هيا نعظم ربنا!

حسن الحربي
1441/11/11 - 2020/07/02 04:14AM

الحمد لله الذي رفع السماء بلا عماد، وبسط الأرض، وجعل الجبال فيها كالأوتاد، خلق الخلق فاحصاهم عددا
وقسم الارزاق ولم ينسي منهم أحدا
{ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا
والذي كان بعباده خبيراً بصيراً، جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

أيها المسلمون:
نحن في عصر طغَتْ فيه المادِّيات، وزادَتْ فيه الملْهِيات، وأبهرتِ العقولَ التِّقنيات،

فكان لزامًا أن يُذكِّر الانسان نفسه بعظمة خالقه
ويتأمل في بديع صُنْعه جل في عُلاها.

وأن يُمعن النظر في مخلوقات الله. متأملا في هذا الكون العجيب، وما فيه من الإتقان الرهيب.

ومهما بلغ هذا العالم اليوم من التطوّر والتحضّر والعلم.
فلن يبلغ مثال ذرة من علم الله ولا علم له إلا ما علمه الله له.

غمس عصفور منقاره في البحر فقال الخضر لموسى عليها السلام ،، ما عِلْمُكَ وعِلْمِي وعِلْمُ الخَلَائِقِ في عِلْمِ اللَّهِ إلَّا مِقْدَارُ ما غَمَسَ هذا العُصْفُورُ بمِنْقَارَهُ.

يقول علماء الفلك اليوم كأننا في هذا الفلك الفسيح.
في روضة اطفال نتعلم بديهيات الحروف والارقام.
صدق الله (.وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)

(. وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ...)

لله في الآفاق آيات لعل * أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته * عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا * حاولت تفسيراً لها أعياكا


قال الحسن البصري: " تفكر ساعة خير من قيام ليلة"

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ركعتان مقتصدتان في تفكر، خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب)

ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل ذكر الله خاليا ً ففاضت عيناه.

فانظر! يا عبد الله نظرة مستبصر فيما حولَك
مِن نباتٍ وشجَرٍ، ورمْل وحجر، نهار وسحر، شمس وقمر
عجماوات وبشر، خير وشر. عسر ويسر.

تبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا

إن النظر في آيات الله الظاهرة، آلائه الباهرة ليغذي تعظيم الله في القلوب؛
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (التأمل في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة)

((الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. )
**
السماء بغير عمدٍ ترونها، من رفعها؟
الكواكب من زيَّنها؟ الجبال: من نصبها؟
الأرض: من سطحها وذلَّلها وقال: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا؟
الطبيب: من أرداه وقد كان يرجى بإذن ربه شفاه؟
المريض وقد يُئِس منه: من عافاه؟
الجنين في ظلماتٍ ثلاثٍ: من يرعاه؟
الثعبان: من أحياه والسُّم يملأ فاه؟!
الشَّهد: من حلاَّه؟ اللبن: من بين فرث ودم من صفَّاه؟
الهواء تحسُّه الأيدي ولا تراه الأعين: من أخفاه؟
الصخر: من فجَّر منه المياه؟
الليل: من حاك دُجَاه؟ الصُّبح: من أسفره وصاغ ضحاه؟
النوم: من جعله وفاة، واليقظة منه بعثاً وحياة؟
الطير في جو السماء: من أمسكه ورعاه؟ في أوكاره من غذَّاه ونمَّاه؟
الجبار: من يقصمه؟ المضطَّر: من يجيبه؟ الملهوف: من يغيثه؟ الضال: من يهديه؟ الحيران: من يرشده؟
أنت أنت: مَنْ خلقك؟ من شق سمعك وبصرك؟ سوَّاك فعَدَلَك؟ من يرزقك؟ ويطعمك ويأويك وينصرك؟ (انه الله جل في علاها. )

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ

فهذا الإنسان الضعيف الذي ربما طغى وبغى وقال أنا ربكم الأعلى، {أنا احيى واميت}.

فقد كونه الله من قطرة ماء، تقلّبت وانتقلت بقدرة الله من طور إلى آخر حتى أصبحت عظاما ثم كساها لحما، وشدها بالأعصاب، ونسجها بالعروق، وخلق الأعضاء وركبها تركيبا بديعا في أحسن تقويم
{مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ
فتبارك الله رب العالمين
**
** هذا الكون الفسيح عالية ودانيه، صامتة وناطقُه، أحياؤه وجماداته، كله خاضع لأمر الله، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانية وعظمته، ناطق بآيات علمه وحكمته،
دائم التسبيح بحمده، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ...)
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)

ولو اطلعنا الله على ذلك التسبيح! لذابت أنفسنا خجلا من غفلتنا وتقصيرنا،،
ولطربت أسماعنا من الصوت البديع ، وتنعمت أبصارنا من الجمال الفضيع.
( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ)
كان داوود عليه السلام
إذا سبح بصوته الندي، تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات.
**
وهذا حبيبنا يصف لنا عبادة الملائكة الكرام
وهم خلق هائل من خلق الله.
(لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
(.. أطَّت بهم السماءُ، اي (أصدرت صوتاً لكثر
لكثرة من عليها من الملائكة)
وحقَّ لها أن تئطَ ، ما فيها موضعَ أربعِ أصابعٍ إلا وملكُ قائمٌ ، أو راكعٌ ، أو ساجدٌ.

وهناك ملائكة سجوداً منذ خلقَ اللهُ السَّمواتِ والأَرْضِ، وملائكةً ركوعاً ولا يرفعون رؤوسهم إلى يوم القيامة،
فإذا رفعوا رؤوسهم نظروا إلى وجه الله عز وجل فقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك
**
عباد الله// إن المؤمن وإن غفل وسهى" إلا انه سريع اليقطة والعبرة.
* إذا جن عليه الليل، وأسفر الصباح ذكر الله
* وإذا هبت الرياح سأل الله خيرها واستعاذ من شرها.
اذا لفحته الشمس استعاذ بالله من النار
واذا حسنت الأجواء سأل الله الجنة.
* إذا نزل المطر قال اللهم صيبا نافعا
وبعد نزوله قال مطرنا بفضل الله ورحمته.
* وإذا نزل منزلا قال: أعوذُ بِكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ من شرِّ ما خَلقَ،
فلَم يَضرَّهُ شَيءٌ حتى يَرْتَحِلَ مَن مَنْزِلِه
* وإذا استيقظ من نومه، قال: "الحمد لله الذي عافني في جسدي ورد علي روحي"
ثم ينهض مجيبا داعي الله قائلا: أصبحنا وأصبح الملك لله.
* إذا رأى ما يعجبه برك
(ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله)
ونسب الفضل لله وحده.
وإذا رأى مُبْتَلى قال ((الـحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّـا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً
وترك الشماتة والسخرية.
وفكِّر فيما عنده وَليسَ فيما ليسَ له، فـإنّ " ما عندك " من كرَمِ اللـه، وَمَا " ليس لك " من حكمةِ الله"
قال سليمان الداراني: " إني أخرج من بيتي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علىّ فيه نعمة، ولى فيه عبرة. ً

يظن بالله الظن الحسنً، متوكلا عليه، مفوض امرها اليه، له لساناً ذاكراً؛ وقلباً خاشعاً وجسداً على البلاءِ صابراً
ينزل حاجاته بربه ليقضيها له.
يرد النعمة لمنعمها، ويطلب من الله الزيادة بشكرها.
اللهم يَسِّرْنا لليُسرى، وانفعنا بالذكرى، واجعلنا ممن يخشاك في السر والنجوى، يا رب العالمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
**
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عبده الذي اصطفى وبعد
أَيُّهَا المُسلِمُونَ،
نَفسُ الإِنسَانِ الَّتي بَينَ جَنبَيهِ، عَالَمٌ مِنَ العَجَائِبِ وَالغَرَائِبِ، ومُعجِزَةٌ مِن مُعجِزَاتِ الخَلقِ، لا يَعرِفُ حَقِيقَتَهَا غَيرُ خَالِقِهَا الَّذِي سَوَّاهَا، فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا، فهي تتقلب ما بين إِقبَالٍ وَإِدبَارٍ طِيبٍ وَخُبثٍ، وَأَمرٍ بِالسُّوءِ وَاطمِئنَانٍ إِلى الخَيرِ،
لهذا عالج الاسلام هذه النفس بالآيات الكونية والشرعية
فَجَمَعَ لَهَا بَينَ التَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ، وزاوج بَينَ الرَّجَاءِ وَالخَوفِ، حتى تتوازن نفسه.
ولا تذهب بعيدا عن الله.
تسأل الله الجنة وتمشي في طريقها
وتستعيذ بالله من النار وتتجنب سبيلها.

وَقد قسم القرآن النفس الى ثلاثة اقسام
نَفسٌ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، يَغلِبُ عَلَيهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا بِفِعلِ الذُّنُوبِ وَارتِكَابِ المَعَاصِي،
وَمَا أُبَرِّئُ نَفسِي إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) وهذا القلب الميت والنفس الخبيثة.

** وَنَفسٌ لَوَّامَةٌ تُذنِبُ وَتُخطِئُ، وَلَكِنَّهَا تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى ذَلِكَ وَتُؤَنِّبُهُ، فَيُحدِثُ لِكُلِّ ذَنبٍ تَوبَةً، وَيَسلُكُ بَعدَ الضَّلالِ طَرِيقَ الإِنَابَةِ،
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)
** وَنَفسٌ مُطمَئِنَّةٌ، تُحِبُّ الخَيرَ وَتَفعَلُ الحَسَنَاتِ، وَتُبغِضُ الشَّرَّ وَتَجتَنِبُ السَّيِّئَاتِ، قَدِ اطمَأَنَّت إِلى مَولاهَا في قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَاطمَأَنَّت إِلَيهِ في دِينِهِ وَشَرعِهِ، وَاطمَأَنَّت إِلَيهِ في جَزَائِهِ وَثَوَابِهِ،، فَأَصبَحت بِذَلِكَ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً،

﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي
عن أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم تثبت قلوبنا على طاعتك
وصرف قلوبنا الى مرضاتك.
اللهم ارفع عنا الوباء، وادفع عنا كل داء،
وانزل الشفاء
اللهم آمنا في أوطاننا، وانصر جنودنا، واحمي حدودنا ووفق بالحق إمامنا وولي امرنا

عباد الله صلوا وسلموا على خير البرية وهادي البشرية
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 1725 | التعليقات 0