عناصر الخطبة
1/ شروط قبول العمل 2/ أثر الابتداع واتباع الهوى 3/ تحقيق التقوى بالاتباع 4/ الدعوة إلى نشر السنةاهداف الخطبة
اقتباس
ومعلوم أنه لا عبادة صحيحة مقبولة نافعة شافعة عند الله مستوجباً صاحبها ما وعد أهل توحيد الله الخالص من شوائب الشرك والبدع والمحدثات من عز وعلو في الدنيا ونعيم مقيم في الأخرى؛ حتى يقصد بها وجه الله وحده، ويجردها وينقيها ويحميها من أن يقصد بها غير الله ..
الحمد لله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أحمده وأشكره على نعمه العظمى التي لا تحصى ولا تعد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله القائل: "لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك".
صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه الذين تمسكوا بسنته وأظهروها بأقوالهم وأفعالهم لأمته، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الأخوة المؤمنون: إن الله سبحانه وتعالى خلق الجن والإنس ليعبدوه وحده لا يشركون به شيئاً، وأرسل إليهم الرسل ليبينوا لهم أنواع العبادات قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56] وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]
ومعلوم أنه لا عبادة صحيحة مقبولة نافعة شافعة عند الله مستوجباً صاحبها ما وعد أهل توحيد الله الخالص من شوائب الشرك والبدع والمحدثات من عز وعلو في الدنيا ونعيم مقيم في الأخرى؛ حتى يقصد بها وجه الله وحده، ويجردها وينقيها ويحميها من أن يقصد بها غير الله؛ قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البينة:5] وقال: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) [الزمر:14] وقال: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110] وقال عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى".
وأن تكون موافقة لما شرعه فينا محمد صلى الله عليه وسلم موزونة، بمعيار سنته، متحققاً فيها مقتضى الإقرار برسالته الذي هو طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر وألا يعبد الله إلا بما شرع.
ولا خلاف في أن الإخلاص والمتابعة شرطان لصحة العمل وقبوله. قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في قول الله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود:7] قال: "أخلصه وأصوبه".
قيل: "يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه"؟ قال: "إن العمل إن كان خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان في السنة".
ولقد أنذرتنا نصوص القرآن والسنة، وحذرتنا من أن نخرج من عبادتنا صلاة أو دعاء أو ذكراً أو غير ذلك عن هذين الأمرين، وأبانت بوضوح أن فقدان الإخلاص في العبادة يصيرها هباء منثوراً يستوجب صاحبها الذل والعار والنار والصغار، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65]
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام مسلم -رحمه الله-: "قال تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه" كما أن فقدان المتابعة في العبادة يجعلها مردودة غير مقبولة، ضارة غير نافعة، آخذة بصاحبها إلى طريق الغواية والضلالة، فحال من فقدت عنده المتابعة أشبه بحال النصارى الذين يعبدون الله على جهل وضلال.
روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وروى مسلم عن جابر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
فاتّقوا الله: وانهجوا في أعمالكم نهج المخلصين المتبعين الذين يتوجهون بأعمالهم إلى الله، ويقيمون عليها الدليل الناصع من شرع الله.
اتّقوا الله -يا علماء الأمة وأئمتها- من شيوخ وشبان بإظهار السنّة الصحيحة عملياً في عبادتكم، انطلاقاً من قوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي -خذوا عني مناسككم" وقول الله سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21].
فأنتم القدوة للناس؛ فكونوا كما يراد منكم قدوة خير، وهداة رشد، ودعاة لإحياء السنن، وإماتة البدع، يتحقق فيكم وبكم الائتمام، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تشمل أقواله وأفعاله وتقريراته، وما هم بفعله (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24]
روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي -رحمهم الله-: عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودّع، فأوصنا.
قال: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضوا عليها بالنواجذ، إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة".
فاتّقوا الله -عباد الله- بلزوم الإتباع، ومجانبة الابتداع، بصبر وإخلاص يتحقق لكم وعد صادق الوعد القائل سبحانه: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]
وما وعد به المتمسكون بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله" متفق عليه.
وقوله فيما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما: "ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن كالقبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله. قيل: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: "بل منكم".
وقال: "من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد" ويروى "أجر مائة شهيد" وقال: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس".
اتّقوا الله يتحقق لكم ذلكم، وتسلموا من خطر الوعيد الشديد الذي هدد وأنذر به وحذر منه من يخرجون عن سنة رسوله أو يتمايلون للخروج عنها.
قال جل شأنه: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63] وقال: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [النساء:115].
التعليقات