الجيل السويّ /حادثة الزلفي { موافقة للتعميم }

خالد التميمي
1440/08/21 - 2019/04/26 00:09AM

منسقة من أكثر من خطبة والشكر لمن سبق

وُلِدَ كريمًا، وعاشَ ثريًا، رغباتُه أوامر، طلباتهُ ملباة، وحياتُه مخمليةٌ كمَا يُقَال، لمْ يسمعْ منْ أبويه (لا) قط.

كبرَ الفتى، وكبرتْ أمانيه، جرَّبَ كلَّ مَا يريد، وعملَ مَا يتمنى، وذهبَ لكلِّ الدنيا، ولكنَّه فاقدٌ للكنز، وفاقدُ الشيء، لا يعطيه!

يلهثُ يمنةً ويسرة، لعلَّه يبحثُ عنْ هذَا الكنز، ولكنْ لَا جدوى.

انسدتِ الدنيا في وجهِه، وضاقتْ عليه حياتُه الثريةُ بكلِّ تفاصيلِها.

كيفَ أكونُ سعيدًا يا تُرى؟! مَا هذَا الهمُ الذي أعيشُه؟! مَا هذَا الغمُّ الذي يبددُ أحلامي كلَّها؟! 

أخذتْه يوما ما نعسةُ نوم، وإذَا بصوتٍ خاشعٍ جميل، يتسللُ من نوافذِ غرفتِه، بترتيلٍ رخيمٍ {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ }.

اللهُ أكبر! كمْ لآي القرآنِ منْ سطوةٍ على النفسِ السويّة وتأثير… توضَأ وتوجّه لربّه، والخشية تغمرُ قلبَه،  والسعادة تملأ صدره … كبّر وكبّرت معه كلُّ جزيئات روحه… وكأنَّه خارجٌ منْ سردابِ الشقاءِ إلى واحةِ الهناء، تمتمَ بخفاءٍ ودموع: “اللهم اجعلني في كنفك… ولا تحرمني طاعتك“.

أيها الأحبة: هذَا المشهد، يصورُ بعضَ الواقع؛ لأجيالٍ ولدُوا على الفطرة، وتربُوا على الحياةِ الكريمة، ولكنَّهم معَ الإصرارِ والنسيان، عشَوا عنْ ذكرِ الرحمن، وأعرضُوا عن روحِ القرآن، فضاقتْ عليهمُ الدنيا، وهمْ بينَ أركانِ السعادةِ وواحاتِها.

إن حديثًا معَ الأجيالِ الصاعدة، مِنَ الأهميةِ بمكانٍ أن يكونَ صريحًا؛ لأنهمْ أجيالُ المستقبل، وحواضرُ الغد، وإن رسالتُنا لهمْ رسالةٌ مِنَ القلبِ إلى القلب، وحديثُ الروحِ للروح عن أهمِّ تحدياتِ أجيالِنا، وأعظمِ اختباراتِه، ألَا وهوَ (الثباتُ على الإيمان، وسلوك دروبِ السعادةِ الحَقّة).

الثباتُ على الإيمانِ أيها الكرام، تحدي الجيلِ القادم… وإزاءَ هذا التحدي الكبير، والطوفانِ الجارف، يتحتمُ على الجيلِ أنْ يتحصنَ بالعلمِ والإيمان، والتقوى والإحسان.

وإنَّ مِنْ أهمِّ روافدِ العلم: العيشُ معَ القرآنِ الكريم، فقدْ وعظنَا رسولُنا ﷺموعظةً بليغةً فقال: (أَمَّا بَعْد، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَر، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيب، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ الله، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّور، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ الله، وَرَغَّبَ فِيهِ) رواه مسلم.

ومما يُبِيْـنُ هذا التحدي: أن الشبهات تتقاذفُ عقولَ الشباب كالـموجِ المتلاطم، والشغب الفكريّ يُروَّجُ على أنه تنوير، فكانَ لابدَّ للمؤسساتِ التربويةِ مِنَ العنايةِ ببناءِ عقولِ الأجيال، فكمَا كانَ التفكيرُ السليمُ المجردُ من الهوى، مطلبًا قرآنيًا {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، فهو كذلك سبيلٌ من سبلِ ترسيخِ اليقين، ومن هُنا كانت عنايةُ الإسلامِ بالتفكيرِ مشهورة، وإشادتُه بالنقدِ المتوازنِ مستفيضةٌ؛ ولهذا فعقلُ المسلمِ يَخضعُ للحقِ عندَ وضوحِه، ولا يرضخُ للأساطيرِ والخُرافات، ولا ينطلي عليه زخرفَ القول.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ في الله: ومما يُعظمُ التحدي لدى الشباب: ضبابيةُ الرؤيةِ تجاهَ القدوات، وسؤالُ القدوةِ لَا ينكرُ طرحُه؛ ولهذَا تولَّى اللهُ في كتابِه الجواب { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }..

