قدوم الحاج وحال من فاته الحج

خالد الشايع
1440/12/14 - 2019/08/15 18:42PM

(مقدم الحاج وحال الناس تجاه مواسم الخير )

أما بعد أيها المؤمنون :

اتقوا الله تعالى في السر والجهر فإن تقواه سبب لتفريج الكربات وتكفير السيئات ورفعة الدرجات .

واشكروه سبحانه على ما من به عليكم من إدراك مواسم الخيرات .

معاشر المسلمين :

كم تتكرر علينا تلك المواقف التي نرى فيها الناس ينقسمون إلى قسمين قسم سابق إلى الخيرات وقسم آب بالحسرات والندامات فيالله كم من عين بكت في تلك اللحظات .

عباد الله : في هذه الخطبة نلقي الضوء على أحوال الناس بعد قفول حجاج بيت الله الحرام وحط رحالهم بعد العناء والمشقات .ألا إنها متاعب ومصاعب يعقبها بإذن الله الفضل الكبير من الرحمن الرحيم.

فإنهم وفد الرحمن وحجاج بيته أدوا مناسكهم فوقفوابعرفات فسكبوا فيها العبرات وأباحوا بالمكنونات واعترفوا بالسيئات ثم انحدر بهم الشوق إلى المزدلفة فسكبت عند المشعر الحرام العبرات .فهنيئا لمن رزقوا الوقوف بعرفة وجأروا إلى الله بقلوب محترقة ودموع مستبقة فلله كم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه ومحب ألهبه الشوق وأحرقه وراج أحسن الظن بوعد الله وصدقه وتائب نصح لله التوبة وصدقه كم من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه ، عشية عرفة اطلع عليهم أرحم الرحماء وباهى بجمعهم أهل السماء ثم انصرفوا بصحائف بيضاء كيوم ولدتهم أمهاتهم فهل رأيتم عباد الله هل رأيتم قط عراة أحسن من المحرمين كلا والله فإنها ثياب الوفادة على الرب الرحيم .

فيا حجاج بيت الله الله الله أن تدنس الصحاف بالذنوب والخطيئات حتى ولو صغرت فإنها تعظم بعظمة الناهي عنها ، قال بلال بن سعد السكوني : لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت .

أيها المؤمنون :

إن من عباد الله قوما تخلفوا عن ركب الحجاج لعذر شرعي ولكنهم وإن تخلفوا عنهم بإبدانهم فلقد صحبوهم بأفئدتهم فهم معهم في كل منزل ينزلونه ، فهم يطوفون معهم حول البيت العتيق ، ويسعون بين الصفا والمروة ويبيتون بمنى ويقفون بعرفة ويسكبون في يومها العبرات ويفيضون إلى مزدلفة ويرمون الجمار ويحلقون ويقصرون كل ذلك بأفئدتهم وكأنهم معهم بل لعلهم أحسنُ حالا من بعض الحجاج ، عاشوا موسم الحج بأفئدة طار بها الشوق إلى مشاعر مكة هفت قلوبهم إلى مغفرة ربهم حتى ذابوا وذبلوا من فرط الحزن والأسى، فهؤلاء أجرهم على الكريم المنان ولربما بلغت نية العبد مالم يبلغه عمله .

أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال : (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم . قالوا : يارسول الله وهم بالمدينة ، قال : وهم بالمدينة حبسهم العذر ).

معاشر الأحبة : بقي من أصناف الناس صنف أعاذنا الله من صفاتهم ، وهم أناس ليس لهم في مواسم الخير نصيب وكأنهم عن رحمة ربهم مستغنون أو كأنهم في الجنان آمنون . فلا أعمال يتسابقون فيها ولا قلوب تشتاق إلى مواطن الرحمات فهؤلاء أحسن الله عزاءهم في قلوبهم الميتة التي قد عشش الشيطان فيها وفرخ فلا تنتج إلا الشهوات والشبهات والله المستعان .

عباد الله : يجب على كل مكلف من الجن والإنس أن يسعى في صلاح نفسه وذلك بإصلاح قلبه والبحث عما يحييه من الطاعات والعبادات والبعد والهرب الشديدين عن الخلق البطالين الذين يشوشون على المرء قلبه وفكرة بل هم سبب في انتكاسته وموته . وقيل للحسن يا أبا سعيد كيف نصنع نجالس أقواما يخوفونا

حتى تكاد قلوبنا تطير فقال والله إنك إن تخالط أقواما يخوفونك حتى يدركك أمن خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى يدركك الخوف.

أيها المؤمنون : إن هذه الدنيا غرارة ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )

واحذروا عباد الله ما حذرت الأمم قبلكم يوما تعنوا فيه الوجوة للحي القيوم وتجف فيه القلوب وتنقطع الحجج لعزة الملك الجبار الذي قهر الخلق بجبروته وهم له داخرون ينتظرون قضاءه ويخافون عذابه .

اللهم إنا نعوذبرضاك من سخطك وبمعافاتك من …..

 

               الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، ملك يوم الدين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله اله الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الأمين بلغ الرسالة وأدى الأمانة وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه …….

أما بعد معاشر المؤمنين :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فمن اتقى الله وقاه ومن أقرضه جازاه ومن شكره فمن وافر نعمه أعطاه سبحانه وهو الكريم المنان .

عباد الله لقد أودع الله تعالى أسرارا عظيمة ومعاني جليلة وحكما كثيرة في مشاعر الحج ومناسكه فمن تأمل ذلك عاد عليه بالمعرفة والإخبات والإنابة ولعلنا نتعرض لطرف منها وهي دالة على ما بقي منها : فمن ذلك لبس الناس لملابس الإحرام إزار ورداء يفعل ذلك كل من أراد الحج وليس لأحد المخالفة إلا من عذر شرعي فتتهاوى الطبيقية وتنعدم الماديات وتبرز المساوات والأخوة ، فالغني والفقير والأمير   والحقير كلهم بين يدي ربهم فقراء محاويج ذلت رقابهم ودمعت عيونهم وأقروا بوحدانية الله وعظمته وكبريائه .

ومنها كذلك : وقوف الحجج أجمعين على صعيد عرفة وإفاضتهم منها إلى مزدلفة ، موقف مصغر من مواقف الحشرفمن تأمل ذلك تذكر يوم العرض على الله حفاة عراة غرلا .

ومن ذلك رميهم للجمار ، فهم لا يرمون شيئا محسوسا ولكنه بيان لاتباع السنة وإذانا منهم بتغلبهم على الشيطان والنفس والهوى مكبرين مع كل حصاة بيانا منهم أن الله أكبر من كل مطلوب ومرهوب فهو إعلان بالتوحيد المتجرد الخالص .

ثم يحلقون رؤسهم تفاؤلا منهم بزوال الذنوب وتحاتها .

ثم تأمل مكثهم أيام التشريق ذاكرين الله تعالى يتضح لك أن الأعمال الصالحة تختم بالذكر والاستغفار ومن تأمل ذلك في جميع العبادات ظهر له ذلك جليا ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَلِهَذَا شُرِعَ الِاسْتِغْفَارُ فِي خَوَاتِيمِ الْأَعْمَالِ . قَالَ تَعَالَى : { وَالْمُسْتَغْفِرِين بِالْأَسْحَارِ } وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَحْيُوا اللَّيْلَ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ وَفِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } إلَى قَوْلِهِ : { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بَعْدَ أَنْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَأَتَى بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَقَالَ تَعَالَى { إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } { وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا } { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } . وَلِهَذَا كَانَ قِوَامُ الدِّينِ بِالتَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } . { أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ }

{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا } الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى : { فَاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ

وَاسْتَغْفِرُوهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } . وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { يَقُولُ الشَّيْطَانُ أَهْلَكْت النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ } وَقَدْ قَالَ يُونُسُ { لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { إذَا رَكِبَ دَابَّتَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ : لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } وَكَفَّارَةُ الْمَجْلِسِ الَّتِي كَانَ يَخْتِمُ بِهَا الْمَجْلِسَ { سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك } .

معاشر المؤمنين : هنيئا لمن كان له في كل طاعة يعملها أو يسمع بها تفكر يورث السكينة والخضوع للملك الديان .

عباد الله : إن ربنا كريم جواد ، وفي هذا العام ظهر من جوده على الحجاج مالا يخفى ، ظللهم الله بالسحاب في موطن عرفة ، وأنزل عليهم الأمطار التي لطفت الأجواء ، وأذهبت الحر الشديد ، وغسلت القلوب قبل الأجساد ، ثم حج ميسر ، آمن مطمئن ، بلا حوادث ولا كوارث ، فاللهم لك الحد على نعمك العظيمة وآلائك الجسيمة ، وجزى الله كل من ساهم في تسهيل الحج للحجاج خير الجزاء بدأ بالدولة المباركة بكافة كوادرها ، وانتهاء بأفراد الشعب المحسنين للحجاج .

اللهم أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا و…..

اللهم اسلك بنا طريق المتقين الأبرار وأعذنا من خزي الدنيا وعذاب النار .

اللهم فرج عن المستضعفين …….

المشاهدات 1137 | التعليقات 0