دَعْوَةُ الصِّغَارَ والكِبَارَ فِي الِإسْلَامَ 29 جُمَادَى الأُوْلَى 1441 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1441/05/27 - 2020/01/22 11:07AM
دَعْوَةُ الصِّغَارَ والكِبَارَ فِي الِإسْلَامَ 29 جُمَادَى الأُوْلَى 1441 هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم, عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, وَالْحَمْدُ للهِ فَتَّحَ الْعُقُولَ لِقَبُولِ تَوْحِيدِهِ وَفَهَّم، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الأَكْرَم, عَلَّمَ الْقُرْآنَ وَخَلَقَ الإِنْسَانَ وَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ وَأَعْطَى وَتَكَرَّم، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُرْشِدُ إِلَى السَّبِيلِ الأَقْوَم, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَبَارَكَ وَسَلَّمْ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ إِرْسَالِ هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اصْطَفَى رَسُولَهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ مِنْ أَشْرَفِ نَسَبٍ وَأَعْلَى قَبِيلَةٍ, ثُمَّ كَمَّلَهُ بِأَحْسَنِ الصِّفَاتِ وَأَجْمَلِ الأَخْلاقِ, وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمْ, وَدَلَّهُ لِأَحْسَنِ الأَعْمَالِ وَأَرْفَعِ الْخِلالِ, ثُمَّ أَمَرَنَا بِالاقْتِدَاءِ بِهِ وَجَعَلَهُ أُسْوَةً حَسَنَةً لَنَا, فَمَنِ اتَّبَعَهُ أَحَبَّهُ اللهُ وَهَدَاهُ وَمَنْ خَالَفَهُ أَبْغَضَهُ اللهُ وَشَنَاه.
وَإِنَّ مِمَّا اخْتَصَّ اللهُ بِهِ رَسَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُرُقَ التَّعْلِيمِ وَأَسَالِيبَ التَّوْجِيهِ وَالتَّدْرِيسِ, فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ, وَوَصَلَ إِلَى النِّهَايَةِ فِي ذَلِكَ! كَيْفَ لا؟ وَهَذِهِ مُهِمَّتُهُ وَتِلْكَ وَظِيفَتُهُ!
وَهَذَا الْبَابُ يَحْتَاجُ  إِلَى مُحَاضَرَاتٍ وَمُجَلَّدَاتٍ لا تَفِي بِهِ هَذِهِ الْخُطْبَةُ, وَلَكِنَّهَا إِشَارَاتٌ يَسِيرَةٌ وَنُبَذٌ بَسِيطَةٌ لَعَلَّهَا تَكُونُ مَنَارَاتٍ لَنَا عُمُومَاً وَلِلإِخْوَةِ الْمُدَرِّسِينَ خُصُوصَاً مَعَ بِدَايَةِ هَذَا الْعَامِ الدِّرَاسِيِّ الْجَدِيدِ, أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَيْنَا وَعَلَى الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيِّةِ عَامَاً مُبَارَكَاً مَلِيئَاً بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِح!
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: كَانَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْدَأُ فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ بِالأُصُولِ قَبْلَ الْفُرُوعِ وَبِالأَهَمِّ أَوَّلاً, فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِفْرَادِ اللهِ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الأَسَاس, فَقَدْ مَكَثَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْهَا عَشْرُ سِنِينَ يُعِلِّمُ النَّاسَ التَّوْحِيدَ, وَبَعْدَ الْعَشْرِ فُرِضَتِ الصَّلاةُ! فَهَكَذَا نَحْنُ فِي تَعْلِيمِنَا وَفِي دَعْوَتِنَا نُرَسِّخُ الْعَقِيدَةَ فِي قُلُوبِ النَّاشِئَةِ وَنُعَلِّقُهُمْ بِاللهِ سُبْحَانَهُ, فَالْخَيْرُ هُوَ الذِي يَأْتِي بِهِ, وَالشَّرُّ هُوَ الذِي يَدْفَعُهُ!
وَمِنْ طُرُقِ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الاهْتِمَامُ بِالصِّغَارِ وَاسْتِغْلالُ الْمَوَاقِفِ لِإِرْشَادِهِمْ, فَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ, فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ), فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ! مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَمِنْ طُرُقِ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَدُّ انْتِبَاهِ الْمُتَعَلِّمِ قَبْلَ إِلْقَاءِ الْعِلْمِ, وَيَكُونُ ذَلِكَ بِطُرُقٍ كَالنِّدَاءِ وَتَكْرَارِهِ, فعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (يَا مُعَاذُ) قُلْتُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ! ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ, ثَلَاثًا (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ ) قُلْتُ: لَا! قَالَ (حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, فَقَالَ (يَا مُعَاذُ) قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ: أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ) متفق عليه.
أَيُّهاَ الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنْ مَحَاسِنِ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَرْضُ الْعِلْمِ بِطَرِيقِ التَّشْوِيقِ, فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟) ثَلَاثًا, قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا, فَقَالَ (أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ) قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ! مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَمِنْ أَسَالِيبِ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِشْعَارُ الْمُتَعَلِّمِ بِحُبِّ الْمُعَلِّمِ لَهُ وَاهْتِمَامِهُ بِهِ, فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيدِي يَوْمًا ثُمَّ قَالَ (يَا مُعَاذُ ، وَاللهِ إِنِّي أُحِبُّكَ) فَقَالَ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا وَاللهِ أُحِبُّكَ ، فَقَالَ (أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى شُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) ([1])
أَيُّهَا الآبَاءُ, أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ: وَمِنْ سِمَاتِ التَّعْلِيمِ النَّبَوِيِّ: مُرَاعَاةُ الشَّبَابِ وَالرَّحْمَةُ بِهِمْ وَالنُّزُولُ عِنْدَ رَغَبَاتِهِمْ مَا لَمْ تُخَالِفِ الشَّرْعَ, فَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ, فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً ! فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا؟ فَأَخْبَرْنَاهُ! وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا, فَقَالَ (ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ, وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي, وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ, ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)([2])
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَجِّعُ الْمُتَفَوِّقِينَ وَيُحَفِّزُهُمْ ! وَهَذَا لَهُ دَوْرٌ فِي شَحْذِ الْهِمَّةِ وَالتَّطَلُّعِ لِلْمَزِيدِ مِنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ , لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ , أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ) ([3])
وَمِنْ أَسَالِيبِ التَّرْبِيَةِ النَّبَوِيَّةِ : عَدَمُ الْمُجَابَهَةِ بِالتَّوْبِيخِ وَالْعِتَابِ, فَكَانَ يُلَمِّحُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يُصَرِّحُ إِلَّا إِذَا اقْتَضَتِ الْحَاجَةُ! عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ) فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ (لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ) ([4])
فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا أَحْسَنَهُ مُعَلِّمَا , وَمَا أَجَلَّهُ نَاصِحَاً , وَمَا أَجْمَلَ تَعْلِيمَهُ , وَمَا أَيْسَرَ تَفْهِيمَهُ !
فَحَرِيٌّ بِنَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالْمُعَلِّمُونَ أَنْ نَقْتِدِيَ بِهِ فِي تَعَامُلِنَا مَعَ أَوْلادِنَا وَمَعَ طُلَّابِنَا بَلْ وَفِي حَيَاتِنَا كُلِّهَا .
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين !
 
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ, وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ, وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يجْمُلُ أَنْ نَقْتَبِسَ مِنْ مِيرَاثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَتَعَامَلُ بِهِ مَعَ أَوْلادِنَا فِي الْبُيُوتِ , وَمَعَ طُلَّابِنَا فِي الْمَدَارِسِ وَالْجَامِعَاتِ!
أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْسِيخِ الْعِلْمِ مَا يُسَمَّى فِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْحَدِيثَةِ: بِالتَّطْبِيقِ الْعَمَلِيِّ, وَهَذَا يَتَجَلَّى بِكَثْرَةٍ فِي الْعِبَادَاتِ الْعَمَلِيَّةِ! فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ تَوَضَّأَ أَمَامَ النَّاسِ, وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى مِنَ الْوُضُوءِ قَالَ (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعْلَمُوا صَلاتِي) ([5])
 وَإِنَّ بَعْضَ الْمُدَرِّسِينَ الْمُوَفَّقِينَ يَفْعَلُ ذَلِكَ , حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَلِّمَ دِين , لَكِنَّهُ مُؤْمِنٌ حَرِيصٌ عَلَى نَفْعِ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ , فَيُحْضِرُ الْمَاءَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِطُلَّابِهِ إِلَى سَاحَةِ الْمَدْرَسَةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ أَمَامَهُمْ , وَيَأْمُرُ الطُّلابَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا , ثُمَّ يُقَوِّمُهُمْ وَيُعَدِّلُهُمْ وَيُوَجِّهُهُمْ ! فَأَنْعِمْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمُعَلِّمِيْنَ وَجَزَاهُمُ اللهُ خَيْرَاً وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُمْ ! ن أن
 
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ وَقَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا زَخُرَتْ بِهِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَتَكَاثَرَتْ بِهِ دَوَاوِينُهَا مِنْ هَدْيِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّعْلِيمِ, وَلِذَلِكَ قَدْ أَنْتَجَتْ هَذِهِ الطُّرُقُ ثَمَارَهَا, وَآتَتْ أُكُلَهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا, وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهَا, حَتَّى اسْتَحَقُّوا أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ فِيهِمْ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)
فَتَعَالَوْا نَقْتَدِي بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقْتَفِي أَثَرَهُ وَنُعَلِّمُ صِغَارَنَا وَنُرَبِّي أَوْلادَنَا, وَاللهُ لا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً, جَعَلَنَا اللهُ مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ, وَجَعَلَنَا مِمَّنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَمِلَ بِه وَدَعَا بِهِ وَإِلَيْه! اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً, اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعِهِ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
([1]) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ, وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِسَنَدٍ قَوِيٍّ.
([2]) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
([3])  رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
[4])) رَوَى الْبُخَارِيُّ
([5]) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
 
المرفقات

الصِّغَارَ-والكِبَارَ-فِي-الِإسْلَا

الصِّغَارَ-والكِبَارَ-فِي-الِإسْلَا

المشاهدات 1455 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا