عناصر الخطبة
1/ ترحيب بمـَقدَمِ رمضان 2/ أحكام قضاء الصيام قبل دخول رمضان 3/ وجوب البِدار بالقضاءاهداف الخطبة
اقتباس
وَلِجَهْلِ الناس ببعض أحكام القضاء، وقرب حلول شهر رمضان الذي ينتهي به وقت قضاء رمضان الماضي، ولكون المؤخِّر قضاء ما فاته حتى يدخل عليه شهر رمضان القادم من دون عذر معرِّضاً نفسه للإثم، نذكر بعض أحكام القضاء، ونشير إليها إشارة موجزة تذكِّر الناس، وتعلِّم الجاهل، وتحث المتثاقل على القيام بما وجب عليه من قضاء أو إطعام على المبادرة بالقيام بما أوجب الله عليه، خصوصا وقد ضاق وقت القضاء، إذ لم يبق من شهر شعبان إلا أيام قلائل ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله -عز وجل-، وحاسبوا أنفسكم حساباً دقيقاً يدفعكم إلى تلافي التقصير والبعد عن السيئات، كما يدفعكم إلى مضاعفة الجهد، ومواصلة العمل لكسب مزيد من الحسنات، ونيل أعلى الدرجات، جعلني الله وإياكم وسائر إخواننا وأحبابنا من عباد الله المتقين، وأوليائه المفلحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أيها الإخوة المسلمون: استقبلوا عباد الله بعد أيام قلائل زائراً كريماً، وضيفاً على قلوب المؤمنين عزيزاً، ألا وهو شهر رمضان المبارك، الذي طالما اشتاقت له قلوب المتقين، وحنت إليه نفوس الصالحين، لما فيه من مواسم الجود والتفضل والبر والكرم من الرب الرؤوف الرحيم، الغفور الكريم، فنسأل الله -عز وجل- أن يبلغنا إياه، وأن يعيننا على عمارة أيامه ولياليه بصالح الأعمال والأقوال، إنه أكرم الأكرمين.
أيها الإخوة المسلمون: تعلمون أن الله -سبحانه وتعالى- رحمة منه بعباده أباح الفطر في نهار رمضان لطوائف من الناس كالمريض والمسافر، بل وحرَّم الصيام على طوائف أخرى كالحائض والنُّفَسَاء؛ تيسيراً وتخفيفاً منه -عز وجل-، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185].
غير أن الفطر في نهار رمضان يوجب أحيانا القضاء، وأحيانا أخرى يوجب الإطعام، وأحيانا لا يوجب قضاء ولا إطعاماً؛ ولجهل الناس ببعض أحكام القضاء، وقرب حلول شهر رمضان الذي ينتهي به وقت قضاء رمضان الماضي، ولكون المؤخِّر قضاء ما فاته حتى يدخل عليه شهر رمضان القادم من دون عذر معرِّضاً نفسه للإثم، نذكر بعض أحكام القضاء، ونشير إليها إشارة موجزة تذكِّر الناس، وتعلِّم الجاهل، وتحث المتثاقل على القيام بما وجب عليه من قضاء أو إطعام على المبادرة بالقيام بما أوجب الله عليه، خصوصا وقد ضاق وقت القضاء، إذ لم يبق من شهر شعبان إلا أيام قلائل.
أيها الإخوة المسلمون: إن من هؤلاء الذين أُبيح الله لهم الفطر في نهار رمضان الشيخ الهرِم الذي بلغ حد الهذيان، وسقط تميزه، فأصبح لا يميز ما يقول ويفعل، حتى أشبه الصغير في تصرفاته، فهذا لا يجب عليه صيام أصلا، ولا إطعام؛ وذلك لأن التكليف سقط عنه بزوال تمييزه، ولا يجب على أوليائه شيء كذلك.
لكن ينبغي أن يُعْلَمَ أن الهرم إذا كان يميِّز ويعقل بعض الأيام كاملة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فإنه يجب عليه الصيام في هذه الأيام التي يميز فيها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس إذا كان قادراً على الصيام، يجب عليه الصيام في الأيام التي يميز ويعقل فيها؛ فإن لم يقدر على الصيام ولا على القضاء فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً.
ومن الناس من أفطر في رمضان الماضي بسبب عجزه عن الصيام، وكان عجزه مستمراً معه، كمن ابتلي بمرض لا يطيق معه الصيام ولا يرجى زواله، أو كان أفطر في نهار رمضان الماضي لعجزه عن الصيام من أجل كبر سنه وضعف حاله، مع بقاء تميزه وإدراكه، فهذا النوع وأمثاله لا يجب عليهم القضاء؛ لأن الواحد منهم لا يستطيع، وعليه ألا يكلف نفسه الصيام، ولا يجهدها بالقضاء؛ فإنه معذور في دين الله، والله -عز وجل- يقول (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286]، ويقول سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78].
لكن يجب على مَن كان هذا حاله ممن كان فطره بسبب مرض مستمر لا يرجى زوالُه، أو كان فطره بسبب كبر سنه وضعف حاله مع بقاء تمييزه وإدراكه، فعليه أن يُطعِم عن كل يوم أفطره مسكينا. قال البخاري -رحمه الله-: وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر عاماً أو عامين كل يوم مسكيناً، خبزاً ولحما، وأفطر. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطاعان أن يصوما فيطعمان كل يوم مسكينا. فمَن كان هذا حاله في رمضان الماضي ولم يطعم فعليه أن يبادر بالإطعام الذي أوجبه الله عليه مقابل الأيام التي أفطرها.
وأما من أفطر في رمضان الماضي في سفر أو مرض عارض يرجى زواله فإن الواجب عليه القضاء، بعدد الأيام التي أفطرها قبل أن يدخل شهر رمضان، هذا كما قال الله -عز وجل-: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185]، وتقدير الآية: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:185]، بتقدير الأيام التي أفطرها.
وكذلك الحائض والنُّفَساء يجب عليهما القضاء بعدد الأيام التي أفطرتاها بسبب الحيض أو النفاس، لعموم قوله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). سئلت عائشة -رضي الله عنها-: ما بالُ الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.أي كان ذلك يصيبنا زمن وعهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يأمرنا -صلى الله عليه وسلم- بقضاء الصوم، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة.
وكذا الشأن بالنسبة للحامل والمرضع، إذا أفطرتا في رمضان خوفا على نفسها أو ما لديهم من الصوم فإنهما يقضيان بعدد ما فاتهم من أيام، وبهذا يعلم المسلم أن كل من أفطر رمضان فإنه يقضي بعدد الأيام التي أفطرها، ما عدا الشيخ الهرم، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، وكذلك المريض الذي لا يرجى برؤه، وكبير السن، فإنه لا يلزمهما القضاء، لكن يجب عليهم الإطعام بعدد الأيام التي أفطروها، عن كل يوم مسكينا.
ومن وجب عليه إطعام فإنه يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا، ويُخَيَّرُ في ذلك بين أن يُخرج الطعام عن كل يوم مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره، أو يَطهي طعاماً ويدعو إليه مساكين بعدد الأيام التي أفطرها. نسأل الله -عز وجل- أن يبصِّرَنا بأحكام ديننا، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:184].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خِلْفَةً لِمَن أراد أن يتذكَّر او أراد شكورا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومَن شَذَّ عنهم شَذَّ في النَّار.
أيها الإخوة المسلمون: إن الأصل في أحكام القضاء مشروعية المبادرة به، وتقديمه على النفل والتطوع، ولكن مع هذا يجوز تأخيره حتى يضيق الوقت فلا يبقى من شعبان إلا بقدر ما يتمكن من قضاء الواجب عليه، وعلى العبد أن يحتاط في ذلك، وقد يصعب قضاء يوم واحد إذا تثاقل المسلم، وسوَّف، بل قد يدخل عليه رمضان ولم يقض ذلك اليوم.
وهذه ثمرة من ثمار التسويف والتأجيل في الأعمال كلها، وهذا فيمن قدر على القضاء، وأما من استمر معه العذر، كالمريض الذي يرجى زوال مرضه، لكن استمر معه مرضه ولم يتمكن من القضاء حتى مات، فإنه لا شيء عليه ولا على ورثته.
وأما مَن تمكَّن وقدر على القضاء، لكنه سوَّف وفرَّط في ذلك حتى مات قبل أن يقضي، مع تمكنه وقدرته على القضاء فإنه في الحالة هذه يصوم عنه أولياؤه جميع الأيام التي تمكَّن من قضائها ولم يقضها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن مات وعليه صيام صام عنه وليُّه".
والمراد بالولي قريبه، سواء كان ممن يرثه أو لا، فإذا لم يكن له ولي، أو كان له ولي ولكن لم يصُم عن قريبه الذي توفي وعليه صوم، فإنه يطعم عن الميت من تركته، عن كل يوم مسكين، لعدد الأيام التي تمكن من قضائها ولم يقضها.
ومن كانت عليه أيام من رمضان وشكَّ في عددها فعليه أن يحتاط في ذلك ويعمل باليقين، فإن تردد فعليه خمسة أيام أو ستة، فليجعلها ستة؛ عملاً باليقين، واحتياطا، وإبراء للذمة.
أيها الإخوة المسلمون: هذه بعض أحكام القضاء، فعلى كل مسلم ومسلمة وجب عليهم القضاء وقدروا عليه أن يبادر الواحد منهم إلى ذلك، وينتهز بقية هذا الشهر، إذ لم يبق منه إلا القليل، وعلى الأب والزوج والأم تنبيه ما تحت أيديهم من الأبناء والبنات والزوجات على وجوب القضاء، وضرورة المبادرة به.
وكذلك يجب على الأسر تنبيه العاملات لديها من المسلمات على وجوب القضاء، فإن كثيراً من الخادمات المسلمات يجهلن وجوب القضاء؛ ظناً منهن أن الصوم مثل الصلاة، وقد جاء النص مفرِّقاً بين الصوم والصلاة، فأوجب على الحائض قضاء الصوم وأسقط عنها قضاء الصلاة، وكل ذلك رحمة من الله وتخفيفاً؛ لأن الصوم لا يتكرر في العام، بل هو شهر واحد في السنة، بخلاف الصلاة التي تتكرر يومياً فيصعب قضاؤها، خلاف الصوم الذي لا يتكرر فإنه لا يشق قضاؤه.
نسأل الله -عز وجل- أن يبلغنا شهر رمضان، ويسلمه لنا ويسلمنا له، ويجعله لنا ولإخواننا المسلمين شهر توبة نصوح، وشهر تكفير للسيئات، ومضاعفة للحسنات، وشهر انتصارات للإسلام والمسلمين، وجمع كلمتهم على الطاعة والتقوى والشريعة في مشارق الأرض ومغاربها.
هذا وصَلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على نبيكم محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات