اقتباس
إنّ ترك صلاة الجمعة بحجة فسق الإمام أو ابتداعه من الأمور المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة من أداء الصلوات والحج والجهاد مع أئمة الجور، وعدم ترك هذه العبادات لجورهم أو بدعتهم..
استكمالا للمقال السابق، وتحديدا وصلنا للنقطة السادسة من المقالة؛ نقول:
سادسا: ترك الجمعة بلا عذر:
إن ترك صلاة الجمعة دون عذر ليس من الكبائر فحسب، وإنما قد يؤدي إلى النفاق والذي أصحابه في الدرك الأسفل من النار، وقد ورد الوعيد الشديد في ترك صلاة الجمعة دون عذر؛ كسفر أو مرض يحول بين المريض وقدرته على حضور الجمعة؛ فعن أبي الجعد الضمري -رضي الله عنه- روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه".
وفي رواية: "من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر فهو منافق"، وقد روى الامام مسلم -رحمه الله- عن الحكم بن ميناء -رضي الله عنه- أنّ ابن عمر وأبا هريرة -رضي الله عنهم- حدثاه أنهما سمعا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال من على منبره: "لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثم ليكوننّ من الغافلين".
سادسا: ترك الاغتسال للصلاة
الاغتسال من السنن المؤكدة التي يجب الأخذ بها من منطلق قوله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) [الحشر:7].
ثمّ ما الذي يمنع أحدنا من الاغتسال في يوم الجمعة مع كثرة الماء وتوفره، أم غسيل سيارتنا أهم من غسل أنفسنا تحصيلا لقربة إلى الله -عز وجل-؟
إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أكدّ على ضرورة الغسل يوم الجمعة فقال: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم"؛ أي بالغ.
ومن الأشياء التي ينبغي أن ننوّه لأهميتها النية في غسل الجمعة، حيث بعض المسلمين يغتسلون للجمعة ولكن بدون نيّة، والنية ضرورية ذلك أنّ أعمالنا كلها تتبع النية، لذا يجب استحضار النية في القلب، وقد روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
سابعا: ترك التسّوك والتطيّب يوم الجمعة
كثير من الناس يتركون التسوك والتطيب يوم الجمعة مع أنه سنة مؤكدة أكد عليها النبي -صلى عليه وسلم- وقال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالتسوك عند كل صلاة".
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم وسواك ويمس طيب ما قدر عليه".
ثامنا: بدعة إطالة الخطبة وتقصير الصلاة:
وهذا أمر مخالف تماما لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء المهديين من بعده، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقصر من الخطبة ويطيل في الصلاة، وما أمر إطالة الخطبة وتقصير الصلاة إلا مخالفة صريحة لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإنّ من البيان سحرا". ومعنى مئنة: أي علامة.
والضابط في ذلك هو حاجة الناس ومراعاة أحوالهم؛ فعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "كنت أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا"؛ أي وسطاً بين الطول والقصر.
تاسعا: بدعة رفع الخطيب يديه أو رفع الصوت عند الدعاء
أن يرفع الخطيب يديه على المنبر عند الدعاء أو يرفع صوته في الدعاء أو بالتأمين وقت الخطبة، لم يكن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه إذا خطب أحدهم ودعا أن يرفع الصوت بالدعاء أو بالتأمين وقت الخطبة، وهذه من البدع التي عمّت في بعض بلاد المسلمين، حيث يقوم المؤذن أو بعض رفقته برفع صوته بين الخطبتين بدعاء مطرَّب وهو يحسب أنه يحسن صنعا.
وإنه لمن الخطأ رفع اليدين للدعاء عند الدعاء في نهاية الخطبة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفعلها، فترْكـُه يكون فيه اقتداء بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-
العاشر: ترك الجمعة بدعوى فسق الإمام
إنّ ترك صلاة الجمعة بحجة فسق الإمام أو ابتداعه من الأمور المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة من أداء الصلوات والحج والجهاد مع أئمة الجور، وعدم ترك هذه العبادات لجورهم أو بدعتهم.
الحادي عشر: البيع والشراء في وقت الصلاة
والصحيح من أقوال أهل العلم أن البيع والشراء في وقت صلاة الجمعة محرم على من تجب عليه الجمعة.
الثاني عشر: السلام على المصلين والامام يخطب
السلام على الناس عند الدخول إلى المسجد والإمام يخطب لا يجوز، والصحيح أنه لا يسلم، بل ينتهي إلى الصف بسكينة، ويصلي ركعتين خفيفتين، ويجلس لاستماع الخطبة، ولا يصافح من بجانبه.
الثالث عشر: ترك الصفوف الأمامية مع توفر أماكن فيها
وإنه لمن الخطأ أيضا جلوس بعض الناس في مؤخرة المسجد قبل امتلاء الصفوف الأمامية، وبعضهم يجلس في الملحق الخارجي للمسجد مع وجود أماكن كثيرة داخل المسجد.
الرابع عشر: الاعتقاد بسنة قبلية للجمعة
ليس هناك صلاة مسنونة قبل صلاة الجمعة سوى تحيّة المسجد، والاعتقاد بسنية الصلاة قبل صلاة الجمعة خطأ يجب تلافيه، والصحيح أنه لا توجد راتبة للسنة قبل الصلاة سوى تحية المسجد، وإنما راتبتها بعدها فيصلى إما أربع أو ست ركعات، وإذا انتهى من صلاة الجمعة فعليه أن يأتي براتبة السنة، وإن صلى في بيته صلى ركعتين، وإن صلى في المسجد صلى أربع ركعات، وإن شاء صلى ست ركعات، وروى الامام مسلم -رحمه الله- عن نافع بن عبد الله -رضي الله عنه- كان اذا صلى الجمعة انصرف وصلى ركعتين في بيته وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك.
الخامس عشر: حجز مكان في المسجد
وحجز مكان بالمسجد من البدع أيضا، وما يفعله بعض الناس من حجز مكان في المسجد سواء بوضع سجادة أو عصا أو نعلان، ويتأخر هو عن الحضور، ويحرم المتقدم من ذلك المكان، فإن ذلك عمل غير سائغ، بل صرح بعض العلماء أن لمن أتى المسجد رفع ما وضع في ذلك المكان والصلاة فيه؛ لأن الأولوية لمن سبق إلى الصفوف الأولى، وما وضع أشياء عينيات لحجز مكان في المسجد دون حضور الشخص ليعد اغتصابا للمكان.
السادس عشر: التسوك أثناء الخطبة
وهذا -أيضا- من المخالفات الشرعية، وإنّ ما يفعله بعض الناس من التسوك في أثناء الخطبة لمن الأمور الغير جائزة. والواجب ترك ذلك، إلا إذا احتاج لذلك.
السابع عشر: الانتظار حتى يفرغ المؤذن من الأذان
ومن الأخطاء: أن كثيرا ممن يدخل والمؤذن يؤذن يقف لمتابعته وهذا خطأ، والصواب هو أن يبدأ بتحية المسجد ليتفرغ لسماع الخطبة؛ لأن متابعة المؤذن سنة واستماع الخطبة واجب، والواجب مقدم على السنة.
الثامن عشر: الصلاة بين الخطبتين
بعض المصلين وبمجرد أن يجلس الإمام في الاستراحة بين الخطبتين يقومون ويصلوا ما شاء الله لهم أن يصلوا، ولا نجد تبريرا لصلاتهم هذه أبدا، انما هي بدعة، لماذا؟ لأنه أساسا لا يوجد سنة قبلية لصلاة الجمعة، ومن دخل المسجد يكون تلقائيا قد أدى تحية المسجد، إذن لا يوجد مسوّغ لهؤلاء بأن يقموا ويصلوا ركعتين أو أكثر بين الخطبتين، ومن يفعل ذلك فلينته عن ذلك وليتب إلى الله من البدع، فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- بما معناه: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.
التاسع عشر: تخطي رقاب المصلين
ومن المخالفات الشرعية في يوم الجمعة تخطي رقاب الناس أو المرور بين أيديهم، ويكون هذا غالباً في أثناء الخطبة. وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فعل ذلك؛ كما جاء عن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "اجلس قد آذيت وآنيت".
ومعنى آنيت: أي أخرت المجيء وآذيت: بتخطيك الرقاب، ولا سيما إذا كان التخطي وقت الخطبة؛ لأن فيه أذية للناس وإشغالا لهم عن استماع الخطبة فتكون المضرة به واسعة، وقد حرّم كل من الإمامين شيخ الإسلام ابن تيمية والنووي -رحمهما الله- تخطي الرقاب.
العشرون: الاحتباء.
الاحتباء هو: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشدّه عليها وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، وكما هو معلوم بأنّ الاحتباء يسبب كشف العورة أحيانا خاصة إن لم يرتدي الشخص شيئا ما تحت ثوبه من الملابس القصيرة.
وأصل النهي عن الاحتباء هو رواية سهل بن معاذ عن أبيه -رضي الله عنهما- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب.
إحدى وعشرون: سرعة الخروج من المسجد بعد انتهاء الصلاة
ومن الأخطاء: كثرة الحركة أثناء الصلاة وسرعة الخروج من المسجد بعد تسليم الإمام والمرور بين يدي المصلين والتدافع على الأبواب دون الإتيان بالأذكار المشروعة بعد الصلاة.
