عناصر الخطبة
1/ فضائل الحج 2/ آداب الحج 3/ تأملات في حِكم الحج 4/ مفاسد الفُرقة والشقاق بين المسلمين 5/ مصيبة سقوط رافعة الحرم 6/ الحث على اغتنام ما بقي من العشر 7/ التعليق على أحداث المسجد الأقصى.اهداف الخطبة
اقتباس
والحجُّ فريضةً أو تطوُّعًا من أعظم العبادات، وأفضل القُرُبات، وجزاؤُه وثوابُه العظيمُ في الدَّارَين، ومنافعُه لا تتحقَّقُ ولا ينالُها إلا من أخلصَ في الحجِّ نيَّتَه لله - عز وجل -، وبرَّ في حجِّه، واقتدَى في مناسِكِه بسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. والحجُّ مجمعٌ كبيرٌ من مجامِع المُسلمين، يجتمعُ فيه العالِم والعامِّيُّ، والحاكمُ والرَّعيَّة، والذكرُ والأُنثَى، والصغيرُ والكبيرُ، والصحيحُ والمريضُ، والغنيُّ والفقيرُ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه كما يُحبُ ربُنا ويرضَى، فهو المحمودُ في الآخرة والأولى، وأشكرُه على نعمه التي لا تُحصَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماءُ الحُسنى، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُجتبَى، وخليلُه المُرتضَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحابتِه الأتقياء.
أما بعد: فاتَّقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
أيها المسلمون: اذكروا عظيمَ رحمة الله -تعالى- بكم؛ إذ علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون، ومنَّ عليكم بأنواع العبادات التي تُطهِّركم من الرذائِل والشُّرور، وتنالُون بكل عبادةٍ أعظم الأجور والمنافِع في دُنياكم وأُخراكم، ولو لم يُعلِّمنا الله ويهدِنا لكنَّا مُتلبِّسين بالقبائِح والمُنكرَات.
قال الله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 21]، وقال تعالى: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) [الحجرات: 17]، وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور: 40]، وقال - عز وجل -: (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) [الكهف: 17].
والحجُّ فريضةً أو تطوُّعًا من أعظم العبادات، وأفضل القُرُبات، وجزاؤُه وثوابُه العظيمُ في الدَّارَين، ومنافعُه لا تتحقَّقُ ولا ينالُها إلا من أخلصَ في الحجِّ نيَّتَه لله - عز وجل -، وبرَّ في حجِّه، واقتدَى في مناسِكِه بسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
والحجُّ مجمعٌ كبيرٌ من مجامِع المُسلمين، يجتمعُ فيه العالِم والعامِّيُّ، والحاكمُ والرَّعيَّة، والذكرُ والأُنثَى، والصغيرُ والكبيرُ، والصحيحُ والمريضُ، والغنيُّ والفقيرُ.
وله أركانٌ وشروطٌ وواجِباتٌ، وآداب وفضائل، وأخلاقٌ كريمات، من استكملَها غُفِرَت سيئاتُه، وتضاعَفَت حسناتُه، وارتفعَت في الجنات درجاتُه، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه"؛ رواه البخاري ومسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة"؛ رواه البخاري ومسلم.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن العاص - رضي الله عنه -: "أما علِمتَ أن الإسلام يهدِمُ ما كان قبلَه، وأن الهِجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَها، وأن الحجَّ يهدِمُ ما كان قبلَه" (رواه مسلم).
والمسلمون في الحجِّ تجمعُهم أُخُوَّة الإسلام، يتراحَمون بينهم، ويتعاطَفون، ويتعاوَنون، ويتواصَلون، ويتباذَلون، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].
وعن النُّعمان بن بشير - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسَد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى" (رواه البخاري ومسلم).
وما أحسنَ الآداب والأخلاق والفضائل التي أُمِر المُسلمُ أن يتَّصِف ويتخلَّق بها في الحجِّ وفي غير الحجِّ، ولكنها في الحجِّ آكَدُ وأعظم.
من تلك الآداب والأوامر: تركُ الجِدال والمِراء بغير حقٍّ؛ لأنه يُورِثُ الشحناء والتعصُّب، ويُوغِرُ الصدور، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: 197].
ومن تلك الفضائل: الصدقة، وبذلُ الطعام، وإفشاءُ السلام، ولِينُ الكلام؛ لأن الحجَّ موسِمُ إحسانٍ وصدقة، وصفاءٍ، وقد فُسِّر الحجُّ المبرورُ بذلك.
ومن تلك الأخلاق والآداب المأمور بها: اجتِنابُ المُحرَّمات والباطل من الأقوال، والإكثار من الذكر والتلبِية، وقراءة القرآن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُعل الطوافُ بالبيت وبالصفا والمروة ورميُ الجِمار لإقامة ذِكر الله"؛ رواه أحمد من حديث عائشة - رضي الله عنها -. وهذا يعُمُّ أعمالَ الحجِّ.
ومن تلك الفضائل المأمور بها: سلامةُ الصدر للمُسلمين، والنُّصحُ لهم. وسلامةُ الصدر من أكبر نعَم الله على العبد، وقد وصفَ الله المؤمنين السابقين بسلامةِ الصدور، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].
فالمُسلمُ مع جماعة المُسلمين مرحومٌ ومحفوظٌ، قال الله -تعالى- فيمن تابَ من النِّفاق: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 145، 146].
وعن عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثٌ لا يغلُّ عليهنَّ قلبُ مُسلم: إخلاصُ العمل لله، والنُّصحُ لأئمةِ المُسلمين، ولُزومُ جماعتهم؛ فإن الدعوةَ تُحيطُ من ورائِهم" (رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه).
ومعنى هذا الحديث: أن اجتماعَ الإخلاص والنُّصح لوُلاة الأمر، ولُزوم جماعة المُسلمين بعدم الخُروج عليهم تنفِي من القلبِ الغلَّ، والحسَد، والحقدَ، والمكرَ، والغِشَّ، والخديعةَ، والغَدر؛ لأن اجتماعَ هذه الخِصال الثلاث في المُسلم حافِظةٌ له من الشَّيطان، ويدخلُ بها المُسلم في دُعاء المُسلمين الذي ينالُ به النجاة والسعادة، ويُحفَظُ بها في حِصن الإسلام.
وكلُّ مُسلمٍ يفرحُ باجتِماعِ المُسلمين في الحجِّ ووحدتهم، فمن استكمَلَ أعمالَ الحجِّ فقد أحسنَ إلى نفسه وإلى المسلمين، ومن سلِمَ له حجُّه سلِمَ له عُمرُه، ومن جاء إلى الحجِّ ليُؤذِيَ المُسلمين، أو جاء لمعصيةٍ، أو جعلَ الحجَّ وسيلةً إلى مقاصِد لا يُقرُّها الإسلام، أو أراد أن يُغيِّر تعاليمَ الحجِّ إلى مظاهر مُنحرِفة، أو إلى أهداف مُبتدَعة فقد ألحَدَ في بلد الله الحرام.
والله لا يخفَى عليه شيءٌ من نوايا الإنسان وأعمالِه، فهو العليمُ بذاتِ الصدور، والربُّ - سبحانه - هو الذي سيتولَّى عقوبةَ من يُلحِدُ في بلد الله الحرام، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج: 25].
ولن ينفعَك - أيها الإنسان - من أمرَكَ بمعصيةٍ، ولن يدفعَ عنك عقوبةَ الله، وستندَمُ على طاعةِ الشيطان.
وهذا التجمُّع الإسلاميُّ الكبير في الحجِّ كلَّ عامٍ، وهذه الأُخُوَّة الإسلاميةُ القويةُ الروابِط، وهذا التوحيد الذي يكون من الحُجَّاج، وهذا الجمعُ في القيام بمناسِك الحجِّ يُذكِّرُ بمنافِع الحجِّ التي يشهَدُها المُسلِمون، فيتعلَّمُ الجاهلُ من العالِم، ويتعارَفُ المُسلِمون ويتعاضَدُون، ويُكمِّلُ بعضُهم بعضًا فيما قصَّروا فيه، ويجبُرون كسرَهم، ويتناصَرون في الدين، ويتعاوَنون على ما يصلُحُ لهم في دُنياهم، وينتفِعون بدُعائِهم المُستجاب في تلك الأماكِن المُقدَّسة، وينقلِبُون بحُسن العاقِبَة في الآخرة، ويشفَعون فيمن دعَوا له.
