِّيتْ والدتي وأنا صغير السن، وقد أجَّرَتْ على حجتها شخصًا موثوقًا به، وأيضًا والدي تُوفِّي وأنا لا أعرف منهما أحدًا، وقد سمعت من بعض أقاربي أنه حَجَّ. فهل يجوز أن أُؤجِّر على حجة والدتي، أم يلزمني أن أحج عنها أنا بنفسي، وأيضًا بالنسبة لوالدي هل أقوم بحجة له، وقد سمعت أنه حَجَّ؟ أرجُو إفادتي وشكرًا[82]
ج: إن حججتَ عنهما بنفسك، واجتهدت في إكمال حجك على الوَجْه الشرعي فهو الأفضل، وإن استأجرتَ مَنْ يحج عنهما من أهل الدِّينِ والأمانة فلا بأس.
والأفضل أن تؤدي عنهما حجًّا وعمرة، وهكذا من تستنيبه في ذلك، يشرع لك أن تأمره أن يحج عنهما ويَعْتَمِر، وهذا من بِرِّك لهما وإحسانك إليهما، تَقَبَّل الله منَّا ومنك.
-
تقديم الأم على الأب في الحج أفضل؛ لأن حقها أعظم وأكبر.
س: تُوفِّي والدي منذ خمس سنوات، وبعده بسنتين تُوفِّيت والدتي، قبل أن يؤدِّيَا فَريضة الحج، وأرغبُ أن أحج عنهما بنفسي، فسمعتُ بعض الناس يقول: يلزمك أن تحج عن أمك أولاً؛ لأن حقها أعظم من حق الأب، وبعضهم يقول: تحج عن أبيك أولاً؛ لأنه مات قبل أمك. وبقيت محتارًا فيمن أُقَدِّم؟ وضّحُوا لي أثابكم الله[83]
ج: حجك عنهما من البر الذي شَرَعَهُ الله - عز وجل - وليس واجبًا عليك؛ ولكنه مشروع لك ومستحبّ ومُؤَكَّد؛ لأنه من برهما؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لما سأله رجل: "هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به؟" قال: ((نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما))[84]. والمقصود أن من برهما بعد وفاتهما أداء الحج عنهما. وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سألته امرأة، قالت: "يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عبادِه في الحج وهو شيخٌ كبيرٌ لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟"، قال: ((حجي عن أبيك))[85]، وسأله آخر عن أبيه، قال: "إنه لا يثبت على الراحلة، ولا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه وأعتمر؟" فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((حج عن أبيك واعتمر))[86].
فالمشروع لك يا أخي أن تحج عنهما جميعًا، وأن تعتمر عنهما جميعًا، أما التقديم فلك أن تقدم من شِئْت: إن شئت قَدَّمْت الأم، وإن شئت قَدَّمْت الأب، والأفضل هو تقديم الأم؛ لأن حقها أكبر وأعظم، ولو كانت متأخرة الموت وتقديمها أَوْلَى وأفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِل فقيل له: "يا رسول الله، من أبر؟" قال: ((أمك))، قال: "ثُمَّ مَنْ؟"، قال: ((أمك))، قال: "ثم من؟"، قال: ((أمك))، قال: "ثم من؟" قال: ((أبوك))[87] فذكره في الرابعة. وفي لفظ آخر سُئِل - عليه الصلاة والسلام - قيل: "يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟"، قال: ((أمك))، قال: "ثم مَنْ؟"، قال: ((أمك))، قال: "ثم من؟"، قال: ((أمك))، قال: "ثم من؟" قال: ((أبوك))[88]. فدل ذلك على أن حقها أكبر وأعظم، فالأفضل البداءة بها ثم تحج بعد ذلك عن أبيك، وأنت مأجورٌ في ذلك، ولو بدأت بالأب فلا حَرَج.
-
جواز الإنابة في الحج والعمرة[89]
س: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - حفظك الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرسل إليكم هذا المكتوب - راجيًا من فضيلتكم - في أمر يخص مسألة وصية وهي:
أنَّ جدتي أوصتني أن أحج لها، وبالنسبة لي فإنني مقعد بسبب رجلي، وكبر سني، ولا أطيق الحج، فقد كلفت المدعو محمد بن سعيد بالحج عني، وقد تكلفت بمصاريف حجه، فأعطيته ألفينِ وستمائة ريال 2600 لذلك. فهل تجزئ هذه الحجة عن تلك الوصية؟. بارك الله فيكم.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فقد أحسنت فيما فعلت، وحج محمد بن سعيد المذكور عن جدتك لا بأس به إذا كان ثِقَة. وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
ما يشترط في النائب
س: سماحة الشيخ: هل يجوز أن استأجر من يقوم بأداء الحج لوالدي، علمًا بأنني لم أقضِ فريضة الحج بعدُ؛ لعدم وجود مَحْرم لديّ، أو إذا لم يكن ذلك جائزًا، فهل يجوز أن أقوم بذلك العمل في نفس العام الذي سوف أحج فيه إن شاء الله؟[90]
ج: لا حَرَج عليكِ أن تستأجري من يحج عن أبيك، وإن كنتِ لم تحجي عن نفسك، أما أنت فليس لك الحج عن أبيك إلا بعد أن تحجي عن نفسك، ولا مانع أن يحج عن أبيك مَنْ قد حج عن نفسه في السنة التي تحُجِّينَ فيها عن نفسك. والله الموفق.
-
لا يلزم النائب أن يأتي بالحج من بلد من ناب عنه
س: إذا كان النائب عمن نذر الحج في بَلْدة أخرى غير بلد الناذر أقرب من بلد الناذر نفسه، هل يلزمه أن يأتي بالحج من بلد الناذر؟[91]
ج: لا يلزمه ذلك؛ بل يكفيه الإحرام من المِيقَات، ولو كان في مكَّة فأحرم منها بالحج كفى ذلك؛ لأن مكة مِيقَات أهلها للحج.
-
لا حاجة إلى استشارة أبناء المتوفى للحج عنه
س: أريدُ أن أُؤدِّي فريضة الحج عن خَالي، فهل لي أن استشير أبناءه الصغار؟[92]
ج: إذا كان خالك مُتوفَّى، وأنت قد أديتَ الفريضة عن نفسك فلا بأس أن تؤديَ الحج عنه، ولا حاجة إلى استشارة أبنائه أو غير أبنائه إذا كان قد تُوفِّيَ، أو كان كبير السن لا يستطيع الحج، وأنت قد أديتَ الفريضة، فإنك إذا أحسنت إليه بأداء الحج عنه تطوعًا، فأنت مشكور ومأجور، ولا حاجة إلى استئذانِ أحد في ذلك.
-
حج عن والدتك ولو بغير إذنها.
س: أريد أن أحج عن والدتي فهل لا بد أن أستأذنها، علمًا بأنها سبق أن أدتْ حجة الفريضة؟[93]
ج: إذا كانت والدتك عاجزةً عن الحج لكِبَر سنها، أو مرض لا يُرْجى بُرْؤه، فلا بأس أن تحج عنها ولو بغير إذنها؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه استأذنه رجل قائلاً: "يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة"، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((حج عن أبيك واعتمر))[94]، واستأذنته امرأة قائلة: "يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير، ولا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه؟"، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((حجي عن أبيك))[95]. وهكذا الميت يحج عنه؛ لأحاديث صحيحة ورَدَتْ في ذلك، ولِهذَينِ الحديثَينِ. والله ولي التوفيق.
-
حجك عن أخيك من مالك مسقط للواجب عليه
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم/ م. ن. س. ع. وفَّقه الله إلى ما فيه رضاه. آمين[96]
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني سؤالك من طريق "جريدة الجزيرة"، ونصه:
أن أخاك تُوفِّيَ وترك مبالغ عند بعض الناس، وتم جمع هذه الأموال وهي عندك الآن، وتريد إنفاقها في المشاريع الخيرية، وقد حججتَ عنه من مالك.. إلى آخره.
ج: حجك عنه من مالك كافٍ وهو مُسْقِط للواجب عليه. جزاك الله خيرًا، وضَاعَفَ مَثُوبتك.
أمَّا الأموال المذكورة فالواجب تقسيمها بين الوَرَثة، وما أشكل عليكم في ذلك من وصية أو غيرها فراجعوا فيه المحكمة، وفيما تراه المحكمة الكِفَاية إن شاء الله.
-
حُكْم أخذ حجة لوفاء دَيْن
س: هل يجوز أخذ مال عن أداء الحج عن غيري؛ لسداد دَيْن عَلَيّ؟ أفيدوني مأجورينَ[97]
ج: لا بأس أن تأخذ حجة؛ لتفي بالدَّيْن الذي عليك؛ ولكن الذي ينبغي لك أن يكون القصد من الحجة مُشاركة المسلمينَ في الخير مع قضاء الدَّيْن؛ لعل الله أن ينفعك بذلك، ويكون المقابل المادي الذي تأخذه عن الحجة تبعًا لذلك.
حُكْم الحج عن مُقرئ مقابل إهدائه ثواب تلاوته
لي صديق مقرئ في مصر، هل يجوز لي أن أُؤَدي عنه الحجة أو العمرة بشرط أن يقرأ هو القرآن عدة مرات، ويهب ثواب ذلك لوالدي؟[98]
ج: إذا كان عاجزًا كالشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، والمريض الذي لا يرجى برؤه، جاز لك أن تحج عنه وتعتمر، وأنت مأجور؛ لكن بدون هذا الشرط؛ بل تبرُّعًا منك أو بمال يعطيك إياه لتحج عنه؛ أما القراءة عنك أو عن غيرك فلا أصل لها شرعًا.
