مَوعِظَةٌ بَلِيغَةُ؛ فِي عَشْرُ كَلِمَاتٍ

مبارك العشوان 1
1440/12/20 - 2019/08/21 11:58AM

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ... وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: أَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَــدِيثِ عَبْـدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ ).

مَوعِظَةٌ بَلِيغَةُ؛ عَشْرُ كَلِمَاتٍ، فِيهَا بِشَارَةٌ وَنِذَارَةٌ، فِيهَا وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وتَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ.

الجَنَّةُ أيُّهَا النَّاسُ، وَمَا أعَدَّ اللهُ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ، مِمَّا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ؛ أَدْنَى أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؛ لَهُ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا.

هَذِهِ الجَنَّةُ لَيْسَتْ عَنْ بَعْضِنَا بِبَعِيدٍ، بَلْ هِيَ أقْرَبُ إلَى أَحْدِنَا مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، أقْرَبُ إلَيهِ مِنَ السَّيْرِ الذِي يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، أوْ مَا يُدْخِلُ فِيهِ إِصْبَعَ رِجْلِهِ.

وَالنَّارُ أيُّهَا النَّاسُ؛ وَمَا أعَدَّ اللهُ فِيهَا مِنَ العِقَابِ الأَلِيمِ؛

حَتَّى إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِهَا عَذَابًا رَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ.

هَذِهِ النَّارُ لَيْسَتْ عَنْ بَعْضِنَا بِبَعِيدٍ، بَلْ هِيَ أقْرَبُ إلَيهِ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ.

قَالَ ابنُ بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ: فِيهِ أَنَّ الطَّاعَةَ مُوصِلَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُقَرِّبَةٌ إِلَى النَّارِ، وَأَنَّ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ قَدْ تَكُونُ فِي أَيْسَرِ الْأَشْيَاءِ... فَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَأْتِيَهُ، وَلَا فِي قَلِيلٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَجْتَنِبَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْحَسَنَةَ الَّتِي يَرْحَمُهُ اللَّهُ بِهَا، وَلَا السَّيِّئَةَ الَّتِي يَسْخَطُ عَلَيْهِ بِهَا. وَقَالَ بنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ تَحْصِيلَ الْجَنَّةِ سَهْلٌ بِتَصْحِيحِ الْقَصْدِ وَفِعْلِ الطَّاعَةِ، وَالنَّارُ كَذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ الْهَوَى وَفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ. اهـ .

وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } الزلزلة 7 - 8

قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذِهِ الآيَةُ فِيهَا غَايَةُ التَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ وَلَوْ قَلِيلًا، والتَّرْهِيبِ مِنْ فَعْلِ الشَّرِّ وَلَوْ حَقِيرًا. اهـ.

أَلَا فَاجْتَهِدْ أَخِي المُسْلِمُ فِي فِعْلِ الطَّاعَاتِ؛ وَاجْتَنِبِ المُحَرَّمَاتِ، وَلَا تَسْتَهِنْ بِشَيءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَو أنَّهَا كَلِمَةً، أَوْ شَطْرَ كَلِمَةٍ: فَفِي البُخَارِيِّ؛: ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ).

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ رِضَاكَ وَالجَنَّةَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ سَخَطِكَ والنَّار.

بَارَكَ اللهُ... وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...

 

الخطبة الثانية:  

الحَمْدُ لِلَّهِ... أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. ). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. 

وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( بَيْنَمَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِئْرَ، فَمَلاَ خُفَّهُ مَاءً، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ... ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: ( إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

أعْمَالٌ يَسِيرَةٌ؛ وأُجُورٌ عَظِيمَةٌ جَزِيلَةُ، أسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُم مِنْ وَاسِعِ فَضْلِهِ.

عِبَادَ اللهِ: وَفِي البُخَارِيِّ: ( دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ). 

وَعَنْ جُنْدَبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ أَوْ كَمَا قَالَ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

ألَا فَاحْذَرُوا - عِبَادَ اللهِ -  أشَدَّ الحَذَرِ مَعْصِيَةَ اللهِ، إِيَّاكُمْ وَالتَّفْرِيطَ فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى، أوْ حُقُوقَ عِبَادِهِ، واذْكُرُوا قَولَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } آل عمران 30

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الحَدِيثِ العَظِيمِ: أنَّ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الخَوفِ وَالرَّجَاءِ، خَوْفٌ وَرَجَاءٌ يَصْحَبُهُمَا عَمَلٌ؛ خَوفٌ لَا يُقَنِّطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَرَجَاءٌ لَا يُؤَمِّنُ مِنْ عَذَابَ اللهِ؛ قَالَ تَعَالَى: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } الأنبياء 90 وَقَالَ تَعَالَى: { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف 56

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ المُحْسِنِينَ.

وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يُعَظِّمُ أوَامِرَهُ؛ فَيَمْتَثِلُهَا، وَنَوَاهِيَهُ فَيَجْتَنِبُها.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ...اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ...مَجِيدٌ.

 اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ...اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا...

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ ...

المشاهدات 46884 | التعليقات 0