عناصر الخطبة
1/مكانة إبراهيم عليه السلام 2/من مناقب إبراهيم عليه السلام 3/الدروس المستفادة من سيرته عليه السلاماقتباس
يكفيكم فخرا أنكم من عمار المساجد وإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله. يكفيكم عزا -يا أهل القرآن- أنكم...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي ظهرَ لأوليائهِ بنعوتِ جلالهِ وجمالهِ، وتعرّفَ إليهم بما أسداهُ إليهم من إفضالِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الحقُ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَه رحمةً للعالمينَ، وإمامًا للمتقينَ، أما بعدُ:
فيا عبدَ اللهِ: ألا أسألُكَ سؤالاً: مَنِ النبيُ الذي لا تصحُ صلاتُنا إلا بذكرِ اسمهِ فيها، غيرُ نبيِنا محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
أليسَ من أركانِ الصلاةِ أن نقولَ في التشهدِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.
يا للعجبِ! ياللفخرِ! نبيٌ يُذكرُ مع نبيِنا في كلِ صلواتِنا!
لا عَجبَ؛ فإن اللهَ -سُبْحَانَهُ- جعلَ إِبْرَاهِيمَ الْأَبَ الثَّالِثَ للْعَالَمِ فَإِن أَبَانَا الأولَ آدمُ وَالْأَبَ الثَّانِيَ نوحٌ، والأبَ الثَّالِثَ أَبُو الْآبَاءِ وَإِمَامُ الحنفاءِ.. وَكَانَ خيرُ بنيِهِ سيدُ ولدِ آدمَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجلُه ويُبجلُه. وَكَانَ أشبهَ الْخلقِ بِهِ. وقد سَمَّاهُ بخَلِيلِ الرَّحْمَنِ وَشَيخِ الْأَنْبِيَاءِ. ولما قالَ رجلٌ للنَّبِيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا خيرَ الْبَريَّةِ فَقَالَ: "ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ"(رواه مسلم).
وَلم يَأْمرِ اللهُ سُبْحَانَهُ محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَن يَتبعَ مِلَّةَ أحدٍ من الْأَنْبِيَاءِ غَيرَه: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ من الْمُشْرِكِينَ)[النَّحْل:123] وَأمرَ أمتَه بذلك: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ)[الْحَج:78]؛ أَي اتبعُوا والزمُوا مِلَّةَ أبيكُم. وَسَماهُ سُبْحَانَهُ إِمَامًا وَأمةً وقانتًا وحنيفًا: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)[الْبَقَرَة:124] (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)[النحل:120-122]
لقد ابتُليَ إبراهيمُ الخليلُ -عليهِ السلامُ- بلاءً عظيمًا فصبرَ ليُخرجَ الناسَ من ظلماتِ الشركِ إلى نورِ التوحيدِ.
وإبراهيمُ هُوَ الَّذِي فتحَ للْأمةِ بَابَ مناظرةِ الْمُشْركينَ وَأهلِ الْبَاطِلِ: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ)[الْأَنْعَام:83] فكسرَ أصنامَهم وكسرَ حججَهم، فهمُوا بإلقائهِ فِي النَّارِ، وقذفوُه بالمنجنيقِ. فكانَ يُردِدُ وهوَ في الهواءِ قائلاً:حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، فقالَ كافيهِ: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الأنبياء:69] فَلَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِالسَّلَامِ لَكانَتْ بَرْدًا.
كَانَ –عليهِ السلامُ- قلبهُ للرحمنِ وَولدُه للقربانِ وبدنُه للنيرانِ وَمَالُه للضيفان.ِ
أيُها المؤمنونَ: من مناقبِ الخليلِ إبراهيمَ: أنْ "أكرمَه اللهُ بأن جعلَ في ذريتِه النبوَة والكتابَ، وأخرجَ من صُلبهِ أمتينِ هما أفضلُ الأممِ: العربُ وبنُو إسرائيلَ، واختاره اللهُ لبناءِ أشرفِ وأولِ بيتٍ، وملأَ ذكرَه ما بينَ الخافقينِ، وامتلأتْ قلوبُ الخلقِ من محبتِه وألسنتُهم من الثناءِ عليهِ".
ومناقبُ هَذَا الإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالنَّبِيِّ الأكرمِ أجلُّ من أَن يُحِيطَ بهَا كتابٌ (أو خطابٌ) جعلنَا اللهُ مِمَّن ائتمَ بِهِ وَلَا جعلنَا مِمَّن عدلَ عَن مِلَّتهِ بمنهِ وَكَرمهِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي هدَى، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الهدَى.
أما بعدُ: فإنْ قالَ قائلٌ: هذه السيرةُ العطرةُ في أبينا إبراهيمَ قد عرفناها؛ فما الدروسُ التي نَجنِيها من سيرتِهِ؟
فيُقالُ: منها: أنَّ مِن نعمةِ اللهِ على العبدِ هبةَ الأولادِ الصالحينَ؛ فليحمدِ اللهَ مَن رُزقَ صلاحَ الذريةِ، وليدْعُ اللهَ كلُ أبٍ لذريتِه كما فعلَ الخليلُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قولهِ: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)[إبراهيم:40].
ومنها: أن أفضلَ الوصايا على الإطلاقِ ما وصى به إبراهيمُ بنيهِ ويعقوبُ، وهو الوصيةُ بملازمةِ القيامِ بالدينِ وتقوى اللهِ والاجتماعِ والتحذيرِ من التفرقِ، وفي وصيتِه تنبيهٌ لكلِ أبٍ ولو كان فقيرًا أن يكتبَ وصيتَه نصيحةً لأولادِه، ولا يلزمُ أن يوصيَ بمالٍ.
ومنها: أن المشاعرَ والحجَ والعمرةَ فيها تذكيراتٌ بمقاماتِ الخليلِ وأهلِ بيتهِ في عباداتِ ربِهم، وحثٌ على الاقتداءِ بهم في أحوالهِم الدينيةِ، لقولهِ تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)[البقرة:125].
ومنها: ما اشتملت عليهِ قصةُ إبراهيمَ مع الملائكةِ من مشروعيةِ الضيافةِ وآدابِها، فإن اللهَ أخبرَ عن ضيفِه أنهم مُكرَمونَ، وإبراهيمُ أكرمَهم بضيافتِه قولاً وفعلاً، فإكرامُ الضيفِ من الإيمانِ، وطوبَى للكرماءِ المُرابطينَ كلَ يومٍ بمَجالسِهم لاستقبالِ ضيوفِهم.
فاللهم اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ. اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ إِلَهَ الْحَقِّ.
اللهم احفظ ووفقْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. اللهم وسدِّدْ قراراتِهم.
نستغفرُ الله الحي القيوم ونتوب إليه. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقِنا سُقيا نافعةٍ وادعةٍ، تزيدُ بها في شكرِنا، إن عطاءَك لم يكن محظورًا.
اللهم أنزلْ في أرضنا ربيعَها، وسكنَها، وارزقنا من بركاتِ السموات والأرض، وأنت خير الرازقين.
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
التعليقات