عناصر الخطبة
1/صور من محبة النبي للأطفال 2/محبة النبي لابنته فاطمة 3/الحث على إظهار مشاعر الحب للأولاد 4/الصبر على الأولاد والدعاء لهماقتباس
اقترِبُوا من قلوبِ أولادِكم، لا سيَما البناتِ، وربَما تقولانِ: "ابْنَتُنا خَجولةٌ!"، فيُقالُ: كلَّا، ولكنها حُرِمَتْ من عاطفةٍ أنثويةٍ، فلا حِوَارَ ولا ابتسامةَ ولا ممازحةَ، فإنْ لم تُشْبِعها أُسرتُها من هذهِ العاطفةِ اسْتَغِلَّها متسوِرُو أسوارِنا، من لصوصِ وسائلِ التواصلِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحَمْدُ للهِ الذيْ لا خَيْرَ إلا مِنهُ، ولا فَضْلَ إلا مِن لَدُنْهُ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ له الحَقُ المُبِيْنُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ اَلأمِينُ، صَلَّى اللهُ وسلَّمَ علَيهِ.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ)[البقرة: 223].
فيا لَجَمَالِ تلكَ العاطفةِ الرائقةِ الرائعةِ التي يتذوقُها الوالدُ بنشوةٍ وهو ينادِي ولدَه: "يا ولدِي يا بنتِي!"، أو يستمعُ لندائِهم: "يا أبي!"؛ إنها عاطفةُ الأبوةِ والأمومةِ، فهل تُراكَ تُحبُ وتُحببُ أولادَك إليكَ؟!.
وقد كانَ نبيُكم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمارسُ الحبَ لأولادِه شعيرةً ظاهرةً معلنةً، وكان يُطعمُهمُ الحبَ، حتى كأنَها وجبةٌ أو ارتواءٌ مشاعريٌ؛ ليُحَقِّقَ لهم الارتواءَ العاطفيَ والإشباعَ النفسيَ.
وخذْ على ذلكَ أمثلةً رقيقةً رقراقةً: في صحيحَيِ البخاريِ ومسلمٍ: يقولُ أَبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ مستمْلِحًا لسِبطه: أَيْنَ لُكَعُ؟! أَيْنَ لُكَعُ؟! أَيْنَ لُكَعُ؟! ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فغَسَّلَتْهُ أُمُّه وَأَلْبَسَتْهُ فِي عُنُقِهِ قلادةً تَنْفَحُ طِيبًا، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ نبيُّك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قَالَ يُسمِعُه ويُسمِعُ أمَه والأُمَّةَ كلَها: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ"(متفق عليه)، فاللهم إنا نحبُ رسولَكَ محمدًا، وسِبطَ رسولِك الحسنَ.
إنها عظمةُ المشاعرِ المحمديةِ الدالةِ على خلفيةٍ طويلةٍ في بناءِ العلاقةِ العاطفيةِ؛ فكان الترحيبُ ببسطِ اليدينِ، ثم العناقِ، ثم التقبيلِ، ثم سَكَبَ هذا الحبَ مُعلنًا في مسامعهِ دعاءً: "اللهم إني أحبّهُ".
واستمعِ الآنَ لهذا الموقفِ الذي يَقطرُ عذوبةً ولطفًا، ويَذوبُ رقةً وعطفًا، فمن جنسِ الذكورِ إلى جنسِ الإناثِ، حيثُ كان تعامُلُه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع البناتِ على أرقَى وأرقِّ المستوياتِ، فكانَ إذا زارتْه ابنتُه فاطمةُ قامَ إليها يَتلقَاها ويرحِبُ بها قائلاً: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي"(متفق عليه)، ثم يأخذُ بيدِها ويُقبِلُها، ويُجْلِسُها في مكانهِ الذي كانَ جالسًا فيه؛ مبالغةً في الحفاوةِ والمحبةِ والإكرامِ، وكانَ يُعلنُ حُبَها والدفاعَ عنها قائلاً: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي"(متفق عليه).
فلما مرِضَ مَرَضَه الذي توفيَ فيه أرسلَ إلى البَضعةِ النبويةِ يَدْعُوها، فأقبلَتْ تمشِي، لا تُخطيءُ مِشيتُها مِشيةَ أبِيها -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، ولكنهُ هذه المرّةُ لم يَقُمْ لها كما كانَ يقومُ؛ لأن العافيةَ قد انهزمتْ في بدنِهِ الشريفِ، فقد أنهكتْه الحُمى، وإذ بفاطمةَ تَنكَبُّ عليه تُقبّلُه، وقد كان هوَ الذي يبادِرُ بتقبيلِها.
بقيَ أن نعرفَ أعجَبَ ما في هذا الموقفِ، وهوَ أن هذا التدفقَ العاطفيَ النبويَ والحبَ المحمديَ الأبويَ كانَ لفاطمةَ وهيَ في الخامسةِ والعشرينَ من عُمُرِها زوجةً وأمًا لخمسةِ أولادٍ.
فلنسألْ أنفسَنا: هل نحنُ واضحونَ في تعبيرِنا عن مشاعرِ الحبِ لأولادِنا الكبارِ؟ أم نظنُ أنهم استغنَوا عن تصريحِنا لهم بالحبِ لما كبُرُوا؟ ألا فلنوقِن أن الأولادَ يَكبرونَ ويَكبُرُ حُبُهم معهم، وليسوا لُعَبًا يُلهَى بهم صغارًا، ويُهْمَلونَ كبارًا، فسَلْ نفسَك: متى كانتْ آخرُ رسالةٍ أرسلتُها لابِني وبنتِي أُخبرُهُما أني أُحبُهُما؟!.
وفي مشهدٍ نبويٍ ثالثٍ يُعجبُكَ وتَعجبُ منه: فاجأَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابَه حين خرجَ إلى صلاةِ العصرِ وعلى عاتقِهِ ابنتُه أمامةُ بنتُ بنتهِ زينبَ، فصلَى بهم وهيَ على عاتقهِ، إذا ركعَ وضعَها، وإذا قامَ رفعَها.(رواه البخاري).
وإن الأنوثةَ في هذا المشهدِ أنوثةٌ مضاعفةٌ، فهيَ بنتُ بنتِه؛ ليُقدمَ درساً عملياً في الحفاوةِ بالحفيداتِ، ولِيقضيَ على بقايا الجاهليةِ في النفوسِ التي كانت ترَى في الأنثَى سَوءةً يُخفِيها أبُوها، بل و(يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ)[النحل: 59]، فما أبعدَ المفارقةَ بين من يتوارَى من القومِ لأنه بُشِّرَ بالأنثَى، ومن يَخرجُ إلى الناسِ وعلى عاتقهِ البنتُ الأُنثَى.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ خيرِ محمودٍ، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ حامدٍ، أما بعدُ:
أيُها الآباءُ والأمهاتُ: اقترِبُوا من قلوبِ أولادِكم، لا سيَما البناتِ، وربَما تقولانِ: "ابْنَتُنا خَجولةٌ!"، فيُقالُ: كلَّا، ولكنها حُرِمَتْ من عاطفةٍ أنثويةٍ، فلا حِوَارَ ولا ابتسامةَ ولا ممازحةَ، فإنْ لم تُشْبِعها أُسرتُها من هذهِ العاطفةِ اسْتَغِلَّها متسوِرُو أسوارِنا، من لصوصِ وسائلِ التواصلِ.
فافْتَحُوا قُلُوبَكم لهنَّ، وحاوِرُوهُنَّ، وعِيشُوا مشاكلَهُنَّ، وأَسمِعوهُنَّ دومًا كلمةَ: أحبكِ، وكونُوا الحِضْنَ الدافئَ، والحِصْنَ الآمنَ.
أَيُّها الوالدانِ: لا يَشُكُّ في محبَّتِكم لأولادِكم، وقد يُرهقونَكم في مراهقتِهم، فيُقِضُّونَ مضاجعَكم بسهرِهِم، وبإهمالهِم لصلاتِهم ودراستِهم.
فيُقال: تمهَلُوا واقتربُوا، ثم أينَ أنتم مِنْ كثرةِ الدعاءِ لهم بالصلاحِ؟ كم مرةً دعوتَ لأولادِك في وجوهِهم، وفي غَيبتِهم؟ فبعضُنا يَغْفَلُ كثيرًا عنِ الدعاءِ، والدعاءُ يختصرُ لكَ الطريقَ في تربيتِهم، وحفظِهم، وصلاحِهم.
فاللهم ربَنا هبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ واجعلنا للمتقينَ إمامًا، اللهم اجزِ والدَينا كما ربّونا صغارًا خيرَ الجزاءِ، اللهم احفظْ أولادَنا، وارزقهم مزيدَ التبصرِ بكيدِ متبعِي الشهواتِ، الذين يريدونَ أن نميلَ ميلاً عظيمًا، اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا، اللهم بارَكْ في عُمُرِ وليِّ أمرِنا وولي عهده، وزدهم عزًا وبذلاً في نصرةِ الإسلامِ وخدمةِ المسلمينِ، اللهم واكفِنا وبلادَنا كيدَ الفجارِ، وانصرْ مجاهدِينا ومرابطِينا، اللهم وانصرْ المستضعفينَ من المسلمينَ في بقاعِ الأرضِ.
اللهم صلِ وسلِم على محمدٍ.
التعليقات