حَادِثَةُ الزِّلْفِي وَقِصَاصُ الخَوَارِجِ [موافق للتعميم] 21 شَعْبَانَ 1440 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1440/08/19 - 2019/04/24 21:35PM

حَادِثَةُ الزِّلْفِي وَقِصَاصُ الخَوَارِجِ 21 شَعْبَانَ 1440 هـ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ, الْحَمْدُ للهِ الذِي يَرْفَعُ بِهَذَا الدِّينِ أَقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخَرِين، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وليُّ الصَّالِحِين ، قَضَى بِسُنَّتِهِ أَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلَّمُتَّقِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ إِلَى الْعَالَمِين، لَمْ يَكُنْ فَظًّا وَلا غَلِيظَ الْقَلْبِ بَلْ كَانَ رَؤُوفاً رَحِيمَاً بِالْمُؤْمِنِين، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ جَاهَدَ وَصَابَرَ وَرَابَطَ وَعَاقَبَ الْخَائِنِين، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَالثِّقَةِ بِهِ جَلَّ وَعَلا، وَبِصِدْقِ وَعْدِهِ، فَإنَّهُ سُبْحَانَهُ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِ، وَتَوَعَّدَ الْمُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ بِعَذَابِ السَّعِير.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ [في َحَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنَى], فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟) قَالُوا : يَوْمٌ حَرَامٌ ! قَالَ (فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟) قَالُوا : بَلَدٌ حَرَامٌ ! قَالَ (فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟) قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ ! قَالَ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ, كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) فَأَعَادَهَا مِرَارًا, ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ, فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ), فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُبَيِّنُ عَظِيمَ حُرْمَةِ الْمُؤْمِنِ, فَلا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَرَّضَ لَهُ بِسُوءٍ إِلَّا بِحَقَّهِ, وَذَلِكَ أَنَّ الإسْلامَ يَعْصِمُ الْمُسْلِمَ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ, لِكَرَامَتِهِ عَلَى اللهِ!

وَاسْتَمِعُوا إِلَى هَذِه الْقِصَّةِ التِي تُبَيِّنُ هَذَا الأَمْرَ جَلِيًّا: فَعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ, وَإِنَّهُمْ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ, وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ – قَالَ: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ! فَقَتَلَهُ! فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ, حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ! فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ (لِمَ قَتَلْتَهُ ؟) قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ, وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا, وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَقَتَلْتَهُ ؟ ) قَالَ: نَعَمْ! قَالَ (فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي! قَالَ (وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ ) قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ (كَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الْحَادِثَةَ فِي رَجُلٍ كَانَ مُشْرِكاً, بَلْ قَدْ أَسْرَفَ وَكَثُرَ أَذَاهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ عَدَداً مِنْهُمْ, لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ, ارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ, وَعَصَمَ نَفْسَهُ وَدَمَه! فَكَيْفَ يَتَجَرَّأُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى انْتِهَاكِ الأرْوَاحِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِين؟ فهَلْ هَذَا إِلَّا مِنَ الْجَهْلِ الْمُطْبَقِ وَمِنَ الْعَمَى فِي وَضحِ النَّهَارِ!

إِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ, وَمُوبِقَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ, وَمُهْلِكَةٌ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا), وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ (الشِّرْكُ بِاللَّهِ, وَالسِّحْرُ , وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ, وَأَكْلُ الرِّبَا, وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ, وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ, وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

إِنَّ مَنْ تَجَرَّأَ عَلَى إِزْهَاقِ رُوحِ الْمُؤْمِنِ أَوْ إِيذَائِهِ فَقَدْ أَعْلَنَ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّمَارِ, وَهَيَّأَهَا لِعِقَابِ اللهِ الدُّنْيَوِيِّ وَالأُخْرَوِيِّ, فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَيُّ ذَنْبٍ وَقَعَ مِنْهُ كَانَ لَهُ فِي الدِّينِ وَالشَّرْعِ مَخْرَجٌ إِلَّا الْقَتْلَ, فَإِنَّ أَمْرَهُ صَعْبٌ!

وَيُوضِحُ هَذَا مَا فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ, حَيْثُ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمُورِ الَّتِى لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا: سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ. [وَالوَرْطَةُ هِيَ كُلُّ بَلاءٍ لا يَكَادُ صَاحِبُهُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ!]

فَأَيْنَ أُولَئِكَ الذِينَ يَتَجَرَّؤُونَ عَلَى حَمْلِ السِّلاحِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَتَرْوِيعِ الآمِنِينَ, وَقَتْلِ الْمُؤْمِنِينَ؟ أَيْنَ هَؤُلاءِ مِنَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, حِينَمَا يَأْتِي الْمَقْتُولُ بِرَأْسِهِ بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُطَالِبُ بِدَمِه؟

عَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (يَجِيءُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ يَقُولُ: رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي؟ ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الذِي يُرِيدُ النَّجَاةَ, اتَّقِ اللَّهَ, وَاحْذَرِ الدِّمَاءَ, وَاحْذَرْ مِنْ إِغْرَاءِ السُّفَهَاءِ لَكَ بِأَنَّ هَذِهُ رُجُولَةٌ أَوْ شَجَاعَةٌ, وَكُنْ فِي سَلامَةٍ وَاسْأَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ, وَتَجَنَّبِ الفِتَنَ وَمَوَاطِنَهَا ! عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ وَوَقَانَا شَرَّ أَنْفُسِنَا وَالشَّيْطَانِ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ, وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ, وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ !

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنَا قَدْ فُوجِئْنَا مُؤَخَّراً بِعَمَلٍ إِجْرَامِيٍّ جَدِيدٍ لِلْفِئَةِ الضَّالَّةِ, حَيْثُ اسْتَهْدَفُوا رِجَالَ الْأَمْنِ فِي مَدِينَةِ الزُّلْفِي حَرَسَهَا اللهُ, وَحَاوَلُوا اقْتِحَامَ الْمَقَرِّ الْأَمْنِيِّ وَكَانُوا عَلَى نِيَّةِ احْتِلَالِهِ وَالسَّيْطَرَةِ عَلَيْهِ وَالْعَبَثِ بِأَرْوَاحِ رِجَالِ الْأَمْنِ, وَلَكِنَّ اللهَ رَدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةَ.

وَهَذَا لَيْسَ بِغَرِيبٍ عَلَى الْفِئَةِ الضَّالَّةِ فَقَدْ عَانَيْنَا مِنْهُمْ فِي بِلَادِنَا عَلَى مَدَى الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ الْمَاضِيَةِ, وَلَكِنَّ الْعَجِيبَ هَذِهِ الْمَرَّةِ أَنَّ ثَلاثَةً مِنْهُمْ كَانُوا صِغَارًا فِي مَرْحَلَةِ الْجَامِعَةِ بَلْ رُبَّمَا الْمَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ, وَهَؤُلاءِ وَقَعُوا فَرِيسَةَ أَعْدَاءِ دِينِنَا وَالْحَاقِدِينَ عَلَى بِلادِنَا, وَكَانُوا صَيْدًا سَهْلًا لِتَغْيِيرِ أَفْكَارِهِمْ وَزَرْعِ الْحِقْدِ فِيهِمْ عَلَى بِلَادِ التَّوْحِيدِ, وَهَذَا يُوجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا التَّنَبُّهَ وَالْحِرْصَ عَلَى أَوْلادِنَا لِئَلَّا يَقَعُوا فَرِيسَةً لِهَذِهِ الْفِئَةِ الضَّالَّةِ, حَيْثُ يَأْتُونَهُمْ عَلَى غَفْلَةٍ مِنَ الآبَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ يَزْرَعُونَ الْحِقْدَ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى دَوْلَتِنَا وَعَلَى الْمُجْتَمَعِ ثُمَّ يُجَنِّدُونَهُمْ لِلْفَتْكِ بِنَا, وَهُمْ أَوْلادُنَا وَفَلَذَاتُ أَكْبَادِنَا, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الخَوَارِجِ (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِم, وَتَأَمَّلُوا كَيْفَ يَنْطَبِقُ هَذَانَ الْحَدِيثَانِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُمْ فِي مَدِينَةِ الزُّلْفِي, فَقَدْ قَصَدُوا أُنَاسًا مُسْلِمِينَ, وَكَانُوا هُمْ صِغَارًا حُدَثَاءَ أَسْنَانٍ وَسُفَهَاءَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: احْفَظُوا أَوْلَادَكُمْ مِنَ التَّسَلُّلِ إِلَى الخَوَارِجِ, فَإِنَّهُمْ خَطَرٌ عَلَيْهِمْ حَتَى وَإِنْ كُانُوا بَيْنَ أَيْدِكُمْ, فَهُمْ يَصِلُ أَثَرُهُمْ إِلَى الصِّغَارِ بِطَرِيقٍ أَوْ بِآخَر, وَقَدْ كَانَ هَذَا مَعْرُوفاً مُنْذُ القِدَمِ, وِاسْتَمِعُوا مَا يَقُولُ ابْنُ كَثيرٍ رَحَمَهُ اللهُ عَنْ أَثَرِ الخَوَارِجِ عَلَى أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ الأَوَائِلِ, حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ خَرَجُوا يَتَسَلَّلُونَ وُحْدَاناً, لِئلَّا يَعْلَمَ أَحَدٌ بِهِمْ فَيَمْنَعُوهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ, فَخَرَجُوا مِنْ بَيْنِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ, وَفَارَقُوا سَائِرَ الْقَرَاباتِ, يَعْتَقِدُون بِجِهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَعَقْلِهمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ يُرْضِي رَبَّ الْأَرضِ وَالسَّمَاَوَاتِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ أَكْبْرِ الْكبَائِرِ وَالذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ، وَالْعَظَائِمِ وَالْخَطِيئَاتِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يُزَيِّنُهُ لَهُمْ إِبْلِيسُ وَأَنْفُسُهُمُ الَّتِي هِيَ بِالسُّوءِ أَمَّارَاتٌ.

