العشر الأواخر

سليمان بن خالد الحربي
1440/09/14 - 2019/05/19 23:47PM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعد

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فتقوى الله أكرم ما أسررتم، وأجمل ما أظهرتم، وأفضل ما ادخرتم، أعاننا الله على لزومها، وأوجب لنا ثوابها.معشر الصائمين ، هذه أيام شهركم تتقلص، ولياليه الشريفة تتقضَّى، تتقلص و تتقضى شاهدة بما عملتم، وحافظة لما أودعتم، هي لأعمالكم خزائن محصنة، ومستودعات محفوظة، كما قال الله : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ) ينادي ربكم كما جاء في الحديث القدسي في صحيح مسلم : ((يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) هذا هو شهركم، وهذه هي نهاياته، كم من مستقبل له لم يستكمله... وكم من مؤمل بعود إليه لم يدركه... هلا تأملتم الأجل ومسيره، وهلا تبينتم خداع الأمل وغروره. أيها الإخوة، إن كان في النفوس زاجر، وإن كان في القلوب واعظ، فقد بقيت من أيامه بقيةٌ. بقية وأي بقية، إنها بعض عشره الأخيرة. بقية كان يحتفي بها نبيكم محمد أيما احتفاء. في العشرين قبلها كان يخلطها بصلاة ونوم، فإذا دخلت العشر شمر وجد وشد المئزر وهجر فراشه، وأيقظ أهله ) يطرق الباب على فاطمة وعلي رضي الله عنهما في السحر كما في الصحيجين قائلاً: ((ألا تقومان فتصليان)) ويتجه إلى حجرات نسائه في السحر كما في صحيح البخاري آمرا وهو يقول : ((أيقظوا صواحب الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) . ((ألم يكن النبي إذا بقي من رمضان عشرة أيام لا يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه))

أيها المسلمون، اعرفوا شرف زمانكم، واقدروا أفضل أوقاتكم، وقدموا لأنفسكم لا تضيعوا فرصة في غير قربة.إحسان الظن ليس بالتمني، ولكن إحسان الظن بحسن العمل، والرجاء في رحمة مع العصيان ضرب من الحمق والخذلان، والخوف ليس بالبكاء ومسح الدموع ولكن الخوف بترك ما يخاف منه العقوبة.

أيها الأحبة، قدموا لأنفسكم وجدوا وتضرعوا. تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كما عند أحمد وغيره : يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ماذا أقول فيها ؟ قال قولي: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى))  نعم أيها الإخوة: الدعاء الدعاء. عُجُّوا في عشركم هذه بالدعاء. فقد قال ربكم عز شأنه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ، إن للدعاء ـ أيها الإخوة ـ شأنا عجيبا، وأثرا عظيما في حسن العاقبة، وصلاح الحال والمآل والتوفيق في الأعمال والبركة في الأرزاق. أرأيتم هذا الموفق الذي أدركه حظه من الدعاء ونال نصيبه من التضرع والالتجاء يلجأ إلى الله في كل حالاته، ويفزع إليه في جميع حاجاته ،يدعو ويدعى له، نال حظه من الدعاء بنفسه وبغيره، والداه الشغوفان، وأبناؤه البررة والناس من حوله كلهم يحيطونه بدعواتهم، أحبه مولاه فوضع له القبول، فحسن منه الخلق وزان منه العمل، فامتدت له الأيدي وارتفعت له الألسن تدعو له وتحوطه، ملحوظ من الله بالعناية والتسديد، وبإصلاح الشأن مع التوفيق. أين هذا من محروم مخذول لم يذق حلاوة المناجاة يستنكف عن عبادة ربه، ويستكبر عن دعاء مولاه. محروم سد على نفسه باب الرحمة، واكتسى بحجب الغفلة. أيها الإخوة، إن نزع حلاوة المناجاة من القلب أشد ألوان العقوبات والحرمان. ألم يستعذ النبي من قلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاء لا يسمع؟؟؟. إن أهل الدعاء الموفقين حين يعُجُّون إلى ربهم بالدعاء، يعلمون أن جميع الأبواب قد توصد في وجوههم إلا بابا واحدا هو باب السماء. باب مفتوح لا يغلق أبدا، فتحه من لا يرد داعيا ولا يخيب راجيا. فهو غياث المستغيثين، وناصر المستنصرين، ومجيب الداعين. أيها المجتهدون، يجتمع في هذه الأيام أوقات فاضلة وأحوال شريفة. العشر الأخيرة، جوف الليل من رمضان، والأسحار من رمضان، دبر الأذان والمكتوبات، أحوال السجود، وتلاوة القرآن، مجامع المسلمين في مجالس الخير والذكر، كلها تجتمع في أيامكم هذه. فأين المتنافسون؟؟؟. ألظوا بالدعاء - رحمكم الله - سلوا ولا تعجزوا ولا تستبطؤا الإجابة. فيعقوب عليه السلام فقد ولده الأول ثم فقد الثاني في مدد متطاولة، ما زاده ذلك بربه إلا تعلقا: عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ  ونبي الله زكريا عليه السلام؛ كبر سنه واشتعل بالشيب رأسه ولم يزل عظيم الرجاء في ربه حتى قال محققا: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً

لا تستبطئ الإجابة ـ يا عبد الله ـ فربك يحب تضرعك، ويحب صبرك، ويحب رضاك بأقدراه، رضا بلا قنوط، يبتليك بالتأخير لتدفع وسواس الشيطان، وتصرف هاجس النفس الأمارة بالسوء، وقد قال نبيك محمد : ((يستجاب لأحدكم مالم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي)) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم " بارك الله لي ولك في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم

 

الحمد لله على إحسانه والشكر على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه أما بعد : 

معشر الإخوة : أيقر لعين لاهية في سباتها والناس عند باب ربها واقفة في ليل طويل تنتظر رحمة ومغفرة من إلاهها ، فكيف بمن يعاقر المعاصي والاثام أو يؤذي عباد الله في اموالهم وأعراضهم في الاسواق والجوالات وأجهزة النت يا ويله من غضب الله

معشر الاخوة : أمامكم في عشركم ليلة القدر هي خير من ألف شهر قال الله تعالى ( وما أدراك ماليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ) فأخبر الله من فضائلها أنها خير من ألف شهر أي أفضل من عبادة ألف شهر تأملوا العدد عباد الله خير من عبادة ألف شهر ليس فيه ليلة القدر كما رجحه ابن جرير وابن كثير فمن قامها فقد حصل له ثواب أعظم من ثواب من تعبد أكثر من ثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر ولهذا قال السعدي رحمه الله قوله تعالى : خير من ألف شهر أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه (2) الألباب، وتندهش له العقول، حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة. ينزل فيها الروح جبريل عليه السلام، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ففي هذه الليلة من البركات مالا يخطر على بال أو ليس من بركتها أنه نزل فيها القرآن ففي هذه الليلة تنزل الرحمة والمغفرة والعتق من النار وتقسم تقدر في ليلة القدر الآرزاق والآجال لعام كامل فهي ليلة القدر من الشرف والتقدير فاستقبلها بطاعة الرحمن

واعلموا أيها الصائمون أن سنة الاعتكاف شعيرة عظيمة هي من أفضل الأعمال في العشر الأخيرة ويشرع لمن نوى اعتكاف هذه العشر أن يدخل معتكفه قبل غروب شمس يوم العشرين كما هي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وأما أقل مدة للاعتكاف فقد اختلف أهل العلم في ذلك فقيل يوم وليلة وقيل يوم أو ليلة وقيل يكفي ساعة أن يمكث الانسان ساعة في المسجد بنية الاعتكاف قال الإمام النووي : الصحيح المشهور من مذهبنا أنه يصح كثيره وقليله ولو لحظة وهو مذهب داود والمشهور عن أحمد ورواية عن أبي حنيفة ) فاجتهدوا في كثرة المكوث في المساجد والله سمى الماكث المتردد عليه معتكفا فقال ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ) فسمى المقيم معتكفا لأنه يتردد عليه فلا تزهدوا في هذا

ويحرم على الإنسان أن يعتكف إذا ترتب على اعتكافه أمر محرم من تضييع لأولاده أو أهله أو من يمونه وكذلك لا يجوز الاعتكاف إذا كان والداه يحتاجانه ولم يأذنا له

وختاما أيها الإخوة تذكروا أننا في أيام شريفة ونحن في آخرها فورب السماء والآرض أن من يتكاسل عن الخير والواجبات ويقع في المعاصي والآثام ولم يقدر هذه الأيام حق قدرها إنه لمحروم غاية الحرمان

المشاهدات 1272 | التعليقات 0