جُند الله

سالم بن محمد الغيلي
1441/06/28 - 2020/02/22 00:04AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما بزغت الشمس والقمر.

  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[
  • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[
  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

عباد الله:

}قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ,تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{ ]سورة آل عمران:26,27[ , العزة له والجبروت له والكبرياء لهوالسلطان له والملك له والحكم له والقوة له, أشرقت لنوره السماوات  الأرض , فالله نور السماوات والأرض , لاتراه في الدنيا العيون ولا تخالطه الأوهام والظنون ولا تغيره الحوادث, يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر الأمطار وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار, }۞ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ { ]سورة الأنعام:59[

له جنود السماوات والأرض يرحم بهم من يشاء ويعذب بهم من يشاء , وهي لا تصيب أحد إلا بإذن الله قال صلى الله عليه وسلم: (لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ … الحديثصحيح البخاري.

  متفرد بالكبرياء      فليس يشبهه أحد

ولو شاء اغلق بابه    عمن عصاه ومن جحد

طوبى لعبدٍ صالحٍ      لجلال سيده سجد

من جند الله… الملائكة خلقهم أصنافًا وجعل لهم مهامًا وأعمالًا يقومون بها على أكمل وجه } ..لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ ]سورة التحريم:6[

من جند الله… الريح سلطها على عاد عندما تكبروا وجحدوا }فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ,وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ,سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ , فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ{ ]سورة الحاقة:5,8[ ,وهذه الريح اسمها الدبور, لما رأوها في عنان السماء قالوا: }..قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا..{ فقال الله عز وجل: }  .. بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ , تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ]سورة الأحقاف:24[, وسلطها الله تعالى على المشركين في غزوة الأحزاب لكنها أقل من ريح عاد, رحمة من الله ولحكمة يريدها , أرسلها بقدر محدود لم تهلك أحد ولكنها كانت باردة وفيها قوة اقتلعت الخيام وأكفأت القدور وأطفأت النار وأدخلت الرمال في عيون الكفار , فهربوا وقال ابو سفيان: إني راحل فأرحلوا.

قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا{ ]سورة الأحزاب:9[, وقال صلى الله عليه وسلم: (نُصِرْتُ بالصَّبا، وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ) اخرجه البخاري ومسلم.

ومن جند الله… الطير سلطها على أبرهه وهو في طريقه لهدم الكعبة }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ , أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ , وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ , تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ , فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ { ]سورة الفيل:1,5[ .

الماء من جند الله, والنار من جند الله, والجراد والقمل والضفادع والدم والنمل , والخسف والرجف والصواعق والزلازل والبراكين والفيضانات والفقر والجوع والمرض المرض بأنواعه وأصنافه ودرجاته والفيروسات والمايكروبات كلها من جند الله.

في قمة الجاهزية تحت مشيئة الله الواحد الأحد يقهر بها من يشاء ويبتلي بها من يشاء , لا يبيدها أحد من الخلق ولا يفنيها أحد من الناس مهما كانت مبيداته وتحصيناته , يهلك بها الجاحدون الملحدون المنكرون المعرضون , وقد يسلطها على المؤمنين ابتلاء ومحنة ورفع درجات كما في طاعون عمواس في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- وهو وباء عم المسلمين في بلاد الشام في عمواس حتى قيل أنه مات فيه ثلاثون ألفًا وقيل سبعون ألفًا في ثلاثة أيام, منهم جماعات من سادات الصحابة –رضي الله عنهم- مثل معاذ بن جبل وأبو عبيدة الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبو جندل سهل بن عمرو وأبوه والفضل بن العباس رضي الله عنهم أجمعين, وقد أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه وعدّهُ من علامات الساعة , ففي حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بيْنَكُمْ وبيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.) صحيح البخاري.

والله عز وجل إذا ابتلى بالوباء أو بالطاعون المسلمين والمؤمنين فإنه لهم رحمة ورفعة ومغفرة وشهادة , فعن عائشة رضي الله عنها: (أنَّهَا سَأَلَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فأخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّه كانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ علَى مَن يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فليسَ مِن عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أنَّه لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلَّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ الشَّهِيدِصحيح البخاري , ومن مات به من المؤمنين فهو له شهادة ويعتبر من جملة الشهداء كما قال صلى الله عليه وسلم (فليسَ مِن عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أنَّه لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ له، إلَّا كانَ له مِثْلُ أجْرِ الشَّهِيدِسبق تخريجه, وقال صلى الله عليه وسلم: (الطَّاعُونُ شَهادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) اخرجه البخاري ومسلم.

نسأل الله بكرمه ومنه وفضله وجوده وإحسانه ولطفه وحلمه أن يصرف عنا وعنكم وعن المسلمين الوباء والبلاء والمحن ماظهر منها وما بطن.

أقول ماتسمعون…

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.

عباد الله:

أما الوباء على الكافرين والملحدين والمعرضين فإنه عذاب وسخط ولعنات ومقدمات لعذابهم الأكبر عند الله تعالى : }.. وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{ ]سورة النحل:33[, ظلموا أنفسهم بالكفر, ظلموا أنفسهم بالشرك والنفاق والجحود, ظلموا أنفسهم بالزنا والخمور واللواط والشذوذ , ظلموا أنفسهم بحرب دين الله, ظلموا أنفسهم بحرب المسلمين وقتلهم وتشريدهم من ديارهم, فأملهم الله ثم صب عذابه وغضبه عليهم } فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ { ]سورة العنكبوت:40[ , ووالله لن ينفعك عنهم عذاب الله لا في الدنيا ولا في الآخرة فإنهم تحت قهره وسطوته وسلطانه }.. وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ{ ]سورة الرعد:31[.

إن الله يصيب بالطاعون من يشاء وبصرفه عمن يشاء إنه جند من جنود الله, والمؤمن في هذه الحال لا يخاف إلا من الله ولا يرجو إلا الله , فإن الله يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء, المؤمن يرفع يديه إلى الله ويقول: يالطيف ياحليم يا كريم يارؤف يارحيم ياودود يا ذو العرش المجيد يا فعّال لما يريد يا مبدئ يا معيد يا حي يا قيوم اصرف عنا الوباء اصرف عنا البلاء , }قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ  { ]سورة التوبة:51[ , ..}وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{ ]سورة المائدة:23[ , }..وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ..{ ]سورة الطلاق:3[ , أي: كافيه , حسبنا الله ونعم الوكيل.

على المسلم أن يلجأ إلى الله ويحفظ حدوده ولا يغتر بما عليه أهل الكفر والفجور فإن الله لهم بالمصاد, وعلى المسلم أن يأخذ احتياطاته بقدر المستطاع من الدعاء ومن النظافة الذاتية ومن عدم الورود على أرض الوباء فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين, فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ,وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ{ ]سورة الذاريات:50,51[ .

يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

وصلوا وسلموا…

والله اعلم

جامع النور 1441/6/13هـ

المشاهدات 1218 | التعليقات 0