القدوةُ في كلّ الأزمان لا تعني الكمال حاشا نبينا ﷺ فيما أُوحيَ إليه، فالعصمةُ لَا تكونُ لسوى الأنبياء…

فالوصيةُ للجميع: المبادئُ حاكمةٌ على الأشخاص وبلغةِ السلفِ (الحقُ لا يعرفُ بالرجال…وإنّما يعرف الرجال بالحق).

تصحيحُ مبدأ القدوةِ عندَ الشباب أمرٌ بالغُ الأهمية؛ فالرمزُ الفاسدُ كالطبيبِ الفاسدِ… بلْ أشد.. فذاكَ يفسدُ دينَ الناس، وهذَا دنيَاهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ }.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ في الله: وإذا كان التفكّرُ مطلوبٌ منا ومتعبّدين به وإذا تيقّنا تماما بأن محمدٌﷺ قدوةٌ عليا لَـزِمَـنَـا أن نتأمل بعض أحاديثه الخاصة جدا …

من عَظِيمِ ما رُويَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا. وفي رواية: فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا». رواه الترمذي وابن ماجة والبخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وابن حبان عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وقال الألباني حسن لغيره.

إنَّها كلماتٌ يسيرات، حوتْ معنى الحياةِ الحَقةِ والاستقرارِ الدائمِ، بل إنها كلماتٌ ترسمُ للمرءِ صورةَ الحياةِ بكلِ تفاصيلِها.. حُلوِها ومرِها.. وسهلِها وصعبِها، على أَنَّها لا تتجاوزُ هذه المعايير الثلاثة، والتي لا يمكن لأيِّ كائنٍ بشريٍ عاقلٍ أن يتصوَّرَ الحياةَ الدنيوية الهانئةَ بدونِ توافرِها، وماذا في الدنيا أكثرَ من هذا.؟ عافيةُ بدن.. وقوت يشبعه.. ومأوى آمن له.. ولو بحث الإنسان عن شيء وراء ذلك لم يجدْ بعد ذلك شيئاً، فالدنيا كلَها بين يديه بمتعِها.

إنها عبارات سهلة على كل لسان، غير أن وصف النبي ﷺ لها بكونها تعادل حيازة الدنيا بحذافيرها يجعل كل واحدٍ منا يتأمّلُ ويدققُ النظرَ في أبعادِ هذه المعاني، وتنْزيلِها على واقعِ حياتنا جميعاً، ومدى تأثيرها فينا وجوداً وعدما، إيجاباً وسلباً.

أمنُ المرءِ في سِرْبِهِ أيها الأحبة: مطلبُ الأفرادِ والمجتمعات على حدٍّ سواء، وهو الهدفُ المرتقبُ لكلِ المجتمعات بلا استثناء على اختلافِ مشارِبِـها، وإلا فما قيمة لقمةٍ يأكلُها المرءُ وهو خائفٌ، أو شربةٍ يشربُـها الظمآنُ وهو متوجِّس قلِق، أو غفوةٍ من نومٍ يتخللُها يقظةُ وسْنَانٍ هَلِع، أو تعليمٍ وسطَ أجواءٍ محفوفةٍ بالمخاطر.؟!

أيُّ حياةٍ تلك التي مُلئت بالخوف من نهبِ الناهبين.. وجشعِ الطامعين.. يتوجسُ في الصباح الدوائرَ… ويبيتُ الليلَ مشغولَ الخاطر.. إذا أصبح حمل هم المساء.. وإذا أمسى حمل هم الصباح.. خائف يترقب الدوائر.. ويخشى القوارع..

لذلك أوقعت شريعتنا الغراء عقوباتِ صارمة، وحدودِ رادعةِ لكل مُخلٍ بالأمن كائناً من كان…

أيها الشباب: إن إصباح المرءِ المسلم آمنا في سربه لهو من أوائل بشائر يومه وغده، وما صحّة البدن وقُوت اليوم إلا مرحلة تالية لأمنه في نفسه ومجتمعه، إذ كيف يصحّ بدنُ الخائف.؟! وكيف يكتسبُ من لا يأمنُ على نفسه وبيته.؟!

ولأجل هذا كان لزاماً علينا أن نقدر حقيقة الأمن الذي نعيشه، وأن نستحضره نصب أعيننا بين الحين والآخر، حتى لا نكون مع كثرة الإمساس له فاقدي الإحساس به، ولاسيما حينما نطالع يمنةً ويسرة لنرى بعض الدول الملتهبة بالصراع.. والتي يطحن بعضها بعضاً من داخلها، أو بما هو أدهى وأمر من خلال سطوة البغاة عليها واجتياح العدوان المسلّح لها، استباحةً لأرضها، وقطعاً لحرماتها.

أيها الأحبة: في نظري أن للأمن مصدران أساسيان:

 الأول: القوة القضائية والسلطة التنفيذية، ولن تتمكن أي دولة مهما أوتيت من الإمكانات البشرية والمادية والتقنية أن تحفظ الأمن على التمام بهذا المصدر وحده، إذا لم يصاحب هذه السلطة المصدر الثاني: وهو الوعي الشعبي بأهمية الأمن بصورته الكاملة.. والانتماء إلى الأمة والوطن.. وطاعة أولي الأمر في المعروف.. وتلقي الفتوى عن أهل العلم الرصين بعيدا عن أهل الفلاشات ومشايخ الفضائيات.. واعتبار ذلك من الدين.. واستجابة لرب العالمين القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وأن أي خرق لهذا الأمن، وأي انتماء لجهة مشبوهة تسعى للنيل منه يعد خروجاً على وليّ أمرها.

أيُّهَا الشَّبَابُ الكِرَام: تسلّحوا بالعلمُ وانشروا الوعي، ولا تنخدَعُوا ببريقِ الشهرةِ الزائفة، كونوا رُوّاد خير وطلائع إصلاح ، كونوا بحق فخرَاً لأمتِنا، وصانعين لأمجادِها.

أيُّهَا الرُّواد: لا ترهقكم المثالياتُ ولا الشكليات، ولا يضرُكم منْ ضلَّ إذَا اهتديتُم، وإياكُم ثمّ إياكُم منْ احتقارِ أنفسِكم وعدمِ الثقةِ بهَا، وافرحُوا، وأملُوا، واستبشرُوا، واعلمُوا أنَّ الدينَ يسر وجمال، وإحسانٌ وكمال، فانشرُوا الأمل، وافرحُوا بدينِكم، واعتزُوا بهويتِكم، وأكثروا من الصالحاتِ تُفلحوا.

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}.

الخطبة الثانية:

عبادَ الله: وإنَّ مِنَ الخطورةِ بمكان، تركُ الجيلِ يستقبلُ موجاتِ الغلوِ والتكفير، ويدركُ الوليُّ أو المربي ذلك أو يرى بوادرَه… ويتساهلُ في علاجِها والقضاءِ عليها، فتكبرُ شيئًا فشيئًا مع الليالي والأيام، فتصبحُ وبالًا عليه وعلى المجتمع، ومَا حادثةُ الزلفي الإجرامية عنا ببعيد.

حادثةٌ إجرميّة بيّنة… بيّنةٌ في باعثها وغايتها وتنفيذها وأثرها..

باعثُها ضلالُ الفكرِ وفسادُ المنهجِ والفهمِ الخاطئ للدين..

غايتها زعزعة الأمن وبث الفوضى والخروج على ولي الأمر.

تنفيذها قتلٌ عمد لأنفس معصومة لرجال كانوا يحرسون أمن هذا البلد ويقومون عليه، وقد أخبرنا ربّنا  فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) وتوعد عليه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ «لَنْ يَزَالَ الـمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»  وَقَالَ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ» رواه البخاري

أما أثر هذا الجرم فكبير في حاضرنا ومستقبلنا وحياتنا لما ينطوي عليه من استهانة بالولاية وبث للخوف والذعر ونشرٍ للفوضى وتمزيق للأمن، وقبل هذا وبعده.. سرور العدو البيّن أو الخفيّ بهذه الفوضى العارمة .

إنَّ الغلوَّ والتطرفَ لا يمكنُ القضاءَ عليه بعدَ توفيقِ اللهِ إلا مِنْ خلالِ التوازنِ والوسطيةِ في النظرِ إلى الحياةِ ونوازلها، وردِّ الإشكالاتِ إلى أهلِ العلمِ والنُّهى الذينَ يَنْفُونَ عن الدينِ تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين.

ومِنْ خلالِ تطبيقِ شرعِ اللهِ فيمنْ حادَ عنِ الطريقِ السَّوي، وروَّعَ الآمنين وقتلَ الأنفسَ المعصومة… تلكم الفئة الباغية التي سَوْطُ السُّلطَانِ عندها أعظم من زَوَاجِرِ القُرآنِ .

ومن هذا المنطلق كان تنفيذ حكم القتل في السبعٍ والثلاثين رجلاً قصاصا أو تعزيرا أو حدّا لتبنيهم الفكر الإرهابي المتطرف، بُغيةَ الإفساد والإخلال بالأمن، فأشاعوا الفوضى وأثاروا الفتنة، وأضروا بالأمن، وهاجموا المقار الأمنية بالقنابل، وقتلوا عددا من رجال الأمن غيلة، وخانوا الأمة بالتعاون مع جهات معادية وسعوا للإضرار بالمصالح العليا للبلاد… نُفّذَ ذلك وِفقَ أمره ﷺ «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ» رواه مسلم

أيها الإخوة : للهِ درُّ وهب بن منبه حينَ خبرَ الأمرَ فقال: (لو مُكنَ للخوارج؛ لفسدتِ الأرضُ وقُطعتِ السبل، ولعادَ أمرُ الإسلام: جاهلية).

إن مجتمعًا كمجتمعِنا عانى مِنْ موجاتِ التفجيرِ والتكفير، وأصبحَ بعضُ أجياله، ضحيةً لفكرٍ مُتطرفٍ خارجي، يريدُ أن يُعيدَ الأمر إلى جاهليةٍ سحيقةٍ في سلبِ الحقوقِ وسفكِ الدماءِ، وقطعِ الطريق… لهو مطالبٌ وبشدّة لينتبِه للأجيالِ من خطورةِ هذا الفكرِ الإجرامي، ولنحرصْ أشدَّ الحرصِ على توعيتِهم بخطورتِه وخطورةِ مآلاتِه على الفردِ والمجتمع، ولنذكرهمْ بنعمةِ الأمنِ العظيمةِ التي نعيشُها في هذه البلادِ المباركة، حرسَها اللهُ وباركَ في أمنِها ورجالِــها وخيراتِها.

وهذا الحديثُ للأجيالِ الصاعدة، لن يؤتِي أكلُه، ولن تصلَ رسائلُنا إلى مسامعِهم مَا لمْ تُتوجْ بالحضِّ على حسنِ انتقاءِ الصديق؛ فالصحبةُ الصالحةُ هيَ المعينُ على الثباتِ، وهيَ العونُ على سلوك الطريق الصحيح ، وهيَ الدرعُ للأجيالِ منْ معاركِ الشكوك وزعزعةِ الإيمانِ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.

الأصدقاء والأصحاب إمَّا صاحبُ خيرٍ وهدى، أو صاحبُ سَفَهٍ وغفلة… والصَّدِيقُ إِذَا كَانَ صَالِحًا نَفَع، والْحَمِيمُ إِذَا كَانَ صَالِحًا شَفَع، كمَا قالَ قتادةُ رحمَه اللهُ تعالى.

يا مستقبلَ أمتِنا: المجدُ الحقيقيُّ هوَ الوجاهةُ عندَ الله، وهذا لا ينالُ بالأنسابِ ولا بالأحساب؛ وإنَّما ينالُ بالعلمِ والعبادة والتقوى ، وإذا صَـلُحَ الشابّ انتشرَ عطرُ صلاحِه في المجتمع، فكان مُصلحًا بأخلاقِه مُصلحًا بتعامله… وإن المؤمن ليبلغُ بحسنِ خلقِه درجةَ الصائمِ القائمِ.

وبعدُ عبادَ الله: فإنَّ العلمَ والعبادةَ والدعوةَ على منهجٍ وسطي لا غلوَّ فيه ولا تشدد؛ هو أضلاعُ مثلثِ الفلاح، وهو وطنُ السعادةِ الحقيقة، الكنزُ الذي يَصْـلُحُ ويُصْلِح الجيلُ الصاعد، في كُلَّ الأزمان إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومنْ عليها.

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ  إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ*وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.

اللهَم كُفَّ بَأْسَ الْخَوَارِجِ وَأَعْوَانِهِمْ، وَاكْفِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ، 

اللهَم وَأَلْقِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَاحْفَظَ شَبَابَنَا مِنْ أَفْكَارِهِمْ .

اللهَم رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن، وَاجْعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا.

اللهم احْفَظْ عَلَى بِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَها وَاسْتِقْرَارَهَا، وَاحْفَظْهَا مِنْ شَرِّ الأَشْرَار، وَكَيْدِ الفُجَّار، وَشَرِّ طَوَارِقِ اللَّيلِ وَالنَّهَار.

المرفقات

جيلٍ-سويّ⁩

جيلٍ-سويّ⁩

جيلٍ-سويّ⁩-2

جيلٍ-سويّ⁩-2

المشاهدات 782 | التعليقات 0