الثاني والعشرون: عدم الاستعداد للخطبة وكثرة الأخطاء اللغوية
إن الخطيب لخطبة الجمعة إن لم يكن مؤهلا لإلقاء خطبة تشدّ السامع اليها؛ فالأصح ألا يقحم نفسه في أمر ليس يتقنه، لأنه من شروط إلقاء الخطبة الفصاحة والبلاغة والتأثير على المصلين بنصيحة أو موعظة خاصة، وأنّ معظم مثلي يوم الجمعة هم ضيوف هذه الجمعات ولم يؤدون الصلوات الخمسة في المساجد أو لا يصلونها أساسا؛ فإن لم يكن الخطيب بليغا في خطبته فقد ينفر منه المصلون ويتركون حتى الجمعة اليتيمة التي يصلونها.
لذا على الخطيب أن يعد الخطبة إعدادا جيدا، واختيار الموضوع المناسب وخاصة مما يراه أنّ الناس بحاجة إليه، أو لو علم أنّ هناك من المصلين من هم يقعون في الحرام ولم تنهاهم صلاتهم عن تجنب الحرام، أو كأن ينبه إلى ضرورة حضور صلاة الجماعة داعما نصيحته من الكتاب والسنة كي تكون حجته ألحن.
الثالث والعشرون: يقولون ما لا يفعلون
كثير من الخطباء يقعون في أخطاء فادحة وهي أنهم يأمرون المصلين بالمعروف وهم بعيدون عنه، وينهونهم عن المنكر وهو يسري في دمائهم، وهذا أمر لا يجوز؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3].
ثم إن كل من يقول ما لا يفعل أو يأمر غيره بالمعروف ولا يأتيه وينهاه عن المنكر ويأتيه سيقرض لسانه بمقارض من حديد محمى؛ كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث المعراج الطويل.
ونصيحتي للإخوة خطباء المساجد وطلبة العلم والأساتذة، إذا أرادوا أن يحضروا موضوعاً أن يراجعوا الأحاديث، وأن يخرجوها أو يسألوا طلبة العلم، ولا يقول قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يعلم من أخرجه أو من رواه والأفضل كليهما معا، وهل هو صحيح أو ضعيف أو باطل حتى يكون على بينة؛ لئلا يفتري على النبي -صلى الله عليه وسلم- وينسب إليه قولا لم يكن قائله فيكون قد سنّ سنة سيئة في الاسلام عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولا يقول قائل مقولة من أخطأ فله أجران وزمن أصاب فله أجر، فهذا الحديث له مناسبته ولا يقع على أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو كان قوله صحيحا لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: "من قال عني ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار".
الرابع والعشرون: عدم تفاعل الخطباء مع الخطبة
وهذا أمر منتشر بشكل واسع بين خطباء المساجد وكأنهم يؤدون مهمة مفروضة عليهم مع أن وقوفهم على المنبر لمن أجل المواقف وأشرفها، ولما لها من الثواب العظيم للسنة الحسنة التي يستنونها قد يحظون بأجرها إلى يوم القيامة، فنرى الكثير من الخطباء لا يحثون أبدا على صلاة الجماعة في المساجد، ربما لنقص فيهم كونهم هم في الأساس لا يحضرون الصلوات، وأنا برأيي من لم يحضر صلوات الجماعة في المسجد لا يعتد بخطبته؛ إذ كيف يستمع المصلي لنصائح إمام أو شيخ هو بالأساس لا يقوم بواجباته الدينية أمام الله؟
فعلى الخطيب أن يحسب لكل كلمة تخرج من فمه، فهو محاسب على كل كلمة يقولها يوم القيامة، وكما مرّ في الفقرة الرابعة والعشرون أنه لمن الكبائر أن يأمر الخطيب غيره بأمر هو بالأساس لا يقوم به، وهذا لا يجوز، وعلى المخولين ببرنامج خطب يوم الجمعة أن يختاروا الرجل الكفؤ الملتزم حتى يكون قدوة لغيره، وإلا يفعلوا يكونوا جميعا آثمين.
ثمّ إنّ عدم تفاعل خطيب الجمعة مع الخطبة يعتبر نقصا لما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش.
إذا كان جابر -رضي الله عنه- نقل هذا لنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان المتخلفون عن صلاة الجماعة ينعتونه بالنفاق؛ فما بالنا والمجتمعات الاسلامية برمتها تتخلف عن صلاة الجماعة والصلاة في المساجد علما بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أول شيء فعله بعدما ما وصل المدينة يوم الهجرة هو بناء مسجد في منطقة قباء، وقد خلده القرآن الكريم: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة:108].
ولولا أهمية المساجد في الإسلام لما كان أول شيء فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فور دخوله المدينة بناء مسجد.
والله وحده أعلم.
التعليقات