اقتباس
هذه فرصتنا لأن نقدم نظامنا الاقتصادي لهذا العالم المترنح، هذا العالم التائه الذي يكتوي بنار ما كسبت يداه، ويصطلي بحر ما أفسده نظامه الرأسمالي الأناني. هذه فرصتنا لأن نقول لهذا العالم: هذه بضاعتنا، وهذه شريعتنا، وهذا اقتصادنا، وهذا إسلامنا. هذه فرصتنا لأن...
وُجِّهت لي دعوة كريمة من مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر لحضور ندوة بالمركز بعنوان: "الأزمة المالية العالمية من منظور إسلامي وتأثيرها على الاقتصادات العربية" يوم السبت 11 من شوال 1429 الموافق 11 من أكتوبر 2008، فقلت في نفسي: وما عساها تضيف لي ندوة كتلك، بعد ما طم الأمر وعم وانتشر، وصارت هذه القضية هي الموضوع الأول للصحف والمجلات والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت وغيرها.
والموضوع (حقا) خطير وشرره متطاير وأصاب كلا منا غبارُه حتى ليكاد يجد كل منا لفح حرارته.
بيد أني رغم ضغوط الحياة وقلة الوقت؛ فقد قاومت تلك الهواجس، وذهبت إلى الندوة، ومع كونها كانت قصيرة فلم تتجاوز الخمس ساعات، إلا أنها كانت جيدة وناجحة بكل المقاييس، فقد وضعت بحوثها (على اختصارها) النقاط على الحروف في قضايا كثيرة، وشخّصت الداء، ووصفت الدواء.
وقد مضت كلمات وبحوث الندوة بسلاسة، فقد كانت الافتتاحية لكل من الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الحليم عمر أستاذ المحاسبة بكلية التجارة جامعة الأزهر ومدير المركز، والأستاذ الدكتور/ سلطان أبو علي أستاذ الاقتصاد جامعة الزقازيق، ووزير الاقتصاد المصري الأسبق.
ثم بدأ أول البحوث والذي قدمه الخبير الاقتصادي الأستاذ/ ممدوح الولي مساعد مدير تحرير الأهرام، والذي كان بعنوان: "الأزمة العالمية وآثارها على الاقتصاد المصري"، ثم تلاه بحث الأستاذة/ بسنت فهمي مستشار بنك التمويل المصري السعودي، وكان بعنوان: "الأزمة المالية العالمية؛ أسبابها وتأثيرها على المصارف وعلاقتها بالاقتصاد".
ثم بحث الأستاذ/ حنفي عوض مدير عام شركة تداول للأوراق المالية، وكان بعنوان: "الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على البورصة المصرية".
ثم كلمة السفير الماليزي، ثم بحث الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الحليم عمر، وكان بعنوان: "قراءة إسلامية في الأزمة المالية العالمية".
وأخيرا: جاء بحث الأستاذ الدكتور/ سلطان أبو علي وكان موضوعه: "ملامح الأزمة المالية العالمية وتقويم سياسات معالجاتها".
ثم تم فتح باب النقاش والمداخلات التي أدارها باقتدار الأستاذ الدكتور/ سلطان أبو علي، فكان مسيطرا على الوقت، وأضفى على جو الندوة شيئا من الطرفة والفكاهة.
وتلى أخيرا عدة توصيات؛ كان من أهمها: ضرورة تحرك الحكومات لوضع الحلول الفعّالة والخطط السليمة، ودعوة الشعوب للاقتصاد وعدم الإسراف في الإنفاق.
وقد كان أحسن ما في هذه الندوة أني خرجت متفائلا، ومعْظِما لشريعة الإسلام، ومُكْبرا اقتصادنا الإسلامي، وأنه بحق يستأهل كل إكبار وكل إجلال وتعظيم، وأنه قد آن الأوان لأن يضطلع مبرّزونا وعلماؤنا بمهمتهم، وأن يقوموا بواجبهم تجاه تلك الشريعة الغراء، وهذا التشريع الإلهي العظيم، فيقدّمونه للعالم المتعطش، المتخبط في ضلاله.
هذه فرصتنا لأن نقدم نظامنا الاقتصادي لهذا العالم المترنح، هذا العالم التائه الذي يكتوي بنار ما كسبت يداه، ويصطلي بحر ما أفسده نظامه الرأسمالي الأناني.
هذه فرصتنا لأن نقول لهذا العالم: هذه بضاعتنا، وهذه شريعتنا، وهذا اقتصادنا، وهذا إسلامنا.
هذه فرصتنا لأن نقول للعالم هذا النظام فيه حل أزمتكم، وضمان مستقبلكم، ولا يعيبه أنّا تخلّفنا، فإنما تخلفنا لأنا تركناه، هكذا.. نكون صريحين، حتّى لا نكون فتنة لهم، في صدهم عن الاقتناع به، فحالنا يجعلهم يقولون: لو كان نظامهم هذا خيرا ما كان حالهم هكذا، وصدق الله إذ يقول في كتابه الكريم: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا) [الممتحنة: 5]؛ فإنه أمر خطير أن نكون فتنة للذين كفروا، ونكون سببا في صدهم عن السبيل.
ومن يدري فقد تكون هذه الأزمة بمثابة فرصة عمليه؛ لأن يتحرك المثقفون منا؛ لأن يقدموا نظامنا الاقتصادي في الإسلام بشتى الطرق والأشكال، وفرصة أيضا للمثقفين منهم للقراءة والتعرف على النموذج الإسلامي في الاقتصاد، فقد جعلت أزمة سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العالمَ الغربي يقرأ عن شخصية محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى عدّ بعض العلماء هذا الأمر منحة لا محنة.
وها هي بشائر ما نقوله تأتي تترا، ففي افتتاحية صحيفة: "لوجورنال دي فايننس" الفرنسية لرئيس تحريرها: "رولاند لاكسين" بتاريخ 25/9/2008 كان عنوان المقال: "هل حان الوقت لاعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية في وول ستريت؟" يقول فيه: "... إذا كان قادتنا حقا يسعون إلى الحد من المضاربة المالية التي تسببت في الأزمة فلا شيء أكثر بساطة من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية.." (انظر: المقال على موقع الجريدة www.jdf.com) كما قال "بوفيس فينست" رئيس تحرير مجلة "تشالنجر" كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا في مقاله الذي كان افتتاحية للجريدة في 11 /9/ 2008 بعنوان: "البابا والقرآن" كان مما جاء فيه: "... أظن أننا بحاجة أكثر من هذه الأزمة إلى قراءة القرآن لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من أحكام وتعاليم وطبقوها ما حل بنا من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد نقودا.." (انظر: موقع الجريدة www.challengs.fr/magazine).
وإن كان كثير من عقلائهم قد نادى بذلك من قرون.
والبعض من أعوام وأشهرهم ما دعا إليه صراحة: "إدوارد آليه" في كتابٍ له يدعو الغرب للأخذ بنظام الاقتصاد الإسلامي.
ألم أقل إن هذه فرصتنا…؟
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم