عناصر الخطبة
1/ الأمر الأول: سؤال الله قبول العمل 2/ الأمر الثاني: الاستغفار والتوبة 3/ الأمر الثالث: عدم تضييعها بعد جمعها 4/ الأمر الرابع: فهو العناية بدوام العمل الصالحاقتباس
والسلف الصالح كانوا يعملون الصالحات ويخافون ألا يُتقبل منهم, كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ), قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ", فليس الشأن بأن تعمل, بل الشأن بإتقان العمل وقبوله.
الخطبة الأولى:
الحمد لله العليّ الأعلى، له الأسماءُ الحسنى والصفاتُ العلى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنعم علينا بنعمٍ لا تُعدّ ولا تحصى، وأشهد أن محمدا عبدُ الله ونبيُّه المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ هناك أربعة أمور يجب على المسلم أن يعتني بها بعد كل عمل صالح..
الأمر الأول: سؤال الله قبول العمل؛ فإنه ليس كل من عمل صالحًا يُقبل منه, بل إنما يتقبل الله من المتقين, أي من اتقاه في ذلك العمل، بأن يكون عملاً خالصًا لوجه الله تعالى، وأن يكون موافقًا للسنة.
والسلف الصالح كانوا يعملون الصالحات ويخافون ألا يُتقبل منهم, كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ), قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ", فليس الشأن بأن تعمل, بل الشأن بإتقان العمل وقبوله.
فمن الذي يضمن أنه خاشع في صلواته، وأَتَى بجميع أركانها وشروطها وواجباتها؟
ومن الذي يضمن أنه صام وقام رمضان إيمانا واحتسابا؟
ومن الذي يضمن أنه تصدق بلا منّة ولا رياء ولا عُجب؟
ومن الذي يضمن أنّ بقية أعماله كانت خالصة لوجه الله، وأنها موافقة للسنة؟
فإذا كنت لا تضمن ذلك فأكْثِر من سؤال الله من قلب صادق أن يتقبّلها منك، وألا يؤاخذك على تقصيرك فيها
الأمر الثاني: الاستغفار والتوبة, فأكثر من الاستغفار والتوبة بعد رمضان، وبعد كلّ عمل صالح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لابد للسالك من تقصير وغفلة، فيستغفر اللّه ويتوب إليه, فإنَّ العبد لو اجتهد مهما اجتهد لا يستطيع أن يقوم للّه بالحق الذي أوجبه عليه، فما يسعه إلا الاستغفار والتوبة عقيب كلِّ طاعة. ا.ه
ولذلك شُرع الاستغفار عقب الصلوات المفروضة, وعقب قيام الليل, قَالَ تَعَالَى: (والمستغفرين بالأسحار), قَالُوا: كَانُوا يحيون اللَّيْل صَلَاة, ثمَّ يَقْعُدُونَ فِي السحر يَسْتَغْفِرُونَ, فيختمون قيام اللَّيْل بالاستغفار, وشُرع أثناء أداء مناسك الحج, قَالَ تَعَالَى: (ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله)
الأمر الثالث: عدم تضييعها بعد جمعها, وما أكثر من يضيع أعماله الصالحة التي تعب في جمعها، وأفنى حياته في تحصيلها، وهذا هو المفلس الخاسر، قال النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ». متفق عليه
فمن الحرمان - أخي المسلم- أنْ ترى يوم القيامة جبالا من الأعمال الصالحة؛ كالصلاة والصوم والذكر والصدقة, ثم تذهب إلى غيرك, ممن اغتبتهم أو سبَبْتهم أو آذيتهم.
يا لها من حسرة عظيمة وأنت ترى أعمالك تذهب لغيرك، تراها تنهال على من اغتبتهم أو ظلمتهم أو شتمتهم في حياتك.
فتب إلى الله اليوم، وتحلّل ممن آذيتهم وظلمتهم.
نسأل الله أن يتقبل منا أعمالنا، وأن يتجاوز عن تقصيرنا, إنه سميع قريب مجيب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المتفرد بصفات الجلال والكمال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الصحب والآل، أما بعد:
فأما الأمر الرابع: فهو العناية بدوام العمل الصالح، فهو أحبّ الأعمال إلى الله تعالى, فقد سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ». متفق عليه
فلْنعزم على الْمُداومة على الأعمال الصالحة التي عملناها في رمضان, ولتكن دائمة ولو كانت قليلةً.
وقد كان النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكره إرْغامَ النفس على العبادة, ويأمر الناس بعدم تكليفها ما لا تطيق, فقد دَخَلَ الْمَسْجِدَ يومًا، وَرأى حَبْلًا مَمْدُودًا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَالَ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ». متفق عليه
ومن حيل الشيطان: أنه يزين للإنسان القيام بالعمل الشاق حتى يفتر ويملّ, وقد جاء أَعْرَابِيّ إلى رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فسَأَلَه عَنِ الْهِجْرَةِ - أي عن وجوب تركِ الوطن, وهل يترك أهلَه وإبلَه ويُهاجر إلى المدينة, تأييداً ونصرةً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين، وإعانةً لهم على قتال الكفار؟ -، فَقَالَ: « وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟», قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: « فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا؟», قَالَ: نَعَمْ, قَالَ «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ - أي: فأنت على خيرٍ, وإن كنت من وراء البحار، ولا يضرك بُعْدك عن المسلمين -؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ- أي ينقصك- مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا». متفق عليه
فلْنحرص – معاشر المسلمين – على دوام أعمالنا وإن قلّت، ولْنتعامل مع النفس بحكمة وعلم
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين
اللهم وفِّق إمامنا ووليّ عهده لهداك، واجعل عملهما في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات