آيات الذرية في سورة الرعد ومضامينها التربوية د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي

الفريق العلمي
1440/09/09 - 2019/05/14 14:58PM

الآية الأولى: قال الله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ *سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 23، 24].

 

أشارت هذه الآية الكريمة إلى ثلاثة توجيهات تربوية مهمة؛ هي: العاقبة الحسنة لعباد الله الصالحين، والبشرى لعباد الله الصالحين بصحبة أولادهم في الجنة، والبشارة بمضاعفة الأجر للعاملين كأسلوب تربوي قرآني، وأهمية الصبر وعاقبته الحسنة، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:

أولًا: العاقبة الحسنة لعباد الله الصالحين:

إن الله تعالى وعد عباده الصالحين حسن الجزاء، وحسن العاقبة، وهي: جنات عدن خالدين ومنعمين فيها، ولا شك أن ذلك مطلب كل مؤمن، ورجاء كل مسلم، وأمل كل تقي؛ لأن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

 

وقد ربط الشارع الحكيم في كثير من الآيات الكريمات دخولَ الجنة ونعيمها بالتقوى والعمل الصالح، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 25]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ [النساء: 57]، وقال تعالى: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [إبراهيم: 23]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [الحج: 14].

 

وهذا الجزاء العظيم يناله المؤمن بفضل الله تعالى وعفوه وكرمه؛ كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَـلُهُ الْجَنَّةَ، فَقِيلَ: وَلَا أَنْتَ؟ يَا رَسُـولَ اللَّهِ، قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي رَبِّي بِرَحْمَةٍ"[1].

 

ولهذا ينبغي للمسلم أن يستفرغ وسعه، في الحرص على مرضاة ربه وطاعته، والعناية التامة بتقوى الله تعالى، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، لقاء ما أسبغ علينا من نعم ظاهرة وباطنه، لا تعد ولا تحصى.

 

ثانيًا: البشرى لعباد الله الصالحين بصحبة أولادهم في الجنة:

إن من رحمة الله جل وعلا بعباده، وقد علم قوة ولع الوالدين بأبنائهم، وشدة تعلق الأصول بالفروع، وحرصهم على القرب منهم، فقد وعد الله تعالى الصالحين من عباده المؤدين أوامره، المجتنبين نواهيه، إضافة إلى تكرُّمه تعالى بإدخالهم جنانه ذات النعيم المقيم، بأن تكون ذرياتهم معهم في الجنة، ولكن شريطة صلاحهم، وتأديتهم لما فرض عليهم من حقوق، وواجبات.

 

وأورد ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية، ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقرَّ بهم عينُه.

 

وهذا التوجيه يؤكِّد أمرين مهمين؛ هما:

أولًا: تحفيز الوالدين بزيادة العمل الصالح والقرب من الله تعالى، فإن ذلك مردوده عليهم عظيم، وأي فضل أعظم من أن تكون مع الإنسان ذريته في الآخرة، حتى ولو لم تعمل ذريته نفس عمل الأب، ولكن بصلاح الأب ارتفعت الذرية في الجنة.

 

ثانيًا: بذل مزيد من الجهد والعناية في تربية الأولاد، والمحافظة عليهم، وحسن رعايتهم، رعاية تحفظ عليهم دينهم وأخلاقهم؛ لأن ذلك سيكون سببًا في سعادتهم بهم في الدنيا، كما سيكون سببًا في سعادتهم بهم أكثر في الآخرة، نسأل الله تعالى من فضله.

 

فيا أيها الآباء والأمهات، هلَّا بذلتم مزيدًا من العمل الصالح، ومزيدًا من العناية في تربية أولادكم تربية إسلامية صحيحة؛ لتحصلوا على هذه البشرى العظيمة والجائزة الثمينة من الله تعالى.

 

ثالثًا: البشارة بمضاعفة الأجر للعاملين:

النفس البشرية تحتاج إلى أساليب مناسبة لتربيتها، ولا شك أن القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، يزخر كل منهما بالعديد من الأساليب التربوية المناسبة لها، كيف لا والله تعالى هو خالقها، ويعلم ما يصلحها وما يفسدها؛ قال الله تعـالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].

 

وقد أشـارت الآية الكريمـة هـذه إلى أسلوب تربوي عظيم، وهو: (البشارة بمضاعفة الأجر للعاملين)، وهناك العديد من الآيات الكريمات التي أشارت أيضًا إلى هـذا الأسلوب في مواضـع مختلفة؛ منهـا: قول الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 25]، وقـال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 17، 18]، وقـــال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 47]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30].

 

وهذا الأسلوب القرآني تحتاجه النفس البشرية في مختلف المراحل العمـرية، وفي مختلف المجالات الحياتية، فعلى المعنيين في هذه المجالات الأخذ بهذا الأسلوب القرآني، وسيجدون بإذن الله تعالى فوائده العظيمة في مضاعفة الجهد من العاملين، وعلى التربويين المتخصصين في التربية وعلم النفس التربوي تحديدًا، بذل مزيد من الجهد لاستخراج هذه الأساليب التربوية.

 

رابعًا: أهمية الصبر وعاقبته الحسنة:

جاءت الآية: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 24]مباشرة بعد الآية ( الرعد: 23 ) التي وردت فيها لفظـة الذرية، وبينهما تلازم وارتباط، فهي بيان وتوضيح، وتأكيد بأن النعيم الأخروي، وما أعده الله تعالى لعباده الصالحين، والذي ذكر في الآية (الرعد: 23) لا يتأتى إلا بالصبر والمجاهدة، ولهذا شواهد أخرى؛ منها: قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 142].

 

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في هذه الآية استفهام إنكـاري؛ أي: لا تظنوا، ولا يخطر ببالكم أن تدخلوا الجنـة مـن دون مشقـة، واحتمــال المكــاره في سبيل الله، وابتغاء مرضـاته؛ فإن الجنة أعلى المطالب، وأفضل مـا بـه يتنافـس المتنافسون، وكلمـا عظـم المطلـوب عظُمـت وسيلتـه، والعمل الموصـل إليه، فلا يوصل إلى الراحة إلا بتـرك الراحة، ولا يـدرك النعيـم إلا بترك النعيـم، ولكن مكاره الدنيا التي تُصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها، وتمرينها عليها ومعرفة ما تؤول إليـه، تنقلب عند أرباب البصائر منحًا يسرون بها، ولا يبالـون بها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ ا.هـ.

 

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الحيـاة ليست دائمًا مفروشة بالورود والرياحين، لذلك لا بد أن تواجه الإنسان بعض المصائب، وليس له سبيل في مواجهتها سوى الصبر، بعد الأخذ بالأسباب الشرعية لمواجهة ذلك، ومما يؤكـد ما نقول قول الله تعـالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4]، ويقول الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: وأصـل الكبد الشدة، ثم يصور حال الإنسان وما يعانيه من مشقة، من حين ولادته إلى حين يُأمر به إلى جنة، أو نار فيقول: وأول ما يكابد قطع سرته، ثم إذا شد رباطًا، يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابـد نبت أسنانه، وتحـرك لسانه، ثم يكـابد الفطـام، ثم يكابـد الختان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلم وصولتـه، والمؤدب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد، ثم يكابد شغل الدور، وبناء القصور، ثم الكبر والهرم، وضَعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادهـا، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمـد العين، وغم الدين، ووجع السن، وألم الأذن.

 

ثم يضيف ويقول: ويكابد محنًا في المال والنفس، ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، ولا يكابد إلا مشقة، ثم الموت بعد ذلك كلـه، ثم مسـألة الملَك، وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقر به القرار، إما في الجنة وإما في النار.

 

لذلك يجب أن يستقر في ذهن المسلم وفي وِجدانه أهميةُ الصبر وعاقبته الحسنة؛ لأنه يكاد يكون العلاج الناجع للكثير من المشاكل التي يعاني منها الناس اليوم، والتي قضت مضاجعهم، ومزَّقت ترابطهم.

 

الآية الثانية: قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ [الرعد: 38].

 

أشارت هذه الآية الكريمة إلى ثلاثة توجيهات تربوية مهمة؛ هي: النظر والتأمل وأخذ العبرة من الأمم السابقة، ووجوب اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، واليقين الكامل بتقدير الآجال والأقدار، وفيما يلي عرض لهذه التوجيهات:

 

أولًا: النظر والتأمل وأخذ العبرة من الأمم السابقة:

 

ثانيًا: وجوب اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام.

إن الرسل عليهم الصلاة والسلام جاؤوا مبلغين عن الله تعالى شرائع الدين من أوامر ونواه، وأعدَّ الله تعالى للمتبعين أوامره، المجتنبين نواهيه، الثواب الحسن في الدنيا والآخرة، وأعد للمخالفين أوامره، المتبعين نواهيه سوءَ العقاب في الدنيا والآخرة.

 

قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في ثنايا تفسير هذه الآية: إن الغاية من إرسال الرسل أن يكونوا مطاعين، ينقاد لهم المرسل إليهم في جميع ما أُمروا به، ونهوا عنه، وأن يكونوا معظمين، تعظيم المطاع من المطيع.

 

وعلى الإنسان المسلم أن يُسلِّمَ بما جاء من عند الله تعالى من أمر ونهي، ويسعى لتطبيق ذلك بكل جد، وعناية، واهتمام، وإخلاص ابتغاء مرضاة الله تعالى، واجتناب سخطه، وإن حدث منه تقصير من غير قصد، فارتكب معصية بدون إصرار، فإن الله غفور رحيم، يحب ويفرح بتوبة التائبين المعترفين بذنوبهم.

 

ثالثًا: اليقين الكامل بتقدير الآجال والأقدار:

إن الله سبحانه وتعالى قَدَّرَ المقادير، وَكَتَبَ الآجال لكل واحد من مخلوقاته، فهو العليم القدير، المحيط بكل شيء، لا يسأل عما يفعـل وهم يسألون، والناس آجالهم محدودة، ومقاديرهم مقدرة، ولكن كل ميسر لما خُلق له، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عَـنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قـَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا، وَفِـي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِه، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّار، ِ قَالُـوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: 5 - 10] "[2].

 

ويحضرني في ختام هذا التوجيه موقفٌ دار بين الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما، عندما خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام، وأُخْبِر بأن الطاعون بأرضها، ثم رجع عمر ولم يواصل مسيره إلى الشام، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: " أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟! نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ: إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَـدَرِ اللَّـهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَـةَ رَعَيْتَهَـا بِقَدَرِ اللَّهِ...الحـديث "[3].

 

وما على الإنسان المسلم والحالة هذه إلا التسليم الكامل بأقدار الله تعالى، وآجاله المكتوبة على بني آدم من خير، ورزق، وسعادة، وشقاء، وصحة، وعافية، ولكن بعد أن يعمل ويجتهد ويسعى ويصبر ويحتسب، فما يأتي بعد ذلك هو قدر الله تعالى وأجله الذي كُتب له.



[1] (صحيح مسلم، حديث رقم: 7113، كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى).

[2] (صحيح مسلم، حديث رقم: 6731، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وعمله وشقاوته وسعادته).

[3] ( صحيح البخاري، حديث رقم: 5729، كتاب: الطب، باب: ما يذكر في الطاعون ).



 

المشاهدات 476 | التعليقات 0