عناصر الخطبة
1/ أخطاء تتعلق بالمعاملات المالية 2/ أخطاء تتعلق بالسلام والمصافحة وآداب الطريق 3/ أخطاء تتعلق بالدراسة والاختبارات 4/ أخطاء تتعلق بالسلوك الشخصي.اهداف الخطبة
اقتباس
من بين الأخطاء التي يقع فيها بعض من الناس، إن لم يكن الأكثر، أنهم يقعون في قضية "الصرف"، يأتي إنسان ومعه مائة ريال فئة واحدة، ورقة واحدة من فئة مائة ريال، ويقول لصاحبٍ له أو يقول للبقال الذي يعرفه: أعطني "صرفا" فيبحث هذا الرجل أو هذا البقال، فلا يجد إلا تسعين ريالا أو خمسة وتسعين ريالا، أو تسعة وتسعين ونصف ريالاً، فيقول: أعطني هذا المبلغ وأعود إليك بعد حين، فمثل هذا لا يجوز، هذا "صرف" يوقع الإنسان في الربا.
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا عباد الله، من بين الأخطاء التي يقع فيها بعض من الناس، إن لم يكن الأكثر، أنهم يقعون في قضية "الصرف"، يأتي إنسان ومعه مائة ريال فئة واحدة، ورقة واحدة من فئة مائة ريال، ويقول لصاحبٍ له أو يقول للبقال الذي يعرفه: أعطني "صرفا" فيبحث هذا الرجل أو هذا البقال، فلا يجد إلا تسعين ريالا أو خمسة وتسعين ريالا، أو تسعة وتسعين ونصف ريالاً، فيقول: أعطني هذا المبلغ وأعود إليك بعد حين، فمثل هذا لا يجوز، هذا "صرف" يوقع الإنسان في الربا.
ومن ثَم، إذا أردت أن تصرف يجب أن تأخذ كل مالك في الحال؛ وذلك لأن الأوراق النقدية يجري فيها الربا كما يجري في الذهب والفضة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال، كما في الصحيحين: "الذهب بالذهب مثلا بمثل، يدا بيد"، يعني: في المجلس دون أن يكون هناك خروج عن هذا المجلس، ودون أن يكون هناك نقص في هذا الصرف، وقال: "الفضة بالفضة مثلا بمثل، يدا بيد".
أما لو أن المسلم اشترى من البقال بريال أو بريالين أو بأقل أو بأكثر ثم كان عنده مائة ريال فئة واحدة فلما رأى البقال ما لديه لم يجد ما يكمل به المبلغ فهنا يجوز، والفرق بينهما أن المسألة الأولى صرف، أما المسألة الثانية فهي بقاء شيء في ذمة البقال نتيجة بيع وليس نتيجة صرف، فليُتنبه إلى مثل هذا.
ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض: وضع الأذى في الطريق، البعض لا يبالي يشرب علبة من العصير وهو في سيارته يرمي بها في الشارع، في بيته يرمي زبالته في الشارع، يأخذ منديلا فيمسح به أنفه أو وجهه ثم يرمي به في الشارع، هذا وضع أذى في الطريق، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأنها من شعب الإيمان، وان الله -عز وجل- غفر لرجل وأدخله الجنة لما أزاح غصن شوك كان يؤذي الناس في الطريق.
والأذية الأخرى أن البعض -أكرمك الله- قد يتنخم، ويتنخم في قارعة الطريق، فإذا مرّ إنسان قد يتلوث نعاله بها أو يراها فتشمئز نفسه، ومثل هذا من أعظم الأذية للمسلمين في طرقاتهم، فلا يجوز للإنسان أن تصدر منه مثل هذه الأفعال.
ومن الأخطاء، وهي تقع في مثل هذه الأيام، إهمال كثير من أولياء أمور الطلاب أمور أبنائهم، كيف ذلك؟ أنبه على نقطة مهمة تحصل في هذه الأوقات: قضية حرص الآباء والأمهات على جد أبنائهم وبناتهم في الدراسة يشكرون عليه، لكن، مع هذا كله يجب علينا، وكلنا مقصر، يجب علينا أن نغرس في نفوس أبنائنا قضية الإخلاص، لا قضية الشهادة، غالب هؤلاء يتعلمون من أجل الشهادات لا من أجل التعلم، ومن ثَم قد يقرأ القرآن ويجتهد في حفظه، ويجتهد في حفظ وقراءة كتب الفقه والتفسير والتوحيد وما شابه ذلك من أجل أن يحظى بدرجات تؤهله للنجاح أو للتفوق، ويجد داعما في البيت لهذا الغرض.
وكان الواجب علينا، كما كان عليه أجدادنا وأسلافنا، أن نشجع هؤلاء على أن يتعلموا العلم من أجل أن ينفعوا أنفسهم وأن ينفعوا المسلمين وأن ينفعوا بلادهم.
ولذا لما حُصرت القضية في أمر الدنيا نجد أن هناك تخوفا ورعبا في قلوب أبنائنا من هذه الاختبارات، نتيجة ماذا؟ نتيجة الفزع، والجو الذي خيم عليه الفزع والرعب في هذه الأوقات.
أمر آخر يتعلق بالاختبارات: البعض قد يكون حريصا على أبنائه، ويجب أن يكون الكل حريصا على أبنائه، فيوصله إلى المدرسة في الصباح ثم لا يتنبه إلى أمره بعد خروجه من قاعة الاختبارات، وأنتم ترون طلابنا في المطاعم وفي البوفيهات في بعض المقاهي، نجد طلابنا في مثل هذه المواطن، يخرج ابنك أحيانا الساعة التاسعة أو الثامنة والنصف أو العاشرة، وقد تكون حريصا على ابنك من ألا يختلط برفقاء السوء، فيزل ويضل في هذه الأوقات؛ ولذا يجب عليك أن تعرف، عن طريق المدرسة، متى يخرج الولد حتى تأتي في تلك الساعة وتأخذ ابنك حتى لا يضيع مع رفقاء السوء.
أنبه على هذا: كثير من الأخيار فقد أبناءه الذين يُتوسم فيهم الصلاح والخير في مثل هذه الأيام، فلا بد أن تعرف متى يخرج ابنك من المدرسة في كل يوم حتى يكون على رقابة منك، وحتى لا يضيع مع هؤلاء؛ وبذا قد يتعلم شرب الدخان، قد يتعلم تعاطي المخدرات، قد يتعلم الذهاب إلى المقاهي، ثم إذا استمرأت نفسه مع رفقاء السوء لهذا المحرم فكيف يتخلص منه بعد ذلك؟...
من الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس، وقد كثرت في هذه السنة وشاع لها صيت: أخذ مبلغ من المال على الضمان. والضمان المراد منه في هذا العصر: الكفالة، يأتي شخص إلى شخص ويقول: اكفلني، فيقول له: أكفلك نظير مبلغ من المال، فإني لا آمنك ألا تسدد، فإذا أردت أن أكفلك فلتعطني شيئا من المال، هذا لا يجوز، هذا نوع من أنواع الربا؛ لم؟ لأنه يندرج تحت قاعدة وقول ابن عباس، وقد ورد مرفوعا لكنه ضعيف، لكن ورد موقوفا وجعله العلماء ضابطا لمسألة القرض يدخل تحت قاعدة: "كل قرض جرّ نفعا فهو ربا"، كيف؟ لو أخذت منه مثلاً خمسة آلاف ريال، فلم يسدد، من سيسدد؟ أنت، ومن ثَم إذا سددت، فإن هذا السداد يعتبر دينا في ذمة هذا المكفول الذي أخذت منه مبلغا من المال، فكأنك سددت مثلا ما عليه "مائة ألف ريال" وأخذت زيادة على هذه المائة خمسة آلاف ريال، فليتنبه لمثل هذه النقطة، فلا يجوز أن تأخذ مبلغا من المال على ضمانك أو كفالتك لشخص من الأشخاص سواء كان قريبا أم بعيدا.
ومن الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الناس، وهي مسألة تنطلي على كثير من الناس: تقسيط الاثنين. ما صورتها؟ يقول أخ لأخيه، أو زميل لزميله: "ما رأيك أن تشاركني في شراء سيارة بالتقسيط، أنا أكون المشتري أمام البنك أو أمام صاحب المعرض أو أمام الدائن، وأنت تكون معي شريكا في السداد، ولك نصف مبلغ هذه السيارة أو هذه السلعة إذا بعتها"، وهذا ربا؛ وذلك لأنك إذا اشتريت هذه السيارة وهي بخمسين ألف ريال نقدا ستكون في ذمتك بسبعين ألف ريال، ومن ثم إذا بعت هذه السيارة فقد تبيعها بتسعة وأربعين، ستأخذ نصف هذا المبلغ، وهو تسعة وأربعون ألفا وتعطيه لصاحبك، ومن ثم تعطيه "أربعة وعشرين ألف وخمسمائة ريال"، نظير أن يسدد نصف المبلغ الذي عليك وهو: "سبعون ألف ريال"، وهذا هو عين الربا، ومن ثَم فإن مثل هذه الصورة لا تجوز.
إن أردت أن تخرج من عهدة هذا النهي، ومن عهدة هذا المحرم؛ لأن البنك أو صاحب المعرض لا يعرف زميلك ولا يعرف أخاك إنما يعرفك أنت، لو لم تسدد طُلبت أنت، ومن ثَم فإنك تأخذ هذه السيارة على أنك أنت المشتري من البنك دون أن يكون لصاحبك أو لأخيك تعلق بهذه السلعة، ومن ثَم فإذا بعت هذه السلعة، بعتها مثلا: ب "خمسين ألف"، فهذه الخمسون لك، والسبعون المؤجلة عليك أنت، ومن ثم فإنك إن شئت فلتأخذ نصف الخمسين "خمسة وعشرين ألفا"، ثم تشتري سيارة أو سلعة وتعقد مع أخيك عقدا آخر تشتري له سيارة، أجهزة، أكياسا من الأرز، كراتين من الصابون أو ما شابه ذلك فأنت في معاملة أخرى مع أخيك أو مع زميلك بحيث تتفق معه على "القسط"، سواء كان هذا القسط مساويا للقسط الذي عليك أو أقل أو أكثر، سواء كان الربح الذي تأخذ منه نظير الربح الذي أخذه منك البنك أو صاحب المعرض أو أقل أو أكثر.
المهم: إنها عملية أخرى بحيث لو لم يسدد تتصافى معه... فتكون هناك معاملتان منفصلتان بعضهما عن بعض، أما كونه يأخذ سيارة ويجعل نصفها على صاحبه أو على أخيه فهذا نوع من الربا.
ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض: التساهل في بيع التقسيط. تجد أن البضاعة التي تباع بالتقسيط تكون في مكانها، لا تبرح مكانها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- نهى أن يباع الطعام قبل أن يُستوفى، قال ابن عباس: أحسب كل شيء مثل الطعام، وجاء في السنن: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تُبتاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم".
يأتي البنك ويشتري السيارة من صاحب المعرض دون أن يخرجها، بل يعقد معه هذا المشتري عقدا والسيارة في معرض صاحبها الأول، ثم تجد أن هذا المشتري من البنك أو من دائن آخر يبيعها في مكانها، فكأن هذه السلعة تمرير لعملية ربوية، ومن ثَم فإن الصواب الذي لا يجوز غيره: أن تلزم البنك بأن يخرج السيارة من المعرض، يعني خارج المعرض، خارج حدود هذا المعرض، ثم تتفق معه على عقد يكون خارج المعرض لا داخله، وتلزمه بهذا، حتى تكون معاملتك معاملة شرعية، ثم إذا أردت أن تبيع فلا تبعها في نفس المكان، اذهب بها لمكان آخر وبعها، لم؟ حتى نعرف ونتيقن أن هذه المعاملة معاملة شرعية ليست ربوية بحيث إن هذه السلعة تعلقت بملكك أنت، ومن ثم لو أن هذا المشتري عدل عن هذه السلعة أو عن هذه السيارة تجد أن صاحب البنك يعيدها إلى صاحب المعرض، وعلى هذا فقِس.
قد تشتري مثلا أكياسا من الأرز وتبقى في مكانها أو تشتري كراتين من الصابون، وتبقى في مكانها مثل ما يجري الآن في بعض البنوك من المعادن، يباع حديد، أسمنت، وما شابه ذلك، ويعقدون معه عقدا على أوراق، لو قلت لهم: أين مكان هذه السلعة؟ حتى تحوزها يقولون: في المكان الفلاني، إذا طلبتها، لا يوفرونها لك يقولون: هي خارج المملكة، ومن ثَم فإن العقد الصحيح في هذه المعادن، لأن هذه المعادن، هذا الجزء من الحديد، قد يباع لي ولك ولعدة أشخاص... وهي باقية، وهكذا، تمريرا لعقود ربوية.
إذا أردت أن تكون هذه البيعة بيعة شرعية، فما عليك إلا أن تقول: أستلم هذه المعادن، وإذا استلمت هذه المعادن تخرجها من هذا المستودع، بحيث تتعلق في ذمتك، ويكون في الحقيقة بيعا واضحا لا مرية ولا شبهة فيه.
خطأ آخر، وهو ما يسميه شيخ الإسلام -رحمه الله- بالحيلة الثلاثية، وهي نفس الصورة التي ذكرتها: يأتي إنسان إلى صاحب مال، ويقول: أريد منك أن تشتري لي سلعة بخمسين ألفا وتكون عليّ بسبعين مثلا، فيذهب معه إلى صاحب أرز أو صابون، ثم يقول: هذه بضاعتك بخمسين ألف، المسها، يظنون أن هذا قبض، فيلمسها ثم يقول البائع الذي اشتُري منه وصاحب الأرز وصاحب الصابون من الأصل، يقول لهذا: أتبيعها؟ فيقول: نعم أبيعها، فيبيعها له بتسعة وأربعين أو بثمانية وأربعين، والسلعة في مكانها، وهذه هي الحيلة الثلاثية: من الدائن، من المدين، من صاحب السلعة.
الصورة الأخرى: هي صورة: "بيع العينة"، وهي أن يقول صاحب الأرز أو صاحب الأجهزة، يقول: أبيعك هذه الأجهزة أو هذه الأكياس بخمسين ألف ريال، فيبيعها له، ثم يقول: أتبيعها؟ فيشتريها هو.
لتعلمْ أنك إذا اشتريت سلعة، وبقي في ذمتك شيء لهذا البائع، فلا يجوز أن تبيعها له بأقل،
تبيعها له بمثل الثمن لا بأس، بمثل الثمن الذي في ذمتك، وهذا لا يحصل إلا نادرا؛ لأن الدائن قد تتوق نفسه إلى سلعته الأولى ويستردها ولو بمبالغ طائلة، لكن هذا شيء من النادر، فلا يجوز أن تبيعها بأقل مما في ذمتك نقدا، لو بعتها بمثل ما في ذمتك نقدا فهذا خير على خير، ولا ربا فيه، لو بعتها بأكثر كذلك لا ربا فيه، أما كون في ذمتك باق لهذا الشخص الذي اشتريت منه هذه السيارة أو هذا الجهاز أو هذه الأكياس ثم تبيعه له بأقل مما في ذمتك نقدا، فهذا هو "بيع العينة" الذي حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم، حتى ترجعوا إلى دينكم".
صورة أخرى تصدق على بيع العينة، ما هي؟ يقول هذا الدائن لوكيل له، يقول: اذهب إلى هذا الرجل الذي اشترى منا هذه السيارة وأراد أن يبيعها في ساحة المعارض، يقول: "اذهب واشترها منه، حتى لا يظهر أنني أنا المشتري". فلا يجوز لمن باع سلعة بثمن مؤجل أن يشتريها هو بأقل مما في ذمة المدين نقدا، لا يجوز له ولا لوكيله ولا لولده ولا لأبيه إن كانت هناك حيلة، أما لو اشتراها والده، والد هذا الدائن، أو ولده، دون أن يكون هناك حيلة، فلا بأس بذلك.
ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس، وهذا لا يخرجنا عن المعارض: أن الشخص إذا أتى ليبيع سيارته وأوقفها يأتيه إنسان ويقول: بكم "سيمت"؟ فيقول: بعشرين ألفا، وهي لم تسم، هذا من الغبن الذي نهى عنه الشرع ، كذب، اختلاق، أو أنها سيمت قبل أسبوع أو قبل أيام يقول: سيمت بكذا، بحيث يأتي هذا المسكين ولو زاد مائة أو خمسمائة باعها له، وهذا كذب ولا يجوز، بل عده بعض الفقهاء من صور "النجش" الذي نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه.