-
حكم الحج والعمرة عن عدة أشخاص معًا
س: لي إخوة كثيرون، هل يجوز أن أعتمر عمرة واحدة وأحج حجة واحدة أثوبهما لي ولهم، مع العلم أنهم لا يحافظون على الصلاة؟[99]
ج: العمرة لا تكون إلا عن واحد، وكذلك الحج، فليس لك أن تحج عن جماعة، ولا تعتمر عن جماعة، وإنما الحج عن واحد، والعمرة عن واحد فقط إذا كان المحجوج عنه ميتًا، وهكذا المعتمر عنه ميتًا، أو عاجزًا لمرض لا يُرْجى بُرْؤه، أو كبير سن فلا بأس أن تحج عنه وتعتمر إذا كان شخصًا واحدًا، وإذا أعطاك وليُّه مالاً أو هو نفسه - أي العاجز - لتحج عنه فلا بأس إذا أخذته لله لا لقصد الدنيا. والذي لا يحافظ على الصلاة لا يحج عنه، وإذا كان الشخص الميت أو العاجز عن الحج لكبر سنه أو لمرض لا يرجى بُرْؤُه معروفًا بأنه كان لا يصلي، أو عنده ما يكفر به من نواقض الإسلام الأخرى فإنه لا يحج عنه؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العُلماء. نسأل الله العافية.
-
حكم من استناب رجلاً غير صالح
س: شخص دفع مالاً لشخص من أجل أن يحج لوالدته، وهو يرى أنه أمين، ثم تبين له أن هذا الشخص يعمل عملاً غير صالح، ويطلب الإفادة؟[100]
ج: ينبغي لمن أراد أن يستنيب أحدًا أن يبحث عنه، وأن يعرف أمانته، واستقامته، وصلاحه، وعليه إذا كانت الحجة لازمة وفريضة أن يعوض عنها حجة أخرى، وإذا كانت الحجة وصية لأحد أوصاه بأن يخرجها فوضعها في يد غير أمينة، فإن الأَحْوَط في حقه أن يبدلها بغيرها؛ لأنه لم يحرص ولم يعتنِ بالمقام؛ بل تساهل، أما إن كان متطوعًا ومحتسبًا وليس عنده وصية لأحد؛ وإنما أراد التطوع والأجر فلا شيء عليه، وإن أحب أن يخرج غيرها فلا بأس.
-
يجوز حج المرأة عن الرجل والعكس.
س: الأخت أ. م. م. من القاهرة تقول في سؤالها: هل يجوز أن تحج المرأة عن الرجل، وهل هناك فرق بين أن يكون الحج تطوعًا أو واجبًا نرجُو الفتوى؟، وجزاكم الله خيرًا[101]
ج: يجوز حج المرأة عن الرجل إذا كان المَحْجُوج عنه ميتًا أو عاجزًا عن الحج؛ لكِبَر سن أو مرض لا يرجى برؤه: سواء كان الحج فرضًا أو نَفْلاً؛ لما ثَبَت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً قال له: "يا رسول الله، إن أبي لا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه وأعتمر؟" فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حج عن أبيك واعتمر))[102]، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة من "خَثْعَم" قالت: "يا رسول الله، إن أبي لا يستطيع الحج، أفأحج عنه؟" فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: ((حجي عن أبيك))[103]، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ولم يفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - بين حج الفَرْض والنَّفْل؛ فدل ذلك على جواز النيابة فيهما من الرجل والمرأة بالشرط المذكور، وهو كَوْن المحجوج عنه ميتًا أو عاجزًا؛ لكبر سن، أو مرض لا يُرْجَى بُرْؤُه. والله ولي التوفيق.
-
الحج عن الآخرين ليس خاصًّا بالقرابة.
س: هل الحج عن الآخرين مشروع على الإطلاق أم خاصٌّ بالقرابة؟، ثم هل يجوز أخذ الأجرة على ذلك؟، ثم إذا أخذ الأجرة على حجة عن غيره فهل له أَجْر في عمله هذا؟[104]
ج: الحج عن الآخرين ليس خاصًّا بالقرابة؛ بل يجوز للقرابة وغير القرابة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شبهه بالدين؛ فدل ذلك على أنه يجوز للقرابة وغير القرابة. وإذا أخذ المال وهو يقصد بذلك المُشاهدة للمشاعر العظيمة، ومشاركة إخوانه الحُجاج والمشاركة في الخير فهو على خير - إن شاء الله - وله أجر. أما إذا كان لم يقصد إلا الدنيا، فليس له إلا الدنيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))[105]؛ مُتَّفق على صحته.
-
تارك الصلاة لا يحج عنه.
س: أبو عبدالله من الرِّياض يقول في سؤاله: ماذا يقول فضيلتكم فيمن يهب الأعمال الصالحة: كقراءة القرآن، والحج والعمرة عمن توفى وهو تارك للصلاة، وفي الغالب يكون هذا المُتوفَّى جاهلاً وغير متعلم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا[106].
ج: تارك الصلاة لا يُحَج عنه، ولا يُتَصَدق عنه؛ لأنه كافر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بين الرجل وبين الشرك والكُفْر ترك الصلاة))؛ رواه مسلم في صحيحه[107]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((العَهْد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمَنْ تركها فقد كَفَر))[108]؛ رواه الإمام أحمد، وأهل السُّنن بإسناد صحيح.
أما القراءة عن الغير فلا تشرع، لا عن الحي ولا عن الميت؛ لعدم الدليل على ذلك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رَدّ))[109]؛ أخرجه مسلم في صحيحه؛ وأخرجه الشيخان: البخاري ومسلم في الصحيحينِ بلفظ: ((من أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ))[110]، ومعنى فهو رد: أي فهو مَرْدود.
ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة - رضي الله عنهم - فيما نعلم أنهم قَرؤُوا القرآن، وثَوَّبُوه لحي ولا ميت. والله ولي التوفيق.
-
حُكْم الصدقة والحج عمن كان يذبح لغير الله
س: سائل يقول: إن والده يذبح لغير الله فيما قيل له عن ذلك، ويريد الآن أن يتصدق عنه ويحج عنه، ويعزو سبب وقوع والده في ذلك إلى عدم وجود عُلماء، ومُرْشِدينَ، وناصِحينَ له، فما الحُكْم في ذلك كله؟[111]
ج: إذا كان والده معروفًا بالخير والإسلام والصَّلاح، فلا يجوز له أن يصدق من ينقل عنه غير ذلك ممن لا تعرف عدالته، ويُسَن له الدعاء والصدقة عنه حتى يعلم يقينًا أنه مات على الشرك، وذلك بأن يثبت لديه بشهادة الثقات العُدول اثنينِ أو أكثر، أنهم رأوه يذبح لغير الله من أصحاب القبور أو غيرهم، أو سمعوه يدعو غير الله، فعند ذلك يمسك عن الدعاء له، وأمره إلى الله - سبحانه وتعالى - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استأْذَنَ ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن الله له، مع أنها ماتت في الجاهلية على دين الكُفَّار، ثم استأذن ربه أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على أن من مات على الشرك ولو جاهلاً لا يُدْعَى له، ولا يُسْتغفر له، ولا يُتَصدق عنه، ولا يُحَج عنه، أما من مات في محل لم تبلغه دعوة الله، فهذا أمره إلى الله – سبحانه - والصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يُمْتَحَن يوم القيامة، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار؛ لأحاديث صحيحة وردت في ذلك.
-
باب المواقيت: مواقيت الحج الزمانية والمكانية.
س: نسأل فضيلتكم عن معنى قول الله – سبحانه -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ... الآية}؟، جزاكم الله خيرًا[112].
ج: يقول الله – سبحانه -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[113].
ومعنى الآية: أن الحج يهل به في أشهر معلومات وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأولى من ذي الحجة، هذه هي الأشهر. هذا هو المراد بالآية وسَمَّاها الله أشهرًا؛ لأن قاعدة العرب إذا ضموا بعض الثالث إلى الاثنينِ، أطلقوا عليها اسم الجمع.
وقوله – سبحانه -: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} يعني: أَوْجَب الحج فيهن على نفسه بالإحرام بالحج، فإنه يُحَرَّم عليه: الرَّفَث، والفُسوق، والجِدَال. والرَّفَثُ هو: الجِمَاع ودَوَاعيه، فليس له أن يُجَامع زوجته بعد ما أحرم، ولا يتكلم ولا يفعل ما يدعوه إلى الجِمَاع، ولا يأتي الفُسُوق وهي: المعاصي كلها من: عقوق الوالدينِ، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والغيبة، والنميمة، وغير ذلك من المعاصي.
والجِدال معناه: المُخاصَمَة، والمُمَاراة بغير حق؛ فلا يجوز للمُحْرِم بالحج أو بالعمرة أو بهما أن يُجادِل بغير حق، وهكذا في الحق لا ينبغي أن يُجَادل فيه؛ بل يُبَيِّنه بالحكمة والكلام الطيب، فإذا طال الجدال ترك ذلك؛ ولكن لا بد من بيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وهذا النوع غير مَنْهيّ عنه؛ بل مأمور به في قوله – سبحانه -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[114].
-
حكم من جَاوزَ المِيقَات دون إحرام.