كما يُذكِّرُنا هذا المشهَدُ المُتوحِّد، والجمعُ المُبارَك، وتآلُف القلوبِ فيه من كل جنسٍ، يُذكِّرُنا بما دبَّ إلى المُسلمين من الفُرقة والاختِلافِ والتدابُر والتنافُر، فيقولُ كلُّ مُسلم ناصِحٍ: ليتَ المُسلمين يتوحَّدون ويجتمِعون على الحقِّ كما يجتمِعون في الحجِّ.
فيتحسَّرُ لفُرقة المسلمين واختِلافهم، ويتحيَّرُ في الفِرق التي حادَت عن منهَج السلَف الصالِح، وابتعَدَت عن تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية التفسيرَ الصحيح، ونابَذَت العلماءَ الراسِخين في العلمِ، فلم تنتفِع بالفَهم الصحيح للدين منهم، فضلُّوا وأضلُّوا كثيرًا من الشباب بزُخرُف القول، فاختَطَفوهم من محاضِنهم الآمِنة إلى فتنة التكفير والتفجير، واستِحلال الدماء المعصومة.
والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجَّة الوداع: "ألا لا ترجِعوا بعدي كفَّارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ" (رواه البخاري ومسلم).
فيا أيها المسلمون: تدارَسُوا أسبابَ الخِلاف والفُرقة والتدابُر، وأسباب الانحِراف في الأفكار الضالَّة، وأسباب البِدع، واعمَلوا على القضاء على أسباب الانحِراف في الأفكار الضالَّة، فما من مُعضِلة إلا ولها حلٌّ في الإسلام.
فالأمةُ في أشدِّ كُرُباتها ومُعضِلاتها تنتظِرُ جهودَكم وأعمالَكم المُصلِحة الصالِحة، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 103- 105].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الوليِّ الحميد، ذي العرش المجيد، فعَّالٌ لما يُريد، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكُم لا مُعقّب لحُكمه وهو سريعُ الحساب، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه صاحبُ المقام المحمود والحوض المورود، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه المُخلصين للربِّ المعبُود.
أما بعد: فاتقوا الله بالمُسارعة، وهجر مُحرَّماته.
عباد الله:
القضاءُ والقدرُ من أركان الإيمان التي يجبُ الإيمانُ بها، فمن لم يُؤمن بالإيمان بالقضاء والقدر فلا إيمانَ له، ووفاةُ من تُوفِي من المُسلمين في الحرم المكي مُصيبةٌ كبيرةٌ، كانت بقدرٍ وقضاءٍ مكتُوب، والموتُ قضاهُ الله على كل مخلوقٍ في هذه الدنيا، في وقتٍ لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، وفي مكانٍ لا يُغيَّر ولا يُبدَّل.
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا) [آل عمران: 145]، وقال تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان: 34]، وقال تعالى: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) [آل عمران: 154].
فطُوبَى لمن مات على عملٍ صالحٍ، والحاجُّ أو المُعتمرُ أو المُصلِّي أو المُسلم إذا ماتوا مُتلبِّسين بالعبادة، فقد وجبَ أجرُهم تفضُّلاً من ربٍّ كريمٍ رحيم، ويزيدُ ثوابُهم في المكان المُقدَّس، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [النساء: 100].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي مات مُحرِمًا: "لا تُخمِّروا رأسَه، ولا تُغطُّوا وجهَه، فإنه يُبعثُ يوم القيامة مُلبِّيًا".
وقد نفعَتهم دعواتُ المُسلمين، ونفعَت ذويهم، تغمَّدهم الله برحمته، وتقبَّلهم في الشهداء عنده. وخفَّف المُصابَ على ذويهم: مُواساةُ وليِّ الأمر خادم الحرمين - حفظه الله - الذي عُزّي بالمُصيبة بهم من الداخل والخارِج. فمُواساتُه بالقول والإحسان بمكرُمةٍ تالِدةٍ خالِدةٍ، يسَّر الله للحُجَاج حجَّهم، وردَّهم إلى بلادهم سالِمين غانِمين.
ومن نعم الله على المُسلمين: أن وفَّق هذه الدولة الرشيدة للقيام على مصالِح الحُجَّاج والمُعتمِرين والزائِرين، ورعاية الحرمين الشريفين الرعاية الدائِمة، والبذل بلا حسابٍ لعمارتهما وخدمتهما. فلله الحمدُ والشكرُ على هذه النعم، وعلى الأمن والإيمان.
أيها المسلمون: إن المسجدَ الأقصى يتعرَّض لخطرٍ عظيم، والعالَم في غفلةٍ عن مسؤوليَّته في دفع الظُّلم وحماية المُقدَّسات، فإذا لم يقِف العالَم في وجه الظُّلم ازدادَت الأحوالُ سُوءًا وشرًّا.
والمُسلمون هم الذين يجبُ عليهم نصرُ قضيَّتهم بالحق والعدل والاجتماع، والدفاع عن قضيَّتهم، ونُوصِي المُسلمين في هذه الأيام وفي موسِم الحج وفي الأيام الفاضِلة والأزمنة الفاضِلة، نُوصِيهم بالدعاء كثيرًا، فإنه من أسباب نُصرة الحقِّ، ودفع العُدوان والظُّلم ودفع الشرِّ والعُقوبات.
عباد الله: اغتنِموا ما بقِيَ من عشر ذي الحجة، فإن العملَ فيها مُفضَّلٌ على غيره، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ منه في عشر ذي الحجة". قالوا: ولا الجهادُ في سبيل الله يا رسول الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجِع من ذلك بشيءٍ"؛ رواه البخاري من حديث ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا". فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين يا رب العالمين.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أظهِر دينَك على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، اللهم أظهِر هديَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - في كل مكانٍ يا رب العالمين.
اللهم فقِّهنا في الدين، اللهم فقِّهنا في الدين، وفقِّه المُسلمين في الدين يا رب العالمين، اللهم تُب علينا وعلى المُسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفَظ الإسلام والمُسلمين في كل مكانٍ في برِّك وبحرِك وجوِّك أجمعين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم ادفَع عنا الغلا والوبا والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطَن، اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضلاَّت الفتن، اللهم ثبِّت قلوبنا على طاعتك يا رب العالمين.
اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتباعَه، وأرِنا الباطلَ باطلاً وارزُقنا اجتنابَه، ولا تجعله مُلتبِسًا علينا فنضلّ، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم نوِّر عليهم قبورَهم، وافسَح لهم فيها، اللهم ضاعِف حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم يسِّر للحُجَّاج والمُعتمّرين يا رب العالمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام رُدَّهم إلى بلادهم سالِمين غانِمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أعِذنا من شُرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذُ بك من شرِّ كل ذي شرٍّ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعِذنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه وجنوده يا رب العالمين.
اللهم أصلِح شبابَنا وشبابَ المُسلمين، اللهم اهدِ شبابَنا وشبابَ المُسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلِح المُسلمين في كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أطفِئ الفتن المُشتعلة في بلاد المُسلمين، اللهم أطفِئها يا رب العالمين بسلامةٍ وعافيةٍ للإسلام والمُسلمين يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا.
اللهم وفِّق عبدَك خادم الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، وأعِنه على كل خيرٍ، اللهم وارزُقه الصحةَ والعافيةَ إنك على كل شيء قدير.
اللهم اغفر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرنا.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألُك أن تحفَظ بيت المقدس، اللهم احفَظ المسجد الأقصَى من عبث العابِثين، اللهم احفَظه من مكر الماكرين، اللهم احفَظه من اعتِداء اليهود عليه، إنك على كل شيء قدير، اللهم اجعَله في حفظِك وكلأتك، اللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألُك اللهم أن تفُكَّ أسر بيت المقدِس، إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90- 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات