فرحـــــــــــــــة الساجــــــــــــــــد بالعودة إلى المساجــــــــــــــــد

محمد بن سليمان المهوس
1441/10/08 - 2020/05/31 17:53PM

الخُطْبَةُ الأُولَى

الْحَمْدُ لله الْقُوِّيِّ الْمَتِينِ، الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، لَا يَـخْفَى عَلَى سَمْعِهِ خَفِيُّ الْأَنِينِ ، وَلَا يَغْرُبُ عَنْ بَصَرِهِ حَرَكَاتُ الْجَنِينِ، أَحَمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَأَسْأَلُهُ مَعُونَةَ الصَّابِرِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهَ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الصَّادِقُ الْأَمينُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبِهِ أَجْمَعِينَ ، أَمَّا بَعْدُ : أَيُّهَا النَّاسُ : أُوُصِيكُمْ وَنَفْسِيِ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى بِالسِّرِّ وَالْعَلِنِ، وَبِالْـخَلْوَةِ وَالْجَلْوَةِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾  [آل عمران : 102]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَنْ يَتَصَوَّرُ أَنَّ فَيرُوسًا صَغِيرًا لَا يُرَى بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ يَسْلُبُ مِنَ الْأبدَانِ قُوَاهَا، وَالْأَجْفَانِ كَرَاهَا، وَيَشُقُّ الْأَرْجَاءَ ،وَيَفْتِقُ الْأَجْوَاءَ، وَيُفْسِدُ الْهَوَاءَ، وَتَعْرِفُ الْأَفْرَادُ وَالْأُمَمُ حَجْمَهَا الْحَقِيقِيَّ وَلَوِ اِعْتَلَتِ الْقِمَمَ !

مَنْ يَتَصَوَّرُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تُغْلَقُ، وَالسَّلَامَ وَالْعِنَاقَ بَيْنَنَا ، أَسْلِحَةٌ نَخَافُ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ لَنَا ؛ تَبَاعَدٌ وَحَذَرٌ، تَرَقُّبٌ وَنَظَرٌ، خَوْفٌ وَهَلَعُ مِنْ هَذَا الْفِيرُوسِ الْعَنِيدِ ؛ فَسُبْحَانَ مَنْ أَوَجَدَهُ ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [ الفتح : 7 ]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثُمَّ تَأْتِيِ بشَائِرُ الْخَيْرِ ، وَرَسَائِلُ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَالرِّضَى بِسَمَاعِ خَبَرِ اِنْحِسَارِ هَذَا الدَّاءِ ، وَزَوَالِ هَذَا الْوَبَاءِ، وَالتَّدَرُّجِ بِالْعَوْدَةِ لِلْحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ قَبْلَ جَائِحَتِهِ، وَلَنَا فِيِ ضِلِّ هَذِهِ الْمُبَشِّرَاتِ بَعْضِ الْوَقْفَاتِ :

الْوَقْفَةُ الْأوْلَى: مَا حَصَلَ وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِ مِنْ شَدَائِدَ وَكُرُوبٍ وَبَلَايَا وَخُطُوبٍ ، إِنَّمَا هِي خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِ إِذَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ الْأَجْرَ مِنَ اللهِ تَعَالَى ؛

فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ الْمُتَفَضِّلِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ؛ الَّذِي تَمْتَلِئُ بُطونُنَا مِنْ رِزْقِهِ، وَنَنَامُ مِلْءَ جُفُونِنَا بِسِتْرِهِ، وَتَصِحُّ أبدَانُنَا بِفَضْلِهِ، وَتُدْفَعُ عَنَا الْكُرُوبُ وَالْخُطُوبُ بِقُوَّتِهِ وَحَوْلِهِ ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل : 62].

الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: كَانَ أَشْرَفُ الْخَلْقِ وَأكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ يَفْرَحُ وَيُسَرُّ بِسَلَاَمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَوْدَةِ غَائِبِهِمْ وَبِفُتُوحَاتِ الْإِسْلَامِ ؛ وَعَنْدَمَا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَقَدِمَ عَلَيْهِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أرْضِ الْحَبَشَةِ، قَالَ:" مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أُسَرُّ – أَيْ أَفْرَحُ - بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَمْ بِقَدُومِ جَعْفَرٍ ؟" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

وَنَحْنُ لَا نَدْرِيُّ بِأَيِّهِمَا نَفْرَحُ بِاِنْحِسَارِ هَذَا الْوَبَاءِ أَمْ بِعَوْدَتِنَا إِلَى بُيُوتِ رَبِّ السَّمَاءِ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾  [يونس:58].

اللَّهُمُّ يَا عَالِمَ الْخَفَايَا ، وَيَا صَارِفَ الْبَلَايَا ، نَدْعُوكَ بِمَا اشْتَدَّتْ بِهِ فَاقَتُنَا، وَضَعُفَتْ قُوَّتُنَا، وَقَلَّتْ حِيلَتُنَا، أَنْ تَكْشِفَ عَنَّا وَعَنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا الْوَبَاءِ ، وَهَذَا الدَّاءِ يَارَبَّ الْعَالَمَيْنِ .

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ فِي بِلَادِكُمْ هَذِهِ - وَفِي ظَلِّ هَذَا الْوَبَاءِ - مَنْ يَقُومُ بِخِدْمَتِكُمْ، وَتَقْديمُ أَسْبَابِ السَّلَاَمَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ لَكُمْ ، وَهَذَا مَنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ بَعْدَ نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ وَالسَّنَةِ ؛ فَعَلَيْنَا جَمِيعًا مَسْؤُولِيَّةَ الْالْتِزَامِ بِالتَّوْجِيهَاتِ وَالْإِرْشَادَاتِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنَ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ ؛ وَذَلِكَ لِسَلَاَمَتِنَا وَسَلَاَمَةِ بِلَادِنَا مِنْ هَذَا الْوَبَاءِ.

فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وَأَخْلِصُوا بِالْعِبَادَةِ لِخَالِقِكُمْ، وَالْجَأُوا لَهُ وَتَضَرَّعُوا لِلسَّمِيعِ الْقَرِيبِ الَّذِي يُجِيبُ الدُّعَاءَ وَيُكْرِمُ فِي الْعَطَاءِ: أَنْ يَحْفَظَ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَبِلاَدَكُمْ، وَذُرِّيَّاتِكُمْ؛ مِنَ الْفِتَنِ وَالأَعْدَاءِ وَالأَسْقَامِ وَالْأَدْوَاءِ .

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [ الأحزاب : 56 ]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].

المرفقات

فرحة-الساجد-بالعودة-إلى-المساجد

فرحة-الساجد-بالعودة-إلى-المساجد

المشاهدات 4359 | التعليقات 0