تذكرة الأحباب بوجوب الأخذ بالأسباب

الشيخ السيد مراد سلامة
1441/04/05 - 2019/12/02 11:39AM
Smiley face
تذكرة الأحباب بوجوب الأخذ بالأسباب
الشيخ
 السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى

ثم أما بعد:

فالله تعالى أوجد الأشياء و هيء لها أسبابها فمن أخذ بالآساب مكنه الله تعالى قال الله تعالى {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (} [الكهف: 84، 85]

واعلموا عباد الله إن سنن الله في الكون لا تحابي أحدا على حساب أحد وهذا من عدل الله جل جلاله

إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ***رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ***وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يحب صُعُودَ الجِبَـالِ***يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ***وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ ***وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ ***وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ*** وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
العنصر الأول: الأخذ بالأسباب سنة كونية وسنة شرعية

إن من أهم السنن الربانية التي ترتبط بعلاقة مباشرة مع سنن التمكين سنة الأخذ بالأسباب، ولذلك يجب على الأفراد والجماعات العاملة للتمكين لدين الله فهمها واستيعابها وإنزالها على أرض الواقع.

جعل الله -تعالى-الكون بقدرته، وجعل أسباب ومسببات بعد إرادته -تعالى-هي سنن جارية في الكون.

فالله تعالى لا يحتاج إلى الأسباب لأنه مسببها و موجدها و مع ذلك عباد الله نرى أن يرتب الأشياء على أسبابه في أفعاله تعالى و لنضرب على ذلك أمثلة:

المثال الأول: الجبال لاستقرار الأرض، والماء والهواء سبب للحياة... وغير ذلك، قال الله -تعالى-: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ . وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (ق:6-8)،

المثال الثاني: جعل الرياح سببا من أسباب نزول المطر فقال جل ذكره- ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ ﴾[ سورة الأعراف الآية: 57 ]

المثال الثالث :جعل الماء سر الحياة و منبع الإحياء فقال -سبحانه وتعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (الأنبياء:30)،

السحاب أنزل الله به الماء:﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[ سورة الأعراف ]

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[ سورة البقرة ]

العنصر الثاني: القرآن يأمر برعاية الأسباب

و المتأمل في دستور الأمة الإسلامية و منهج حياتها يرى أن الآيات تحثنا على الأخذ بالأسباب و بالحركة لا بالسكون:

المثال الأول: في مجال طلب الرزق قال الله تعالى يقول تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، وإليه النشور) (الملك: 15) فهذا أمر بالمشي في مناكب الأرض.

وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نُودِيَ للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون * فإذا قُضِيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) (الجمعة: 9، 10) فهذا هو شأن المسلم: عمل وبيع قبل الصلاة، وسعي وانتشار في الأرض بعد الصلاة.

المثال الثاني في مجال الحياة و العسكرة يأمرنا بإعداد العدة :

قال تعالى: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)) (الأنفال: 60) وقد قام معاوية رضي الله عنه بالعمل بهذه الآية وحث ولاته على العمل بها ويظهر أخذ معاوية رضي الله عنه بسنة الأخذ بالأسباب، في اهتمامه ببناء الأسطول البحري وتطويره، وتقوية الجيش، والقضاء على الفتن الداخلية، ودعم الثغور، وأماكن الرباط والتخطيط الاستراتيجي للدولة في سياستها الداخلية والخارجية، والتكتيك العسكري، في نظام المعسكرات ونظام الرباط والثغور، والصوائف والشواتي، وبناء الحصون، ونظام التعبئة، وتوطين القبائل، لنشر الإسلام وتثبيت الفتوحات والتصدي لحركات التمرد، فبعدما زال خطر الهجوم العسكري من الفرس قام بتوطين عشرات الألوف من الأسر العربية في الجناح الشرقي من الدولة خاصة خراسان وقد نجحت هذه السياسة وأتت ثمارها في هذا الجناح

* ويأمر بالصلاة المعروفة باسم "صلاة الخوف" في الحرب، فيدعو إلى تقسيم المقاتلين إلى قسمين: قسم يُصلِّي وراء الإمام، وقسم في مواجهة العدو، ويوصى بأخذ الحذر والسلاح، حتى لا يهتبل العدو فرصة اشتغالهم بالصلاة فيميل عليهم ميلة واحدة. يقول تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلُّوا فليصلًّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدةً، ولا جُناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم، وخذوا حذركم، إن الله أعدَّ للكافرين عذاباً مهيناً) (النساء: 102)..

