فالله خيرٌ حافظاً

إبراهيم بن صالح العجلان
1441/11/04 - 2020/06/25 20:24PM

 

فالله خير حافظاً  5/11/1441هـ

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

قاعدة قرَّرَها الرَّحيمُ الوَدُودُ، وَنِعْمةٌ شَمَلَتْ كلَّ موجود.

قاعِدَةٌ قُرْآنيَّةٌ، وَعَقِيْدةٌ إِيْمانيَّةٌ نَسْتَشْعِرُها إنْ مَسَّنا الضرُّ والدَّاءُ، أو لَفَّنَا التَّخوُّفُ مِنَ البلاءِ.

تقولُ هذه القاعدة: (فالله خير حافظاً).

فالله العظيم تسمَّى بالْحَفِيظُ، واتَّصف بالحفظ، وَمَعْنَاهُ يَدُورُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ وَالصِّيَانَةِ وَالرِّعَايَةِ.

 سَمَّى نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِهَذَا الِاسْمِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) ، (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ).

 حَفِظَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ بِعِنَايَتِهِ وَصَانَهُمْ بِرِعَايَتِهِ (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ).

وَمِنْ حِفْظِهِ لِخَلْقِهِ أَنْ أَمْسَكَ سَمَاءَهُ أَنْ تَقَعَ عَلَى أَرْضِهِ، وَثَبَّتَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، حَفِظَ هَذَا كُلَّهُ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا كُلْفَةٍ (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

وَمِنْ حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ حَفِظَ وَحْيَهُ وَأَمْرَهُ فِي سَمَائِهِ مِنْ كُلِّ مُسْتَرِقٍ وَشَيْطَانٍ، (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ).

ومن حِفْظِ الله أن حَفِظَ عَلَى الْعِبَادِ أَعْمَالَهُمْ وَأَقْوَالَهُمْ فِي كِتَابٍ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا)، أَوْكَلَ هَذَا الْحِفْظَ إِلَى مَلَائِكَةٍ كِرَامٍ (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ).

 وَحَفِظَ الْحَفِيظُ اللَّطِيفُ، كِتَابَهُ الْعَظِيمَ الشَّرِيفَ، عَنْ كُلِّ تَغْيِيرٍ وَتَبْدِيلٍ وَتَحْرِيفٍ، وَصَانَهُ عَنْ كُلِّ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَتَصْحِيفٍ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

 وَحَفِظَ الْحَفِيظُ الْعَلِيمُ، دِينَهُ وَرِسَالَةَ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، وَجَعَلَهَا بَاقِيَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

وحَفِظَ اللهُ الحفِيظُ رسلَه وأنبياءَهُ، فنالوا من فَيْضِ هذا الحفظ ما جَعَلَهُمْ يُبلِّغُونَ رسالةَ ربِّهم، رُغْمَ العداواتِ، وتَدْبيرِ الاغتيالات، (والله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس)، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ).

 إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

وَإِذَا حَفِظَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ عَبْدَهُ فَهِيَ السَّعَادَةُ الَّتِي لَيْسَ فَوْقَهَا شَيْءٌ، وَهِيَ الْأُمْنِيَةُ الَّتِي تَصْغُرُ دُونَهَا الْأَمَانِي.

إِذَا حَفِظَ اللَّهُ عَبْدَهُ كَلَأَهُ بِعَيْنِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَكَسَاهُ بِصَوْنِهِ الَّذِي لَا يُرَامُ.

 وَإِذَا الْعِنَايَةُ لَاحَظَتْكَ عُيُونُهَا **** نَمْ فَالْمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ

 وَأَعْظَمُ الْحِفْظِ وَأَكْرَمُهُ وَأَشْرَفُهُ أَنْ يَحْفَظَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ قَلْبَهُ مِنَ الزَّيَغَانِ، وَيَحْرُسُ عَلَيْهِ دِينَهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالطُّغْيَانِ، نِعْمَةٌ وَأَيُّ نِعْمَةٍ يَوْمَ أَنْ يَثْبُتَ الْعَبْدُ عَلَى صِرَاطِ اللَّهِ وَهُدَى رَسُولِ اللَّهِ أَمَامَ طُوفَانِ الشُّبُهَاتِ، ورياح الشهوات، في زمن التشكيك في المسلمات واهتزاز القناعات.

فِتَنٌ وَأَهْوَاءٌ لَا يَثْبُتُ أَمَامَهَا وَلَا يَنْجُو مِنْ حَبَائِلِهَا إِلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَعَصَمَهُ بِالتَّقْوَى.

 تَأَمَّلْ أَخِي فِي حَالِ كُلِّ هَالِكٍ، وَانْظُرْ شَأْنَ مَنْ سَقَطَ فِي تِلْكَ الْمَهَالِكِ تَجِدُ مَنْ غَوَى بِأَدْنَى شُبْهَةٍ أَوْ ضَلَّ بِأَقَلِّ شَهْوَةٍ، فَرُحْمَاكَ رُحْمَاكَ (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

 يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ:

سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، إِنْ فِي الثَّوَابِ أَوِ الْعِقَابِ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)، (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ).

 فَإِنْ رَامَ الْعَبْدُ حِفْظَ اللَّهِ فَلْيَحْفَظْ حَقَّ اللَّهِ وأَوَامِرَه، وحُدُودَه، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: “ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ “.

فاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ.. بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، وَأَخَصُّهَا هَذِهِ الصَّلَاةُ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ).

 وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي طُهُورِكَ إِسْبَاغًا وَإِتْمَامًا فَقَدْ قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ).

 وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي لِسَانِكَ وَسَمْعِكَ وَبَصَرِكَ، فَإِنَّهَا جَوَارِحُ مُسْتَرَدَّةٌ وَنِعَمٌ مُسْتَوْفَاةٌ (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).

 وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي فَرَجكَ فَصُنْهُ عَنِ الْآثَامِ، فَقَدْ أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ وَخَاطَبَ فِيكَ إِيمَانَكَ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ).

 وَمَدَحَ سُبْحَانَهُ الْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْفِرَةِ (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)

وَاحْفَظِ اللَّهَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فِي خَلَوَاتِكَ وَجَلَوَاتِكَ وَتَذَكَّرْ دَائِمًا قوله سبحانه (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ).

إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ:

وَإِذَا حَفِظَتِ الْأُمَّةُ دِينَ رَبِّهَا وَعَظَّمَتْ شَرْعَهُ وَحَكَّمَتْ شَرِيعَتَهُ حَفِظَ اللَّهُ لَهَا عِزَّهَا وَقُوَّتَهَا وَمَكَّنَهَا فِي أَرْضِهِ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).

 بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

أَمَّا بَعْدُ إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَمِنْ عَجِيبِ حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ: أَنْ يَحْفَظَهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ مِنَ الْمَكَارِهِ وَالْأَذَى وَالشُّرُورِ وَالرَّدَى، قَالَ تَعَالَى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، وَقَصَّ عَلَيْنَا رَبُّنَا خَبَرَ الْغُلَامَيْنِ الْيَتِيمَيْنِ الَّذِينَ حَفِظَ اللَّهُ لَهُمَا كَنْزَهُمَا بِسَبَبِ صَلَاحِ أَبِيهِمَا.

 وَفي هذا يقول عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ إِلَّا حَفِظَهُ اللَّهُ فِي عَقِبِهِ وَعَقِبِ عَقِبِهِ.

 وَمَنْ حَفِظَ اللَّهَ فِي حَالِ الْقُوَّةِ وَالشَّبَابِ حَفِظَهُ رَبُّهُ إِذَا كَبُرَ وَشَابَ، أَبُو الطِّيبِ الطَّبَرِيُّ عَالِمٌ عَابِدٌ هُمَامٌ، قَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ عَامٍ، مَتَّعَهُ اللَّهُ بِالْعَقْلِ وَالْقُوَّةِ وَحُسْنِ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَذِهِ جَوَارِحُ حَفِظْنَاهَا عَنِ الْمَعَاصِي فِي الصِّغَرِ، فَحَفِظَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي الْكِبَرِ.

وبعد عباد الله .. فما أحوجَ العبدَ الفَقِيْرَ معَ فِتَنِ الحياةِ وَمُدْلَهمَّاتِها وبلائِها أن يلظَّ باسم الله الحفيظ، أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْه دِينَه وعافيته، وأن يَصُونُ له إِيمَانه وإسلامه،  فَقَدْ كَانَ مِنْ دَعَوَاتِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَائِمًا وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَاعِدًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ رَاقِدًا).

صلوا بعد ذلك على خير البرية، وأزكى البشرية...

 

المرفقات

فالله-خير-حافظا

فالله-خير-حافظا

المشاهدات 2940 | التعليقات 0