عناصر الخطبة
1/علو مكانة المسجد في الإسلام 2/ بناء المساجد وعمارتها 3/من آداب المساجد 4/وجوب الحرص على نظافة المسجد والعناية به 5/استحباب التجمل لشهود صلاة الجماعة في المسجد 6/تنزيه المساجد عن الشرك 7/دعوة لعودة صادقة إلى الينابيع الأولى للإسلام.اقتباس
ولا نجد دينًا من الأديان يحثّ على نظافة الإنسان، ظاهرًا وباطنًا حسًّا ومعنًى كما يفعل الإسلام، فالإسلام دين النظافة، فرضها منذ خمسة عشر قرنًا، وجعلها شعيرةً من شعائر الإسلام، وأدبًا من أهم آدابه الفردية والاجتماعية...
الخطبة الأولى:
أما بعد: للمسجد مكانة كبيرة في الإسلام؛ فقد حرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بناء المساجد وعمارتها، ففي الصحيحين عن عثمان أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله؛ بنى الله له مثله في الجنة"، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور وأن تُنظَّف وتُطيَّب".
كما حرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إعلاء مكانة المسجد حتى يكون جديرًا بالدعوة التي يدعو إليها؛ ففيه يُعَدّ المسلم إعدادًا جيدًا، وفيه يصلّي وفيه يتعلم، وفيه يُعدّ للدفاع عن دين الله، فالمسجد هو كل شيء في حياة الفرد المسلم، ومِن ثَم فلا بد من آداب سنَّها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوحي من ربه، آداب يجب أن يتحلَّى بها كل مسلم في دخوله المسجد وجلوسه فيه وصلاته فيه وخروجه منه، ومن يخالف أمر الله -سبحانه- وسُنة نبيه فإنما يحطم نفسه.
وإذا بدأنا بالمسجد ذاته، فيجب أن يكون نظيفًا، وأن نتعهده بالنظافة والعناية وخاصة يوم الجمعة، فعن أبي هريرة أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يَقُمّ المسجد فمات، فسأل عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقالوا: مات، قال: "أفلا كنتم آذنتموني به، دلوني على قبره، أو على قبرها، فأتى القبر فصلى عليه".
وإذا دخل المسلم المسجد فمن الأفضل أن يدخل بقدمه اليمنى قائلاً: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حُفظ في سائر اليوم"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك".
ويجب على المسلم أن يعتاد النظافة والطهارة دائمًا، ويتأكد هذا أكثر عندما يأتي المسجد فيكون نظيف الجسد حسن المظهر، قال الله -تعالى-: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31].
ولذلك استُحِبّ التجمُّل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة والعيد، ويستحب الطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل اللباس البياض، ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم ألا يأكل البصل أو الثوم، وكل ما له رائحة خبيثة تؤذي المصلين كالدخان عندما يريد إتيان المساجد: "من أكل من هاتين الشجرتين البصل والثوم فلا يقربن مصلانا أو فليعتزلنا".
ولا نجد دينًا من الأديان يحثّ على نظافة الإنسان، ظاهرًا وباطنًا حسًّا ومعنًى كما يفعل الإسلام، فالإسلام دين النظافة، فرضها منذ خمسة عشر قرنًا، وجعلها شعيرةً من شعائر الإسلام، وأدبًا من أهم آدابه الفردية والاجتماعية، أمر الله -تعالى- بالوضوء والاغتسال والزينة وقص الأظافر والشعر عند إتيان المساجد.
وقد امتنَّ الله علينا بإنزال الماء ليُطهّرنا به وليُذْهِب عنا الرجس، وهذا كله يجعل المسلم حريصًا على النظافة التامة، في شخصه وفي ملبسه وفي بيته وفي مسجده وفي شارعه وفي بلده، فإنه لا يكون نظيفًا ذاك الذي يعني بنظافة جسمه وهندامه، ولكنه لا يعني بنظافة شارعه أو حيه، فيلقي فيه الفضلات أو الأوساخ.
انظروا إلى شارع يمشي فيه كل يوم آلاف أو مئات الأفراد، لو أن كل واحد رمى منديلاً بعد استعماله، أو علبة شراب فارغة بعد شربها، أو ورقة بيده ممزقة، لأصبح الشارع أكداسًا من القمامة، وإنه لمنظر مؤذٍ مخالف للأدب والخُلق القويم.
وإذا دخل السلم المسجد يجب أن لا يتخطى رقاب الناس، وأن يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجب مراعاة تكملة الصفوف، وعدم المرور بين يدي المصلين إلا لسد الفُرَج التي في الصف الأول وما يليه؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لمن كان يتخطى الرقاب: "اجلس فقد آذيت".
وإذا ما دخل المسجد فليصل ركعتين تحية المسجد، قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس".
وإذا جلس الإنسان في المسجد فلا يرفع صوته بقراءة القرآن أو ذِكْر ودعاء؛ لما فيه من تشويش على الآخرين، ويتأكد هذا عند صلاة الجمعة فلا يجوز التشويش ولا اللغو، وإنما يجب الإنصات إلى الخطبة، ولذلك جاءت الأحاديث النبوية بتحريم نشدان الضالة في المسجد أو اللهو والتجارة؛ قال -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور: 36-37].
ومن آداب المسجد أن نتم صفوف الصلاة، وألا يصلي المرء نافلته بعد أن يسمع الإقامة؛ فقد خرج -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة قوم يصلون فقال: "أصلاتان معًا؟! أصلاتان معا؟!"
ومن باب أولى أنه لا يجوز تعدُّد الجماعة في وقت واحد. وإذا كانت المساجد قد بُنيت لعبادة الله -تعالى- وتوحيده، فينبغي حتمًا أن تُصان عن كلّ مظهر يتنافى مع التوحيد، فلا يُتَّخذ المسجد قبرًا، ولا تُبنَى المساجد على القبور، فإن في ذلك مخالفة صريحة لسنة رسول الله، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي تُوفِّي فيه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". فلولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خشي أن يُتَّخذ مسجدًا.
وقالت أيضًا: لما كان مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذاكر بعض نسائه كنيسته بأرض الحبشة، فذكرن من حُسنها ومن تصاويرها، قالت: فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه فقال: "أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"، والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا، تنهى عن اتخاذ القبور مساجد وعن كل مظاهر الشرك فينبغي أن تُصَان المساجد عن ذلك كله؛ قال الله -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن: 18].
وعلى هذا فيُهدَم المسجد إذا بُنِيَ على قبر كما يهدم مسجد الضرار وكما ينبش الميت إذا دُفِنَ في المسجد، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر مُنِعَ منه وكان الحكم للسابق، ولا يجوز أن يُوضَعا معًا.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله...
فيا أيها المسلمون: هل من عودة صادقة إلى الينابيع الأولى لهذا الدين الذي أكرمنا الله -تعالى- به، وامتن علينا بسببه وجعله خاتم الرسالات وهو سبب عزة المؤمنين وسعادتهم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3].
التعليقات