وَقَدْ تَدَارَكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بَعْضَ أَوْلَادِهَمْ وَقَرَابَاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ فَرَدُّوهُمْ وَوَبَّخُوهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى الاِسْتِقَامَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَحِقَ بِاْلخَوَارِجِ فَخَسِرَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ا.هـ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّهُ كَمَا أَقْلَقَنَا خَبَرُ الاعْتِدَاءِ عَلَى الْمَقَرِّ الأَمْنِي فِي مُحَافَظِةِ الزِلْفِيِّ, فَإِنَّهُ قَدْ أَفْرَحَنَا وَأَقَرَّ أَعْيُنَنَا مَا مَنَّ اللهُ بِهِ مِنْ نِعْمَةِ تَنْفِيْذِ حُكْمِهِ جَلَّ وَعَلَا فِي الْفِئَةِ الضَّالَّةِ الْمَارِقَةِ، حيث قَامَتْ وَزَارَةُ الدَّاخِلِيَّةِ - مَشْكُورَةً - فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْمُوَافِق 18/8/1440هـ بِتَنْفِيذِ حُكْمِ الْقَتْلِ تَعْزِيرًا وَإِقَامَةِ حَدِّ الحَرَابَةِ فِي (37) جَانِيًا، فِي عدد من مناطق المملكة لِتَبَنِّيْهِمُ الْفِكَرَ الإِرْهَابِيَّ الْمُتَطَرِّفَ، وَتَشْكِيلِ خَلَايَا إِرْهَابِيَّةٍ لِلْإِفْسَادِ وَالإِخْلَالِ بِالْأَمْنِ وَإِشَاعَةِ الْفَوْضَى.

فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ دَوْلَتَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَأَنْ يُسَدِّدَ وَلَاةَ أَمْرِنَا لِعَمَلِ كُلِّ خَيْرٍ ,كَمَا نَسْأَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرُدَّ كَيْدَ أَعَدَاءِ الدِّينِ فِي نُحُورِهِمْ, وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنْ شُرُورِهِمْ, وَأَنْ يَكْفِيَ الْمُسْلِمينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ شَرَّ هَذِهِ الْفِئَةِ الْمُعْتَدِيَةِ وَأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى رُشْدَهُمْ, وَأَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ, وَاللهُ الْمُوَفِّق.

المرفقات

الزِّلْفِي-وَقِصَاصُ-الخَوَارِجِ-21-شَ

الزِّلْفِي-وَقِصَاصُ-الخَوَارِجِ-21-شَ

المشاهدات 4884 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا