اقتباس
أيها الخطيب الحبيب: سُمعتك هي رأس مالك، فإن ذهبت ضاعت مكانتك، وسقطت هيبتك، واحتقرك العامة، ونبذك الخاصة. فلتكن أيها الكبير كبيرا بأخلاقك، وحريصا على أخلاقك، ومتثبتا في كل خطوة تخطوها، فإن...
يمثل خطيب الجمعة في التاريخ الإسلامي، وفي الوعي الجمعي للمسلمين أحد أبرز أقطاب الإصلاح وإحياء الأمة، وله في قلوب الناس مكانة عظيمة، وأثر كبير في الواقع؛ وهذا كاف لتوجيه بعض الوصايا لخطباء العالم الإسلامي؛ خاصة مع كثرة النقد السلبي الموجه لهذه الفئة الهامة داخل الجسد الإسلامي.
1- الحرص على السمعة:
يقول المؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توينبي في كتابه: "دراسة لتاريخ" أنه كل الحفريات التي كانت تبحث في الحضارات الماضية وجدت أن كل الحضارات قد عرفت المعابد، وكانت الآثار التي يجدها علماء الآثار أهم دليل على ذلك، ثم قرر قاعدة نفيسة: "الإنسان متدين بطبعه"، ونحن نقول: إن الإنسان متدين بفطرته، والواقع خير شاهد على هذا التقرير، ففي الأرض اليوم مئات الشعوب، ولا تجد شعبا لا يتدين بدين ما، هذا غير الديانات السماوية التي حرفت كالنصرانية واليهودية، ولا يزال البشر يقدسون الرموز الدينية بشكل عام.
فإذا كان هذا حال الإنسان، وحال الأمم الأخرى، فإن الخطيب المسلم يجب أن يتذكر أنه يرتقي خير منبر عرفه التاريخ، منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه يخاطب خير أمة أخرجت للناس، فهو يخاطب أمة الإسلام، أمة الرسالة السماوية الخاتمة، أمة الحق.
وليعلم الخطيب أن الأمة الإسلامية لم تزل على مر تاريخها تحترم العلماء والفقهاء، ولا يزال لخطباء المساجد مكانتهم العالية، ولا يزال المسلمون يقدسون حرمة المساجد، ولا يزال ليوم الجمعة مكانته كعيد أسبوعي بين المسلمين، ولا تزال لصلاة الجمعة تلك المكانة المعظمة بين جموع المسلمين، ولا يزال الإمام والخطيب محط أنظار المجتمع، ولا تزال كلمته مسموعة في العديد من المجتمعات الإسلامية.
فالوصية أن يحذر الخطيب من تلويث سمعته، وأن يعلم أنه يفارق بقية المسلمين في أمور كثيرة، وأنه لا يشبه بقية الموظفين (إن كان يرى نفسه موظفا) والواجب عليه أن يرى نفسه رجلا صاحب رسالة، ورأس حربة التربية والتوعية الإسلامية، فليحذر من المسائل الأخلاقية، وليهرب من كل ما يشين سمعته الشخصية والدعوية على سواء، بالخصوص مسائل النساء والمال، لأسباب يعرفها من الناحية الشرعية، ثم لسببين آخرين هامين جدا، هما:
أولا: يجب على الخطيب أن يعلم أنّ المجتمع العربي الحالي (والبعيد عن التدين بالإسلام في كل تصرفاته) يهول من المسائل الأخلاقية، ثم يزيدها تهويلا إذا كان أحد أطرافها من أهل العلم والدعوة، ولا يقبل منهم أي خطأ.
ثانيا: أن يتذكر خطيب المسجد أنه يعيش في زمن انتشر في بين الناس خُلُق ذميم، ألا وهو: حب فضح أهل الخير والفضل، والنيل من أعراضهم، بعد أن زين لهم أعداء الإسلام، ورفقاء الشيطان عداوة أهل الصلاح.. في زمن استسهل الناس تشويه المصلحين والدعاة والعلماء دون خوف أو حياء؛ فإنه ينبغي عليك أن تضع هذا الخطر في ذهنك، فلا تفرط فيه أبدا، وأن لا تضع نفسك في مواطن الشبه، ومواضع التهم، فأنت تحت المجهر الاجتماعي الذي لا يرحم، واعلم أن الناس تغفر للجميع زلاتهم وتنساها إلا زلات أهل العلم من العلماء والخطباء والفقهاء والدعاة.
أيها الخطيب الحبيب: سُمعتك هي رأس مالك، فإن ذهبت ضاعت مكانتك، وسقطت هيبتك، واحتقرك العامة، ونبذك الخاصة.
فلتكن أيها الكبير كبيرا بأخلاقك، وحريصا على أخلاقك، ومتثبتا في كل خطوة تخطوها، فإن رأيت أن الأمر ثقيل، وأنك تحمل على كتفيك جبل كجبال تهامة، فلتدع الخطابة لمن يستحقها، وبهذا ترتاح وتريح، فإن أبيت إلا المضي في طريقك الشريف والخطير فلتكن قدوة ونموذجا ومثالا للمسلمين في معاملاتك وتصرفاتك.
ومما يعينك على الحفاظ على سمعتك: أن تكون لك صحبة خيّرة طيبة، تحب لك الخير، وتعينك على الحق، وترجع إليهم في الأمور الهامة والحساسة، فقد أثبتت التجارب أن الإنسان الذي لا يملك رفقة من هذا النوع، أو يفضل الانطواء أنه يقع في مزالق خطيرة، ومطبات شديدة، وزلات عظيمة، فتأمل هذا.
واعلم أن أعظم ما تناله بعد رضى الله -تعالى- عنك أن تفوز بنعمة السمعة الطيبة، وأن يذكرك الناس بكل خير، وأن تعيش واثقا من نفسك وكلماتك وأعمالك وتصرفاتك.
الخطيب بين الوظيفة والرسالية:
تعيش الأمة الإسلامية اليوم تحت تأثير تراكمات تاريخية سلبية متعددة، تركت آثارها الوخيمة على الفرد والمجتمع على حد سواء، وأبرز هذه التراكمات تكمن في: إسقاط الخلافة العثمانية التي تعتبر أكبر كيان موحد وجامع للأمة، ومن التراكمات الخطيرة مخلفات الاستعمار المادية والبشرية، وسياسات وكلاء المستعمرين بعد خروجهم، لذلك يرزح العقل المسلم منذ حقب طويلة تحت تجاذب تيارات فكرية متناقضة مع الهوية الإسلامية، شرقت به شرقا، وغربت به غربا؛ حتى أفقدته بوصلته الإسلامية في الحياة، فما عاد يفرق بين السليم والسقيم، والداء والدواء، وانتهى به المطاف في متاهة المنظومات الوضعية المتخلفة، والمسيطرة على التربية والثقافة والإعلام، والمُسيَّرَة وفق أجندات أعداء هوية الأمة الإسلامية، ولم يخرج منها (المسلم) إلا وقد تشكل وفق ما خططوا له، حيث يعاني من تشوه فكري، وانحطاط أخلاقي، ومسخ نفسي، ولم يسلم من هذه المسلخة الفكرية إلا ثلة من المُخْلصين، استخلصهم الله لنصرة دينه، والذود عن بيضة الإسلام، وحماية الناس من الظلم وتوابعه، ومن الطبقية ومشتقاتها، ومن الاستعباد والإذلال والاستصغار.
إن أخطر ما تمكن من فعله المستعمرون (ومعهم المستشرقون) خلال القرنين الماضيين: صب سمومهم بشكل ممنهج، ونشر شبهات كثيرة جدا في العقل الجمعي للأمة، وعملوا أيضا على تأليف عشرات المصنفات والبحوث، التي تهدف لتشويه الإسلام، وزعزعة إيمان أهله، وجعلوا هذه المؤلفات مادة تسهل على جنودهم معرفة وسائل وطرق هدم الإسلام من الداخل.
وها هي الأمة تجد نفسها محاصرة من كل جانب، بعد أن تكالب عليها كل من تشبع بشبهات المستشرقين والتغريبيين بل والشهوانيين الذين لا يرون الحرية إلا في الانغماس في الحياة البهيمية، والجري وراء الشهوات البدائية؛ حتى صار الطعن في مصادر التشريع الإسلامي، وأصول الإسلام، ومحاولة رسم تصور إجرامي لتاريخ المسلمين، وإلصاق كل تهم التخلف والفساد والتعاسة بالإسلام، أصبح أمرا سهلا وعاديا عند الكثير من الذي اتخذوا اجترار عفن المستشرقين منهجا ووسيلة؛ لهدم نفسيات المسلمين، وبث الفوضى في حياتهم، وشلّهم عن مقاومة التحديات التي تهدد هوية ووجود المسلمين.
ويمكن القول أن وكلاء الاستعمار نجحوا فيما لم ينجح فيه من استخلفهم، بل فاق نجاحهم تصوره، فما عجز عن تجسيده المستعمر الخائب في قرنين، حققه أولياؤه في عقد واحد في بعض الدول كالجزائر مثلا؛ ولذلك تقرر عندهم اليوم قبل أي وقت مضى بعض القواعد في التعامل مع أمة الإسلام، ومنها: أن الطريق الأسهل نحو إحكام الهيمنة على عقل وقلب المسلم هي ضربه في وعيه، بعد أن عرفوا أن الغزو العسكري يستثير مناعة الأمة، ويُحيي فيها سنة التدافع، ويشعل جذوة الفروسية والتضحيات، ويسهم في إحياء كل شرائح المجتمع، وبالتالي يؤدي الغزو إلى نتائج عكسية تماما لما أرادوه. وتقرر عندهم أيضا أن أفضل وسيلة لتنفيذ مخططاتهم استعمال أبناء جلدتنا، الذين أحسنوا رضاعتهم وفطامهم على التآمر ضد أمتهم؛ لذلك يحمونهم ويقفون خلفهم ويزينونهم للناس.
وأمام هذا الواقع الخطير، والذي قد يصل تأثيره المسموم كل بيت وفرد؛ فإنّ الأمّة تعقد أملها على فرسان المنابر، الذي يبعثون فيها روح التحدي والوثوب، ويزيلون عنها غشاء الفتور والعجز، الأمل معقود على فرسان العزّ من المصلحين والخطباء المميزين الرساليين، الذي نالوا حظهم من العلم والحكمة، وخبروا الحياة، وفهموا سنن الكون، وفقهوا مسائل الصراع على الأرض؛ لإيقاظ الغافلين، وإحياء العز في النفوس المسلمة، ونفض غبار الذّل عنها، واستنهاض الهمم، وتحقيق التوتر النفسي؛ الذي يدفع إلى تغيير ما بالأنفس؛ فإن كان من اهتمامات الإسلام إحياء الأرض الموات لنفع الناس؛ فإن من أسمى مقاصده إحياء القلوب، والعقول والنفوس، وسقيها بماء الصلاح والفضيلة، بدل ماء التعاسة والشقاء الذي تتشربه من أيدٍ تظهر الخير، وتضمر الشر.
إنّ الكثير من الصالحين قد نجحوا في تحقيق أهدافهم الدنيوية، فنالوا مراكز ومناصب تمنوها، وأمّنوا لأنفسهم راتبا ومساكن وتجارات، وربّوا أولادهم، وأوصلوهم إلى ما خططوا إليه، ومع تحقيق كل ما أرادوه، إلا أن حظ الكثير منهم في وضع مشروع معين لخدمة المسلمين قليل أو معدوم، وإلى هؤلاء يقال: لقد قضيتم ما قضيتم من حياتكم، وذهب شبابكم، وكبُر أولادكم، وقد عملتم لدنياكم، وأصبتم منها أغلب ما أردتم، ولم يبق أكثر مما فات من عمركم، فاجعلوا لكم خطة عمل تفيد أمتكم وتفيدكم عند رحيلكم، فالمسلم يستحيي أن يعطيه ربه ما إليه سعى، ثم هو يقصر في خدمة أمته وأرضه ومجتمعه، فلتعزم هذه الفئة على استقبال ما بقي من أيامها بعمل عام صالح، فما أكثر الفرص والثغرات التي تحتاج إلى عطائهم وأيدي البذل.
وإنّ الغايات الكبرى التي يجب أن يحرص عليها الخطيب وهو يساهم في إثراء الحياة عند المسلمين، أن تكون الأمة عزيزة الجانب، مهابة الأمر، وشباب الأمّة أحق الناس بتحقيق هذا الجانب، فيا خطباء المساجد ذكروا أنفسكم بهذا، وقولوا للمصلين والمخاطبين: لتأخذوا أدواركم، ولتأخذوا بكل سبب يرفع الغبن عن أمتكم، ويقلع بها الإقلاع الحضاري المنشود، كل في منصبه، وكل في اختصاصه، وكل في ثغره، ولا تتركوها تصارع المغتصبين لوحدها، فقد رموها عن قوس واحدة، وقد أنهكها قعودكم، وأتعبها غيابكم، فليكن لكم يد في إنقاذها من براثن الأشرار، وشياطين الظلام، فإنكم بذلك تنقذون الأعراض الغالية، والنفوس الحائرة، والأموال المسلوبة، والدماء العزيزة، والأرض المغصوبة، والأجيال الضائعة، والمستقبل المنشود، ولا يعجز أحدكم ولا يقل هلك الناس، ولا ينقد لليأس بما يراه من طغيان الباطل، ووحشة الطريق، وضعف النصير، وغربة الأيام، وشراسة المجرم، فإن المسلم يتخذ الأسباب ويعمل بموعود الله، ولا يقعده الواقع المرّ؛ مصداقا لقوله تعالى: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21]، والحمد لله رب العالمين.
3- التحضير الجيد:
أيها الخطيب: تذكر جيدا أن تلك الدرجات التي تصعدها كل يوم جمعة محسوبة عليك، فلا تصعدها إلا بحقها، وحقها أن تكون في المستوى المطلوب، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالتحضير الجيد والإعداد الواعي.
وعلى الخطيب أن يسأل نفسه كل أسبوع هاته الأسئلة: لماذا أنا هنا؟ وما الذي أريده من خطبتي؟ لماذا أخطب؟ وماذا سأقول؟ وكيف سأخطب؟ ومن هؤلاء الذين أتوا لسماع الخطبة؟ وما الذي ينتظرونه مني؟ ما هي نظرتهم إلي؟ ومن هم في نظري؟
إن الخطيب الحيّ الفطن يسأل نفسه هذه الأسئلة حتى يوقظ فكره، ويجدد نيته، ويستفيق من البلادة التي قد تصيب قلبه بسبب الألفة والروتين والاعتياد، والسعيد من وفقه الله -تعالى- إلى امتلاك هذا الوعي، وهذا الضمير الرسالي.
أيها الخطيب المؤتمن على المسلمين ودينهم كل جمعة تعلم جيدا أن أي مشروع يريد صاحبه أن يصل به إلى نهايته المأمولة، لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق التحضير المتكامل، والتخطيط المنهجي الشامل؛ لأسباب كثيرة، من بينها: أن المجتمعات التي يخابطها اليوم تتغير بسرعة، وأيضا قد صارت متشبعة بالكثير من المعلومات، التي تكررت هنا وهناك في مختلف المجالس والمواضع؛ لذلك فأنت لست مطالبا بالإتيان بالجديد، فهذا ليس دور الخطيب، الذي يرتكز دوره الأكبر على تذكير المسلمين بأركان دينهم، وأساسه، بل دوره التجديد، أي إعادة إحياء ما أماته الناس من فرائض وسنن وقيم وأحكام وأخلاق وتصورات، ولا شك أن هذا العمل كبير وشاق، لا كما يتصوره البعض من أنه عمل روتيني ميسور، كما أن هذا التجديد (إعادة بعث الإسلام نقيا صافيا غير مشوه ولا مشوب بانحرافات وبدع ألصقها به السلطان أو العامة) هو جوهر الخطابة كما سبق، وعليه مدار رسالة الخطيب.
لماذا على الخطيب أن يحضر خطبته؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
أولا: الحقيقة التي يصدح بها الواقع أن الكثير من الخطباء قد صار يمتلك رصيدا لا بأس به من المواضيع، وخبرة لا بأس بها في ميدان الخطابة، لكن هذا لا يعفيه أبدا من الإعداد والتحضير.
ثانيا: التحضير يجعل الخطيب واثقا من نفسه، لماذا؟ لأنه قد جهز نفسه، ونظم خطبته ورتب عناصرها ترتيبا منطقيا متسلسلا.
ثالثا: يساهم التحضير في الارتقاء بمستوى الخطيب، ويحلق به في الآفاق العليا للخطابة والإصلاح.
رابعا: لاشك أن الخطيب الذي لا يحضر مواضيع خطبته، يتعرض للارتباك والتعثر عادة، بينما يجعله التحضير يتغلب على مختلف المواقف، وعلى العصوبات التي قد تعترضه، وهذا ما يرفع معنوياته، ويحبب إليه الخطابة.
خامسا: إن التحضير يجعل الخطيب يظهر بمظهر المتجدد، حيث تأسر مهاراته المصقولة بالتحضير والخبرة قلوب المخاطبين، ويحفظ له قيمته بين المخاطبين، أما الذي لا يحضر فإنه يصبح عرضة للسخرية، خاصة لو جاروه خطيب مسجد مفوه مميز، والناس تميز، وألسنتها لا ترحم من يتلاعب بقدسية الجمعة وخطبتها.
أما طرق التحضير، فهذا موضوع طويل، يمكن للخطيب أن يراجع الكتب التي تتحدث عن التحضير، والتخطيط العلمي والتربوي والخطابي، ويستفيد مما وصلت إليه الدراسات والبحوث المنشورة والمطبوعة، وسنخصص له مادة مستقلة بإذن الله، على ضوء ما وصلت إليه البحوث الرصينة.
ولكن يمكن التركيز على أمرين هامين هما:
الأول: إذا أراد الخطيب أن يعالج موضوعا، فعليه أن يعالجه بروح متحمسة ووثابة، وأن يتحمس له، فهذا مما يورد في قلبه الخواطر والأفكار، وعليه أن يدونها واحدة واحدة، وأن لا يتركها تشرد منه دون أن يقيدها، فما يصل إليه من أفكار بنفسه يبقى ويرسخ، عكس ما جاء بلا حماسة ولا تفكر، ولاشك أن أغلب الخطباء قد ذاقوا يوما ما لذة النجاح في تقديم خطبة صادقة مميزة، وكان الفضل بعد توفيق الله -تعالى- يرجع أساسا إلى تحمسهم إلى الموضوع ومعالجته بحرقة دافعة نحو التحضير والتوسع في جوانبه لخدمته خدمة راقية مفيدة مؤثرة، ولا ريب أن جل الخطباء قد جربوا وذاقوا مرارة الخطب التي مرت على المخاطبين كأنها لا شيء، إذ لم تحرك قلوبهم، ولم تثر نفوسهم، وما دام الأمران قد حصلا معا فإن هذا يكفي ليجعل الخطيب يعيش سعادة النجاح كل أسبوع، وطريقها الصدق والحماسة في التحضير.
الثاني: بعد أن يتحدد الموضوع وتكثر الأفكار في عقل الخطيب، فإن عليه أن يخطط للموضوع ويجهز له ويتصوره ذهنيا، فهذا مام يجعله يوم الخطبة مستعدا وواثقا بنفسه، ويسهل عليه إلقاء خطبته بجدارة واقتدار، ومن لا يملك هذه الملكة، فإنه يستطيع اكتسابها إذا تمرن عليها، وأكثر من ممارستها، فالعلم بالتعلم، وعليه أن يصبر، وسيجد في الأخير نتيجة صبره واجتهاده، وفوق ذلك رضى الله -سبحانه وتعالى- عنه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم