حمد وثناء، واحتراز من الوباء 13/ 10/ 1441

ماجد العتيبي
1441/10/11 - 2020/06/03 23:26PM
[حمد وثناء، واحتراز من الوباء]                                                   الجمعة 13/ 10/ 1441هـ
الخطبة الأولى
الحمدُ لله وَعَدَ الصابرينَ بالأجرِ من غَيرِ حِساب، ووعَدَ الشاكرين بعظيمِ الثَّوَاب، وأَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الحُكْمُ وإليه المرْجِعُ والمآب، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، خيرُ من صَبَرَ وشَكَرَ وأناب، صلى الله وسلم وباركَ عليه، وعلى آله والتابعين والأصحاب، أمَّا بعد:
فبعدَ تَوَقْفٍ لإِحْدى عَشْرَة جمعةٍ متتالية، بسبب ما أصابَ بلادَنا من هذا الوباء، نعودُ بحمدِ اللهِ وفضْلِهِ ورحمتِهِ، ﴿قُلْ بفضلِ وبرحمته فبذلك فليفرحوا﴾، فَنَحْمَدُ اللهَ تعالى على واسعِ فضلِه، وكريمِ إحسانِه، وجزيلِ نعمِه، إذْ منَّ علينا بقيادَةٍ بذلتْ جُهُودًا عَظيمةٍ في مواجهةِ هذا الوَباء، ولا زالتْ كذلك، ومَنَّ علينا برجالٍ أوْفِياءَ بذَلوا وَقتهم وجُهدَهم في علاج المصابين، وفي الحفاظ على الأمن، يرجون بذلك سلامتَنا، وعافيتَنَا، فجزاهمُ اللهُ خيرَ الجَزاء.
إخْوَةَ الدِّين، يا من حضرتُم وشَهِدتُّم هذه الصلاة، ويا مَنَعَهُ شُهُودُ الجمعةِ والجماعةِ عذرٌ، وَكَان مِنْ أهلِهَا المحافظين عليها أَبشرْ بالحديثِ الذي رواه الإمامُ البخاريُّ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (إذا مَرِضَ العبدُ أوْ سافرَ كُتِبَ له مِثْلُ ما كان يعمَلُ مقيمًا صحيحًا).
إخْوَةَ الدِّين، وما تَمَّ فيما مضَى، ويَتِمُّ الآنَ مِنْ إجراءاتٍ وِقَائية في التَّجَمُّعَاتِ، وكذلك ما يَحْصُلُ مِنْ تباعدٍ بين الصفوفِ في المساجدِ إنما هو من اتخاذِ الأسبابِ المشْرُوعَة. وبعضُ الناسِ قَدْ يَظُنُّ أنَّ لُبْسَ الكَمَّام، أو استخدامَ الصَّوابينِ والمعقمات، أَنَّه فِعْلٌ ليس بمشروع، ومن أَسْبَاب الوَسْوَاس، ونوعٌ من الرَّفَاهِيَّة، ويظنُّ أنَّ التَّوَكُّلَ يكون بترك هذه الأسباب، وفي الحقيقةِ أنَّ ظنَّهُ خَاطِئ، فإنَّ لُبْسَ القُفَّازَين، ووضْعَ الكَمَّام، واستخدامَ المعقماتِ والصَّوَابينَ، ليست رفاهيَّةً زائدةُ؛ بل سُبُلُ وِقَاية، وَحِمَايةٍ بإذن الله تعالى، وأَمَرَ بها دينُنَا الحنيف، روى الترمذيُّ وابنُ خُزَيْمَةَ بسندٍ جيد: أنَّ رجلًا جاء إلى النبي ﷺ، فقال: أُرْسِلُ ناقتي وَأتوكل؟ قال ﷺ: (اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ) وفي رواية: (قَيِّدَها وَتَوَكَّلْ)، وهذا يَدُلُّ على أنَّ اتخاذَ الأسبابِ الشَّرْعِيَّةِ منَ التوكلِ المأمورِ به، وتركَ الأسبابِ نقصٌ في العَقْلِ، وقَدْحٌ في الشَّرْعِ، ففي صحيحِ البخاريِّ عنْ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: « كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾»؛ بل إنَّ دخولَ الجنةِ لنْ يكونَ إلا بأسبابه، وهي الإيمان والعمل الصالح.
اللهمَّ جنبْنَا وبلادَنا هذا الوباء، واشْفِ كُلَّ مريضٍ مُبْتَلَى، واجعلْنَا من المتوكلين، ومنَ الصابرين الشاكرين.
أقولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
 
الخطبة الثانية
 
الحمدُ للهِ ذي الفَضلِ والعَطاءِ، إلهِ الأرضِ والسَّماءِ، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على سيدِ الأنبياءِ، وعلى آلهِ والتابعينَ والأولياءِ، أما بعد:
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، فمنِ اتَّقاهُ وَقَاه، وأسعدَهُ وَلا أشْقَاه، قال سبْحانَه: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾، وقال: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾، وقال: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾.
إخْوَةَ الدِّين، ومِنَ الوسائلِ الشرعيةِ التي أرْشَدَنا إليها رسولُنا ﷺ في التعامُلِ معَ الأمراض، أن يبتعدَ المريضُ عَنِ الصَّحيح، حيث نهى رسول الله ﷺ أنْ يُورِدَ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ، [متفق عليه]، أي يدخلَ المريضُ على الصحيح السليم، وقال أيضًا: (وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) [رواه البخاري]، وكان في وفْدِ ثَقِيفٍ رجلٌ مصاب بالجُذَامٍ يريدُ أن يبيايعَ رسول الله ﷺ على الإسلام فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ «إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ» [رواه مسلم].
ولقد بذلتْ حكومتُنَا الرَّشيدةُ -حفظها الله- كُلَّ الوسائل منْ أجلِ تجنُّبِ هَذَا الوباء، وسلامةِ المواطنينَ والمقيمينَ، فعلينا جميعًا أن نلتزمَ بتطبيق الأنظمةِ الوِقَائِيَّة، والإجراءات الاحترازية، طاعةً لله وطاعةً لرسوله ﷺ، ولوُلَاةِ أَمْرنا، وسلامةً لنَا ولمجتَمَعِنا.
وعَلى مَنَ حَضَرَ إلى المسجدِ كذلك أن يتلزمَ بِلُبْسِ الكَمَّامِ، وإحضارِ السُّجادةِ الخاصة، وأن نبتعدَ عن التَّزاحُمِ عند الأبواب، حفاظًا على سلامةِ الجميع، والتزامًا بالأسبابِ الشرعية المطلوبة.
اللهم يا واسِعَ العطاء، ويا منزلَ الشفاء، ويا رافعَ البلاء، ويا مجيبَ الدعاء، ارفعْ عنّا هذا الوباء، وأَنْزِلْ شفاءَكَ وعافيتَك على كل مُصَاب، وارحم موتنا وموت المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتِك، وتحوُّلِ عافتِك، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح وليَّ أمرِنا خادم الحرمين الشريفين، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، وألبسه لباس الصحة والعافية، يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله، ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
****
المشاهدات 1426 | التعليقات 0