أيضا صورة أخرى في المعارض: يأتي إنسان بسيارته ليبيعها، ثم يأتيه إنسان ويقول: أريد أن أشتريها منك؛ لكن، هل بها عيب؟ فيقول: افحص، وهو يعلم أن بها عيبا، لكن لا يريد أن يخبره حتى لا ينزل ثمنها، فيقول: افحص، هذا لا يجوز، يجب أن تخبره، يجب أن تخبر المشتري بكل عيب يكون في هذه السلعة أو في هذه السيارة مما يكون له أثر على الثمن.
العيب الذي يكون له أثر في قيمة السيارة يجب أن تخبر المشتري به ولا يجوز لك أن تخفيه عنه، أما هذه الكلمة فلا تبرئ ذمتك، تقول: افحص، كما يفعله من ينادي في المعارض إذا باعها قال: أبيعك سكر في ماء أو أبيعك كومة من حديد، هذا أصلا خلاف الواقع، كذب في أصله، فكيف وفيه غش؟! يعني كذب في أصله: أتبيعه سكر في ماء؟ هل هو سكر في ماء؟ وهل هو حديد؟ السيارة تشتغل عندك، هل هي كومة حديد لا يُنتفع منها؟ هذا ليس بصحيح، ومن ثَم فعلى المسلم أن يتقي الله -عز وجل- فيما يتبايع فيه.
ولذا؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صح عنه قال: "التجار هم الفجار"، فحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث أخرى مِن أن يؤكل الإنسان نفسه شيئا محرما، قال -عليه الصلاة والسلام-: " كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به"؛ لأنه لما دنس ظاهره وباطنه بهذا المحرم يعاقبه الله -عز وجل- إن شاء، وهو تحت المشيئة، بهذه النار لكي تطهره، ولا يدخل الجنة ابتداء إلا إذا رحمه الله -عز وجل-؛ لم؟ لأن الجنة طاهرة نظيفة ولا يدخلها إلا نظيف، إما بعفو منه -جل وعلا-، وإما بتطهير هذا المذنب في هذه النار بقدر ما عمله من هذه الذنوب.
من الصور ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس وهو لا يشعر أن البعض إذا سُلم عليه لا يرد السلام بمثله، ونحن مأمورون بأمر الله -عز وجل- في قوله تعالى في سورة النساء: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء:86]، تقول لشخص: السلام عليك، يقول: هلا مرحبا! هذا ليس فيه رد للتحية بمثلها، لأن كلمة السلام عليكم لا توازيها في الفضل هذه الكلمة، أو إذا قال شخص مبتدئا بالسلام: السلام عليكم ورحمة الله، فيقول الآخر: وعليكم السلام، لم يرد التحية بمثلها، أو إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رد عليه فقال: وعليكم السلام ورحمة الله، هذا ليس فيه رد للتحية بمثلها، إما أن تردها بمثلها، وإما أن تزيد، ولكن تزيد حسب ما جاءت به النصوص الشرعية: "السلام عليكم"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عشر"، يعني عشر حسنات، السلام عليكم ورحمة الله، قال: "عشرون"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال: "ثلاثون"، في رواية أخرى يضعفها بعض العلماء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، قال: "أربعون". وهكذا تكون الفضائل.
عن كلمة "ومغفرته"، ابن حجر -رحمه الله- في الفتح يقول: ورد لها آثار تشهد لها، فالشاهد من هذا أن الإنسان إذا سُلم عليه يرد التحية بمثلها أو بأحسن منها، وذلك حسب ما جاءت به النصوص الشرعية، الآن يفتعل المرء بعض الزيادات: يقول: وعليكم السلام والقُرص والإيدام! أو ما شابه هذا، هذا فيه زيادة في الشرع وفيه ابتداع، ولا يجوز أن تذكر مثل هذه الألفاظ؛ لم؟ لأنها توافق السلام بالسجع، فيجب عليك يا مسلم أن تمتثل لأمر الشرع فيما تفعل وفيما تذر.
أيضا مما يتعلق بالسلام أن البعض يلغي المصافحة ويستغني عنها بشيء آخر، ما هو ذلك الشيء؟ وهذا يحصل حتى عند كثير ممن يُرى فيهم الخير، تجد إذا أراد أن يسلم على كبير إما في السن أو في العلم يبدأ ويقبل رأسه أو أنفه ثم يصافح، هذا خطأ، لأن تقبيل الرأس وتقبيل الأنف لم تأت به الشريعة،كونه من الاحترام والتقدير هذا أمر يُعذر فيه الإنسان، لكن إذا أردت أن تجمع بين هذا وهذا تقدم المصافحة، حتى لا نلغي المصافحة الشرعية التي جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فليتنبه لمثل هذا الأمر: إذا أردت أن تقبل رأس كبير في العلم أو في السن لتصافح أولا ثم بعد ذلك تقبل رأسه أو أنفه، لأن النصوص الشرعية جاءت بمثل تقبيل اليد وبتقبيل الجبين. هذه النصوص تعذر المسلم إذا فعل مثل هذا الفعل من باب الاحترام والتقدير.
أيضا مما يتعلق بالسلام أن البعض من الناس يسلم بشفتيه، يسلم على صاحبه بالشفتين، هذا لا ينبغي، ولم يرد مثل هذا، وكذلك التسليم بالأنف: يضع انفه على أنف صاحبه، فمثل هذا لم يرد.
وكذلك، بعض الناس إذا سلم وصافحته قال: هكذا، واضعا يده على صدره، إشعار بأنه مود له ومحب له أكثر، مثل هذا لم يأت، وهناك فتوى من علمائنا صدرت بهذا الشأن، فإذا سلمت وصافحت فلا تضع يدك على صدرك من باب أنك تشعره أنك تحبه أو توده، فالمحبة ظاهرة وبارزة إما بالقول وإما بالفعل.
أيضا، من الأخطاء التي يقع فيها الكثير والكثير من الناس، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها وأخبر أنها من علامات الساعة: سلام المعرفة... ولذا؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين، لما سئل: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"، الآن يلتقي المسلم بأخيه في الطريق، وهو منه قريب، ولا يسلم عليه بحجة أنه لا يعرفه، لا يا أخي، رابطة الإسلام أقوى من أي رابطة؛ ولذا النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأنها من علامات الساعة الصغرى، ليس من باب الإقرار: أن يقرنا على هذا الفعل، لا، وإنما هو من باب التحذير حتى نترك مثل هذا الأمر.
أمر آخر وهو التسليم بالكف دون أن ينطق بالسلام، إذا كنت قريبا من صاحبك فقل: السلام عليكم باللفظ دون أن ترفع يدك، أما إذا كان بعيدا عنك أو قريبا لكنه غير منتبه إليك فلا بأس من أن ترفع كفك، لكن لا ترفع كفك مجردة من اللفظ، لا، تقرن رفع الكف بالسلام، كأن تقول: السلام عليكم، وأنت رافع لهذه الكف، أما أن ترفع كفك دون أن تتلفظ فهذا خطأ.
كذلك لو مررت بأخيك في السيارة، فرفعت كفك فاقرن رفع الكف بالسلام، وقد جاء حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على هذا، وهو أنه -عليه الصلاة والسلام- لما رأى نسوة ألوى بيده مشيرا إلى التسليم، وذلك لأن التسليم بالكف دون أن يكون هناك لفظ هذا هو سلام النصارى كما أخبر -عليه الصلاة والسلام-، والتسليم بالأصابع هذا هو سلام اليهود
فليتنبه المسلم على مثل هذه الأمور.
ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض: أن البعض يعتاد أن يأخذ بشماله وأن يعطي بشماله، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صححه الألباني: "أن الشيطان يأخذ بشماله، ويعطي بشماله، ويأكل بشماله، ويشرب بشماله". ونحن مأمورون بترك مشابهة الشيطان، فإذا أعطيت أحدا فلتعطه بيمينك، لتأخذ منه بيمينك، لكن؛ لا مانع من أن تستعين باليسار، لا يعني هذا أن العمل باليسار محرم أو منهي عنه، لا، لأنه وردت نصوص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعان بالشمال في كثير من أحواله.
التعليقات