الدعوة إلى الله على منهج النبوة ( مناسب لتعميم الوزارة)

خالد الشايع
1441/06/25 - 2020/02/19 06:08AM

الخطبة الأولى ( الدعوة إلى الله على منهاج النبوة )     27/6/1441

أما بعد فيا أيها الناس :

فإنَّ الدعوة إلى الله تعالى أشرف الأعمال قاطبةً، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين ومن بعدِهم العلماء والمصلحون، والدعوة إلى الله تعالى عز وشرف ورفعة في الدارين ، فهي من أصول الدين الثابتة والدعائم الراسخة فيه ، وقد أمر الله المؤمنين أن يكون منهم دعاة للدين فقال ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )

عباد الله :

قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، وإنما استحقَّتِ الأمة الإسلامية شرفَ الخيريَّة؛ لأنها تأمُر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، ولا يخفى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدخُل ابتداءً في الدعوة إلى الله تعالى؛ ولأنَّ عملَ الدعوة من الأعمال العظيمة فإنه يحتاج إلى دُعاة يدعون على بصيرة ليكونوا على قدر المسؤولية، فيقومون بمهمة الدعوة على أكمل وجهٍ.

وحتى يكون الداعيةُ مُوفَّقًا في دعوته، فلا بد أن يكونَ داعيةً على منهاج النبوة.

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أول داعية في هذه الأمة ، فقد رسم للدعاة من بعده طريقة الدعوة إلى الله ، وقد أمره الله أن يقول للناس ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) فنستفيد من الآية صفات الداعية إلى الله :

منها أن يبدأ بما بدأ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم في دعوته، فهو سبيله الذي دعا إليه ، وذلك من خلال تصحيح العقيدة، وبيان الأصول العامة التي يقوم عليها الإسلامُ، ولا يليق بالداعية أن يغفلَ عن هذا الباب؛ لأنه أصلٌ لكل ما بعده.

ومنها دعوة الناس إلى الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم:

وعندما نقول الإسلام، فإننا نعني به: الإسلام بمفهومه الشامل عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا.

ومما يؤسَف له أنَّ صِنفًا من الدعاة لا يَدْعُون الناس إلى الإسلام الذي جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، إنما يدعونهم إلى مذاهبِهم الفكرية، وأحيانًا آرائهم الحزبية، بل ويوالون ويعادون على هذا، مما جعل بعضَ الناس ينفرون من الدعاة، ويتَّهِمون المنهج الدعوي الإسلاميَّ بالقصور.

ومن صفات الداعية أن يكونَ هدفُه واضحًا في دعوته، على بصيرةٍ مِن أمره؛ يدعو بعلم وحكمة .

ومنها أن يتسلَّح الداعية بالعلم النافع والعمل الصالح؛ فالعلم والعمل كفيلانِ بنجاحه في دعوته، وإذا فقد الداعيةُ العملَ فإنه أشبه بطبيبٍ يُداوي غيره وهو عليلٌ، وقد ذكر الله لنا حال قومٍ فصَلوا بين علمهم وعملهم؛ قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، وقال مُحذِّرًا المؤمنين من أن يقولوا ما لا يفعلون: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2]، وفي ذلك يقول القائل:

وَغَيْرُ تَقِيٍّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالتُّقَى ♦♦♦ طَبِيبٌ يُدَاوِي وَالطَّبِيبُ مَرِيضُ

وأنشد أبو الأسود الدؤلي قائلًا:

لا تَنْهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ ♦♦♦ عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ

ويصف لنا الإمام ابن القيم حال صنفٍ من الناس خالفَتْ أعمالُهم أقوالَهم، فيقول في كتابه الفوائد: "علماء السوء جلَسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالَتْ أقوالهم للناس: هلموا؛ قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقًّا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلَّاء، وفي الحقيقة قطَّاع طُرق" ، وإذا فقد الداعية العلمَ فإن دعوته لن تحققَ الأثر المطلوب، وحاجة الداعية للعلم ماسَّةٌ، خاصةً في هذا العصر.

وأَوْلَى العلوم التي ينبغي للداعية أن يحصلها علومُ الدين؛ التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لا بأس أن يكون له اطّلاع على العلوم الأخرى التي لها عَلاقة بدعوته، فقد يتعرض للسؤال فيها، وبالجملة فإننا نريد داعية وطالب علم له ثقافة بشتى العلوم التي تخدم الدعوة ، يستطيع أن يُدلِي بدلوه في كل ما يعرض له، أما أن نجد دعاة لا يستطيع أحدُهم أن ينطق جملةً صحيحة، ولا أن يقيم دليلًا على دعواه، فهذا مما عمَّت به البلوى، وهو مُؤْذِنٌ بنفور الناس منه ومن دعوته.

اللهم فقهنا في الدين واجعلنا هداة مهتدين ، أقول قولي هذا ........

                                        الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : الدعوة إلى الله ، هي دعوة لله وإلى سبيل الله على منهاج النبوة ، والبعض من الناس يدعو لنفسه أو لحزبه أو لفكره ، أو لمذهبه وطريقته ، وكل ما خالف منهج النبي صلى الله عليه وسلم فهو باطل ، مردود على صاحبه ، ولما كثرت المذاهب والأفكار ، كثر الخلاف بين المسلمين ، بل بين الدعاة أنفسهم ، فصد ذلك كثيرا عن دين الله

ومن أهم صفاة الداعية الحق ، أن يخاطب الناس على قدر عقولهم ويراعي مقتضى الحال:

فلا يليق أن يعيش الداعية منعزلًا عن واقعه ومجتمعه، ولا يستقيم أن يكون في وادٍ والناس في وادٍ آخر! وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس على قدر عقولهم، ويراعي أحوالهم؛ فقد امتنع عن هدم الكعبة لأن حال العرب لا يستوعب ذلك، فالقوم حديثو عهد بجاهلية، وقد كانوا يُقدِّسون البيت الحرام، روى الإمام مسلم في صحيح بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشةُ، لولا أن قومَكِ حديثو عهدٍ بشرك، لهدمتُ الكعبة فألزقتُها بالأرض، وجعلتُ لها بابين: بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، وزدتُ فيها ستة أذرع من الحِجْر، فإن قريشًا اقتصرَتْها حيث بَنَتِ الكعبة)) .

 

وتحديث الناس بما يُنكِرون قد يفتح بابًا لتكذيبهم ما يُحدَّثون به، يروي الإمام البخاري حديثًا موقوفًا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول فيه: "حَدِّثُوا النَّاسَ بما يعرفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُه.

وقال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عقولهم إلا كان لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةٌ".

وإن مما يجعل الداعية نافعا مصلحا ، أن ينظر إلى الدعوةَ إلى الله بأنها مهمة عظيمة ورسالة نبيلة، لا أن ينظر إليها على أنها مجرَّد وظيفة يتقاضى عليها أجرًا، وإذا وصل الداعيةُ إلى هذا الحالِ، فكيف نرجو تحقيق الأثر المرجوِّ مِن الدعوة؟!

معاشر المسلمين : كثرت المسميات والجماعات التي تدعو إلى الله ، فمنها من يدعو على بصيرة ومنها من يدعو على جهل ، ومنها ما فيه هدى وضلال ، والأمة بحاجة لجمع الكلمة ، فالواجب اصلاح ماعندهم من الأخطاء ، ودعوتهم إلى الحق باللين والتواضع ، وكلما قل فيهم الخطأ ، فالواجب استيعابهم ، وعدم منافرتهم ، فالهدف واحد ، ولكن متى ما اختلفوا معنا في الأصل وهو العقيدة ، فالواجب بعد دعوته وعدم رجوعهم للحق ، أن يحذر منهم حتى لا يغتر بهم الآخرون .

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد ............

المشاهدات 2642 | التعليقات 0