اقتباس
والجواب نصّ عليه الفقهاء رحمهم الله، قال الإمام الشافعي في الأمّ:" وإن كان الزحام دون الإمام الذي يصلّي الجمعة لم أكره له من التخطي ولا من أن يفرّج له الناس ما أكره للمأموم لأنه مضطر أن يمضي إلى الخطبة والصلاة لهم...
إن الحمد لله نستعينه، ونستغفره ونستهديه ونستنصره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضّل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله.
أما بعد، فلما كان هذا الإنسان قد خُصّ دون سائر أنواع الحيوان بالبيان، قال سبحانه: ( الرحمن، علّم القرآن، خلق الإنسان علّمه البيان) قال الحسن رحمه الله: يعني النطق، وقال ابن كثير:" وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن وهو أداء تلاوته، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها." (تفسير ابن كثير ج4 ص 272)
وإذا كان الإنسان قد تميز بالنطق والإفهام، فإن من مقتضى إنسانيته أن يظهر مراده ويدير شؤونه ويتعامل مع محيطه بالكلام والإفصاح لا بالبطش والإكراه شأن البهيمة العجماء، وإذا كان أشرف ما يتكلم به الإنسان في نفسه ذكر الله تعالى، فإن أحسن ما ينطق به الإنسان مسمعاً غيره هو الدعاء إلى الله عزّ وجلّ، " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"
وتأتي الخطابة كوسيلة من أهم الوسائل للدعوة إلى الله جلّ وعلا، حيث يتوجّه بها الواحد إلى الجمع الغفير ناصحاً ومعلماً، وموجهاً ومبيناً، وهي وظيفة الأنبياء وطريقة المرسلين، وهي الهدي المتّبَع والسنة الماضية.
والخطيب في الإسلام مؤتمن على هذا الدين عقيدة وشريعة، لأنه مبلّغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل منبر في مسجد هو يصدر عن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من هنا كان حقاً على الخطيب أن يتحلى بجملة آداب نبوية، وكان جديراً لخطبته أن يراعي فيها جملة كرائم سنّية، كي يأتي عمله هذا على قدر مقامه وخطره ومنزلته في النيابة والتبليغ والنصح والتأثير.
والمقصود بآداب الخطبة والخطيب هو الهيئات الظاهرة والأفعال المنظورة والسياق الذي تنحوه الخطبة أثناء إلقائها، وسنذكر في محاضرتنا هذه ما ييُسِر الله تعالى لنا من ذلك مع طرف من أدلتها الوافية بإذن الله، إذ لا خير إلا بيد الله ومن الله، مع ما يتمّم لنا من أقوال أهل العلم.
1- فأول ما نبدأ به تهيؤ الخطيب واستكماله للشرائط المطلوبة للقيام بالخطبة، فيواجهنا السؤال عن حكم الطهارة للخطيب، أو هل من شروط الخطبة الطهارة؟؟
وفي الجواب نقول: لاشك أن الاغتسال ليوم الجمعة مطلوب لكل من خرج إلى الجمعة وأوّلهم الخطيب والإمام، وهذا القدر من الحكم أي الاستحباب محل اتفاق بين الفقهاء، وإن حصل خلاف لبعضهم كالظاهرية في وجوب هذا الغسل، ولكن القدر المتفق عليه هو الاستحباب، ويبقى السؤال: ما حكم الخطبة بدون طهارة؟؟
للأئمة مالك والشافعي وأحمد قولان في المسألة: قول بأنها شرط وقول بأن الطهارة ليست بشرط في الخطبة( أنظر: إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في مذهب مالك لشهاب الدين البغدادي (1/65) والمهذب للشيرازي (1/118) والمغني لأبن قدامة (2/154) وذهبت الحنفية بأن الطهارة سنة وليست بشرط ( أنظر الاختيار لتعليل المختار لأبن محمود (1/110).
ولعل الراجح اشتراط الطهارة الكبرى لأنهم اشترطوها (بحسب الأشبه بأصول مذاهبهم) في المسجد ولقراءة القرآن ولا بدّ من ذلك أثناء الخطبة ، أما الطهارة الصغرى فلا تشترط بل تستحب لأن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة فلم تكن الطهارة فيه شرطاً كالأذان، أما صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم عقيب الخطبة لا يفصل بينهما بطهارة ومداومته على ذلك فيدل على أنه كان متطهراً حال الخطبة من الحدثين والنجاسة، فلا يدل على الوجوب لأن الإقتداء به إن لم يكن بمجرده واجباً فهو سنّة ، وقد تقرر أن مجرّد الفعل لا يفيد الوجوب( أنظر نيل الأوطار للشوكاني ج3/265) . وأيضاً لأننا استحببنا ذلك للأذان فالخطبة أولى، ولأنه إن إحتاج إلى الطهارة بين الخطبة والصلاة فيفصل بينهما وربما طوّل على الحاضرين، ( المغني2/154).فالواجب التطهر من الحدث الأكبر والكمال والاستحباب التطهر من الحدثين والنجاسة.
2- ثم إن الخطيب بعد أن يتطهر يتجمّل ويلبس أحسن ثيابه ويتطيّب ويتسوّك، وذلك لحديث ابن عمر في البخاري وغيره:" أن عمر بن الخطاب رأى حلّةً سِتراء ( أي حرير) عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة-الحديث قال ابن حجر رحمه الله: " ووجه الاستدلال به من جهة نقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجّمل للجمعة، وقَصرِ الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريراً" (فتح الباري 2/374) ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يقرّ على منكر، كما أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما تقرّر في الأصول.
أما الطيب فلأحاديث كثيرة أيضاً منها حديث أبي سعيد في البخاري قال( أي أبو سعيد): " أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستنّ وأن يمسّ طيباً إن وجد" ومعنى يستنّ : أي يدلك أسنانه بالسواك(فتح 2/364). وقد صرح العلماء أن كلّ ما أمر به المصلّي يوم الجمعة فهو في حق الخطيب والإمام أكد، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأمّ:"وأحب للإمام من حسن الهيئة ما أحب للناس وأكثر منه" (1/197).
وقال الشيرازي في المهذب:" ويستحب للإمام من الزينة أكثرمما يستحب لغيره لأنه يقتدى به"(1/120)، وقال ابن قدامة في المغني:" والإمام في هذا ونحوه أكد من غيره لأنه المنظور إليه من بين الناس"(2/202).
3- ثم يأتي الخطيب إلى المسجد وعليه الوقار والسكينة، ولا يأتيها وهو مستعجل لحديث الصحيحين:" إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة"(الفتح 2/390) أما قوله تعالى:" إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" فليس السعي هنا بمعنى الركض والهرولة، قال الإمام مالك رحمه الله في الموطأ:" وإنما السعي في كتاب الله العمل والفعل، يقول الله تبارك وتعالي:" وإذا تولى سعى في الأرض" ، وقال تعالى:" وأما من جاءك يسعى وهو يخشى"، وقال:" ثم أدبر يسعى"، وقال:" إن سعيكم لشتى" ، قال مالك: فليس السعي الذي ذكر الله تعالى بالسعي على الأقدام، ولا الإشتداد، وإنما عنى العمل والفعل" ( الموطأ 1/107)
وقد نسب القرطبي هذا المعنى للسعي إلى الجمهور( تفسير القرطبي-سورة الجمعة) وذكر له تفسيراً آخر وهو السعي بالأقدام أي المشي دون الركوب ونقل عن ابن العربي قوله:" إن السعي بمعنى الجري والاشتداد هو الذي أنكره الصحابة الأعلمون والفقهاء الأقدمون"( تفسير القرطبي).
أما الإتيان إلى الجمعة ماشياً لا راكباً فلقوله صلى الله عليه وسلم: " ومشى ولم يركب" ( من حديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد). وقد بوّب البخاري رحمه الله في الصحيح: باب المشي إلى الجمعة-وأورد فيه حديثاً عن عباية بن رِقاعة قال:" أدركني أبو عَبس ( واسمه عبد الرحمن بن جَبر) وأنا أذهب إلى الجمعة، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : من اغبّرت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النار" وفي بعض الروايات أن عباية قال ذلك أيضاً ليزيد بن أبي مريم وكان ماشياً وعباية راكب فقال له:" احتسب خطاك هذه" وفي رواية النسائي: " فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله" ( أنظر الفتح 2/391).
وكل هذا يدل على استحباب المشي وأنه أكثر أجراً من الركوب، والإمام يدخل في كل هذا من باب أولى لأنه الذي يؤتمّ به في العمل والقول.
4- فإذا وصل الإمام إلى المسجد، فيدخل بسكينة ووقار وهدوء، ولا بأس أن يسلّم على الجالسين، ويحرص أن لا يتخطى رقاب الناس لعموم الأحاديث التي تنهى عن ذلك منها البخاري:" فلا يفرّق بين أثنين" وقد جعل ابن قدامة في المغني التفريق هو التخطّي، وفرّق النووي بينهما ونصره العراقي لأن التفريق أعمّ فهو يحصل بالجلوس بينهما وإن لم يتخطّ، وجاء في التخطّي الصريح أحاديث كثيرة من أصحها حديث عبد الله بن بُسر عند أبي داود والنسائي وأحمد:" جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلّم يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"اجلس ، فقد آذيت" ( نيل الأوطار 2/252).ولكن السؤال هو ماذا يفعل الخطيب إذا حال بينه وبين الوصول إلى المنبر زحام الناس؟؟
والجواب نصّ عليه الفقهاء رحمهم الله، قال الإمام الشافعي في الأمّ:" وإن كان الزحام دون الإمام الذي يصلّي الجمعة لم أكره له من التخطي ولا من أن يفرّج له الناس ما أكره للمأموم لأنه مضطر أن يمضي إلى الخطبة والصلاة لهم (1/198)، فال الإمام شمس الدين ابن قدامة في الشرح الكبير في شرحه المسألة: (ولا يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إماماً) : " فأما الإمام فإذا بم يجد طريقاً فلا يكره له التخطي لأنه موضع حاجة"(2/210)، قال في الفتح:" وهذا( اي التخطي) يدخل فيه الإمام، ومن يريد وصل الصف المنقطع إن أبى السابق من ذلك، ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة" (2/372)
5- فإذا وصل الإمام إلى المنبر، فقد روى ابن عدي والبيهقي والطبراني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دنا من المنبر سلّم على من عند المنبر ثم صعد فإذا استقبل الناس بوجهه سلّم ثم قعد" وقد تكلم في إسناده، ( نيل الأوطار 2/261). أما بالنسبة إلى السلام على المنبر فقد قال الشافعي في الأمّ:" بلغنا عن سلمة بن الأكوع أنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتين وجلس جلستين، وحكى الذي حدثني قال: استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدرجة التي تلي المستراح قائماً ثم سلّم وجلس على المستراح حتى فرغ المؤذن من الأذان ثم قام فخطب الخطبة الأولى ثم جلس ثم قام فخطب الخطبة الثانية"(1/200).وروى ابن ماجة عن جابر:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلّم" وفعله ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، وقد قال باستحبابه الشافعي وأحمد والأوزاعي، وكرهه مالك وأبو حنيفة قالا: لا يسن السلام عقيب الاستقبال لأنه سلّم حال خروجه" (المغني2/144)( نيل الاوطار2/261)، وقال الحنفية أيضاً:"لأنه يلجئهم إلى ما نهوا عنه وهو الكلام".
والنصوص تؤيد من قال بالسلام عند الإستقبال إضافة إلى فعل السلف وزيادة الأجر، أما إلجاء الناس إلى الكلام وهو منهيّ عنه فسيأتي جوازه إذا كان ردّاً على الإمام، قال في المغني:" ومتى سلّم ردّ عليه الناس لأن ردّ السلام أكد من ابتدائه"(2/145).
6- فإذا سلّم الخطيب جلس وأخذ المؤذن بالأذان لحديث السائب بن يزيد في البخاري قال:" كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه-وكثر الناس- زاد النداء الثالث على الزوراء" قال ابن حجر رحمه الله:" وأما ما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء اليها بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض، واتباع السلف الصالح أولى"(الفتح 2/394).
فإذا أذّّن المؤذّن أجابه الإمام على المنبر لحديث البخاري عن معاوية رضي الله عنه وهو: عن أبي أمامة بن سهل قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو جالس على المنبر أذّن المؤذّن قال: الله أكبر الله أكبر، قال معاوية الله أكبر الله أكبر، قال : أشهد أن لا إله إلا الله، فقال معاوية: وأنا، فقال: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال معاوية: وأنا، فلما أن قضى التأذين قال: يا أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المجلس-حين أذن المؤذن-يقول ما سمعتم مني من مقالتي". وبوّب له البخاري:" باب يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء".
7- حكم الكلام قبل الشروع في الخطبة:
أما كلام المصلين قبل أن يشرع الخطيب في الخطبة فجائز لحديث عمر رضي الله عنه:وهو عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي: أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر، واذن المؤذنون جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون، وقام عمر يخطب، أنصتنا فلم يتكلم منا أحد"( الموطأ 1/103)، لذلك اشتهر بينهم:" خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام" قال في المغني:" وينقطع التطوع بجلوس الإمام على المنبر فلا يصلي أحد غير الداخل يصلي تحية المسجد ويتجوز فيها(2/169)، وقال الشوكاني: فيه جواز الكلام حال قعود الإمام على المنبر قبل شروعه في الخطبة لأن ظهور ذلك بين الصحابة من دون نكير يدل على أنه إجماع لهم(النيل 275).
هذا في كلام المصلين بينهم ، أما إذا حدثهم الإمام فلا يكره الكلام معه في أي مرحلة من مراحل الخطبة، ففي المرحلة التي تسبق الخطبة فقد روى أحمد بإسناد صححه العراقي أن عثمان بن عفان كان وهو على المنبر والمؤذن يقيم يستخبر الناس عن أخبارهم وأسعارهم".( نيل 275)
أما أثناء الخطبة فكلام الخطيب مع المصلين جائز وإجابتهم له كذلك لحاجة من تعلّم علم أو أمر بمعروف أن نهي عن منكر، وأدلته كثيرة، منها حديث الذي دخل المسجد( وهو سُليك الغطفاني) فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قعد: أصليت يا فلان؟ قال: لا ، قال: قم فاركع" (متفق عليه)، وحديث الإستسقاء، وحديث عمر لعثمان:"أي ساعة هذه؟ وحديث مسلم عن الرجل الذي دخل يسأل عن دينه. وحديث بريدة عن الحسن والحسين، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم اقل: صدق الله ورسوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"( رواه الخمسة)
وكل هذا يدل على جواز تكليم الناس وقطع الخطبة لحاجة من أمر بمعروف ونهي عن منكر ، فلا بأس كما يحدث اليوم إذا قام من يصلي عند جلوس الخطيب بين الخطبتين أن يبيّن الإمام حكم ذلك ويرشد إلى الصواب بكلام عام ( على طريقة ما بال أقوام)،وكذلك إذا راى مثلاً من هو متختم بخاتم ذهب لابأس أن يبيّن بكلام عام ونحو ذلك.
8- ويجوز للإمام إذا وقف للخطبة أن يتكلّم بشىء قبل أن يشرع في خطبته إذا وجد حاجة لذلك أو مصلحة أو لتعليم ( قال مالك: لابأس أن يتكلم الإمام في الخطبة على المنبر إذا كان في أمر أو نهي( المدونة 1/231)
كما إذا قال لهم بأن يتقاربوا أو يتفسحوا أو أن يسدّوا فرجات الصفوف أو بتأخير الولدان وتقديم الرجال وسوى ذلك، ويدل عليه حديث معاوية السابق ، قال ابن حجر: وفيه تعلم الإمام وتعليمه وهو على المنبر، وفيه إباحة الكلام قبل الشروع في الخطبة(2/396)
9- ويخطب الإمام قائماً لحديث ابن عمر:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد ثم يقوم كما تفعلون الآن"( البخاري) (نيل268 ) والقيام واجب عند الجمهور ونقل عن أبي حنيفة أنه سنة لأنه ذكر ليس من شرطه الإستقبال فلم يجب له القيام كالأذان(المغني2/150) قال في الإختيار: والأولى أن يخطب قائماً طاهراً، فإن خطب قاعداً أو على غير وضوء جاز"(1/110) ويحمل كلامه الحنفية على من به عذر فجائز بلا نكير لأن الصلاة تصح من العاجز عن القيام فالخطبة أولى. وقد روى ابن أبي شيبة أن أول من خطب قاعداً معاوية، ووجّهه الشعبي بأنه لما كثر شحم بطنه ولحمه ( أي العذر).
10- ومن الهيئة المشروعة في الخطبة الإعتماد على قوس أو عصا لحديث:" فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على قوس أو قال على عصا"(أحمد وأبو داوود). ورواه الشافعي مرسلاً عن عطاء(الأم 200) ، وقيل الحكمة في ذلك الأشغال عن العبث وقيل أربط للجأش(نيل 269) وعلى ذلك فيقوم مقام هذا الإمساك بجانبي المنبر إن وجد.
قال الشافعي في الأم تحت عنوان-أدب الخطبة-: وإن لم يعتمد على عصا أحببت أن يسكن جسده ويديه إما بأن يضع اليمنى على اليسرى وإما أن يقرّهما في موضعهما ساكنتين، ويُقل التلفت ويقبل بوجهه قصد وجهه ولا أحب أن يلتفت يميناً ولا شمالاً ليسمع الناس خطبته لأنه إن كان ليسمع أحد الشقين إذا قصد بوجهه تلقاءه فهو لا يلتفت ناحية يُسمع أهلها إلا خفي كلامه على الناحية التي تخالفها مع سوء الأدب في التلفت(1/200).
وقال ابن قدامة: ومن سنن الخطيب أن يقصد الخطيب تلقاء وجهه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولأنه أبلغ في سماع الناس وأعدل بينهم، وقال: وأن يكون متخشعاً متعظاً بما يعظ الناس به لأنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" عرض علي قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقيل لي هؤلاء خطباء من أمتك يقولون ما لا يفعلون"(المغني2/155-156)
11- ومن سننها قول" أما بعد" وقد بوّب لها البخاري: باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد-وأورد ستة أحاديث تحت هذا الباب في مناسبات مختلفة فيها(أما بعد) قال في الفتح:" فينبغي للخطباء أن يستعملوها اتباعاً وتأسياً"(2/404) وهي مبنية على الضم لانقطاعها عن الإضافة، ومعناها كما قال سيبويه: مهما يكن من شىء بعد، ويؤتى بها للفصل بين كلامين، قال ابن حجر: ولا اقتصار عليها في ارادة الفصل بين الكلامين بل ورد في القرآن في ذلك لفظ:" هذا وإنّ".
12- فإذا فرغ من الخطبة الأولى جلس جلسة خفيفة ودليلها ما سبق من حديث ابن عمر، وهي غير واجبة عند الجمهور وأوجبها الشافعي وجعلها شرطاً لصحة الخطبة( الأم199).
وحكمتها كما قال ابن حجر: إما للفصل بين الخطبتين وإما للراحة، قال: وعلى الأول- وهوالأظهر- يكفي السكوت بقدرها( فتح 2/406)
13- إذا قرأ الخطيب آية فيها سجدة وهو على المنبر فهل ينزل ويسجد؟؟
روى مالك في الموطأ والبخاري في الصحيح: أن عمر بن الخطاب قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة، فنزل وسجد الناس معه، ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال: على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا"
قال في الأم:" وإن قرأ على المنبر سجدة لم ينزل ولم يسجد فإن فعل وسجد رجوت أن لا يكون بذلك بأس"(1/201)
قال في المغني:" وإن قرأ السجدة في أثناء الخطبة فإن شاء نزل فسجد وإن أمكن السجود على المنبر سجد عليه وإن ترك السجود فلا حرج فعله عمر وترك، وبهذا قال الشافعي، ونزل عثمان وأبو موسى وعمار والنعمان بي بشير وعقبة بن عامر وبه يقول أصحاب الرأي( اي الأحناف)(2/156).
14- رفع الأيدي في الدعاء ورد فيه حديث مسلم أن عمارة بن رؤيبة رأى بشر بن مروان يرفع في الدعاء على المنبر فقال: قبح الله هاتين اليدين، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب إذا دعا يقول هكذا فرفع السبابة وحدها(أحمد والترمذي وصححه).
وقد بوّب البخاري-رفع اليدين في الخطبة-ووجهه ابن حجر بجوازه في الإستسقاء دون غيره كما هو الحديث الوارد.
15- والموالاة شرط في صحة الخطبة، قال ابن قدامة: فإن فصل بعضها عن بعض بكلام طويل أو سكوت طويل أو شىء غير ذلك يقطع الموالاة استأنفها(2/157)
16- ويتولى الصلاة من يتولى الخطبة، قال في المغني:" والسنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتولاهما بنفسه وكذلك خلفاؤه، فإن خطب رجل وصلى آخر لعذر جاز(راجع المغني 2/154)
التعليقات