أحكام ووقفات في مسألة تحديد النسل

د عبدالحميد بن سعد السعودي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/حكمة الجمع بين النهي عن قتل الأولاد وفاحشة الزنا 2/خطأ من يرى أن كثرة النسل تعوق التقدم 3/الطريق الصحيح لاستجلاب الخيرات وطرد الآفات 4/السبب الحقيقي للدعوة لتحديد النسل 5/خطورة تآمر الكافرين على المسلمين

اقتباس

لقد زعموا أن قلة السكان تؤدي إلى زيادة التنمية، وهذا ميزان معكوس، ومعالَجة للمشكلة بشكل سلبي، بل إن الموارد لا تزيد -بإذن الله- إلا إذا زاد عدد البشر، فالإنسان هو الوحيد بين المخلوقات على هذه الأرض الذي يستطيع أن يتعامل مع هذه الموارد...

من اختيارات الشيخ رحمه الله

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أيها الإخوة في الله: يقول الله -جل وعلا-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)[الأنعام: 151]، ويقول في سورة الإسراء: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا * وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء: 31، 32].

 

لقد نهى الله المؤمنين في هاتين الآيتين عما كان يفعله بعض أهل الجاهلية من قتلهم أولادهم خشيةَ الفقر والإملاق، وبيَّن أن الرزق بيده -جل وعلا-، ووعدهم برزقهم ورزق أولادهم، فالأمر كله لله، لا علاقة بين الفقر وكثرة النسل.

 

ثم تأمل في هاتين الآيتين ترى أنه لما نهى الله المؤمنين عن قتل أولادهم خوفًا من الفقر أمام قلة الموارد؛ حذَّرهم من ارتكاب فاحشة الزنا؛ إذ في الزنا قتل من نواحٍ شتى، إنه قتل ابتداءً؛ لأنه إراقة لمادة الحياة في غير موضعها، يتبعه -غالبًا- الرغبةُ في التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل مولده، أو بعد مولده، وهو قتلٌ في صورة أخرى، قتلٌ للمجتمع الذي يفشو فيه الزنا، فتضيع الأنساب، وتختلط الدماء، وتذهب الثقة في العِرْض والولد، ويتحلل المجتمع.

 

وهو قتل للمجتمع من جانب آخر: إذ إن سهولة قضاء الشهوة عن طريق الزنا يجعل الحياة الزوجية نافلةً لا ضرورةَ لها، ويجعل الأسرة تبعةً لا داعيَ إليها.

 

فانظر إلى ما نهى الله عنه في هاتين الآيتين، ثم انظر إلى ما ينادي به المجتمعون المتآمِرون، مما حوته مذكراتهم، وحفلت به مسودَّاتهم.

 

إننا لم نكن نظن أننا في يوم من الأيام بحاجة إلى الوقوف عند هذه الآيات وما جاء في معناها، ما كنا نظن أن يأتي ذلك اليوم الذي نذكر فيه بمدلول هذه الآيات، حتى اجتمع من اجتمع، وتآمر من تآمر، وتعسَّف مَنْ تعسَّف، وألحَد مَنْ ألحَد، وزعَم مَنْ زعَم أن الحل لمشكلات البشر إنما هو في الحد من الانفجار السكاني، وتحديد النسل، ونشر الإباحية المطلَقة، والحث على فوضى الجنس بين المراهقين والأحداث، ومشروعية الإنجاب من غير زواج، وإباحة الإجهاض كله.

 

هكذا زعموا، ومن أجله اجتمَعُوا، وسوف يوصون ويقررون ويوجِّهون.

 

لقد زعموا أن قلة السكان تؤدي إلى زيادة التنمية، وهذا ميزان معكوس، ومعالَجة للمشكلة بشكل سلبي، بل إن الموارد لا تزيد -بإذن الله- إلا إذا زاد عدد البشر، فالإنسان هو الوحيد بين المخلوقات على هذه الأرض الذي يستطيع أن يتعامل مع هذه الموارد، يتعامل معها بالتنمية والزيادة -بإذن الله- وهدايته.

 

إن زعمهم ذلك يعد تمردًا على كل الشرائع السماوية، والقوانين الشريفة، والأخلاق السامية، والفِطَر السليمة، إن استدرار الأرزاق واستجلاب الخيرات، ورفع معدلات التنمية لا يكون ولن يكون إلا بالإيمان بالله.

 

الإيمان بالله ربًّا ومدبِّرًا، خالقًا حكيمًا، رازقًا كريمًا، ومن مقتضيات هذا الإيمان اتباع الأوامر، واجتناب النواهي؛ ومن ثم الخضوع لله، وتحكيم شرعه، والبعد عن الظُّلْم والتظالم، وأكل أموال الناس بالباطل، وبخس الناس أشياءهم، وتضييع الموارد والثروات، وتبديدها فيما لا يرضي الله، والحذر من ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

 

هذه هي مقتضيات الإيمان، ويقترن بذلك الأخذ بسُنن الله في العلم والعمل، وحُسْن الاستثمار، ومراجَعة السياسات الاقتصادية، والخطط التنموية، وبرامج التعليم والإعلام.

 

إن الأعداد البشرية وزيادتها ونقصها وتوازنها كل ذلك خاضع لسنة الله وحكمته، وقدره وعلمه، (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ)[الرعد: 8]، (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[فاطر: 11].

 

وخضوعًا لهذه السنن الإلهية والحكم الربانية، فإن حق الحياة محفوظ لكل نسَمة؛ لذا لَمَّا أَذِنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالعزل لمن سأله، قال: "ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة".

 

وإن أردتم الحقيقة -أيها الإخوة- فلتعلموا أن تكاثر الدول الضعيفة والفقيرة، وبخاصة الدول الإسلامية يُخيفهم ويُفزِعهم، طفحت بذلك وثائقهم وملفاتهم؛ لقد قررت تلك الوثائقُ والملفاتُ أن تزايُد السكان يهدِّد مصالحهم، ويزعزع أمنَهم، ولقد قالوا فيما قالوا: إن أقطارهم أصبحت تذوب كما يذوب الجليد تحت الشمس، أمام تزايُد الشعوب الأخرى، بل لقد صرَّح بعضُهم وقال: "إنهم يواجهون في المستقبل خطر الأسلمة"؛ يعني تحوُّل بلادهم إلى بلاد إسلامية.

 

نعم أيها الإخوة، لقد صارت أعدادهم في تناقص، وقلت نِسَب المواليد فيهم، فأصبحوا يدفعون الإعانات للأسر؛ لزيادة الإنجاب، ولن تزداد أعدادهم وقد استباحوا ما حرَّم اللهُ على ألسنة رسله، وما تنزلت به كتبه، فأحَلُّوا السفاحَ، واكتفى الرجالُ منهم بالرجال، والنساءُ بالنساء، فصار حالُهم متردِّدًا بين شذوذ وسحاق.

 

ألا فاشكروا الله أيها المؤمنون، اشكروه إذ كثَّركم، وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين.

 

ولْنَهْنَأْ بدِينِنا، ولنتمسَّكْ بالحق من عند ربنا، (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)[المؤمنون: 71].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله القائل: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود: 6].

 

أحمده -سبحانه- وأشكره، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)[الشورى: 27]، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، لطيف بعباده، يرزق من يشاء، وهو القوي العزيز، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، اتقوا الله ربكم (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3].

 

أيها الإخوة في الله: إن هذا المؤتمر مؤامرة صهيونية علمانية، إلحادية دولية، يمارَس من خلاله إرهابٌ حضاريٌّ على الأخلاق والأسرة، وحملة شرسة على ما بقي لأهل الإسلام، من تفوق في سلاحهم البشري، وحصنهم الأخلاقي، إرهاب حضاري، وتعسف دولي، يمارس من خلاله ضغوط سياسية، ومحاصرات اقتصادية، ويعلو مِنْ على منابره صيحاتُ التشريع الإعلامية على المخالِفين والممتنِعين، بوصفهم بالتحجُّر الفكري والرجعية الدينية، والخروج على الإجماع الدولي، والتمرُّد على العالَم المتحضِّر.

 

ولما بدأوا اجتماعاتهم، ورأوا من عارضهم، ووقف ضدهم، وضد أفكارهم، وضد دعوتهم، بدأوا يغيرون في لهجاتهم، فما لهجتهم اليوم بنفس اللهجة التي كانوا يلوكونها بالأمس، ألا ساء ما يعملون.

 

(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا)[الإسراء: 100]، (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ)[الطور: 37]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[العنكبوت: 60].

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل الكفرة والملحدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، وبارك لهم في أرزاقهم وذرياتهم.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، واستعمل علينا خيارنا، واكفنا شر شرارنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا رب العالمين، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [الْبَقَرَةِ: 201].

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيِّكم.

المرفقات
hjDdu8ccrUQsNreQuJN0nx8NoPlypR2CHhTSwlOa.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life