خطبة ( لماذا يصلون ) في 22-2-1442

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1442/02/21 - 2020/10/08 22:08PM

الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إنه كان بعباده خبيراً بصيراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً وسراجاً منيراً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن كان بهديه مستنيراً وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله يا أمة الإسلام واعبدوه واشكروا له، إليه ترجعون.

في كل عصر وجيل تراهم ، وجوههم مشرقة ، ونفوسهم مطمئنة ، وأرواحهم محلقة ، وقلوبهم بالمساجد معلقة .. تراهم مابين ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات .. يجمعهم الشوق إلى لقاء الله في بيت الله .. حينما ينادي منادي الله للصلاة تراهم يسارعون لها وهم لها سابقون .. لايرون في الصلاة هما يلقى.. ولا عبئا يرمى .. بل روضة تقصد ونعيما لاينفد وقرة عين لاتنقضي .. إنهم المؤمنون الذين على صلاتهم دائمون والذين هم على صلواتهم يحافظون .. إمامهم وقدوتهم سيد الورى وخير من وطيء الثرى وهو يرسم في لحظات حياته الأخيرة مشهدا من حب الصلاة والتعلق بها قولا وفعلا ، فأما القول ففي نداءه الأخير : الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ، وأما الفعل فحينما كان يغمى عليه وإذا أفاق سأل أصلى الناس يفعل ذلك مرات حتى عجز عن القيام وحينما وجد خفة قام يهادى بين رجلين ورجلاه تخط في الأرض حتى أقيم في الصف

إنهم المؤمنون المخبتون ليسوا ممن يأتون الصلاة وهم كسالى وليسوا ممن تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة .. وليسوا ممن يتكلفون الأعذار للتخلف عن ركب المصلين في المساجد .. بل إنهم إذا سمعوا نداء الله أجابوا النداء مرددين ماقاله نبيهم ( ارحنا بالصلاة )

وأنت ترى قوافل المصلين تترا ، وترى مشاهد المترددين على المساجد ترسم مشهدا يسر الناظرين  ويشفي صدور قوم مؤمنين .. وأنت تسمع عن سعيد بن عبد العزيز أنه كان إذا فاتته صلاة الجماعة بكىوتسمع عن عامر بن عبد الله وقد سمع المؤذن وهو يجود بنفسه ومنزله قريب من المسجد، قال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل فقال: أسمع داعي الله فلا أجيبه، فأخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات. وتسمع عن مثل هذه المواقف في كل عصر وجيل ثم تتساءل : ماالذي يدفع هؤلاء ولأمثالهم إلى هذا الحنين لبيوت الله ؟ ماالذي يجعلهم يتركون بيوتهم ويغادرون فرشهم ويغلقون محلاتهم لكي يقفوا بين يدي الله في بيوته .. ماذاك السر العجيب الذي يجعلهم يقبلون على الصلاة بكل شوق ويتلهفون شوقا إلى الصلاة بعدها ويجدون راحتهم وسعادتهم في تمريغ الجباه على التراب ومناجاة رب الأرباب

أما إن أعظم دافع لهم لهذا التسابق العجيب هو إيمانهم بالله وتسليمهم لأمره .. إنهم يصلون لأن الله أمرهم فقال : وأقيموا الصلاة ، فليسوا بحاجة إلى تعليلات ومبررات أخرى .. هذا هو مقتضى الإسلام والذي يعنى الاستسلام لله والتسليم لحكمه .. وإن المسلم ينفذ أوامر الله بكل رضا وتسليم فلايتضايق ولايتحرج ولايتمنى خلاف هذا الأمر بل يسلم تسليما ويقول ( سمعنا وأطعنا .. آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول .. ) وبدون هذا التسليم والانقياد لايؤمنون .

إنهم يصلون لأنهم يدركون أن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، إذ يقول الله سبحانه وتعالى في المشركينفَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ

إنهم يصلون لأن الصلاة هي العاصمة للمسلم في دمه وماله وعرضه فعن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قسم الغنائم، قال رجل: يا رسول الله! اتق الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ويلك! ألست أحق أهل الأرض أن أتقي الله؟! فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: ألا أضرب عنقه يا رسول الله؟!  فقال صلى الله عليه وسلم: لا، لعله أن يكون يصلي

إنهم يصلون لاتقليدا ولا رياء ولامجرد فرض يؤدى ولا شعورا بأن الله بحاجة لصلواتهم وإنما يصلون لفقرهم وحاجتهم لربهم وشعورهم بأن الصلاة هي صلتهم بالله فبها ينطرحون بين يديه وبها يقتربون منه ويفضون بحاجاتهم ويقدمون مطالبهم وسؤالاتهم إلى من بيده ملكوت كل شيء وأقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد

إنهم يصلون لأنهم تعتريهم مشكلات ومعضلات وشدة ولأواء فيجدون ماوجده نبيهم في الصلاة ملاذا وملتجأ فقد كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة

إنهم يصلون لأنهم تعتريهم الهموم والغموم وتضيق صدورهم من مكدرات الحياة فيجدون في الصلاة ماوجده نبيهم من راحة وطمأنينة وسعادة فقد كان ينادي بلالا ( أرحنا بالصلاة ) ويقول ( وجعلت قرة عيني في الصلاة

إنهم يعملون ويبيعون ويشترون لكنهم إذا نادى المنادي للصلاة انقلبت موازين اهتماماتهم وانصرفت قلوبهم للشوق إلى مصدر رزقهم ومنبع سعادتهم متأسين بقدوتهم صلى الله عليه وسلم والذي تقول عنه عائشة رضي الله عنه: كان رسول الله يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه وحيث كان الواحد من السلف في محله وقد رفع مطرقته فيسمع النداء فلايردهالأنه في شوق إلى مكان راحته ومستقر سعادته .. إنهم رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار

إنهم يؤمنون أن الرزق الذي ينشدونه سبيله الصلاة ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر .. ) وإبراهيم عليه السلام حينما وضع ذريته في واد غير ذي زرع قال ( ليقيموا الصلاة ) فهو يعلم أنهم يوم أن يقيموا الصلاة سيأتي الرزق والأمن وصفاء الحياة

إنهم يصلون لأنهم يخشون نارا وقودها الناس والحجارة .. يخشون ذلك السؤال المرير : ماسلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين .. يخشون يوما يدعون فيه إلى السجود فلايستطيعون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة لأنهم كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود وهم سالمون فلايستجيبون

إنهم يصلون لأنهم يؤمنون أنه لايصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح وأنه من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح

أقول هذا القول ...

الخطبة الثانية  أما بعد :

فإن رجال المساجد يصلون لأنهم يدركون أن الصلاة فصل مابين الإسلام والكفر والفارقة بين الإيمان والنفاق ..يصلون لأنهم يلتمسون صفحة بيضاء بلاذنوب ولاخطايا والصلوات مكفرات لمابينهن .. يصلون لأنهم أحبوا لقاء الله فأحب لقاءهم فوفقهم وهداهم

ومن بعد هذا يامسلمون فليتحدث التأريخ عن جيل الصلاة وعن إمامهم سيد الورى وأنه كان في سكرات الموت يسأل عن الصلاة .. فليتحدث عن عمر الفاروق وقد طعن وأغمي عليه فتكون وسيلة الإنعاش تذكيره بالصلاة فلما قيل له الصلاة ياأمير المؤمنين أفاق وقال هاه لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى وإن جرحه يثعب دما .. فليتحدث التأريخ عن رجل معاصر فاتته صلاة الفجر جماعة فظل يبحث عن مساجد لعله يدركها فلما لم يجد ظل يومه حزينا لايكلم أحدا وجلس في المسجد يومه كله مصليا وذاكرا .. فليتحدث التأريخ عن شباب لاتبدو عليهم مظاهر الالتزام لكنهم مع الصلاة أول المبادرين وآخر المغادرين تراهم خلف الإمام في خشوع والتزام .. في وقت تجد وللأسف من محسوبين على الاستقامة والالتزام بل وممن يتسنم وظيفة مؤذن أو إمام وتراهم في ركب المخلفين أو ينافس الكسالى في مساجد المحطات حيث صلاة شوهاء لاطعم فيها ولارائحة .. لاخشوع ولاخضوع .. لااطمئنان ولا تدبر .. لاأذكار ولا تنفل .. إنما هي حركات تعبر عن همّ يلقى وثقل يرمى يخرج من بعدها المصلي كما دخل لاتنهاه صلاته عن فحشاء ولامنكر

فياحسرة على المتبعين للشهوات والمضيعين للصلوات فسوف يلقون غيا .. ياحسرة على من يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون

آه ثم آه من نفوس تحركها مصالحها ولذاتها العاجلة ولاتتحرك لنداء الرحمن يناديها للصلاة وللفلاح وللرحمة والرضوان .. آه ثم آه من غفلتنا ورقدتنا عن كنوز الحسنات وبحار الأجور التي ضيعها من ضيع صلاته .. فإلى كل من جعل الصلاة آخر اهتماماته .. ‘ن صلتك بربك بمقدار اهتمامك بصلاتك فانظر موقع الصلاة من قلبك واعمل ماشئت ولكن تذكر أن جسمك على النار لايقوى وأن العاقبة للتقوى

اللهم صل وسلم

 

 

 

 

[7]

 

المشاهدات 1001 | التعليقات 0