س: ما حكم من جاوز الميقات دون أن يُحْرِم سواء كان لِحَج أو عمرة أو لغرض آخر؟[115]
ج: من جاوز الميقات لحج أو عمرة، ولم يُحْرِم وجب عليه الرُّجوع والإحرام بالحج والعمرة من الميقات؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِى الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، ويُهِلُّ أهل نَجْد من قَرْن، ويُهِلّ أَهْل اليَمَن مِنْ يَلَمْلَم))[116]، هكذا جاء في الحديث الصحيح، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "وَقَّتَ النبي لأهل المدينة ذَا الحُلَيْفَة، ولأهل الشَّام الجُحْفَة، ولأهل نَجْد قَرْن المنَازِل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِن مِنْ غير أَهْلِهِنّ ممن أراد الحج والعمرة" [117]، فإذا كان قصده الحج أو العمرة فإنه يلزمه أن يُحْرِم من الميقَات الذي يمر عليه، فإن كان من طريق المدينة أحرم من ذي الحُلَيْفة، وإن كان من طريق الشام، أو مصر، أو المغرب أحرم من "الجُحْفَة" - من "رَابِغ" الآن - وإن كان من طريق اليمن أحرم من "يَلَمْلَم"، وإن كان من طريق "نجد" أو "الطائف" أحرم من "وادي قَرْن"؛ ويسمى "قرن المنازل"؛ ويسمى "السيل" الآن، ويسميه بعض الناس "وادي محرم" فيحرم من ذلك بحجة أو عمرة أو بهما جميعًا، والأفضل إذا كان في أشهر الحج أن يحرم بالعمرة فيطوف لها ويَسْعَى ويقصر ويحل، ثم يُحْرِم بالحج في وقته، وإن كان مر على الميقَات في غير أشهر الحج مثل: رمضان أو شعبان أحرم بالعمرة فقط، هذا هو المشروع. أما إن كان قدم لغرض آخر لم يرد حجًّا ولا عمرة، إنما جاء لمكة للبيع أو الشراء أو لزيارة بعض أقاربه وأصدقائه، أو لغرض آخر ولم يرد حجًّا ولا عمرة، فهذا ليس عليه إحرام على الصحيح، وله أن يدخل بدون إحرام، هذا هو الراجح من أصح قولي العلماء، والأفضل أن يحرم بالعمرة؛ ليَغْتَنِم الفرصة.
-
حكم من تجاوز الميقات أكثر من مرة دون إحرام
س: شخص عليه دم لإحرامه من "جدة" بعد أن جاوز الميقَات، وقد وقع في هذا الخطأ عدة مرات، ماذا يفعل؟ هل يذبح ذبيحة واحدة وتكفي، أم الجواب خلاف ذلك؟ أرجو من سماحتكم الإفادة؟ جزاكم الله خيرًا[118].
ج: عليه عن كل مرة ذبيحة تُذْبَح في مكة للفُقراء، إذا كان قد جاوز الميقات وهو ناوٍ الحج، أو العمرة ثم أحرم من جدة، ويجزئ عن ذلك سُبع بَدَنَة، أو سُبع بَقَرة مع التوبة إلى الله – سبحانه - من ذلك؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يُجَاوز الميقات وهو ناوٍ للحج أو العمرة إلا بإحرام؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت: ((هُنَّ لَهُنَّ، ولمن أتى عَلَيْهِنَّ من غير أهلِهِنَّ ممن أراد الحج والعمرة))[119]؛ ولقول ابن عباس - رضي الله تعالى - عنهما: "من تَرَك نُسُكًا أو نسيه فليهرق دمًا"[120]، وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
-
مَنْ قصد مكة لتجارة أو زيارة لأقاربه فليس عليه إحرام
س: ما حكم من قدم إلى مكة، ولم يحرم للعمرة ولم يَطُف، ولم يَسْع؟[121]
ج: إذا كان الذي قصد مكة لم يقصد حجًّا ولا عمرة؛ وإنما أراد التجارة أو الزيارة لبعض أقاربه أو نحو ذلك، فليس عليه إحرامٌ ولا طوافٌ ولا سعي ولا وداع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقَّت المواقيت لأهل المدينة والشام ونجد واليمن: ((هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أتى عليهِنَّ من غير أهلِهِنَّ ممن أراد الحج والعمرة))[122]؛ الحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - فدل ذلك على أن من لم يرد الحج والعمرة فليس عليه شيء، ولكن إذا تَيَسَّر له الإحرام للعمرة فهو أفضل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العمرة إلى العمرة كَفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[123]، وهذا في حق من قد أَدَّى عمرة الإسلام. أما من لم يؤدها فالواجب عليه البدار بها إذا قدر على ذلك كالحج. والله الموفق.
-
حُكْم التَّردُّد بين الطائف وجدة للعمل بلا إحرام لمن نوى الحج.
س: موظف قد عزم على الحج؛ لكن له أعمال في الطائف يتردد؛ من أجلها بين الطائف وجدة بغير إحرام؟[124]
ج: لا حَرَج في ذلك؛ لأنه حين تردده من الطائف إلى جدة لم يقصد حجًّا ولا عمرة، وإنما أراد قضاء حاجاته؛ لكن من علم في الرجعة الأخيرة من الطائف أنه لا عَوْدَة له إلا الطائف قبل الحج، فعليه أن يحرم من الميقَات بالعمرة أو الحج. أما إذا لم يعلم ثم صادَف وقت الحج، وهو في جدة فإنه يحرم من جدة بالحج، ولا شيء عليه. ويكون حكمه حُكْم المُقيمينَ في جدة الذين جاؤوا إليها لبعض الأعمال، ولم يُريدوا حجًّا ولا عُمرة عند مُرورهم بالميقَات.
-
حكم من نوى العمرة لوالده ثم لنفسه قبل الميقات
س: أنا مقيم وأرغَب في تأدية عمرة رمضان لي ولوالدي المُتوفَّى، فهل يجوز لي أن أذهب للميقات، وأنوي العمرة لوالدي ثم إذا أديتُ النُّسُك أحرم من مكاني سواء بمكة أو جدة بعمرة لنفسي، أم لا بد من الذّهاب للميقَات؟[125]
ج: إذا كنتَ خارج المواقيت، وأردتَ الحج أو العمرة لك أو لغيرك من الأموات أو العاجزينَ عن أدائها؛ لكبر سن أو مرض لا يرجى بُرْؤه. فإن الواجب عليك أن تحرم من الميقات الذي تَمُرّ عليه، وأنت قاصد الحج أو العمرة، فإذا فرغت من أعمال العمرة أو الحج فلا حرج عليك أن تأخذ عمرة لنفسك من أدنى الحل؛ كالتَّنْعِيم والجِعْرَانة ونحوهما، ولا يلزمك الرجوع إلى الميقات؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - أحرمت بالعمرة من مِيقَات المدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فلمَّا فرغت من حجها وعمرتها استأذنَتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة مفردة، فأمر أخاها عبدالرحمن أن يذهبَ بها إلى التَّنْعِيم فاعتمرتْ بعد الحج، ولم يأمرها بالرجوع إلى الميقَات. وكانت قد أدخلت الحج على عمرتها التي أحرمت بها من الميقات بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حاضت قبل أن تُؤَدِّيَ أعمالها.
أما إن كنتَ ساكنًا داخل المواقيت جدة، وبحرة ونحوهما، فإنه يَكْفيك أن تحرم بالعمرة أو الحج من منزلك، ولا يلزمك الذهاب إلى الميقَات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وَقَّت المواقيت قال: ((هُنَّ لَهُنَّ، ولمن أتى عَلَيهِنَّ من غير أهلهِنَّ ممن أراد الحج والعمرة))، ثم قال: ((ومن كان دون ذلك، فمِنْ حيثُ أَنْشَأَ حتى أهل مكة يُهِلّون من مكة))[126]؛ متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وبَيَّن حديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور آنفًا: أنَّ مَنْ كان داخل الحرم ليس له أن يحرم من داخل الحرم للعمرة خاصة؛ بل عليه أن يخرج إلى الحل فيحرم منه بالعمرة؛ كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة بذلك. ويكون حديث عائشة المذكور مخصصًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس: ((حتى أهل مكة يهلون من مكة))، وهذا قول جمهور أهل العلم - رحمهم الله تعالى - وبالله التوفيق.
-
إحرام من هم دون المواقيت.
س: مَنْ كان سكنه دون المواقيت، فمن أين يُحْرِم؟[127]
ج: من كان دون المواقيت أحرم من مكانه مثل: أهل أم السلم وأهل بحرة يُحْرِمُون من مكانهم، وأهل جدة يحرمون من بلدهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس: ((ومن كان دون ذلك - أي دون المواقيت - فمُهَلُّه من حيث أنشأ))[128]، وفي لفظ آخر: ((فمُهَلُّه من أهله حتى أهل مكة يُهِلُّون منها))[129].
-
ميقات الحُجَّاج القادمينَ من إفريقيا.
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة المكرمة السيدة/ ت. أ. ر. حفظها الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد تلقيت رسالتك المُؤرَّخَة في 16/12/1391هـ، وعلمت ما تضمنته من الأسئلة، وإليك الإجابة عنها[130].
أولاً: بالنسبة لحجك مع عمك فلا بأس به؛ لأن العم مَحْرم شرعي، ونرجو من الله أن يتقبل منك، ويثيبك ثواب الحج المبرور.
وأما ميقاتُ الحُجَّاج القادمينَ من إفريقيا: فهو الجُحْفة أو ما يُحاذيها من جهة البر والبحر والجو، إلا إذا قدموا من طريق المدينة فميقاتهم ميقات أهل المدينة. ومن أحرم من رَابِغ فقد أحرم من الجُحْفة؛ لأن الجحفة قد ذهبت آثارها، وصارت بلدة رَابِغ في محلها أو قبلها بقليل.
وأما من ناحية المساجد الموجودة بالمدينة المعروفة حاليًا، فكلها حادثة ما عدا مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجد قُباء، وليس لهذه المساجد غير المسجدينِ المذكورينِ خصوصية من صلاة أو دعاء أو غيرهما؛ بل هي كسائر المساجد مَنْ أدركَتْه الصلاة فيها صَلَّى مع أهلها، أما قصدها للصلاة فيها والدعاء والقراءة أو نحو ذلك لاعتقاده خصوصية فيها، فليس لذلك أصل؛ بل هو من البدع التي يجب إنكارُها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ))[131]؛ أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها، وتحقيقًا لرغبتك يسرنا أن نبعث إليك بعضًا من الكتب، التي توزعها الجامعة حسب البيان المرفق، نسأل الله أن ينفع بها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
بيان خطأ من جعل جدة ميقاتًا لحجاج الجو والبحر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه..أما بعد:[132]
فقد اطَّلَعْتُ على ما كتب في التقويم القطري بإملاء فضيلة الشيخ/ عبدالله بن إبراهيم الأنصاري صفحة 95، 96 حول المواقيت للوافدينَ إلى مكة بنِيَّة الحج أو العمرة، فألْفَيْته قد أصاب في مواضع، وأخطأ في مواضع خطأ كبيرًا، فرأيتُ أنَّ من النصح لله، ولعباده التَّنبيهَ على المواضع التي أخطأَ فيها؛ راجيًا بعد اطلاعه على ذلك توبته عما أخْطَأ فيه ورجوعه إلى الحق؛ لأن الرجوع إلى الحق شرف وفضيلة وهو خير من التَّمادِي في الباطل؛ بل هو واجب لا يجوز تركُه؛ لأن الحق واجب الاتِّباع، فأقول:
أولًا: ذَكَر - وفَّقه الله - في الفقرة الثالثة من كلمته ما نصه: "القاصدون عن طريق الجو لأداء الحج والعمرة إذا كانت النية منهم الإقامة بجدة ولو يومًا واحدًا، ينطبق عليهم حكم المقيمينَ بجدة، والنازلينَ بها فلهم أن يحرموا من جدة" انتهى.
وهذا كلام باطل، وخطأ ظَاهِرٌ، مُخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في المواقيت، ومخالف لكلام أهل العلم في هذا الباب، ومخالف لما ذَكَره هو نفسه في الفقرة الأولى من كلمته المشار إليها آنفًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وَقَّت المواقيت لمُريدِي الحج والعمرة من سائر الأمصار، ولم يجعل جدة ميقاتًا لمن تَوجَّه إلى مكة من سائر الأمصار والأقاليم، وهذا يعم الوافدينَ إليها من طريق البر أو البحر أو الجو.
والقول: بأن الوافد من طريق الجو لم يمر عليها قولٌ باطل لا أساس له من الصحة؛ لأن الوافد من طريق الجو لا بد أن يَمُرّ قطعًا بالمواقيت التي وقَّتَها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو على ما يسامتها فيلزمه الإحرام منها، وإذا اشتبه عليه ذلك لزمَهُ أن يحرم في الموضع الذي يَتَيقَّن أنه محاذيها أو قبلها حتى لا يجاوزها بغير إحرام، ومن المعلوم أن الإحرام قبل المواقيت صحيح؛ وإنما الخلاف في كراهته وعدمها، ومن أحرم قبلها احتياطًا خَوْفًا من مجاوزتها بغير إحرام فلا كراهة في حقه، أما تجاوُزها بغير إحرام فهو مُحَرَّمٌ بالإجماع في حق كل مكلف أراد حجًّا أو عمرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس المتفق عليه لما وَقَّت المواقيت: ((هُنَّ لَهُنَّ، ولمن أتى عليهنّ مِنْ غير أهلهِنَّ ممن كان يريد الحج والعمرة))[133]، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر المتفق عليه: ((يُهِلُّ أهل المدينة من ذي الحُلَيْفَة، ويُهِلُّ أهل الشام مِنَ الجُحْفَة، وأهل نَجْد من قَرْن))[134]، وهذا اللفظ عند أهل العلم خبر بمعنى الأمر فلا تجوز مخالفته، وقد ورد في بعض الروايات بلفظ الأمر وذلك بلفظ: ((ليُهِلّ)).
والقول: بأن من أراد الإقامة بجدة يومًا أو ساعات من الوافدينَ إلى مكة من طريق جدة له حكم سُكَّان جدة في جواز الإحرام منها، قولٌ لا أصل له ولا أعلم به قائلًا من أهل العلم.
فالواجب على من يوقِّع عن الله ويفتي عباده في الأحكام الشرعية أن يَتَثَبَّت فيما يقول، وأن يتقي الله في ذلك؛ لأن القول على الله بغير علم خطره عظيم وعواقبه وخيمة. وقد جعل الله - سبحانه - القول عليه بلا علم في أعلى مراتب التحريم؛ لقوله - عز وجل -: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[135]
وأخبر - سبحانه - في آية أُخْرى أن ذلك مما يأمر به الشيطان فقال – سبحانه -: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[136]، وعلى مُقْتَضى هذا القول الباطل لو أراد مَنْ توجَّه من المدينة إلى مكة بنية الحج والعمرة أن يقيم بجدة ساعات جاز له أن يُؤَخِّر إحرامه إليها، وهكذا من توجه من نجد أو الطائف إلى مكة بنية الحج أو العمرة، وأراد الإقامة في لزيمة أو الشرائع يومًا أو ساعات جاز له أن يتجاوز قرنًا غير محرم، ويكون له حكم سكان لزيمة أو الشرائع. وهذا قول لا يخفى بُطْلانه على من تأمل النصوص، وكلام أهل العلم، والله المستعان.
ثانيًا: ذكر الشيخ عبدالله الأنصاري في الفقرة الخامسة ما نصه: "يجوز لمن يقصد أداء العمرة أن يتجه إلى التنعيم فيحرم منها حيث إنها الميقات الشرعي" انتهى.
وهذه العبارة فيها إجمالٌ وإطلاقٌ؛ فإن كان أراد بها سكان مكة والمُقيمينَ بها فصحيح، ولكن يؤخذ عليه قوله: "إن التنعيم هو الميقات الشرعي" فليس الأمر كذلك؛ بل الحل كله ميقات لأهل مكة والمقيمين بها، فلو أحرموا من الجِعْرَانة أو غيرهما من الحل فلا حرج وكانوا بذلك محرمينَ من ميقات شرعي، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبدالرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة إلى الحل لما أرادَتِ العمرة، وكونها أحرمت من التَّنْعِيم لا يُوجب ذلك أن يكون هو الميقات الشرعي، وإنما يدل على الاستحباب؛ كما قاله بعض أهل العلم؛ لأن في بعض الروايات من حديثها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبدالرحمن يعمرها من التنعيم وذلك - والله أعلم - لكونه أقرب الحل إلى مكة جمعًا بين الرِّوَايات، أما إن أراد بهذه العبارة أن كل من أراد العمرة له أن يحرم من التنعيم، ولو كان في جهة أخرى من الحل فليس بصحيح؛ لأن كل من كان في جهة من الجهات خارج الحَرَم ودون المواقيت، فإن ميقاته من أهله للحج والعمرة جميعًا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس المتفق عليه -: ((ومن كان دون ذلك - يعني دون المواقيت - فمُهَلُّه من أهله))، وفي لفظ: ((فمُهَلُّه من حيث أنشأ))، وقد أحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجِعْرَانة عام الفتح لما فرغ من تقسيم غنائم حُنين، فلم يذهب إلى التنعيم، والله ولي التوفيق.
ثالثًا: ذكر الشيخ عبدالله في الفقرة السادسة والسابعة ما نصه: "لا حجة لمن يقول بأن القاصد إلى جدة بالطائرة يمُرّ بالميقات؛ لأنه لا يمر بأي ميقات من المواقيت؛ بل هو هائم أو طائر في الجو ولم ينزل إلا بجدة"، ونص الحديث: ((ولِمَنْ مَرَّ بِهِنَّ))، ولا يعتبر من كان طائرًا بالهواء بأنه مارّ بأي ميقات" انتهى كلامه.
وهذا القول غير صحيح، وقد مضى الرد عليه آنفًا، وقد سبق الشيخ عبدالله الأنصاري إلى هذا الخطأ، الشيخ/ عبدالله بن زيد آل محمود في مقال وَزَّعَهُ زعم فيه أن الوافد من طريق الجو أو البحر إلى مكة لا يمُرّ على المواقيت، وزعم أن ميقاته جدة، وقد أخطأ في ذلك؛ كما أخطأ الشيخ/ عبدالله الأنصاري فالله يغفر لهما جميعًا، وقد كتب مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ردًّا على الشيخ/ عبدالله بن زيد آل محمود في زعمه أن جدة ميقات للوافدينَ إلى مكة من الحُجَّاج والعُمَّار من طريق الجو أو البحر ونشر الرد في وقته، وقد أصاب المجلس في ذلك، وأدَّى واجب النُّصْح لله ولعباده، ولا يزال الناس بخير ما بقي فيهم من ينكر الخطأ والمُنْكَر، ويبين الصواب والحق.
وما أحسن ما قاله الإمام مالك - رحمه الله -: "ما منا إلا رادّ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر"؛ يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسأل الله أن يغفرَ لنا جميعًا، وأن يمنحنا وسائر إخواننا إصابة الحق في القول والعمل والرجوع إلى الصواب إذا وضح دليله، إنه خير مسؤول.
رابعًا: ذكر الشيخ/ عبدالله الأنصاري - هداه الله - في الفقرة الثامنة والتاسعة ما نصه: "على من يريد مُواصلة سيرِه إلى مكة لأداء نُسُكه أن يجهز إحرامه من آخر مطار يقوم منه، وينوي قبل جدة بمقدار عشرين دقيقة إذا كان قصده مُواصلة السَّيْر بدون توقُّف أو إقامة في جدة، أما الذي يقيم بجدة ولو ساعات يجوز له أن يحرم من جدة إن شاء الله، وينطبق عليه حُكْم ساكن جدة" انتهى كلامه.
وقد سبق أن هذا التفصيل والتحديد لا أساسَ له من الصحة، وأن الواجب على من أراد الحج أو العمرة من الوافدينَ إلى مكة من طريق الجو أو البحر الإحرام بالنُّسُك، الذي أرادوا من حج أو عمرة إذا حاذوا الميقات الذي في طريقهم أو سامتوه، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام ولو نووا الإقامة بها يومًا أو ساعات، فإن شكوا في المحاذاة لزمهم الإحرام من المكان الذي يتيقَّنُون فيه احتياطًا للواجب، وإنما الكراهة عند بعض أهل العلم في حق من أحرم قبل الميقات بدون عذر شرعي.
وأسأل الله أن يهدينا جميعًا صراطه المستقيم، وأن يوفقنا وجميع علماء المسلمينَ لإصابة الحق في القول والعمل، وأن يعيذنا جميعًا من القول عليه بلا علم إنه سميع قريب, ولواجب النصح للمسلمين جرى تحريره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
إبطال دعوى من ادّعَى أن جدة ميقات لجميع الوافدين إلى مكة من طريقها للحج أو العمرة[137]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَيَّنَ مواقيت الإحرام التي لا يجوز لمن مَرّ بها يريد الحج، أو العمرة تجاوزها بدون إحرام وهي:
ذو الحُلَيْفَة (أبيار علي): لأهل المدينة، ومن جاء عن طريقهم.
والجُحْفَة: لأهل الشام، ومصر، والمغرب، ومن جاء عن طريقهم.
ويَلَمْلَم (السعدية): لأهل اليمن، ومن جاء عن طريقهم.
وقَرْن المنازل (السيل الكبير): لأهل نجد، وأهل المشرق، ومن جاء عن طريقهم.
وذات عرق: لأهل العراق، ومن جاء عن طريقهم.
ومن كان منزله دون هذه المواقيت مما يلي مكة فإنه يحرم من منزله حتى أهل مكة يحرمون من مكة للحج، وأما العمرة فيحرمون بها مِنْ أَدْنَى الحل.
ومَنْ مَرّ بهذه المواقيت قادمًا إلى مكة، وهو لا يريد حجًّا ولا عمرة فإنه لا يلزمه إحرام على الصحيح؛ لكن لو بَدَا له أن يحج أو يعتمر بعد ما تجاوزها، فإنه يُحْرِم من المكان الذي نَوَى فيه الحج أو العمرة، إلا إذا نوى العمرة وهو في مكة، فإنه يخرج إلى أدنى الحل ويُحْرِم - كما سبق - فالإحرام يجب من هذه المواقيت على كل مَنْ مَرّ بها أو حَاذاها برًّا أو بحرًا أو جوًّا، وهو يريد الحج أو العمرة.
والذي أَوْجَب نشر هذا البيان أنه صدر من بعض الإخوة في هذه الأيام كُتيبٌ اسْمُه: "أدلة الإثبات أن جدة ميقات"، يحاول فيه إيجاد ميقات زائد على المواقيت التي وقَّتَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث ظَنّ أن جدة تكون ميقاتًا للقادمينَ في الطائرات إلى مطارها، أو القادمينَ إليها عن طريق البحر أو عن طريق البر، فلكل هؤلاء أن يؤخروا الإحرام إلى أن يَصِلُوا إلى جدة ويحرموا منها؛ لأنه بزعمه وتقديره تُحاذِي ميقاتي السعدية، والجُحْفَة؛ فهي ميقات وهذا خطأ واضح يعرفه كل من له بصيرة ومعرفة بالواقع؛ لأن جدة داخل المواقيت، والقادم إليها لا بد أن يمُرّ بميقات من المواقيت التي حَدَّدَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يُحَاذيه برًّا أو بحرًا أو جوًّا فلا يجوز له تَجاوُزه بدون إحرام، إذا كان يريد الحج أو العمرة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما حدد هذه المواقيت: ((هُنَّ لَهُنَّ، ولمن أتى عليهِنَّ مِنْ غير أهلهِنَّ ممن يريد الحج أو العمرة))، فلا يجوز للحاج والمعتمر أن يخترق هذه المواقيت إلى جدة بدون إحرام ثم يحرم منها؛ لأنها داخل المواقيت.
ولما تسرع بعض العلماء منذ سنوات إلى مثل ما تسرع إليه صاحب هذا الكُتَيِّب، فأفتى بأن جدة ميقات للقادمينَ إليها صدر عن هيئة كبار العلماء قرارٌ بإبطال هذا الزعم، وتفنيده جاء فيه ما نصه: "وبعد الرجوع إلى الأدلة، وما ذكره أهل العلم في المواقيت المكانية، ومُناقشة الموضوع من جميع جوانبه، فإن المجلس يقرر بإجماع ما يلي:
1- أن الفتوى الصادرة بجواز جعل جدة ميقاتًا لرُكاب الطائرات الجوية والسفن البحرية، فتوى باطلة؛ لعدم استنادها إلى نص من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع سلف الأمة، ولم يسبقه إليها أحد من علماء المسلمينَ الذين يُعْتد بأقوالهم.
2- ولا يجوز لمن مر بميقات من المواقيت المكانية، أو حاذى واحدًا منها جوًّا أو برًّا أو بحرًا أن يتجاوزها من غير إحرام؛ كما تشهد لذلك الأدلة؛ وكما قرره أهل العلم رحمهم الله تعالى.
ولواجب النصح لله ولعباده، رأيتُ أنا وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار هذا البيان؛ حتى لا يَغْتَرّ أحد بالكتيب المذكور" انتهى.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
-
ميقات القادمين من السودان
س: بالنسبة للقادمينَ من السودان: بعض العلماء يفتونهم بأن ميقاتهم جدة؟[138]
ج: على حسب الطريق إن كان طريقهم يمُرّ بميقات الجُحْفَة لزمهم الإحرام إذا حاذُوها، وإن كان طريقهم لا يُحاذي ميقاتًا قبل جدة، فإنهم يحرمون منها إذا كانوا ممن أراد الحج أو العمرة.
حكم من يقول للقادمينَ للحج أو العمرة: "اجلسوا في جدة ثلاثة أيام ثم أحرموا"
س: بعض القادمينَ من خارج المملكة إذا وصلوا جدة، يقولون: "اجلسوا ثلاثة أيام في جدة ثم أحرموا من الميقات، فما حكم ذلك؟"[139]
ج: يلزمهم أن يعودوا إلى مِيقاتهم إذا كانوا قادمينَ للحج أو العمرة، ولا يجوز لهم تَجاوُز الميقات بدون إحرام؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لما وقَّتَ المواقيت لأهل المدينة، والشام، ونجد، واليمن، وغيرهم، قال: ((هُنَّ لَهُنَّ، ولِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْر أَهْلِهِنَّ ممن أراد الحج والعمرة))[140]، فلا بد أن يحرِموا من الميقَات الذي يمرُّون عليه، إذا كانوا قاصدينَ الحج أو العمرة، فيحرموا منه فإذا تَجَاوَزُوه، فإن عليهم الرجوع إليه فإن تَجَاوَزُوه ولم يرجعوا وأحرموا بعده لزمهم دم، وهكذا إن عجزوا عن الرجوع إليه أحرموا من مكانهم وعليهم دم يُجْزِئ في الأضحية، يذبح في مكة للفقراء، ويُقَسّم بينهم.
تعقيب على فضيلة الشيخ/ عبدالله كنون حول تأخير الإحرام لأهل المغرب إلى جدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دَرْبِهم إلى يوم الدين، أما بعد:[141]
فقد اطَّلَعْتُ على فتوى لصاحب الفضيلة الشيخ/ عبدالله كنون قد نشرت في صحيفة "الميثاق المغربية" حول الإحرام من الطائرة لأهل المغرب، وتأخيره إلى جدة، فاستغربْتُها كثيرًا، ومع تقديري لعلمه وفضله، فقد رأيتُ التنبيه على عدم صحة هذه الفتوى، وإن تأخير الإحرام إلى جدة للحاج المغربي أو المعتمر أمر مُخَالف للأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب الإحرام من المواقيت التي وقَّتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنها الجُحْفَة لأهل مصر، والشام، والمغرب، وسائر دول شمال إفريقيا؛ بل الوَاجب على الحاج المغربي أن يُحْرِم إذا حَاذَى الميقات جوًّا وبرًّا وبحرًا؛ كما هو نص الحديث الشريف؛ وكما نص عليه أهل العلم.
والتوقيت من النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس توقيتًا لزمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل هو توقيت للمسلمينَ إلى يوم القيامة.
والله - سبحانه وتعالى - يعلم أنه سيكون في آخر الزمان طائرات وغيرها، فدَلّ على دخول ركابها في ذلك. وإذا خاف ركابها من تَجاوُز الميقات قدم الإحرام قبل وصوله الميقات احتياطًا.
وما ذكره الأستاذ عبدالله من عدم تمكُّن المسافر من الاستعداد في الطائرة بالغُسل والصلاة، فإن بإمكان الحاج أن يستعدّ في بيته أو بلده قبل ركوبه الطائرة، مع العلم بأنَّ الغسل ليس بواجب وإنما هو مُستحبّ. وهكذا الوُضوء ليس بواجب. فلو أحرم من دون وضوء، ولا غُسْل فإحرامه صحيح.
وهكذا الصلاة قبل الإحرام ليست واجبة؛ وإنما هي مستحبَّة عند الجمهور. وقال بعض أهل العلم لا تُستحَبّ لعدم الدليل الصحيح الصريح في ذلك.
فلو أحرم الحاج أو المعتمر من دون وضوء ولا غسل فإحرامه صحيح، ولا يجوز تأخير الواجب عن وقته أو مكانه؛ من أجل تحصيل المُستحبّ؛ بل يجب البدار بالوَاجب، وإن فات المُستحبّ. وهذا أمر واضح لا غُبَار عليه.
فنصيحتي للأستاذ أخينا/ عبدالله كنون الرُّجوع عن هذه الفتوى؛ لأن الرجوع إلى الصَّواب هو الواجبُ على المؤمن، وهو شَرَف له، وهو خير من التَّمادِي في فتوى تُخَالِفُ الدليل.
وأسأل الله أن يوفِّقَنا وإياه، وسائر إخواننا لإصابة الحق في القول والعمل، إنه جَوَادٌ كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
-
حكم من نَسِيَ وتجاوَزَ الميقات
س: من نسي الميقات هل يلزمه الرجوع أم لا؟ وهل عليه شيء؟[142]
ج: يرجع ويحرم من الميقات إذا لم يكن قد أحرم بعد، أما إذا كان قد أحرم بعد الميقات فعليه دم ولا يرجع.
-
حكم التلبية قبل الوصول للميقات احتياطًا
س: إذا كان المسافر بالطائرة وقالوا: بعد نصف ساعة سنمر فوق الميقات؛ لكنه لَبَّى احتياطًا؟[143]
ج: لا بأس إذا احْتَاط قبل أن يصلَ الميقات، فالاحتياط مطلوبٌ.
-
من لم يمُرّ بميقات، ولم يتمكن من تَحَرِّي المحاذاة يحرم إذا كان بينه وبين مكة مرحلتان.
س: ما حكمُ مَنْ أحرم من الحُجَّاج القادمينَ من خارج المملكة من جدة؟[144]
ج: الواجب الإحرام مِنَ الميقات سواء كان ذلك الميقاتُ ميقاتَ بلدِه أو ميقاتًا آخر، مَرَّ عليه في طريقه؛ كالشاميّ يقدم من طريق المدينة، فإنه يُحْرِم من ميقات المدينة، وإذا قُدِّر أنه اجتازه فإن أمكنه الرجوع إلى الميقات والإحرام منه فهذا هو الواجب، فإن لم يمكنه أحرم من مكانه وعليه دم لفقراء الحرم يذبح في مكة. والذي لم يكنِ الميقاتُ في طريقه، فإنه يتَحَرَّى مُحاذاة أول ميقات يمُرّ به ثم يُحْرِم. والذي لا يتسنَّى له لا هذا ولا ذلك، فإنه يُحْرِم إذا كان بينه وبين مكة مرحلتان؛ وهما: يوم وليلة ومقدار ذلك ثمانون كيلاً تقريبًا. والله ولي التوفيق.
س: إذا نوى شخص أن يعتمر، وهو من أهل نجد فجاوزت الطائرة الميقات، فوصل المطار هل يجوز له أن يذهب إلى رَابِغ؟[145]
ج: الواجب أن يرجع للمِيقَات الذي مَرَّ عليه فيُحْرِم منه إذا كان حين مر على الميقات ناويًا الحج أو العمرة، أما من أتى جدّة لحاجة، ولم ينوِ حجًّا ولا عمرة حين مر على الميقات؛ وإنما بَدَا له بعد ذلك أن يحج أو يعتمر بعدما وصل جدَّة، فإنه يُحْرِم من جدة؛ لكونه إنما نوى الحج أو العمرة بعد وصوله إليها؛ كما دل على ذلك الحديث الصحيح، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ومن كان دون ذلك - أي من المواقيت - فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة)) [146].
لكن من أراد العمرة من مكة يخرج إلى الحل فيحرم منه؛ كالتنعيم والجِعْرَانة وغيرهما؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة - رضي الله عنها - لما أرادَتِ العمرة، وهي في مكة أن تخرج إلى التَّنْعِيم فتحرم منه، فدلّ ذلك على تخصيص حديث ابن عباس المذكور بحديث عائشة المذكور في حق المعتمر. والله الموفق.
-
حكم من ذهب إلى جدة وهو قاصد العمرة.
س: سافرت إلى جدة وكانت نِيَّتِي أن أمْكُث فيها خمسة أيام، ثم أذهب بعدها إلى مكة المكرمة؛ لأداء العمرة، فماذا يلزمني يا سماحة الشيخ في مثل هذه الحالة؟[147]
ج: يلزمك الرُّجوع إلى الميقات في "وادي قَرْن" المعروف بـ "السيل"؛ للإحرام منه بعمرة إذا كنت قاصدًا للعمرة حين توجُّهِك إلى جدة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وَقَّت المواقيت: ((هُنَّ لَهُنَّ، ولِمَنْ أَتَى عَلَيهِنَّ مِنْ غير أهلهِنَّ، ممن أراد الحج والعمرة))؛ متفق على صحته من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
س: نويتُ زيارة أختي في جدة، وكذلك أداء العمرة، وسافرت على الطائرة من نجران إلى جدة ومكثْتُ في جدة ذلك اليوم، وفي اليوم الثاني ذهبتُ إلى مكة للعمرة، فهل عُمْرتي صحيحة أم لا؟ [148]
ج: إذا كنت أحرمت من الميقات وهو يَلَمْلَم - ميقات أهل اليمن - فليس عليك شيء، وإن كنت أحرمتَ من جدة فعليك دم يُذْبح في مكةَ للفقراء؛ لكَوْنِك جاوَزْت الميقات، ولم تُحْرِم وقد نويتَ العمرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وَقَّت المواقيت: ((هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَليهِنَّ مِنْ غَيْر أهلهِنَّ ممن أراد الحج والعمرة))؛ الحديث مُتَّفق عليه. ولقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "من ترك نُسُكًا أو نَسِيَهُ فليهرق دمًا"[149]، وعدم الإحرام من الميقات الذي مررتَ عليه يُعتبَر تَرْكًا للنُّسك. وَفَّق الله الجميع.
-
الإحرام في الطائرة
س: متى يُحْرِم الحاج والمعتمر القادم عن طريق الجو؟[150]
ج: القادم عن طريق الجو أو البحر إذا حَاذَى الميقات، مثل: صاحب البر إذا حَاذَى الميقات أحرم في الجو أو في البحر أو قبله بيسير حتى يَحْتاطَ لسرعة الطائرة، وسرعة السفينة، أو الباخرة.
تقرير من سماحته لما قرره مجلس المَجْمَع الفِقْهي الإسلامي في حق من أحرم قبل الميقات، ومن حاذى الميقات وليس معه ملابس الإحرام[151]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقينَ سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فإن مجلس مَجْمَع الفِقْه الإسلامي المُنْعقِد في مكة المكرمة بين 7/4 إلى 15/4/1401هـ، في دورته الرابعة قد نَظَر فيما يعرض لكثير من الوافدينَ إلى مكة المكرمة للحج، أو للعمرة من طريق الجو أو البحر مِنْ جَهْلِهم بِمُحاذاة المواقيت التي وقَّتَها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأَوْجَب الإحرام منها على أهلها، وعلى من مَرَّ عليها من غيرهم ممن يريد الحج والعمرة وهي:
ذو الحُلَيْفَة: لأهل المدينة ومن مَرّ عليها من غيرهم، وتسمى حاليًا (أبيار علي).
والجُحْفَة: وهي لأهل الشام، ومصر، والمغرب، ومن مَرَّ عليها من غيرهم، وتسمى حاليًا (رَابِغ)[152]
وقرن المنازل: وهي لأهل نجد ومن مَرَّ عليها من غيرهم، وتسمى حاليًا (وادي محرم)[153]، وتسمى أيضًا (السيل).
ذات عرق: لأهل العراق وخراسان، ومن مَرَّ عليها من غيرهم، وتسمى حاليًا (الضريبة).
ويَلَمْلَم: وهي لأهل اليمن ومَنْ مَرَّ عليها من غيرهم.
وقرر أن الواجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا أقرب ميقات لهم من هذه المواقيت الخمسة جوًّا أو بحرًا، فإن اشتبَه عليهم ذلك ولم يجدوا معهم من يرشدهم إلى المُحاذاة، وَجَب عليهم أن يحتاطوا، وأن يحرموا قبل ذلك بوقت يعتقدون أو يغلب على ظنهم أنهم أحرموا قبل المُحاذاة؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكَرَاهة ومُنْعَقد، ومع التَّحَرِّي والاحتياط - خوفًا من تجاوز الميقات بغير إحرام - تزول الكراهة؛ لأنه لا كَرَاهة في أداء الواجب، وقد نص أهل العلم في جميع المذهب الأربعة على ما ذكرنا، واحتَجُّوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في توقيت المواقيت للحُجَّاج والعمار، واحتجوا أيضًا بما ثبت عن أمير المؤمنينَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما قال له أهل العراق: "إن قَرْنًا جَوْرٌ عن طريقنا"، قال لهم - رضي الله عنه -: "انظروا حَذْوَها مِنْ طريقكم"[154]
قالوا: إن الله - سبحانه - أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا، وهذا هو المستطاع في حق من لم يمُرّ على نفس الميقات.
إذا عُلِم هذا فليس للحجاج والعمار الوافدينَ من طريق الجو والبحر ولا غيرهم، أن يؤخروا الإحرام إلى وصولهم إلى جدة؛ لأن جدة ليست من المواقيت التي وَقَّتَها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا من لم يحمل معه ملابس الإحرام، فإنه ليس له أن يُؤَخِّر إحرامه إلى جدة؛ بل الواجب عليه أن يُحْرِم في السراويل إذا كان ليس معه إزار؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((من لم يجد نعلينِ فليلبس الخُفينِ، ومن لم يجد إزارًا فليلبس السراويل))[155] وعليه كَشْف رأسه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سُئِل عما يلبس المُحْرِم، قال: ((لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا لمن لم يجد النعلين)) [156]؛ الحديث متفق عليه.
فلا يجوز أن يكون على رأس المُحْرِم عمامة، ولا قلنسوة، ولا غيرهما مما يُلْبَس على الرأس، وإذا كان لديه عمامة ساترة يمكنه أن يجعلها إزارًا يَأْتَزِرُ بها، ولم يجز له لبس السراويل، فإذا وصل إلى جدة وجب عليه أن يخلع السراويل، ويستبدل الإزار بها إذا قدر على ذلك، فإن لم يكن عليه سراويل، وليس لديه عمامة تصلح أن تكون إزارًا حين محاذاته للميقات في الطائرة، أو الباخرة، أو السفينة، جاز له أن يُحْرِم في قميصه الذي عليه مع كَشْف رأسه، فإذا وصل إلى جدة اشترى إزارًا وخلع القميص، وعليه - عن لبسه القميص - كَفَّارة وهي: إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من تَمْر، أو أرز، أو غيرهما، من قوت البلد لمساكين الحرم، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، هو مُخَيَّر بين هذه الثلاثة؛ كما خير النبي - صلى الله عليه وسلم - كعب بن عجرة لما أذن له في حَلْق رأسه، وهو محرم للمرض الذي أصابه، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
-
ليس عليك حرج في إقامتك بجدة وأنت مُحْرِم
س: ذهبتُ للعمرة في رمضان ومعي والدتي، وأحرمت فوق أبيار علي بالطائرة، ونزلنا بجدة وجلسْنَا فيها، وعندما أفطرنا ذهبنا من المساء إلى مكة؛ لقضاء العمرة، ولم نخلع الإحرام حتى أنهيناها، فهل علينا شيء؟، وقد جلسنا وقتًا بجدة ونحن محرمون، أفيدونا جزاكم الله خيرًا[157]
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكرته فليس عليك ولا على أمك شيء بإقامتكما بجدة، وأنتما محرمان؛ لأنه لا يجب على المحرم مُوَاصلة السير في الطريق حتى يؤدي العمرة؛ بل له أن يستريح في الطريق، ويقيم فيما شاء من المنازل للحاجة التي تدعو إلى ذلك، وهو على إحرامه، وفق الله الجميع.
حكم إنشاء نية الإحرام من المنازل القريبة من الميقات
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم / ع. ر. ن. سَلَّمَهُ الله
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى كتابكم رقم 885 وتاريخ 16/10/1411هـ الذي جاء فيه ما نصه: "نتقدم لسماحتكم بالسؤال الآتي: نسكن بمنطقة القنفذة التي تبعد عن مكة المكرمة بثلاثمائة وخمسين كيلو تقريبًا، ومعلوم أن ميقات أهل اليمن يَلَمْلَم - أي السعدية - وحيث إن الخط أصبح اليوم مُيَسَّرًا - والحمد لله على نِعَمِه - وإننا نشاهد بعض الناس يغتسل ويلبس الإحرام من منطقة القنفذة التي تبعد عن وادي يَلَمْلَم - أي السعدية - حوالي مائتين وستين كيلو مترًا تقريبًا.
فهل يجوز لهم الاغتسال ولباس الإحرام من منازلهم بمنطقة القنفذة؟، وإذا جاز لهم ذلك، فهل يجوز لهم عقد نية الإحرام من منازلهم أو لا؟ أفيدونا أثابكم الله، وكتب لكم الأجر، وأمدكم بعونه وتوفيق لخدمة الإسلام والمسلمين[158]
ج. أفيدكم بأنه لا حرج في الاغتسال، ولبس ملابس الإحرام والتطيب من منازلهم؛ لقربهم من الميقات بواسطة السيارات؛ لكن المشروع لهم ألا يحرموا إلا من الميقات، والإحرام هو نية الدخول في النُّسُك، هذا هو الإحرام ثم يشرع لهم مع النية التلفظ بالنُّسُك، فيقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجَّة، أو اللهم إني أوجَبْت عمرة، أو اللهم إني أوجبت حجة، ثم يُلَبِّي التلبية الشرعية وهي: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
وفَّق الله الجميع لما فيه رِضَاه.
[1] من برنامج "نُور على الدَّرْب" الشريط الأول
[2] من ضمن الأسئلة المُوَجَّهة لسماحَتِه من "المجلة العربية"
[3] سورة: [آل عمران: 97]
[4] رواه البخاري في "الإيمان"؛ باب بني الإسلام على خمس برقم 8، ومسلم في (الإيمان)، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم 16.
[5] رواه مسلم في (الإيمان)؛ باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم 8
[6] رواه الإمام أحمد في "مسند بني هاشم" بداية مسند عبدالله بن العباس برقم 2637، والدارمي في (المناسك)؛ باب كيف وجوب الحج برقم 1788
[7] من أسئلة: دروس "بلوغ المرام"
[8] رواه ابن ماجَهْ في (المناسك)؛ باب الحج جهاد النساء برقم 2901
[9] رواه ابن خُزَيمة في (المناسك)؛ باب ذكر البيان أن العمرة فرض، وأنها من الإسلام برقم 3044، والدَّارقطني (الحج)؛ باب المواقيت برقم 2664
[10] نشر في "مجلة التوعية الإسلامية في الحج" العدد 11 في 11/12/1400هـ، وفي كتاب "فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة لسماحته"، طبعة عام 1408هـ ص 35
[11] نشر في "مجلة الدعوة"، العدد 1637 في 19/12/1418هـ
[12] سورة: [آل عمران: 97]
[13] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[14] سورة [آل عمران: 97]
[15] رواه البخاري في (النكاح)؛ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من استطاع منكم الباءَة فليتزوج))؛ برقم 5065، ومسلم في (النكاح)؛ باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه برقم 1400
[16] من برنامج "نور على الدرب"
[17] نشر في "مجلة الجامعة الإسلامية"، وفي "جريدة الجزيرة" يوم الجمعة 6/12/1418هـ
[18] نشر في "مجلة الجامعة الإسلامية"
[19] رواه البخاري في (الحج)؛ باب وجوب العمرة وفضلها برقم 1773، ومسلم في (الحج)؛ باب فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة برقم 1349
[20] رواه الإمام أحمد في "مسند بني هاشم" بداية مسند "عبدالله بن العباس" برقم 2804، وابن ماجَهْ في (المناسك)؛ باب العمرة في رمضان برقم 2994
[21] سورة [البقرة: 125]
[22] من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في المسجد الحرام في حج عام 1418هـ
[23] نشر في "المجلة العربية" في رمضان عام 1413هـ
[24] رواه البخاري في (الحج)؛ باب وجوب العمرة وفضلها برقم 1773، ومسلم في (الحج )؛ باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم 1349
[25] رواه الإمام أحمد في "مسند بني هاشم" بداية مسند "عبدالله بن عباس" برقم 2804، وابن ماجَهْ في (المناسك)؛ باب العمرة في رمضان برقم 2994
[26] نشر في جريدة "الرياض" العدد 10868 في 29/11/1418هـ، وفي جريدة "عكاظ" يوم الخميس 30/11/1416هـ، وفي جريدة "الجزيرة" في 11/12/1416هـ، وفي كتاب "الدعوة" لسماحته ج1 ص 132
[27] رواه البخاري في (الإيمان)؛ باب من قال: "إن الإيمان هو العمل" برقم 26، ومسلم في "الإيمان"؛ باب كون الإيمان بالله - تعالى - أفضل الأعمال برقم 83
[28] رواه البخاري في (الجهاد والسير)؛ باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير برقم 2843، ومسلم في (الإمارة)؛ باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله برقم 1895
[29] نشر في "مجلة التوعية الإسلامية في الحج" العدد الخامس عام 1404هـ، وكذلك نشر في كتاب "فتاوى تتعلق بالحج والعمرة والزيارة" لسماحته ص 46
[30] نشر في "مجلة الدعوة" بتاريخ 17/8/1412هـ
[31] سورة [البقرة: 217]
[32] رواه البخاري في (الزكاة)؛ باب من تصدق في الشرك ثم أسلم برقم 1436، ومسلم في (الإيمان)؛ باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده برقم 123
[33] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1540 في 22/12/1416هـ
[34] رواه الترمذي في (الإيمان)؛ باب ما جاء في ترك الصلاة برقم 2621
[35] رواه مسلم في (الإيمان)؛ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم 82
[36] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1637 في 19/12/1418هـ
[37] رواه البَيْهَقِي في "السنن الكبرى" في الحج في جماع أبواب دخول مكة؛ باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم برقم 9865
[38] رواه مسلم في (الحج)؛ باب صحة حج الصبي برقم 1336
[39] من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من "المجلة العربية"
[40] رواه مسلم في (الحج)؛ باب صحة حج الصبي برقم 1336
[41] نشر في جريدة "الرياض" العدد 10910 بتاريخ 12/1/1419هـ
[42] رواه مسلم في (الحج)؛ باب صحة حج الصبي برقم 1336
[43] رواه مسلم في (الإمارة)؛ باب فضل إعانة الغازي برقم 1893
[44] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[45] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[46] رواه مسلم في (الحج)؛ باب صحة حج الصبي برقم 1336
[47] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[48] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[49] رواه البخاري في (الحج)؛ باب حج النساء برقم (1862)، ومسلم في (الحج)؛ باب سفر المرأة مع مَحْرَم برقم 1339
[50] نشر في جريدة "الرياض" العدد 10917 في 19/1/1419هـ، وفي المجلة العربية، شعبان عام 1413هـ
[51] رواه البخاري في "الحج"؛ باب حج النساء برقم 1862، ومسلم في (الحج)؛ باب سفر المرأة مع مَحْرَم برقم 1339
[52] رواه الإمام أحمد في "مسند العشرة المبشرين بالجنة" أول "مسند عمر بن الخطاب" برقم 178، والترمذي في (الرضاع)؛ باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات برقم 1171
[53] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[54] من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من "المجلة العربية"
[55] خطاب صدر من مكتب سماحته برقم 1803/ خ في 5/8/1395هـ إجابة على سؤال مُقَدَّم من أ . س. ع.
[56] رواه البخاري في (الحج)؛ باب حج النساء برقم 1862، ومسلم في (الحج)؛ باب سفر المرأة مع مَحْرَم برقم 1339.
[57] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[58] سورة [آل عمران: 97]
[59] من برنامج "نور على الدرب"
[60] سورة [النور: 31]
[61] سؤال مُقَدَّم من م. ع. غ. وأجاب عنه سماحته برقم 1601/ 1/ ش، وتاريخ 29/11/1415هـ
[62] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1635 في 28/11/1418هـ
[63] سورة [آل عمران: 97]
[64] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1686 في 22/12/1419هـ
[65] من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من "المجلة العربية"
[66] سورة [آل عمران: 97]
[67] رواه مسلم في (الإيمان)؛ باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم 8
[68] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1635 في 28/11/1418هـ
[69] سورة [آل عمران: 97]
[70] رواه الإمام أحمد في "مسند المدنيينَ" حديث أبي رزين العقيلي برقم 15751، والنسائي في (المناسك)؛ باب وجوب العمرة برقم 2621
[71] رواه الإمام أحمد في "باقي مسند الأنصار" حديث بريدة الأسلمي برقم 22523، ومسلم في (الصيام)؛ باب قضاء الصيام عن الميت برقم 1149
[72] رواه أبو داود في (المناسك)؛ باب الرجل يحج عن غيره برقم 1811
[73] سورة [النجم: 39]
[74] رواه البخاري في (الصوم)؛ باب من مات وعليه صوم برقم 1952، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصيام عن الميت برقم 1147
[75] نشر في "جريدة البلاد" في 1/12/1416هـ
[76] رواه أبو داود في (المناسك)؛ باب الرجل يحج عن غيره برقم 1811
[77] نشر في "مجلة التوعية الإسلامية في الحج" العدد الخامس عام 1404هـ، وفي كتاب "فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة" لسماحته ص 52
[78] نشر في مجلة "رابطة العالم الإسلامي" في ذي القعدة عام 1406هـ
[79] رواه الترمذي في (الحج)؛ باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت برقم 928
[80] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[81] سورة [التغابن: 16]
[82] نشر في كتاب "الدعوة" عام 1408هـ ج1 ص 127.
[83] نشر في مجلة "التوعية الإسلامية في الحج" العدد الحادي عشر عام 1400هـ.
[84] رواه الإمام أحمد في "مسند المكيين" حديث أبي أسيد الساعدي برقم 15629، وأبو داود في "الأدب"؛ باب في بر الوالدين برقم 5142.
[85] رواه الإمام أحمد في "مسند بني هاشم" باقي "مسند ابن عباس" برقم 3041، والنسائي في (مناسك الحج)؛ باب الحج عن الميت الذي لم يحج برقم 2634.
[86] رواه الإمام أحمد في "مسند الشاميين"، حديث أبي رزين العقيلي برقم 15751، والنسائي في (المناسك)؛ باب وجوب العمرة برقم 2621.
[87] رواه الإمام أحمد في "مسند البصريين" حديث معاوية بن حيدة برقم 19544، وابن ماجه في (الأدب)؛ باب بر الوالدين برقم 3658.
[88] رواه البخاري في (الأدب)؛ باب: "من أحق الناس بحسن الصحبة" برقم 5971، ومسلم في "البر والصلة والآداب"؛ باب بر الوالدين برقم 2548.
[89] سؤال شخصي مُقَدَّم من الأخ م. ط. ح. د.
[90] سؤال شخصي مُوَجَّه لسماحته من سائلة، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 14/1/1420هـ
[91] من أسئلة دروس "بلوغ المرام"
[92] من برنامج "نور على الدرب"
[93] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1641 في 18/1/1419هـ
[94] رواه الإمام أحمد في "مسند المدنيين" حديث أبي رزين العقيلي برقم 15751، والنسائي في (المناسك)؛ باب وجوب العمرة برقم 2621.
[95] رواه الإمام أحمد في "مسند بني هاشم" باقي "مسند ابن عباس" برقم 3041، والنسائي في (مناسك الحج)؛ باب الحج عن الميت الذي لم يحج برقم 2634.
[96] خطاب صدر من مكتب سماحته برقم 1509/1 في 12/5/1415هـ إجابة عن سؤال مُقَدَّم من م. ن. س. ع
[97] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1635 في 28/11/1418هـ
[98] من برنامج "نور على الدرب"
[99] من برنامج "نور على الدرب"
[100] نشر في مجلة "التوعية الإسلامية في الحج" العدد الثامن في 4/12/1401هـ ص 63.
[101] من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من "المجلة العربية".
[102] رواه الإمام أحمد في "مسند المدنيين" حديث أبي رزين العقيلي برقم 15751، والنسائي في (المناسك)؛ باب وجوب العمرة برقم 2621.
[103] رواه الإمام أحمد في "مسند بني هاشم" باقي "مسند ابن عباس" برقم 3041، والنسائي في (مناسك الحج)؛ باب الحج عن الميت الذي لم يحج برقم 2634.
[104] سؤال بعد محاضرة ألقاها سماحته في الحج في اليوم الثامن من ذي الحج في منى عام 1402هـ.
[105] رواه البخاري في (بدء الوحي)؛ باب بدء الوحي برقم 1، ومسلم في (الإمارة) باب قوله : ((إنما الأعمال بالنية)) برقم 1907.
[106] نشر في "مجلة الدعوة" في العدد (1489)بتاريخ 27/11/1415هـ.
[107] رواه مسلم في (الإيمان)؛ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم 82.
[108] رواه الترمذي في (الإيمان)؛ باب ما جاء في ترك الصلاة برقم 2621.
[109] رواه البخاري مُعَلَّقًا في النجش، ومسلم في (الأقضية)؛ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم 1718.
[110] رواه البخاري في (الصلح)؛ باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697، ومسلم في (الأقضية)؛ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم 1718.
[111] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1648 في 8/3/1419هـ.
[112] من الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1402هـ.
[113] سورة [البقرة: 197].
[114] سورة [النحل: 125].
[115] نشر في "جريدة الجزيرة" العدد 8593 بتاريخ 20/12/1416هـ، وفي "جريدة عكاظ"، العدد 11543 بتاريخ 2/12/1418هـ، وفي العدد 11545 بتاريخ 4/12/1418هـ.
[116] رواه البخاري في (الحج)؛ باب ميقات أهل المدينة برقم 1525، ومسلم في (الحج )؛ باب مواقيت الحج والعمرة برقم 1182.
[117] رواه البخاري في (الحج)؛ باب مهل أهل الشام برقم 1526، ومسلم في (الحج)؛ باب مواقيت الحج والعمرة برقم 1181.
[118] نشر في "المجلة العربية" رجب 1412هـ.
[119] رواه البخاري في (الحج)؛ باب: "مهل أهل الشام" برقم 1526، ومسلم في (الحج)؛ باب مواقيت الحج والعمرة برقم 1181.
[120] رواه مالك في "الموطأ" في (الحج)؛ باب التقصير برقم 905، وفي باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئًا برقم 957.
[121] فتوى صدرت من مكتب سماحته.
[122] سبق تخريجه من قبل.
[123] رواه البخاري في (الحج)؛ باب وجوب العمرة وفضلها برقم 1773، ومسلم في (الحج)؛ باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم 1349.
[124] نشر في كتاب "فتاوى إسلامية" جمع الشيخ/ محمد المسند ج2 ص 205.
[125] نشر في "المجلة العربية" جمادى الآخرة 1411هـ.
[126] رواه البخاري في (الحج)؛ باب مهل أهل مكة للحج والعمرة برقم 1524، ومسلم في (الحج)؛ باب مواقيت الحج والعمرة برقم 1181.
[127] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1545 في محرم 1417هـ، وفي "جريدة الرياض"، وفي "جريدة الجزيرة" بتاريخ 15/2/1415هـ.
[128] رواه البخاري في (الحج)؛ باب مهل أهل الشام برقم 1526، ومسلم في (الحج)؛ باب مواقيت الحج والعمرة برقم 1181.
[129] سبق تخريجه من قبل.
[130] خطاب صدر من مكتب سماحته برقم 621/1/1 وتاريخ 20/1/1392هـ عندما كان رئيسًا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
[131] رواه البخاري معلقًا في النجش، ومسلم في (الأقضية)؛ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم 1718.
[132] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 826 بتاريخ 1402هـ، وفي "مجلة التوعية الإسلامية في الحج" ص 20 العدد الأول عام 1402هـ، وفي "مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة" العدد 53 السنة الرابعة عشر عام 1402هـ، وفي "مجلة البحوث الإسلامية" العدد 6 ص 282.
[133] سبق تخريجه من قبل.
[134] رواه البخاري في (الحج)؛ باب ميقات أهل المدينة برقم 1525، ومسلم في (الحج)؛ باب مواقيت الحج والعمرة برقم 1182.
[135] سورة [الأعراف: 33].
[136] سورة [البقرة: 168 - 169].
[137] صدرت من مكتب سماحته، وفي "جريدة الندوة" العدد 11064 في 19/11/1415هـ، وفي "جريدة المسلمون" العدد 533 في 21/11/1415هـ، وفي غيرها من الصُّحف المحلية.
[138] من أسئلة موجهة لسماحته في درس "بلوغ المرام".
[139] من أسئلة موجهة لسماحته في درس "بلوغ المرام".
[140] رواه البخاري في (الحج)؛ باب مهل أهل الشام برقم 1526، ومسلم في (الحج)؛ باب مواقيت الحج والعمرة برقم 1181.
[141] نشرت في "مجلة البحوث الإسلامية" العدد 24 عام 1409هـ.
[142] من أسئلة موجهة لسماحته في درس "بلوغ المرام".
[143] من أسئلة موجهة لسماحته في درس "بلوغ المرام".
[144] سؤال موجه لسماحته عندما كان نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
[145] من أسئلة موجهة لسماحته في درس "بلوغ المرام".
[146] رواه البخاري في (الحج)؛ باب مهل أهل مكة للحج والعمرة برقم 1524، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم 1181.
[147] نشر في "المجلة العربية" في جمادى الأولى سنة 1412هـ
[148] من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من "المجلة العربية"
[149] رواه مالك في "الموطأ" في (الحج)؛ باب التقصير برقم 905، وفي باب ما يفعل من نسي من نُسُكه شيئًا برقم 957
[150] نشر في "مجلة الدعوة" العدد 1562 في 28/5/1417هـ، وفي "جريدة عكاظ" في 2/12/1417هـ.
[151] صدر من مكتب سماحته عندما كان رئيسًا لإدارات "البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد"، وعضوًا في مجلس المَجْمَع الفِقْهي الإسلامي.
[152] رابغ قريبة منها وليست هِيَ هي.
[153] وادي محرم ما يلي الطائف من وادي السيل.
[154] رواه البخاري في (الحج)؛ باب ذات عرق لأهل العراق برقم 1531
[155] رواه البخاري في (الحج)؛ باب ما ينهى من الطيب للمحرم برقم 1838
[156] رواه البخاري في (الحج)؛ باب ما لا يلبس المحرم من الثياب برقم 1542، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج وعمرة وما لا يباح برقم 1177.
[157] نشر في "جريدة البلاد" في 5/12/1416هـ.
[158] خطاب صدر من مكتب سماحته عندما كان رئيسًا عامًّا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم 3270/2 وتاريخ 3/12/1411هـ.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/spotlight/0/1636/#ixzz5KIyOUTIv
التعليقات