عناصر الخطبة
1/الكون كتاب مفتوح للتدبر والتأمل 2/آثار رحمة الله في إرسال المطر 3/وجوب شكر النعم وتجنب كفرانها 4/بعض أحكام السفر وبعض آداب التنزه والرحلاتاقتباس
ومن الآداب: تجنُّب تلويث المياه، ورمي المخلفات والأقذار والأوساخ في الأماكن غير المخصَّصة لها، وعدم إيذاء المتنزِّهين وإزعاجهم، وغض البصر عن حرماتهم، والكف عن خصوصياتهم، وعدم الوقوف في طرقهم وممراتهم، وعدم إتلاف المَرافِق العامة والأدوات المخصَّصة لهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُغِيثِ المستغيثينَ، ومجيب دعوة المضطرين، وكاشف الكرب عن المكروبين، ومُسبِغ النعمة على العباد أجمعين، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشُّورَى: 28]، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم الوعيد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَح الأمةَ، وجاهَد في الله حقَّ الجهادِ حتى أتاه اليقينُ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي -عباد الله- بتقوى الله؛ فهي وصية الله للأولين والآخرين، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النِّسَاءِ: 131].
عباد الله: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الْحَدِيدِ: 20]، الدنيا نعيم زائل، وظِلٌّ راحل، وأيام قلائل، (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُّ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[يُونُسَ: 24].
معاشر المسلمين: الكون كتاب مفتوح، دعا الله -تعالى- إلى قراءته وتدبُّرِه، وتعبَّدَنا بتأمُّلِه وتفكُّرِه فقال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الْبَقَرَةِ: 164].
عباد الله: كم من ضِيق مرَّ بالناس ولم يكشفه إلا اللهُ! وكم من بأس نزل بهم ولم يرفعه إلا الله! وكم من بلاء ألَمَّ بهم ولم يفرجه إلا الله! (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[النَّمْلِ: 62]، بينما كانت الطبيعة في حرارة القيظ الكالح، وجفاف الصيف اللافح، فالأرض قد قحطت، والمواشي قد هزلت، ونضبت الآبار ويبست الأشجار، وذبلت الأزهار، وقلت الثمار، ومات الزرع، وجف الضرع إذ يقلب الله الأحوال، فيرسل الرياح بُشْرًا بين يدي رحمته، وينزل الغيث من بعد ما قنطوا، وينشر رحمته، وهو الولي الحميد، فتحيا الأرض بإذن الله، وتأخذ زخرفها وتتزين، وتبتسم الحياة وتتغير الطبيعة وتتلون، فسبحان من أرسل السحاب، وزرع البذور، وسبحان من يحيي الأرض بعد موتها، (أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ)[النَّمْلِ: 60]، تعالى الله، تعالى الله.
وتتغير الحياة -عباد الله- بعد نزول الرحمات، فينبض الأمل، ويفيض الرجاء، ويغمر الفرح والسرور والرخاء، (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الرُّومِ: 50].
عباد الله: نِعَمُ اللهِ لا تُحصى، وعطاؤه لا يُستقصى، وما عند الله لا يُنال إلا بطاعته ومرضاته، وشكره على نعمه وآلائه، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الْأَعْرَافِ: 96]، وسُنَّةُ اللهِ في عباده: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 7].
معاشر المسلمين: كُفْرُ النعمِ سببٌ من أسباب البلاء والوبال، وقد حذرنا الله وضرب لنا المثال فقال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النَّحْلِ: 112]، وفي قصة سبأ عبرة: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُّوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)[سَبَأٍ: 15-17].
ثم قال سبحانه: (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)[سَبَأٍ: 19]، فاشكروا الله عباد الله، اشكروه على نعمه وآلائه يزدكم، واحمدوه على فضله وجوده وكرمه يرحمكم، (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)[هُودٍ: 52]، استغفروا ربكم (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نُوحٍ: 10-12]، نستغفرك اللهم إنك كنت غفارا، نستغفرك اللهم إنك كنت غفارا، نستغفرك اللهم إنك كنت غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، جعل في ديننا فسحة ومنحة، وفي شريعتنا رأفة ورحمة.
عباد الله: العُطَلُ والإجازاتُ أيام راحة وفسحة وتزوُّد، ويميل الكثير من الناس إلى قضائها في الضرب في مناكب الأرض، ولا بأس بذلك من غير إسراف في هدر الأوقات، ولا مبالغة في اللهو والمباحات.
معاشر المسلمين: لقد شمل الدينُ جميعَ أحوال البشر، واستوعبت أحكامُه الحضرَ والسفرَ، وجديرٌ بالمسلم أن يُلِمَّ بأحكام وآداب السفر كما يلم بأحكام وآداب الإقامة والحضر.
فمن الأحكام والآداب في السفر: توديع الأهل ودعاء الركوب والخروج، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبَّر ثلاثا ثم قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل"، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: "آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون" (رواه البخاري).
ومن آداب السفر: أن يختار اليومَ المناسبَ، وإن كان يوم الخميس فحَسَنٌ، والوقت المناسب، وإن كان في البكور فأحسن، فعن كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال: "لَقَلَّمَا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس، وكان يقول: اللهم بارك لأمتي في بكورها، وإذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار، وكان صخر تاجرا، فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله" (رواه الترمذي، وأبو داود).
ومن الآداب: اختيار الرفقة الصالحة وعدم الوحدة، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليلٍ وحدَه".
ومن آداب السفر: المحافظة على أداء الواجبات، وإقامة الصلوات، وقد حذرنا الله -تعالى- من تضييعها وتأخيرها فقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الْمَاعُونَ: 4-5]، ومن السُّنَّة تقصيرُ الصلاةِ الرباعيةِ في السفر، قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)[النِّسَاءِ: 101]، ويجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورخَّص الشارعُ في المسح على الخفين للمقيم يومًا وليلةً، وللمسافر ثلاثةَ أيام بلياليهن.
ومن الآداب: تجنُّب تلويث المياه، ورمي المخلفات والأقذار والأوساخ في الأماكن غير المخصَّصة لها، وعدم إيذاء المتنزِّهين وإزعاجهم، وغض البصر عن حرماتهم، والكف عن خصوصياتهم، وعدم الوقوف في طرقهم وممراتهم، وعدم إتلاف المَرافِق العامة والأدوات المخصَّصة لهم.
معاشر المسلمين: ومن أراد الخروج في رحلة برية، وكانت مسافة قصر فله الترخُّص بِرُخَصِ السفرِ، والإسلامُ دينُ سماحة ويسر، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الْحَجِّ: 78].
اللهم فقِّهْنا في الدين، اللهم فَقِّهْنا في الدين وعَلِّمْنا التأويل، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم وفقهما لما فيه صلاح البلاد والعباد يا رب العالمين.
اللهم يا مقلب القلوب ثبِّت قلوبَنا على دينك، اللهم يا مصرِّف القلوب صرِّف قلوبَنا على طاعتك، اللهم اكفنا بحلالكَ عن حرامكَ، وأغننا بفضلكَ عمَّن سِواكَ.
عباد الله: صَلُّوا وسَلِّمُوا على مَنْ أمركم اللهُ بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
التعليقات