اْعْرِفْ قَدْرَكَ عَندَ اللهِ ( الجمعة الثالثة 1441/12/17هـ ) مختصرة ومشكولة

يوسف العوض
1441/12/15 - 2020/08/05 05:28AM
الخطبة الأولى
 
الْحَمْدُ للهِ حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيرَاً مُبَارَكَاً فِيهِ كَمَا يَحُبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُه وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ )  وبعد ..
 
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ قَدْرَكَ عِنْدَ اللَّهِ فَانْظُرْ أَيْنَ أقامَك !! إذَا شَغَلَك بِالذِّكْر فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَذْكُرَك وَإِذَا شَغَلَك بِالْقُرْآنِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَك ، وَإِذَا شَغَلَك بِالطَّاعَاتِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَرَّبَك ، وَإِذَا شَغَلَك بِالدُّنْيَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ أَبْعَدَك ، وَإِذَا شَغَلَك بِالنَّاس فَاعْلَمْ أَنَّهُ أَهَانَك . . وَإِذَا شَغَلَك بِالدُّعَاءِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَك ، فَانْظُر لحَالِك بِمَ أَنْت مَشْغُولٌ ، فمَقامُكَ حَيْثُ أَقامَكَ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) . 
 
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَتَأَمَّلْ وظيفتَك فِى الدُّنْيَا ، فَمَنْ كَانَ مشغولاً بِجَمْعِ الْحُطَامِ ، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا ، فالدُّنيا لَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، وَلَوْ كَانَتْ تَسَاوَي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كافراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ، قَالَ تَعَالَى :  ( وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ  وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )  فَلَوْلَا أَنْ تَكُونَ الْفِتْنَةُ شَدِيدَةً عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ فَيَصِيرَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الشِّرْكِ ، لَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لحقارةِ الدُّنْيَا عِنْدَه لِبُيُوتِهِم سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وأبراجَ وَمَعَارِجَ يَرْتَفِعُون عَلَيْهَا ، ولبيوتهِم أبوَاباً وسُرُراً عَلَيْهَا يَتَكِئون وَزَخَارِفَ ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْحَقِيرِ ، ثُمَّ جَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآخِرَةَ وَجَعَلَهَا لِلْمُتَّقِين فَقَالَ تَعَالَى ( وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )    .
 
قَالَ بَعْضُهُمْ :  من عَلَامَةِ خِذْلَانِ اللَّهَِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ، أَىّ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْخَيْرِ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
فمَنْ كَانَ مشغولاً بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُعْلَمْ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْراً وشَأناً ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَقَامَك فَانْظُرْ أَيْنَ أقامك !! . 
 
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ خَلْقَهُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَشْقِيَاءَ وسُعداءَ وَجَعَل السُّعَدَاءَ قِسْمَيْنِ أَهْلَ قُربٍ وَأَهْلَ بُعْدٍ أَوْ قُلْ أَهْلُ يَمِين ومقربين وَهُمْ السَّابِقُونَ فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ نَفْسَك هَلْ أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَانْظُرْ فِي قَلْبِك فَإِنَّ كُنْتَ تَصَدِّقُ بِوُجُودِ رَبِّك وتُوحِدُه فِي مِلْكِهِ وَتَنْقَادُ لِمَن عَرَّفَكَ بِهِ وَهُوَ رَسُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلَامُ فَأَنْت مِمَّن سَبَقَتْ لَهُ الْحُسنى وَإِنْ كُنْتَ تُنْكِرُ أَو تَشُكُّ فِي رَبِّك أَو تُشْرِكُ بِهِ غَيْرَهُ فِي اعْتِقَادِك أَوْ لَمْ تُذْعِن لِمَن عَرَّفَكَ بِهِ فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ ثُمَّ إنَّ وَجدَّتَ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ هَلْ أَنْتَ مِنْ المُقرَّبين أَوْ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَانْظُرْ فَإِنَّ كُنْت مِمّنْ يَسْتَدَلُّ بِأثْرِه عَلَيْهِ فَأَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَإِنْ كُنْتَ مِمّنْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَأَنْتَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ ، ثُمَّ إنَّ عَرفْتَ أَنّك مِنْ أَهْلِ الْيَمِين وَأَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ قَدْرَك عِنْدَه هَلْ أَنْتَ مِنْ الْمُكْرَّمَين أَوْ مِنْ المُهَانِين فَانْظُرْ فَإِنَّ كُنْت تَمتثلُ أَمرَه وَتَجْتَنِبُ نَهْيَه وَتُسَارِعُ فِي مَرْضَاتِهِ فَأَنْتَ مِنْ الْمُكْرَمِين وَإِنْ كُنْت تَتَهَاوَن فِي أَمْرِهِ وتتساهل فِي نَوَاهِيه وَتَتَكَاسَل عَنْ طَاعَتِهِ وتَهتِكُ حُرمَاتِه  فَأَنتَ وَاللَّهِ عِنْدَهُ مِنْ المُهانِينَ المَحرومِين المَطرودِين إلَّا أَنْ تَتدارك عِنَايَةٌ مِنَ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
 
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ .
 
الخطبة الثانية
 
الحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِين ، وبعد ..
 
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَالَهُ عِنْدَ اللَّهِ فَلْيُنْظَرْ مَا لِلَّهِ عِنْدَهُ وَمِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَتَهَ عِنْدَ اللَّهِ فَلْيَنْظُر كَيْف مَنْزِلَةَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَلْبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ الْعَبْدَ حَيْثُ أَنْزَلَه الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى  وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى  وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )  . .
 
هَذَا وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفَّقَ الْجَمِيعَ لِطَاعَتِه وَهَدَاه ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّين .
المشاهدات 3059 | التعليقات 0