المثال الثالث في باب النصر و التمكين :يأمرنا بالعمل و الإصلاح في الأرض {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 55، 56]

المثال الرابع :في مجال الحياة السياسية :يأمرنا بالسمع و الطاعة و عدم الفرقة و الأخذ بأسباب الوحدة و الاعتصام : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 58، 59]

العنصر الثالث: الأخذ بالأسباب في حياة أولي الألباب

أحبتي في الله: الذي يتتبع سير الأنبياء و المرسلين ليرى انهم ما عطلوا الأسباب وما ركنوا إلى التواكل بل نجدهم جميعا رغم إن الله تعالى أيدهم بالمعجزات الخارقات إلا أنهم سارعوا إلى الأخذ بالأسباب و هيا لنرى ذلك:

*نبي الله نوح عليه السلام-لما أخبره الله تعالى انهم مغرقون قام بما ينجيه وقومه من الغرق

فها هو  يصنع الفلك كما أمره الله تعالى: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) (هود: 37) لتكون أداة الإنقاذ له ولمن آمن معه إذا جاء الطوفان، وكان في قُدرَة الله أن يحجز الماء عنه، وعمن معه، أو يحملهم فوق الماء بغير سفينة، ولكن الله أراد أن يُعلِّمنا أن قدرته تعمل من خلال الأسباب التي أوجدها أيضاً. قال تعالى عن نوح: (فدعا ربه أني مغلوبٌ فانتصر* ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمرٍ* وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمرٍ قد قُدِر* وحملناه على ذات ألوحٍ ودُسُرٍ* تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كُفِر) (القمر: 10 - 14).

* نبي الله يعقوب عليه السلام-  : لما اخبره يوسف عليه السلام-انه رأى تلك الرؤية امر هان يأخذ بأسباب الحطة و الذر و ألا يخبر إخوته بها: ( يا بني لا تقصص رُءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً) (يوسف: 5)،

ويخشى عليهم من الحسد فيأمرهم أن يدخلوا متفرقين فيوصيهم قائلا: (يا بَني لا تدخلوا من بابٍ واحدٍ وادخلوا من أبوابٍ متفرقةٍ، وما أُغني عنكم من الله من شيءٍ، إنِ الحكم إلا لله، عليه توكلت، وعليه فليتوكل المتوكلون) (يوسف: 67).

وسواء أكان يخشى عليهم العَيْن -كما قيل-أو يخشى أمراً آخر يتعلق بالسياسة، فقد أعطى الأسباب حقها، وترك النتائج لله تعالى، ولحكمة الكوني في الخلق، وما يكون التوكل حقاً: (عليه توكلت، وعليه فليتوكل المتوكلون).

* نبي الله يوسف –عليه السلام-  : أما عن نبي الله تعالى يوسف عليه السلام-فقد كان الأخذ بالأسباب سببا من أسباب النجاة من مجاعة محققة { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف: 47 - 49]

*كليم الله موسى – عليه السلام-

وفي رحلة موسى – عليه السلام-رحلة العودة إلى مصر و في ليلة مظلمة يبحث نبي الله عن أسباب الهدية و الدلالة إلى الطريق فقال لأهله: (امكثوا إني آنست ناراً، لعلِّي آتيكم منها بخبرٍ أو جَذوةٍ من النار لعلكم تصطلون) (القصص: 29

* نبي الله داود عليه السلام- : فهو نبي مجاهد يحتاج في جهادة إلى التقنية و إلى التحديث في الأسلحة، لم يتوانى – عليه السلام-في الجد و العمل ليأخذ بالأسباب الحسية و المعنوية يحدثنا القرآن فيقول: (وعلمناه صنعة لَبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم، فهل أنتم شاكرون) (الأنبياء: 80)، (وألنَّا له الحديد * أن اعْمَل سابغات وقدِّر في السرد) (سبأ: 10، 11)؛ فعمله في صناعة الدروع السابغات، التي تحصن لابسيها وتحفظهم من بأس العدو وضرباته. ولم ير القرآن عمل داود هذا مناقضاً للتوكل على الله.

* السيدة الصديقة البتول – مريم عليها السلام –

لقد ظهرت عليها كرامات عديدة من وجود فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف في الفترة التي كانت فيها متعبدة لربها في المسجد الأقصى فلما خرجت من محراب العبادة إلى محراب الحياة أمرها الله تعالى وهي في أضعف أحوالها أن تأخذ بأسباب الرزق

، قال تعالى: (وهُزِّي إليك بجذع النخلة تُساقِط عليكِ رُطباً جنياً * فكُلي وأشربي وقَرَّي عيناً) (مريم: 25، 26).

وفي ذلك يقول الشاعر:

ولا ترغبن في العجز يوماً عن الطلب ***توكل على الرحمن في الأمر كله
ألم تر أن الله قـال لمــريم: *** وهُزِّي إليك الجذع يسَّاقط الرطب؟
جنته، ولكن كــل شيء له سبب ***ولو شاء أن تجنيه من غير هزة

الخطبة الثانية 

العنصر الرابع: الأخذ بالأسباب في هجرة النبي الاواب

أمة الإسلام إن الناظر إلى هجرة الحبيب محمد-صلى الله عليه و سلم-ليرى أن الحبيب -صلى الله عليه و سلم

وإليك بعض تلك المشاهد:

* أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يبتاع راحلتين قبل الهجرة.

* وأنه صلى الله عليه وسلم أخذ بعوامل السِّرِّية، حتى أنه لما جاء ليخبر أبا بكر بأمر الهجرة جاءه في ساعة منكرة متنكراً بردائه فقال: (يا أبا بكر! أخرج من عندك.

فقال: يا رسول الله! إنما هو ابنتاي) فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله قد أمره بأن يهاجر.

* ومن الأخذ بالأسباب: أن رسول الله صلى الله عليه خرج من غير الطريق الذي اعتاده الناس من أجل أن يلبس على القوم، ويعمي عليهم الآثار.

*ومن الأخذ بالأسباب: أنه استأجر عبد الله بن أريقط -رجلاً من بني الديل- هادياً خريتاً خبيراً بالصحراء؛ من أجل أن يدلهم على الطريق.

* ومن الأخذ بالأسباب كذلك: ما صنعته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما من إعداد الزاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه.

* ومن الأخذ بالأسباب: ما كان من أمر دخولهما في غار ثور ومكثهما فيه أياماً ثلاثة إلى أن خف الطلب، وأيس القوم من اللحاق بهما، وعند ذلك خرجا.

العنصر الخامس: الأخذ بالأسباب في حياة الأصحاب

أحباب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-إننا اذا نظر إلى من تخرج من مدرسة النبوة من الصحابة الأجلاء لراينا انهم لم يكونوا دراويش يجلسون في المساجد و ينتظرون أن تتمطر السماء عليهم لحما طيرا، كلا بل كانوا في قمة الإيمان و التوكل على الله و العلم بسنن الله تعالى الجارية لذا لم يهملوا الأخذ بالأسباب و إليكم امثله فريدة تدل على ذلك

*قصة في التوكل على الله والأخذ بالأسباب والاستغناء عن الناس

عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حينما قدم المدينة مهاجرا: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه.

فعرض عليه سعد: أن يعطيه نصف ماله، وكان من أكثر الأنصار مالا.

وأن يطلق إحدى زوجتيه فيزوجها لعبد الرحمن.

فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك ولكن دلني على السوق فدله.

وما هي نتيجة هذا التوكل والاستغناء؟

نتيجته: لأنه استغنى وتوكل على الله واخذ بالأسباب أغناه الله وجعله من أكثر الصحابة مالا.

* وكما قال -صلى الله عليه وسلم -: « .. ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله».

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي عبد الرحمن بن عوف وبه وضر من خلوق (نوع من الطيب) فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مهيم (ما شأنك) يا عبد الرحمن؟». قال: تزوجت امرأة من الأنصار قال: «كم أصدقتها؟». قال: وزن نواة من ذهب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أولم ولو بشاة».

قال أنس: لقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه، بعد موته، مائة ألف دينار. (أخرجه البخاري

وعمر بن الخطاب يقول بعد سماع حديث الاستئذان ثلاثاً من أبي موسى الأشعري، وشهادة أبي سعيد الخدري بتأكيده: ألهاني عنه الصفق بالأسواق.

وأبو بكر، حينما بويع بالخلافة، أراد يذهب إلى السوق -على عادته- يقتات لأهله، ويتجر ليكسب لهم ما يكفيهم. وهذا -كما يقول أبو طالب المكي- في أتم أحواله، حين أُهِّل للخلافة وأقيم مقامة النبوة، حتى اجتمع المسلمون، فكرهوا له ذلك، فقال: لا تشغلوني عن عيالي، فإني إن أضعتهم كنت لما سواهم أضيع، حتى فرضوا له قوت أهل بيت من المسلمين، لا وكس ولا شطط.

* عمر بن الخطاب والمتأكلون

قال معاوية بن قرة: لقي عمر بن الخطاب ناسًا من أهل اليمن، فقال من أنتم؟

قالوا: نحن المتوكلون. قال: بل أنتم المتأكلون إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم

ومن المشهور عنه: أنه رأى جماعة يقعدون في المسجد بعد صلاة الجمعة، فأنكر عليهم، وقال: لا يقعدنَّ أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضةً! إنما يرزق الله الناس بعضهم من بعض. أما قرأتم قول الله تعالى: (فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)؟ (الجمعة: 10)

*كن الصحيح ولا تكن الكسيح

وقد حكوا عن شقيق البلخي -وهو من أهل العبادة والزهد-أنه ودَّع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة عزم عليها. ولم يلبث إلا مدة يسيرة، ثم عاد، ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله عما رجع به قبل أن يتم غرضه، فقصَّ عليه قصة شهدها، جعلته يغير وجهته ويلغي رحلته، ويعود قافلاً.

ذلك أنه نزل للراحة في الطريق، فدخل خربة يقضي فيها حاجته، فوجد فيها طائراً أعمى كسيحاً لا يقدر على حركة، فرَقَّ لحاله، وقال: من أين يأكل هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة؟ ولم يلبث أن جاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، وظل يراقبه عدة أيام وهو يفعل ذلك، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني! وقرر العودة.

وهنا قال له ابن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الذي ينتظر عون غيره، ولا تكون أنت الطائر الآخر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمرة ذلك على من حوله من العمي والمقعدين؟! أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى)؟.

فقام إليه شقيق وقبَّل يده وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق!

المرفقات

الأحباب-بوجوب-الأخذ-بالأسباب

الأحباب-بوجوب-الأخذ-بالأسباب

المشاهدات 2716 | التعليقات 0