عناصر الخطبة
1/ النهي عن مجالسة الأشرار 2/ مجالسة أهل الصلاح وفضلهم 3/ فضل مجالس الذكر 4/ أثر الجليس على جليسه 5/ المجالس السيئة ودورك فيهااهداف الخطبة
اقتباس
احذروا مجالس الأشرار حذركم من أنكى عدو، فروا منها فراركم من الأسد، فروا منها إلى مجالس الإيمان ورياض الجنان، إلى المجالس التي تلين فيها القلوب، وتحيا فيها النفوس، ويزداد بها الإيمان، مجالس الأقوام الذين إذا رؤوا ذكر الله، مجالس العلماء والأتقياء التي دعيتم لها ورغبتم فيها، ووعدتم عليها خير الدارين وأعلى المنزلتين ..
أما بعد: فإن دين الإسلام الحنيف الذي ما ترك خيراً إلا وأمر به، ولا شراً إلا وحذر منه، نهانا نهياً مبينة آثار وفوائد امتثاله، وفظائع وخسائر انتهاكه، نهانا عن مجالس الردى والخنى، عن مجالسة الأشرار والفجار.
ذلكم السم النقيع، والداء الفظيع الساري وباؤه إلى الجليس سريان الدم في العروق، لا قوة إلا بالله ففي الحديث: "المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود والترمذي.
ووقاية للأمة من ذلكم الداء؛ جاءت نصوص الشريعة الغراء قرآناً وسنة؛ محذرة من ذلك يقول -سبحانه وتعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) [النساء:140]
ويقول: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68] ويقول: (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً) [النساء:38]
ويقول رسوله عليه الصلاة والسلام: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة" صحيح الجامع 5750.
ويقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر" ابن كثير جـ2 ص567. يقول القرطبي: قال ابن خويز منداد: "من خاض في آيات الله تركت مجالسته مؤمناً كان أو كافراً". وقال ابن كثير: "من لم يزل المنكر فليزل عنه".
فيا أمة الإسلام: احذروا مجالس الردى، مجالس اللاهين السادرين التي تقسوا فيها القلوب وتجفوا فيها النفوس، وينقص بها الإيمان، فإن الإيمان كثير ما يتأثر بمن يجالسه ويوانسه وقديماً قيل:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
فاتّقوا الله -عباد الله-، واحذروا مجالس الأشرار حذركم من أنكى عدو، فروا منها فراركم من الأسد، فروا منها إلى مجالس الإيمان ورياض الجنان، إلى المجالس التي تلين فيها القلوب، وتحيا فيها النفوس، ويزداد بها الإيمان، مجالس الأقوام الذين إذا رؤوا ذكر الله، مجالس العلماء والأتقياء التي دعيتم لها ورغبتم فيها، ووعدتم عليها خير الدارين وأعلى المنزلتين.
يقول سبحانه وتعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف:28] ويقول عن نبي من الأنبياء أنه قال لولي من الأولياء: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) [الكهف:66]
ويقول عليه الصلاة والسلام: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله ملائكةً سيارة فضلا؛ يتتبعون مجالس الذكر؛ فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر؛ قعدوا معهم وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم؛ حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا صعدوا إلى السماء، فيسألهم الله وهو أعلم من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك يسبحونك".
إلى قوله: "فيقول تعالى: قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا. قال: فيقولون: رب، فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم، فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" رواه مسلم.
وعن أبي واقد الحارث بن عوف -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر؛ فأقبل اثنان إلى رسول الله وذهب واحد، فوقفا على رسول الله، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم.
وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟: أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيى فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه" متفق عليه.
هذه -أيها الأخوة- هي مجالس ومناهل الخير والفضل والعرفان، المجالس التي تستنزل فيها الرحمات، وتستدفع فيها وبها البليات، تقرب القلوب فيها من ربها، وتلين من قسوتها، وتتنبه من غفلتها.
فالله الله فيها، الله الله في طلبها، الله الله في إقامتها وعمرانها بما يزداد بها إيمان حاضريها (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2]
وحسبكم كراهة وبغضاً لمجالس الأشرار، ونفرة وتحفظاً منها، ومحبة ورغبة في مجالس الأخيار وطلباً لها، قوله عليه الصلاة والسلام: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة" متفق عليه.
وما جاء في البخاري ومسلم عن ابن المسيب عن أبيه قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة؛ جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أمية وأبو جهل، فقال له: "يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله" فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟
فأعاد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب".
وروى البخاري في صحيحه: "أن عيينة بن حصن قدم المدينة، ونزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، قال ابن عباس: "فاستأذن الحر لعيينة على عمر؛ فدخل عليه، فقال: "هي يا ابن الخطاب؛ فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل؛ فغضب عمر حتى هم أن يوقع به؛ فقال له الحر: "يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199] وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل" ا.هـ.
الخطبة الثانية:
أيها الأخوة: إن الحياة والمجالس والأوقات؛ كالسيوف والسهام إن صانها الإنسان ربحها وجنى ثمارها يانعة بإذن ربها، وإن ضيعها خسرها وباء بوزرها، وربما بأوزار من جرهم فيها إلى اللهو واللغو والقيل والقال.
فيا أخي المؤمن -المبتغي فضل الله، وجريان عملك الصالح عليك حياً وميتاً-: حاول إذا وجدت في مجلس أو مع صحبة أن تنقلهم بالحكمة والموعظة الحسنة مما هم فيه من مباح إلى مندوب، أو من مكروه إلى مباح على الأقل.
وليعلم أن من المجالسة والمجالس السيئة المستقبحة الخطرة؛ مجالسة الزنادقة والمبتدعة، أو قراءة كتبهم لغير ناقض بصير، ومشاهدة المسلسلات والأفلام الهابطة.
فليتق الله المؤمن، وليبتعد عما يضر، ويطلب لنفسه من الجلساء ما ذكرهم الله بقوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) الآيات [المؤمنون:1-3]. وقوله: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) [الفرقان:72] وما وصف الشاعر من يرثيه بقوله:
سقى جدثاً وارى ابن أحمد وابل *** من العفو رجاس العشيات صيب
وأنزلـه الغفران والفوز والرضى *** يطاف عليه بالرحيـق ويشرب
فقد كان في صدر المجالس بهجة به *** تحدق الأبصار والقلب يرهب
فطوراً تـراه منذراً ومـحذراً *** عواقب ما تجني الذنـوب وتجلب
وطـوراً بآلاء الإِلـه مذكـراً *** وطـوراً إلى دار النعيم يـرغب
وطوراً بأخبار الرسول وصحبه *** وطـوراً بـآداب تلذ وتعـذب
التعليقات