الحذر مِنْ الْكِبْرُ وَالحَث عَلَى التَّوَاضُعُ

محمد البدر
1441/05/28 - 2020/01/23 01:07AM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾‏.وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ« يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِى صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِى جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ.فالْكِبْرُ مِنْ أَوَّلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي ارْتُكِبَتْ فِي حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ،قَالَ تَعَالَى ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾. فما مِن خُلُق من الأخلاق المذمومة، إلاَّ وتَجِد صاحبَ الكِبْر مُتَّصِفًا به،فهو لا يحبُّ للمؤمنين ما يحبُّ لنفسه، ولا يَقدر على التواضُع، ولا يتخلَّص من الْحِقد، ولا يتغلَّب على الغضب والغيْظ، ولا يستطيع دفْعَ الْحَسد عن نفسه، ولا يَقبل نصيحة ناصحٍ، ولا تعليم عالِم، ولا يعامل الناس إلاَّ بالازدراء والاحتقار، وإذا مَشَى اخْتَال، وإذا تكلَّم افْتَخَر، وإذا نصَح سَخِر من الناس وحقَّرهم، وإذا تَحدَّثَ تقعَّر في الكلام وتشدَّق، وإذا جالَسَ الناسَ غَضِب إذا لَم يكنْ له صدرُ المجلس، وله أوَّلُ الكلام، ويقدم له غايةُ التعظيم والاحترام.
عِبَادَ اللَّهِ:ينقسم الكِبْر إلى ثلاثة أقسام:احداها التكبُّر على الله وهو من أشنع أنواع التكبُّر، وسببُه الجهلُ قَالَ تَعَالَى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾.
والقسم الثاني التكبُّر على الرُّسل.قَالَ تَعَالَى ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾.لسان حالهم يقول: لو كان الله اختارَ رسولاً، فلماذا لَم يجعلْه واحدًا عظيمًا غنيًّا من مكةَ.
والقسم الثالث التكبُّر على الناس.قَالَ تَعَالَى ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ .
عِبَادَ اللَّهِ:الْكِبْرُ: صِفَةٌ لَا تَنْبَغِي إلّا للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهيَ صِفَةُ كَمَالٍ فِي حقِّ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَصِفَةُ نَقْصٍ فِي الْمَخْلُوقِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: العِزُّ إزَارِي، والكِبريَاءُ رِدَائِي، فمَن نَازَعنِي شَيئاً مِنهُما عَذَّبتُهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فالْكِبْرُ ازْدِرَاءِ وَاحْتِقَار للآخَرينَ ، وَسُوءِ الظَّنِّ بِهِمْ، وَالْكَذِبِ فِي مَدْحِ النَّفْسِ، وَذَكْرِهَا بِمَا فِيهَا وَمَا لَيْسَ فِيهَا، وَسُرْعَةِ الْغَضَبِ وَالاِنْتِقامِ، وَحُبِّ السَّيْطَرَةِ، وَالاِفْتِخارِ، والرِّياءِ، وَالْمَنِّ وَالْأَذَى وَالعُجْبٌ وَالغُرُورٌ ، يَظْهَرُ عَلَى لِسَانِ الْمُتَكَبِّرِ أَوْ فِي مِشْيَتِهِ أَوْ حَركَاتِهِ أَوْ مَوَاقِفِهِ، فَيَرُدُّ الْحَقَّ وَلَوْ كَانَ جَلِيًّا وَاضِحًا، وَلَا يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ وَلَا يَأْخُذُ بِالْمَشُورَةِ؛ لِأَنَّه يَنْظُرُ إِلَى مَنْ نَصَحَهُ وَدَلَّهُ عَلَى الْحَقِّ نَظْرَةَ احْتِقَارٍ وَازْدِرَاءٍ، فَيَرَى أَنَّه أَقَلَّ مِنْه سِنًّا، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ عِلْمًا، أَوْ أَقَلَّ مِنْه مَالًا، أَوْ أَدْنَى مِنْهُ مَرْتَبَةً، أَوْ أَقَلَّ مِنْه حَسَبًا وَنَسَبًا،لذلك لا يقَبلِ الْحَقِّ. عِبَادَ اللَّهِ: وَمَنْ أَخْطُرُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ التَكَبَّرُ عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ، فَتَأْتِيهِ بِالْآيَةِ وَالأَحَاديثِ الدَّالَّةِ عَلَى خَطَأٍ مَا هُوَ فِيهِ، فَيَعْتَذِرُ بِأَعْذَارٍ وَاهِيَةٍ، وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ قَالَ     « كُلْ بِيَمِينِكَ ». قَالَ لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ « لاَ اسْتَطَعْتَ ». مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ. قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ » قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ«إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَبَطَرُ الْحَقِّ: رَدُّهُ.. وَغَمْطُ النَّاسِ: ازْدِرَاؤُهُمْ وَاحْتِقَارُهُمْ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لاَ يَنْظُرُ اللهُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا »مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
عِبَادَ اللَّهِ : الصِّفَةُ الَّتِي يَنبغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيهَا الْمُسْلِمُ هِي التَّوَاضُعُ، تَوَاضَعٌ فِي غَيْرِ ذِلَّةٍ، وَلِينٌ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ وَلَا هَوانٍ، قَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ« وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، فقدوتهم وأُسْوَتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَشْرَفُ الْخَلْقِ وَأكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ، نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَمُرُّ عَلَى الصِّبْيَانِ فَيُسَلِّمُ عَلَيهِمْ، وَكَانَتِ الأَمَةُ تَأْخُذُ بِيَدِهِ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ، وَكَانَ إِذَا أَكَلَ لَعِقَ أَصابِعَهُ، وفِي بَيْتِهِ يكونُ فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ قَطُّ، وَكَانَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ الشَّاةَ لأَهْلِهِ، وَيَعْلِفُ الْبَعيرَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَأْكُلُ مَعَ الْخَادِمِ، وَيُجَالِسُ الْمساكينَ، وَيَمْشِي مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ فِي حَاجَتِهِمَا، وَيَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسّلامِ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ وَلَوْ إِلَى أَيْسَرِ شَيْءٍ، كَرِيمَ الطَّبْعِ، جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، طَلْقَ الْوَجْهِ، مُتَوَاضِعًا فِي غَيْرِ ذِلَّةٍ، خَافِضَ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيِّنَ الْجَانِبِ لَهُمْ وَكَانَ يَقُولُ:لَا آكُلُ مُتَّكِئًا،وَكَانَ يَجْلِسُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ.
عِبَادَ اللَّهِ :اعلموا أنه لَا عِزَّ وَلَا رِفْعَةَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ إلاَّ فِي الاِقْتِداءِ بِهِ، وَاِتِّبَاعِ هَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 
وصلُّوا وسلِّموا....
المرفقات

مِنْ-الْكِبْرُ-وَالحَث-عَلَى-التَّوَ

مِنْ-الْكِبْرُ-وَالحَث-عَلَى-التَّوَ

المشاهدات 911 | التعليقات 0