عناصر الخطبة
1/ تأملات في حياة آسية بنت مزاحم رضي الله عنها 2/ موقفها من دعوة موسى عليه السلام 3/ صبر آسية بنت مزاحم على البلاء 4/ حسن عاقبة الصابرين.اقتباس
آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ؛ اسم عُرف بالخير والصلاح مع أنه اقترن باسم جبارٍ من أفجرِ خلق الله، وهو فرعون حاكم مصر في حياة موسى -عليه السلام- وله أُرسل، لذلك كانت -رضي الله عنها- تعيش في أعظم القصور وأفخمها وهو قصر ملك مصر، بل وأعظم ملوك الدنيا في زمانه، وتعيش حياة مترفة منعمة...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ؛ اسم عُرف بالخير والصلاح مع أنه اقترن باسم جبارٍ من أفجرِ خلق الله، وهو فرعون حاكم مصر في حياة موسى -عليه السلام- وله أُرسل، لذلك كانت -رضي الله عنها- تعيش في أعظم القصور وأفخمها وهو قصر ملك مصر، بل وأعظم ملوك الدنيا في زمانه، وتعيش حياة مترفة منعمة، قال الله -تعالى-: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الزخرف:51].
وطغى واستكبر في زمانه وادعى الألوهية؛ قال الله -تعالى-: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:38] أي: أنا وحدي، إلهكم ومعبودكم، ولو كان ثَمَّ إله غيري، لعلمته.. بهذه الجراءة العظيمة على اللّه -تعالى-، التي ما بلغها آدمي يتحدث، وبهذه الكلمة الفاجرة الكافرة يتفوه، ويتلقاها الملأ بالإقرار والتسليم.
ويشاء الله -تعالى- أن يجعل تحت هذا الجبار زوجةً مؤمنةً صالحةً، لتكون سبب خير لبني إسرائيل، وبداية القصة يُقال: إن فرعون رأى رؤيا أفزعته وطلب تفسيرها وفُسِّرَت له، وبناء عليها أمر فرعونُ أن يُقْتل كُلّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ عَامًا، وَيدَعُوهم عَامًا فَيَشُبُّ الصِّغَارُ مَكَانَ من يَمُوتُ مِنَ الْكِبَارِ..
فَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِهَارُونَ -عَلَيْهِما السَّلاَمُ- الْعَامَ الَّذِي لاَ يُذْبَحُ فِيهِ الْغِلْمَانُ فَوَلَدَتْهُ عَلاَنِيَةً، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ، حَمَلَتْ بِمُوسَى -عليه السلام- فَوَقَعَ فِي قلبِها مِنَ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ، فَأَوْحَى اللَّهُ -تعالى- إِلَيْهَا: (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص:7].
وَأَمَرَهَا أَنْ إِذَا وَلَدَتْ أَنْ تَجْعَلَهُ فِي تَابُوتٍ، ثُمَّ تُلْقِيهِ فِي الْيَمِّ، فَلَمَّا وَلَدَتْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ، فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، وَانْتَهَى الْمَاءُ بِهِ حَتَّى أَرْفَأَ بِهِ عِنْدَ فُرْضَةِ مُسْتَقَى جَوَارِي امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَخَذْنَهُ ودَفَعْنَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ فِيهِ غُلاَمًا، وَأَلْقَى الله مَحَبَّتَهُ عَلَيْهَا محبتاً لَمْ يُلْقَ مِثْلُهَا عَلَى الْبَشَرِ قَطُّ، فكل من رآه أحبَه قال الله: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [طه:39].
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا مِنْ ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى -عليه السلام-، فَلَمَّا سَمِعَ الذَّابِحُونَ بِأَمْرِهِ أَقْبَلُوا بِشِفَارِهِمْ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ لِيَذْبَحُوهُ، فَقَالَتْ لِلذَّبَّاحِينَ: أَقِرُوهُ، فَإِنَّ هَذَا الْوَاحِدَ لاَ يَزِيدُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى آتِي فِرْعَوْنَ فَأَسْتَوْهِبُهُ مِنْهُ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِي كُنْتُمْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، وَإِنْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ لَمْ أَلُمْكُمْ.
فَأَتَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ فَقَالَتْ: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: يَكُونُ لَكِ.. أَمَّا لِي فَلاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ، لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتِ امْرَأَتُهُ لَهَداهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذَلِكَ.
فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ حَوْلِهَا، تَخْتَارُ لَهَا ظِئْرًا -مرضعة-، فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ لتُرْضِعَهُ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَهَا حَتَّى أَشْفَقَتْ عَلَيْهِ امَرْأَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتَ، فَأَحْزَنَهَا ذَلِكَ، فَأَمَرَتْ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى السُّوقِ وَتَجَمَّعَ النَّاسُ تَرْجُو أَنْ تَجِدَ لَهُ ظِئْرًا يَأْخُذُهُ مِنْهَا، فَلَمْ يَقْبَلْ..
وَأَصْبَحَتْ أُمُّ مُوسَى وَالِهَةً فَقَالَتْ لأُخْتِهِ: قُصِّيهِ يَعْنِي أَثَرَهُ وَاطْلُبِيهِ، فَبَصُرَتْ به أُخْتُهُ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فَقَالَتْ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ.. قَالُوا نَعَم؛ فَانْطَلَقَتْ إِلَى أُمِّهَا بالْخَبَرِ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا نَزَا إِلَى ثَدْيِهَا فَمَصَّهُ حَتَّى امْتَلأَ جَنْبَاهُ رِيًّا.
وَانْطَلَقَ البَشِير إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لاِبْنِكِ ظِئْرًا، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا فَأَتَتْ بِهَا وَبِهِ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا يَصْنَعُ بِهَا قَالَتْ لَهَا: امْكُثِي عِنْدِي تُرْضِعِي ابْنِي هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أُحِبَّ حُبَّهُ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَتْ أُمُّ مُوسَى: لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي فَيَضِيعَ، فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُكِ أَنْ تُعْطِينِهِ فَأَذْهَبُ بِهِ إِلَى مَنْزِلِي فَيَكُونَ مَعِي لاَ آلُوهُ خَيْرًا فَعَلْتُ، وَإِلاَّ فَإِنِّي غَيْرُ تَارِكَةٍ بَيْتِي وَوَلَدِي.
وَذَكَرَتْ أُمُّ مُوسَى -عليه السلام- مَا كَانَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَهَا فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَأَيْقَنَتْ بِأَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُنْجِزُ مَوْعُودَهُ، فَرَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا بِابْنِهَا مِنْ يَوْمِهَا، فَأَنْبَتَهُ اللَّهُ نَبَاتًا حَسَنًا وَحَفِظَهُ لِمَا قَدْ قَضَى فِيهِ..
فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لأُمِّ مُوسَى: أريدُ أَنْ تُرِينِي ابْنِي، فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُرِيهَا فِيهِ إِيَّاهُ فَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: لِمَن في القصر لاَ يَبْقَيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ اسْتَقْبَلَ ابْنِي الْيَوْمَ بِهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ، -تعني موسى، عليه السلام- فَلَمْ تَزَلِ الْهَدَايَا وَالْكَرَامَةُ وَالنِّحَلُ تَسْتَقْبِلُهُ مِنْ حِينِ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ أُمِّهِ إِلَى أَنْ دَخَلَ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا بَجَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَفَرِحَتْ بِهِ، وَأَعْجَبَهَا وَنَحَلَتْ أُمَّهُ لِحُسْنِ أَثَرِهِا عَلَيهِ..
ومن فرحها به أرته فرعون لعله ينحُلُه ويهديه ولكن ملأه خوفوه منه وهمَّ بذبحه لكنَّ امرأتهُ استوهبته منه وكفى الله نبيه وصَفِيَّهُ شر فرعون بسبب امرأة فرعون الصالحة وهذه المرة الثانية التي تكون سبباً بخلاصه من بطش فرعون..
الله أكبر أيها الإخوة: تظل إرادة البشر بالضر والنفع مرتبطة بقضاء الله وقدره لذلك قال ابن كثير -رحمه الله- معلقاً على هذين الموقفين: "هذا والقدرُ يقولُ: يا أيها الملك الجبار المغرور بكثرة جنوده وسلطة بأسه واتساع سلطانه، قد حكم العظيم الذي لا يغالب ولا يمانع ولا يخالف أقداره إن هذا المولود الذي تحترز منه وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا يُعَدُّ ولا يُحْصَى، لا يكون مرباه إلا في دارك وعلى فراشك ولا يُغذَّى إلا بطعامك وشرابك في منزلك وأنت الذي تتبناه وتربيه، ولا تطلع على سر معناه ثم يكون هلاكك في دنياك وأخراك على يديه لمخالفتك ما جاءك به من الحق المبين وتكذيبك بما أُوْحِىَ إليه لتعلمَ أنتَ وسائرَ الخلقِ أنَّ ربَ السمواتِ والأرضِ هو الفعَّالُ لما يريدُ، وأنَّه هو القوي الشديد ذو البأسِ العظيم، والحولِ والقوة والمشيئة التي لا مرد لها".
أيها الإخوة: ويشب موسى -عليه السلام- ولم يذكر مواقف خلال هذه الفترة، وذكر ابن عباس أنه عُرف خلالها بأنه ابن لِأُمِ موسى من الرضاعة فقط..
ويعود فرعون إلى بطشه فَقد وَكَزَ مُوسَى الْفِرْعَوْنِيَّ وقَتَلَهُ، وعلم بذلك فِرْعَوْنُ فأَرْسَلَ الذَّبَّاحِينَ لِيَقْتُلُوا مُوسَى، وجَاءَ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَخَرَجَ مُوسَى مُتَوَجِّهًا نَحْوَ مَدْيَنَ فقال له صاحبُ مدينَ: (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [القصص:25]؛ لَيْسَ لِفِرْعَوْنَ وَلا لِقَوْمِهِ عَلَيْنَا سُلْطَانٌ، وَلَسْنَا فِي مَمْلَكَتِهِ..
وبعد سنين بعثَه الله إلى فرعون وشدَّ عَضُدَه بأخيه هارون، وأتى هذه المرة نبياً مُرسلاً فدعا فرعونَ إلى الإيمان ورفض مع ما قدَّمه من أدلة وبراهين.. واتهمه بالسحر ودعا فرعونُ موسى للمنازلة فَتَوَاعَدُوا يَوْمَ الزِّينَةِ, وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى، وَهْوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَالسَّحَرَةِ، وَكَسَرَ اللهُ ظَهْرَ فِرْعَوْنَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ وَأَشْيَاعِهِ، وَأَظْهَرَ الْحَقَّ (وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ, فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ) [الأعراف: 118-119].
وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ بَارِزَةٌ -أَيْ: ظَاهِرة غَيْر مُحْتَجِبة- مُتَبَذِّلَةٌ تَدْعُو اللهَ بِالنَّصْرِ لِمُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، فَمَنْ رَآهَا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ظَنَّ أَنَّهَا ابْتَذَلَتْ لِلشَّفَقَةِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَأَشْيَاعِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ حُزْنُهَا وَهَمُّهَا لِمُوسَى، وَأَعْلَنَتْ -رضي الله عنها- إِيمَانِهَا بِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ فِرْعَوْنَ اطَّلَعَ عَلَيْهَا وَأَعْلَنَ ذَلِكَ لِقَوْمِهِ وَأَمَرَ بِتَعْذِيبِهَا فَمَاتَتْ فِي تَعْذِيبِهِ.
وروى أبو يعلى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- "أَنَّ فِرْعَوْنَ أَوْتَدَ لِامْرَأَتِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا، فَكَانَ إِذَا تَفَرَّقُوا عَنْهَا ظَلَّلَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، فَقَالَتْ: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ, وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ, وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم:11]، فَكَشَفَ لَهَا عَنْ بَيْتِهَا فِي الْجَنَّةِ". (وقال الشيخ الألباني في الصَّحِيحَة: 2508: حديث موقوف على أبي هريرة غير مرفوع، وهو في حكم المرفوع، لأنه لَا يقال بمجرد الرأي، مع احتمال كونه من الإسرائيليات, وإسناده صحيح على شرط مسلم) ا. هـ.
وقالَ ابنُ كثيرٍ: قال ثابت البناني، عن أبي رافع: قيل لفرعون (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) [الفجر:10]؛ لأنه ضرَب لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعَل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت -رضي الله عنها-.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: لقد كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مثلا لمتانةِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ، ولذلك ضربها اللهُ مثلاً فقال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم:11]، قال السعدي: وصفها الله بالإيمان والتضرع لربها، وسؤالها لربها أجل المطالب، وهو دخول الجنة، ومجاورة الرب الكريم، وسؤالها أن ينجيها الله من فتنة فرعون وأعماله الخبيثة، ومن فتنة كل ظالم، فاستجاب الله لها، فعاشت في إيمان كامل، وثبات تام، ونجاة من الفتن، ولهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَملَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" (رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-).اهـ.
ولفظة الكمال تُطلَق على تمام الشيء وتناهيه في بابه، والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى.. وَخَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْأَرْضِ خُطُوطًا أَرْبَعَةً، وَقَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟" قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ" (رواه ابن حبان وصححه الألباني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).
وقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ" (رواه الترمذي وأحمد وابن حبان وصححه الألباني).
وفي رواية أخرى عند ابن حبان: "خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ…" وعَدَهُنَّ. (وقال الألباني: صحيح لغيره).
هذه امرأة فرعون مثلاً للإيمان والثبات والصبر فرضي الله عنها وأرضاها.
التعليقات